هناك نظام لبناني خفي، يعمل على تطبيق نظرية كيسنجر، وازالة لبنان

بقلم ناجي أمهز

لا يخفى على متابعي السياسة اللبنانية أنني أول من أطلق مقولة زوال لبنان عام 2018، إلا أن الغالبية رفضت هذه الكلمة، تحت مقولة “أكبر من يبلع واصغر من أن يقسم”، ولبنان مثل طائر الفينيق، دائما ينهض من تحت الرماد.

حتى الذين ناقشوني وناقشتهم باسباب زوال لبنان، قالوا لي على مضض يبقى لبنان الاسم في العهد القديم والجديد، وان كان دون جغرافيا محددة المساحة.

وإنكار زوال لبنان هو طبيعي، لكن ماذا فعلنا للبنان كي نستنكر زواله مبكرا، بلد عدد مواطنيه لا يتجاوز عدد سكان شارع في الصين، دارت بينهم عدد من الحروب الطاحنة بين أبناء الوطن الواحد وبين الطائفة الواحدة، إضافة إلى اجتياح العدو الإسرائيلي، وحروب بين اليمين واليسار، حتى لم تبق منطقة في لبنان لم يقتل فيها العشرات وتهجر وتدمر مرات ومرات إبان الحرب الأهلية.

بل اصبح التحدى، أنه لا يمكن إيجاد بيت لبناني واحد، لم يفجع إبان الحرب الأهلية، بسبب غالبية هذه الوجوه المتواجدة حتى يومنا هذا، مثل لعنة الفراعنة.

ولو حسبنا ما يتقاضاه الرؤساء والنواب والقطاع العام السابقين والحالين، لوجدنا أننا نحتاج إلى ضعف الشعب اللبناني، وأن تكون نسبة الضريبة 50 % على المعاش أو الدخل، ويبقى السؤال من أين يدفعون كل هذه الرواتب، في وطن غالبية أبنائه لا يجدون قوت يومهم.

لكن بعد فقدان الودائع وتبخر التعويضات وتراكم ديون بعشرات مليارات الدولارات، دون حصول الشعب على ادنى مقومات البنى التحتية، فهم الشعب ان كل هذه الفخفخة والمعاشات الفلكية التي كان يتقاضها هؤلاء وما يصرف من ميزانيات كانت من تعب الشعب.

وبما ان الانتاج والضرائب التي يدفعها الشعب، لا تكفي مصاريف النفقات والهدر، وصلنا إلى نسبة الدين ما يفوق 200 في المائة من الناتج المحلي. مما يعني حتمية أن يصنف لبنان دولة فاشلة، وهذا الأمر حصل مع الصومال وسيرلانكا وفنزويلا.

ورغم ما تسوقه غالبية الطبقة السياسية انه يمكننا التعايش مع الاوضاع كما تتعايش فنزويلا، الا أن الفارق كبير بين البلدين، لبنان يفتقد إلى أقل مقومات الدولة وهو عاجز عن تأمين الأساسيات ومنها الدواء والكهرباء والمحروقات وان تواجدت فإن أسعارها لا تطاق، بينما في فنزويلا فالأمر مختلف اقله فنزويلا تؤمن الكثير من أساسيات الحياة كالطبابة والتعليم والدواء والكهرباء والمحروقات بأقل كلفة عالمية إضافة إلى دعم السلع الأساسية.

ناهيكم ان التجربة اللبنانية مؤلمة للغاية، وخاصة انه عندما يتذكر احدنا ماسي الحرب الاهلية المرعبة من خطف وقتل وخوات على الحواجز، وقنص وقصف وتهجير ورسم خطوط التماس، وينظر حوله يجد ان غالبية هذه الفئة التي تسببت بماسي الشعب هي التي تتنعم بكل خيرات الوطن بينما الشعب الذي كان يموت بالامس، جرا القصف او يخطف اثناء ذهابه لشراء ربطة خبز لاطعام اولاده، مازال يعاني حتى هذه اللحظة.

واضيف الى جعبة المواطن، ماسي البنوك التي تأرجح بالمودعين منذ سنوات، حيث وصل الأمر بالكثير من المودعين المحتاجين لاستبدال ودائعهم بشيكات بنكية مقابل كاش اقل بكثير من إجمالي الوديعة، بل أن البنوك تحدثك عن الاقتطاع من وديعتك وأنها ستعيدها إليك بالقطارة ودون أن تدفع لك فوائد التأخير بالدفع، بالمقابل إذا لها دولار على أي مواطن فهي تريده كاملا بل تضيف عليه الفوائد وفوائد الفوائد.

وبما انه يوجد صعوبة في اقامة دعاوى على البنوك بسبب سلطتهم وحماية شركائهم السياسيين لهم، بالمقابل يحق للبنوك الادعاء وأن تصادر إي عقار وتبيعه بالمزاد العلني ولو كان دينها لا يعادل عشرة بالمائة من قيمة العقار.

ومع ذلك لم يتحرك او ينتفض الشعب، ولم نسمع ان المجلس النيابي تقدم بمشروع أنه لا يحق للبنوك أن تراكم الفوائد ويجب عليها فقط استرجاع أصل المبلغ، وخاصة أن الدولة والقطاع المالي هما السبب الأساسي والرئيسي وبسبب سوء ادارتهما الازمة، ان لبنان انهار اقتصاديا واجتماعيا، مما جعل المواطن عاجزا عن التسديد.

بالمقابل فإن الرئيس بشار الأسد إبان الأزمة السورية أول من قام باستدعائهم هم أصحاب البنوك وقال لهم حقوقكم ستعود لكم، لكن لا يسمح لكم بمضاعفة أرباحكم أو أن تراكموا فوائدكم على الشعب، واي استغلال لازمة الشعب السوري سيتهم صاحبها بالخيانة العظمى.

يعني في سوريا، يوجد بنية الدولة،

وما وصلنا إليه من انهيار على كافة المستويات، يؤكد أن غالبية الطبقة السياسية متورطة بتدمير لبنان اقتصاديا، كما دمرت وسط بيروت إبان الحرب الأهلية، الذين حصلوا عليه بالمجان وباعوه بمليارات الدولارات، لذلك قد نسمع غدا عن بيع مؤسسات الدولة بأسعار زهيدة لشركات أصحابها هم الطبقة السياسية نفسها التي دمرت اقتصاد لبنان.

كما ان رفع الدعم عن الدواء والمحروقات، حتى بات الشعب اما يموت نتيجة البرد بسبب ارتفاع اسعار المحروقات، او يموت بسبب فقدان الدواء للامراض المستعصية، هو مؤشر كبير ان هناك مؤامرة لتفكيك وتفتيت لبنان، من قبل طبقة سياسية لها نصف قرن متحكمة بلبنان، وهي التي بددت اكثر من 240 مليار دولار…

بالمقابل، فإن الدولة السورية رغم الحرب والحصار وحتى انهيار العملة ما زالت تقدم الرعاية الصحية والأدوية والتعليم المجاني إضافة إلى دعم السلع الأساسية، ومنذ الأزمة السورية حتى يومنا هذا أصدر الرئيس الأسد عشرات قرارات العفو عن المطلوبين والمساجين، بمحاولات متكررة، لإعادة تفعيل المجتمع السوري وقد نجحت سوريا.

وعندما سالوا القيادة السورية عن اسباب العفو المتكرر، قيل ان السجين يكلف الدولة وعائلته مبالغ طائلة، من حيث الزيارات والاهل ياتون محملين بالاغراض، وهذه العوائل هي احوج لهذه المبالغ، اضافة الى التوتر السلبي الذي ينعكس على الاستقرار العائلي، ونحن كدولة همنا الاول والاخير النهوض بالمجتمع ليس الانتقام من ابنائنا، والعفو يشمل الجرائم التي لا تشكل خطرا على الامن الوطني.

بينما في لبنان، لم يصدر عفو عام منذ ثلاثة عقود، بسبب هذه الطبقة السياسية التي تريد تمزيق الشعب اللبناني وجعله غير مستقر كي تحكم هي،

والمفارقة الغريبة العجيبة، أنه بعد كل ما فعلته غالبية هذه الطبقة السياسية من جرائم خلال الحرب الأهلية أعيد انتخابها بعد الحرب الأهلية، وأيضا رغم الانهيار الكبير وضياع الودائع والتعويضات، لم يحاسب مسؤولا واحدا، بل تمت إعادة انتخاب وإنتاج الطبقة السياسية نفسها من جديد، وهذا التصرف من قبل الشعب، يجعله شريك في زوال هذا الوطن.

إذا جميع المقاربات تشير أنه لا يوجد في لبنان مقومات الدولة، لا على مستوى الحكم ولا على مستوى الشعب.

ومع بداية هذا العام أعلن الفاتيكان صراحة خوفه من زوال لبنان، وكان قد سبق موقف الفاتيكان مواقف مشابهة لعدد من الدول، في مقدمتهم فرنسا التي اكدت خوفها من زوال لبنان.

وبما أنه لا يوجد صداقات بين الدول إنما توجد مصالح، وخاصة ان غالبية الشعب اللبناني فقد الانتماء الوطني، واصبح ولائه للزعيم، فإن مصالح الدول الكبرى اليوم تكرر كلام وزير الخارجية الأميركي السابق هنري كيسنيجر، عن لبنان إنه فائض تاريخي وخطأ كبير، وزواله يمكن أنّ يشكل حلاً للصراع العربي ـ الإسرائيلي.، لذلك تتجه هذه الدول نحو تحويل لبنان، الى وطن بديل او محطة انتظار دائمة للفلسطينيين والنازحين السورين التي تعجز أوروبا عن استقبالهم، مما يخفف التوتر في الشرق الأوسط وعن اوروبا، وبحال حصل تصدم بين هذه المكونات ومن ضمنهم الشعب اللبناني، سيكون الامر افضل بكثير للعدو الاسرائيلي، وللدول التي ستتدخل للاستحواذ على ابار الغاز كما يحصل في ليبيا التي تتقاسم بعض الدول نفطها، لذلك لا احد يستغرب ان تكون الدول الكبرى هي التي تحمي بعض السياسيين الذين دمروا ونهبوا لبنان، كي نصل الى ما وصلنا اليه، لكن المشكلة ليست في هؤلاء الذين يعملون مصلحتهم على حساب الوطن والشعب، بل المشكلة في الشعب المنفصل تماما عن الواقع، بحال الانهيار الكبير الى اين سيرحل، ومن اين سيصرف، وهناك طبقة سرقت قرشه الابيض، الذي كان يخبئه للزمن الاسود.

كل شيء يشير ان الشعب اللبناني يشعر بحجم الخطر الذي وصل اليه، واصبح همه الهجرة بسبب عجزه على مواجهة من دمروا كيانه الوجودي، فقد سجل عام 2021 ان ربع مليون لبناني هاجروا خلال 4 أشهر فقط،  مما يعني انه وبوقت قياسي قد ينقرض الشعب أو يذوب في المجتمعات الجديدة، وخاصة أن البنك الدولي استبعد تعافي لبنان مرجحاً أين يصبح لبنان في المركز الأسوأ ضمن مجموعة من الدول تضم زيمبابوي واليمن وفنزويلا والصومال، ومع ذلك يتم الحديث عن رفع المعاشات ثلاثة أضعاف، لكن من يضمن ان لا يرتفع الدولار عشرات الأضعاف مما يعني سقوط كل شيء بأسرع من اضافة الاصفار الى ارقام العملة الوطنية.

شاهد أيضاً

الفنان الفلسطيني سانت ليفانت يكشف عن أغنيته “قلبي ماني ناسي”

سانت ليفانت يقدم “قلبي ماني ناسي” بأسلوب موسيقي متنوع ومعقد رسالة عميقة ومؤثرة من خلال …