“يا ريتك يا ست”!!

حدثت وقائع هذه القصة عام 1930 عندما جاء الشيخ إبراهيم والد أم كلثوم بفتاة من قريته طماي الزهايرة – بمحافظة الدقهلية – تبعد عن القاهرة (150كم) – اسمها (سنية إسماعيل) لتعمل خادمة في بيتها بشقة في عمارة بهلر بحي الزمالك – قبل الفيلا – بوسط القاهرة.
كبرت سنية وقررت ألا تعود للقرية مرة أخرى، وحازت على ثقة (الست) ورفضت الزواج، وأصبحت الأمينة والحارسة على كل أموال وجواهر وحياة أم كلثوم.
ترد مكانها على الهاتف. تستقبل الضيوف. تُصلح أي خلاف بين الست وأي شخص. تستقبل الفرقة، تُجهز البروفات، باختصار أصبحت (سنية) أهم إنسان في حياة أم كلثوم.
وذات يوم في عام 1940 مرضت أم كلثوم وشعرت بالموت يقترب من فراشها فقررت كتابة (وصية) تعطي فيها (سنية) ثلث ثروتها.. وهذا ما حدث بالفعل!
《2》
ومرت الأيام ونجت أم كلثوم من المرض، وتغير الحال ودخل الحب من الباب (باب بيت أم كلثوم) لكنه دخل هذه المرة إلى قلب (سنية)! وهذا المحبوب كان موظفًا صغيرًا يعمل كمساعد محامي في مكتب وجدان طاهر – هو زوج سعدية ابنة شقيقة أم كلثوم – وهذا الحب اعترضت عليه أم كلثوم ورفضت زواج (سنية) من حبيبها عبدالحميد. وذات يوم استدعتها وقالت لها:
— الجدع ده لازم تنسيه”!
— بحبه يا ست؟
–” يا خيبة أفهمي.. أنا نفسي أزوجك وكيل نيابة، قاضٍ، أو دكتور.. اسم كبير كده مش تقوليلي حتة موظف صغير زي ده”!
— بحبه يا ست!
— “يا بت أعقلي” لكن الحب كان قد طير عقلها. ثم سكتت أم كلثوم وقالت:
“يا حببتي أنا بفكر معاكِ بالعقل. وأنا تجربتي في الحياة تعطيني الحق في أن أقول لك إنك مع هذا الشاب ستكوني في عيشة مهببة”!
وعندما فشلت كل محاولات أم كلثوم معها استدعت مصطفى أمين – وكان صديقًا مُقربًا – ليحاول إقناع سنية (تبعد) عن عبدالحميد!
《3》
داخل مكتب فيلا أم كلثوم جلس مصطفى أمين يُقنع (سنية) حسب رغبة أم كلثوم.
–” يا سنية أم كلثوم أوصت لكِ بثُلث ثروتها منذ سنوات، وإذا تزوجتِ هذا الشاب ستُحرمين من هذه الثروة الطائلة”
— الست اللي قالت لك كده؟
— ” قالت بالحرف كده” ثم وقف وقال: “لو تزوجتِ هذا الشاب فلن تعطيكِ مليمًا لأنها تخاف عليك منه”!.
— ردت بحسم:
“أنا لا تهمني الثروة”
— قال بنرفزة: “يا مجنونة.. هل تعرفين إنكِ تُضحين بمليون جنيه”! ردت بعدما وقفت في وجهه:
“إنني أُفضل عبدالحميد على المليون جنيه”!
ضحك مصطفى أمين وقال لها: “جدعة يا سنية”!
《 4》
وعندما عرف عبدالحميد بحب سنية قرر أن يستقيل من وظيفته وجاء ليعمل سائق سيارة أم كلثوم ليكون بالقرب منها لكن أم كلثوم اعتبرت أن سنية ترغمها على أن ترى وجه عبدالحميد بالليل والنهار.
وبعد أيام وأسابيع خضعت أم كلثوم لإرادة سنية ووافقت على الزواج وأقاما معها في فيلاتها عدة سنوات حتى تزوجت أم كلثوم من الدكتور محمد حسن الحفناوي عام 1954، الذي قرر استبعاد عبدالحميد من البيت فقالت سنية:
“إذا خرج عبدالحميد سأخرج معه”!
— ردت أم كلثوم: “يا بت متنشفيش دماغك أنت عشرة عمر معايا”
— لا يا ست أنا مع عبدالحميد لو حتى في بدروم”
وأمام إصرار الدكتور الحفناوي الذي لاحظ – بعد مرور ثلاث سنوات من زواجه – إن عبدالحميد يتعامل وكأنه زوج ابنة أم كلثوم بالفعل وليس سائق بالبيت.. فقرر استبعاده!
في المقابل – ولأنها تحب سنية – قررت أم كلثوم شراء شقة قريبة من الفيلا لتنتقل إليها مع عبدالحميد.. وقرر مصطفى أمين – بإيعاز من أم كلثوم – استدعاء عبدالحميد وتعيينه في أخبار اليوم – قبل تأميم المؤسسات الصحفية – موظفًا بنفس المرتب الذي كان يتقاضاه من أم كلثوم..
…. وبهذا الحب وهذا الزواج خسرت سنية ثلث الثروة بعدما ألغت أم كلثوم (الوصية)!
لقد خسرت (سنية) مليون جنيه (كان سعر الدولار بـ 25 قرشًا – وكان عدد سكان مصر 21 مليون نسمة سنة 1950) – لكنها كسبت حب عبدالحميد حتى ماتت!
————
————
السؤال الذي ظل يطاردني أمام هذا الحب وهذه القصة.. هل لو ظلت (الوصية) كما هي ولم تلغها أم كلثوم.. ألم يكن من المحتمل أن تحافظ سنية – بالوصية – على فيلا أم كلثوم – كتراث إنساني عظيم – ولا تفرط فيها كما فعل الورثة وباعوا الفيلا؛ لتتحول بعد ذلك إلى فندق على نيل الزمالك؟!
………..
……….
و.و.و… (يا ريتك) يا ست تركت الوصية ؟!
و.و.و…( يا بختك ) يا سي عبد الحميد بحب (سنية)!

خيري حسن
————

• الأحداث حقيقية والسيناريو من خيال الكاتب.

المصادر:
كتاب:
(أم كلثوم – عصر من الفن)
د. نعمات أحمد فؤاد – الطبعة الأولى – عام 1976 – الطبعة الثانية – دار الهلال- طبعة – عام 2000.

• كتاب:
(مسائل شخصية)
مصطف ى أمين – الطبعة الأولى – الناشر – مطبوعات تهامة – عام 1984.

• الصورة:

أم كلثوم مع أحد معجبيها –
الصورة نقلا من كتاب – د. نعمات أحمد فؤاد

شاهد أيضاً

سلسلة ثقافة الأدب الشعبي وثيقة إحياء الأصالة عن تراث (ج /٣٣)

الباحث الثقافي وليد الدبس الأدب الشعبي و صفر دائرة الثقاقة السياسية _ تعتبر الثقافة صفر …