هيئة الأُمم اللاّمتحدة واللاّإتحاد الأوربي

Aziz firem

في الوقت الذي كانت المعارك الطاحنة تدور رحاها بين قوات دول المحور وقوات دول الحلفاء إبان الحرب الكونيّة الثانيّة(1939/1945)، والتي تأرجحت الموازين فيها عبر مراحلٍ ثلاث، ترجّحت فيها الثالثة لصالح حليفات الولايات المتحدة الأمريكيّة، كانت إتساقاً مع تلك الأحداث المتصاعدة تُطبخ في كبريات العواصم الغربيّة فكرة إنشاء هيئة دوليّة تعنى بالحفاظ على السلم والأمن الدوليين تقوم على أنقاض عصبة الأمم المنتكسة، فكان ميلاد هذا المنتدى الأممي العالمي خلال العام 1945، وظهر واضحاً للعيان مدى مساهمة واشنطن في بناء هذا الصرح الذي ظلّ حاميا لظهرها مُذ ذاك الزمن، فتلك الدولة المنتشية بالفوز على المحور وإلحاق النكسة بالديكتاتوريات الحديثة وعلى رأسها النازيّة بزعامة أدولف هتلر، ظلت تراودها فكرة (تصنيع ) منظمة تتحكم في مفاصلها ودواليبها من مدّة طويلة وهي التي كان لها الفضل في ترجيح كفة الحلفاء بدخولها الحرب بعد موقعة بيرل هاربر الشهيرة ومن هناك بدأ التفكير الجدي والعميق بكل تفاصيله،هذا المنتظم أرادت له أمريكا العالميّة محاكاةً للدور الذي كانت تريد أن تلعبه بعد الحرب باستعمال أدواتٍ عدّة سياسيّة، إقتصاديّة وعسكريّة.
وغير بعيد عن الزّمان والمكان والظروف العامة، تمّ إنشاء المجموعة الإقتصاديّة الأوربيّة العام 1957 بمدينة روما الإيطاليّة من طرف الدّول الجارات السّت (إيطاليا، المانيا الغربيّة وفرنسا زائد دول البينيليكس وهي بلجيكا، هولندا ولوكسمبورج) ، برعاية ومباركة أو على أقل تقدير قبول أمريكي لمجابهة المّد الشيوعي في المنطقة الأوربيّة والتي إعتبرتها أمريكا درعا إستراتيجيّا وإمتدادا إيديولوجيا لها، وهي بدورها اداة من أدوات السياسة الأمريكيّة في عالم ما بعد الحرب للتحكم بالعالم والتفرّد به وتوجيه بوصلته كما تشاء وقت ما تشاء.
لكن، هل كُتب للتكتلين النجاح وتحقيق الحلم الأمريكي؟ باعتقادي الخاص أن مسألة النجاح من عدمه مسألة ظهرت بشكل بارز من خلال الجانب العملي والذي كان معاكسا بشكل كبير للجانب التنظيري وهو نفس ما يقال على الدولة الأمريكيّة برمتها منذ تكوينها وصياغة دساتيرها بشكل مثالي وتدخلها الامبريالي في الشؤون الداخلية للدول تحت أغطيّة ومسميات جمّة لعل أبرزها نشر الديمقراطية وحماية حقوق الإنسان وحماية الأقليات والقضاء على الأنظمة الديكتاتوريّة خاصة في العالم الإسلامي.
سقوط المعسكر الشيوعي وأفول نجم العدو اللدود –الإتحاد السوفياتي- بداية العقد الأخير من القرن المنصرم أظهر للعلن حجم البراغماتيّة الأمريكيّة من خلال إعلان الرئيس الأسبق جورج بوش عن النظام الدولي الجديد والحشد الدولي ضد العراق العام 1990، وفتح حلف الناتو ليضم بعضويته دولاً من شرق أوربا وهو عين الأمر مع دول الإتحاد مع زيادة التحكم بالمنتظم الأممي الذي يكيل بمكيالين تجاه مختلف القضايا في العالم .
الآن وبعد جائحة كوفيد-19 ظهر واضحا أن التكتلات العالميّة لم تعد ذات جدوى بعد الأزمة الحالكة التي عاشها العالم خلال هذه الفترة العصيبة عليه، خاصة من الناحيّة الصحيّة وتوفير المواد الطبيّة وبروز الأنانيّة وحب الذّات ومحاولة إحياء مفهوم الدولة القوميّة وضرب عبارات الوحدة والاتحاد عرض الحائط.
وقصارى القول يتضح لنا أنّ الوحدة الأوربيّة التي جمعت أعداء حرب الأمس البعيد (فرنسا والمانيا) وغيرهما تحت مظلّة واحدة بداعي المصلحة والإستقواء ببعض في مواجهة الغير، وكذلك النزعة البراغماتيّة التي جمعت الولايات المتحدة الأمريكيّة مع دول من أوربا رغم الحساسيّات الموجودة خاصة مع المانيا، قد أصابها شرخٌ غائر بعد أزمات كبيرة آخرها التدخل الروسي في أوكرانيا وقبيلها وباء كورونا المستجد، واللذين أظهرا أمما غير متحدة وتكتلات غير منسجمة، وملاسنات وعِراك لم يخمد ، بانتظار الترتيبات الجديدة التي ستمس حتما هيكل النظام الدولي وبنيته في القابل دون التنبؤ بالوقت الذي سيبهت شأنه أو يزداد أمام تصاعد قوّة الأحداث أو سيرورتها بالسرعة الدنيا.

شاهد أيضاً

يمق زار مركز “الجماعة الإسلامية” في مدينة طرابلس معزيا” باستشهاد عنصريها

زار رئيس مجلس بلدية مدينة طرابلس الدكتور رياض يمق، مركز الجماعة الإسلامية في طرابلس، مُعزياً …