بأم العين.. تبعثر كل شيء في لحظات

بقلم البروفسور غسان سكاف رئيس قسم جراحة الأعصاب في الجامعة الأميركية

في لحظات معدودة، يوم الرابع من أب 2020 الأسود هز أنفجار هائل مرفأ بيروت، شاءت الصدف أن أكون في منزلي في الطبقة الخامسة عشرة من المبنى المواجه لقلب بيروت مرفئه فشاهدت الكارثة كاملة بأم العين، تطايرت الواجهات وتصدعت الجدران وأصبح أثاث المنزل أطلالا”، أوراق مبعثرة كتب متطايرة وصور أحبة على الأرض وسط سجادة مترامية من ركام الزجاج المتناثر، غبار وهواء مخيف يأتي من نوافذ وأبواب بلا زجاج خلته سيسقطني من الطبقة الخامسة عشرة، حاولت النهوض مرات عدة، ولما نجحت بالوقوف ونفضت عني الغبار والزجاج وأصبحت الرؤية واضحة، أيقنت أن جروحي طفيفة وأن العناية الإلهية حفظتني مع عائلتي، وفي لحظات معدودة أيضا” أدركت كيف يسرق الإهمال والفساد أرواح الأبرياء وكيف دمرت أخفاقات الدولة جنى العمر، عشرون عاما” من الكد والتعب والتضحية والذكريات تبخرت، فكيف لي أن أنسى،
في لحظات معدودة أصبحت ست الدنيا ولؤلؤة المتوسط بيروت ضحية قنابل الفساد في مرفئها، وتحولت إلى هيروشيما بيروت، وهنا يسقط التأويل اللفظي أمام هول أسوأ كارثة عرفتها بيروت منذ زلزالها الأخير قبل قرون.
إن فاجعة الرابع من أب والتي حصدت أكثر من 200ضحية وجرحى تخطى عددهم ال6000 فاضت بهم المستشفيات التي دمر الإنفجار جزءا” كبيرا” منها، أسقطت حكومة الطبقة المتواضعة في ظل وضع أستثنائي، التي أرتضت أن تتحمل مسؤولية حكم ممنوع عليها ممارسته وذلك بعد شهور عدة من فشل على كل صعيد
لا أصدق أن أنفجارا” بهذا الحجم لم يستطيع جمع اللبنانيين بعدما وصلنا إلى القعر، مما يذكرني بقول للسفير الغائب فؤاد الترك” نحن تحت وليس تحتنا تحت”
لا فرق إذا كان زلزال الموت الذي ضرب بيروت هو نتيجة أستهداف عدواني عسكري جرى التكتم عنه، أو خطأ متصل بحالة غياب الدولة وفساد المؤتمنين على وزاراتها وإداراتها، والذين تناسوا وجود كميات ضخمة من من المواد المتفجرة في ميناء العاصمة على مسافة أمتار من أحياء سكينة تراثية وتاريخية.
لا فرق فالمسؤولون أنفسهم وحتى أشعار اخر هم أهل السلطة الذين سبق لهم أن نجوا من ثورة دفعت الآف اللبنانيين إلى الشارع، ونجوا أيضا” حتى الآن من كارثة وباء كورونا التي كان من المفترض أن تكون عاملا” محفزا” لهم لإجراء الإصلاحات في النظام المالي والإقتصادي والصحي.
لقد عرف لبنان لسنوات طويلة ب مستشفى الشرق وكان أطباؤه ملائكة ﷲ في أرضه ويد الرحمة لمن ألم به الداء وعموده الفقري ونخبة النخب وكانوا سباقين في صنع شمعة لبنان وفرادته وريادته
في أشهر معدوة ومنذ 17″ تشرين الأول 2019 وحتى اليوم،
تسارعت وتيرة الإنهيار المالي والنقدي والإقتصادي، وكان الطبيب أول الساقطين من الطبقة الوسطى والميسورة تليها المؤسسات الإستشفائية فالطبيب بحاجة إلى تثقيف طبي مستمر سيكون من المستحيل المحافظة عليه في ظل أنهيار مالي.
والمستشفيات ستكون عاجزة عن تأمين الإعتمادات اللازمة لمواكبة التطورات العالمية من تجهيزات وأدوية وأبحاث، وفي ظل هذا الإنهيار فاجأتنا كورونا ونحن عراة، ولكن المشكلة ليست في سوء الطالع إنما في سوء الإدارة أما الأنفجار الكبير الذي خلف عددا”” كبيرا” من الضحايا فقد أدى أيضا” إلى تعرض خمسة مستشفيات كبرى لأضرار جسيمة وبالغة ما قلل عدد الأسرة والخدمات الطبية وسط معاناة البلاد من جائحة كورونا.
أتحفتنا الحكومة المستقيلة بعد تشكيلها بوعود تحصين اللبنانيين من الوباء وأحتوائه ولم تقترن هذه الخطة الحكومية بأي ترجمة لا في إجراءات فتح المطار وعودة الوافدين نجحت ولا وفت الحكومة الحكومة بالتزام تعزيز الواقع في المستشفيات الحكومية، ولا في توفير الأعداد اللازمة من الأسرة وأجهزة التنفس والحاجات الملحة.
ولا في إعداد خطة بديلة للمستشفيات الخاصة التي تطلق الإنذارات المتعاقية حيال إمكان أنهيار الواقع الإستشفائي بكامله تحت وطأة الأزمة المالية الخانقة ولا في إطلاق مبادرة واحدة تقنع المجتمع الدولي بجدوى مد يد العون مجددا” للبنان
ونذكر جيدا” كيف أعلن بشكل او بأخر الإنتصار على الوباء في سياق بروباغاندا في غير محلها
مما ضاعف من استهتار الناس مع أننا كنا في مرحلة دقيقة وفرصة ذهبية من الحرب على الوباء أتاحتها لنا العناية الإلهية في تأخير إصابتنا بالوباء وأخذ العبرة من دول قريبة وبعيدة

شاهد أيضاً

لماذا يغضب البكاؤون

د٠ سرى العبيدي ✍️ آستغرب منذ يوم آمس شبكات التواصل الاجتماعي عل دخول فانشيستا ال …