*العالم يترقب نتائج حرب تكسير العظام.. هل يتبع بوتين سياسة الأرض المحروقة؟

 

وما الذي يحول بينه وبين استخدام أسلحة نووية تكتيكية؟ ومن يذكّر الأمريكان بحكمة “شيلر” ومقولة “جوتة”؟*

محمود القيعي:

مع بلوغ حرب تكسير العظام بين الغرب وروسيا ذروتها، بات الجميع مترقبين للنتائج لاسيما مع اقتراب ساعة الحسم.
العدوان اللدودان
الكاتب الصحفي عاصم عبد الخالق في مقال له في صحيفة “الاهرام” المصرية يرى أن العدوين اللدودين: واشنطن وموسكو كلاهما يتربص بالآخر وكلاهما يسعى لإنزال هزيمة قاسية ومُهينة بالآخر وهو ما يفعلانه دائما منذ نهاية الحرب العالمية الثانية عبر حروب بالوكالة يخوضها آخرون نيابةً عن أحدهما.
وأضاف أن الجديد هذه المرة أن الحرب بينهما تدور فى قلب أوروبا وليس من المقبول غربيا تدمير مدنها وتخريب بلدانها كما يفعلون عادة فى الشرق الأوسط.
وقال عبد الخالق إن كثيرين يدركون فى أوروبا وأمريكا نفسها خطورة ذلك ويحذرون من مخاطر وتداعيات المبالغة فى إهانة بوتين أو إلحاق هزيمة مُذلة بجيشه، مذكّرا أن لروسيا تاريخا عريقا تعتز به. وهى ليست الدولة التى تقبل جرح كبريائها أو المساس بكرامتها الوطنية.
وقال إنها لن تتجرع بسهولة إهانة بهذا الحجم على مرأى ومسمع من العالم، لافتا إلى أن بوتين الذى بنى شعبيته طوال عشرين عاما باعتباره القائد القوى الذى جاءت به الأقدار لاستعادة مجد روسيا الغابر وعزتها المسلوبة والذى لم يتردد فى التصدى للغرب فى سبيل ذلك الهدف السامى، هذا الزعيم الاستثنائى غير مستعد للهزيمة على هذا النحو.
وتابع قائلا: “بوتين كما وصفته مجلة ناشيونال ريفيو الأمريكية يبدو الآن كأسد جريح، لذا فهو أكثر خطورة وتهورا لأنه أكثر غضبا ويأسا وألما، ولا يمكن التنبؤ بأفعاله. لذلك تسدى المجلة نصيحة مخلصة لأمريكا بألا تفرح كثيرا بإلحاق هزيمة محرجة به”.
وتساءل عبد الخالق: كيف سيرد لإنقاذ ماء وجهه وسمعة جيشه ومستقبله السياسي؟
وأجاب قائلا: قبل محاولة استقراء المستقبل نشير أولا إلى أن الرئيس الروسى يعى تماما دروس تاريخ بلاده، ويعرف أنه ما من زعيم دخل حربا ولم يكسبها إلا وانتهى على نحو بائس. هزيمة روسيا أمام اليابان قادت إلى الثورة الروسية الأولى 1905. وفشلها العسكرى فى الحرب العالمية الأولى فجر ثورة 1917 وكتب نهاية العهد القيصرى.
وقال إن عشرات من المحللين الغربيين تطوعوا لتقديم إجابات ورسم سيناريوهات متوقعة وهى فى مجملها تنتهى إلى نتيجة واحدة هى أنه ليس أمامه سوى التصعيد وشن هجمات أكثر ضراوة لتعويض خسائره وتسويق انتصارات تتعطش لها جبهته الداخلية.
وقال إنهم لا يستبعدون أن يجنح بعد ذلك للسلم وعلى أساس أنه يفعل ذلك من موقع القوة. لا بديل آخر أمامه فقد أدرك استحالة تحقيق نصر عسكرى حاسم ونهائى، ببساطة لأن أمريكا لن تسمح بذلك.
وتابع متسائلا: ماذا لو فشلت محاولته لتحقيق هذا النصر التكتيكى المحدود الذى يحتاجه لبدء رحلة التفاوض؟
وأجاب بقوله: هنا مكمن الخطورة التى يتحدث عنها ويحذر منها ويخشاها العقلاء، حيث لن يكون أمامه سوى استخدام أسلحة الدمار الشامل بعد فشله فى تحقيق هدفه بالأسلحة التقليدية.
وقال إن هذا التحول الكارثى ليس مجرد افتراض متشائم لكنه احتمال قائم يطرحه علنا كبار المسئولين بأوروبا وأمريكا وحذر منه قائد الجيش الأوكرانى الأسبوع الماضى. كما تحدث عنه بوضح تام وليام بيرنز مدير وكالة المخابرات الأمريكية الذى لم يستبعد استخدام روسيا أسلحة نووية تكتيكية أو قليلة الإشعاع «بالنظر للانتكاسات التى تواجهها وحالة اليأس المحتملة لبوتين» على حد قوله.
كذلك لا يستبعدون فى الغرب لجوء بوتين لسيناريو جروزنى أى الأرض المحروقة بمعنى تدمير مدن كاملة بشجرها وحجرها وبشرها واجتثاث الحياة من رقعة واسعة من الأراضى لإجبار كييف على التفاوض وقبول هدنة يحتاجها أكثر من أعدائه.
وخلص الكاتب إلى أنه ليس أمام بوتين خيار آخر وإلا كانت الهزيمة فى الخارج والثورة فى الداخل. وبما أنه ليس لديه ما يخسره، ومادامت الأسلحة النووية التكتيكية هى ورقته الأخيرة فلن يتردد فى استخدامها. تفسر هذه النتيجة لماذا يلح العقلاء فى الغرب على عدم المبالغة فى إهانته، وضرورة استثمار الهزائم التى لحقت به ليس لإذلاله ولكن لدفعه إلى التفاوض وإنهاء الحرب. يقولون، ومعهم كل الحق، إنه من الخطأ والخطر أن توصد واشنطن أبواب التراجع المشرف أمامه،بل يجب أن تترك له مخرجا كريما ومقبولا ليس إنقاذا لمستقبله ولكن رحمة بالأبرياء الذين يدفعون أرواحهم ثمنا لهذه الحرب.
حكمة شيلر ومقولة جوتة
وقال عبد الخالق إن الأمريكيين يحتاجون لمن يلقنهم حكمة الفيلسوف الألمانى فريدريك شيلر: «العدو الذى يقع يمكن أن يعاود النهوض، أما العدو الذى تم إرضاؤه فقد تمت هزيمته»، لافتا إلى أنهم إذا لم يفهموا ذلك، والأرجح لن يفهموا، فعسى أن تصلهم حكمة عبقرى ألمانى آخر هو جوته: «من الحمق الاستهانة بعدو قبل المعركة ومن الدناءة إهانته بعد النصر».
من جانبه يؤكد المحلل السياسي د.عمرو الشوبكي في الصحيفة نفسها أن معارك الكر والفر والتقدم الروسى الكبير ثم التقدم الأوكرانى المحدود، يؤكدان أن المعركة لن تحسم بانتصار مدوٍّ أو ساحق لأى طرف، إنما ستحسم بعد استنزاف كبير لكلا الطرفين وضغوط أوروبية قد تكون فى الشتاء القادم لإنهاء الحرب بتسوية تاريخية تحقق جانبا من مطالب روسيا وتحفظ لأوكرانيا استقلالها وسيادتها فى مقابل أن تحل مشكلة كثير من المناطق الواقعة فى الشرق ويعتبر كثير من أبنائها أنهم جزء من الاتحاد الروسى وليس أوكرانيا، سواء فى القرم أو غيرها.
حفظ ماء الوجه
في ذات السياق يرى الكاتب جمال طه أن التحول الميداني الأخير تم على مستوى معركة تكتيكية، وربما كان وسيلة يسعى من ورائها الغرب لإحداث قدر من التوازن، يحفظ ماء وجه كييف، عند الضغط عليها لتسوية الأزمة سياسيا، بصورة تكرس بعض المكاسب الروسية، وتفرض بعض التراجع المرضى لأوكرانيا، تجنبا لتطور العملية الى حرب شاملة، لافتا إلى أن التصريح الأخير لجوزيب بوريل مفوض السياسة الخارجية والأمن بالاتحاد الأوروبي أمام برلمان أوروبا، الخاص بحث أوكرانيا على بدء المفاوضات مع روسيا في أقرب وقت ممكن، يؤكد هذا الاتجاه.
وقال طه إنه بعد سبعة شهور من الحرب، أدرك الغرب صعوبة استمرار العالم وسط تفاقم تداعيات الأزمة الدولية، مشيرا إلى أن الشهور القادمة قد تشهد ذروة تصعيد المعارك، حتى يصل الجميع الى قناعة باستحالة مواصلة النزيف، فتبدأ التسوية السياسية، التي أصبح الجميع -باستثناء أوكرانيا- متلهفين لمقدمها.

شاهد أيضاً

البيسري بحث والسفير البلجيكي في جدول زيارته المرتقبة إلى بروكسل في 22 ايار الحالي

  الامن العام يعلن المباشرة باجراءات ضبط وتنظيم ملف السوريين الموجودين على الاراضي اللبنانية إستقبل …