الدلالات الرمزية واستدعاء المقدس في رواية أولاد حارتنا للروائي نجيب محفوظ

إبراهيم رسول

كُتبت الروايةُ على شَكلِ حَلقاتٍ مُتسلسلةٍ في جريدة الأهرام المصرية, أحدثت ضجةً كبيرة في وقتها, فهو قد بدأ بكتابتها ما بين عام 1958 حتى عام طباعتها عام 1962 في دار الآداب اللبنانية, مُنعت من التداول في مصر وباقي البلدان العربية, والسببُ هو الرمزية المباشرة في شخصياتها حسبما فُهِمَ آنذاك, وسنتناول شخصّياتها ودلالة كلّ شخصّية, فالكاتبُ يعمدُ إلى استدعاءِ المُقدس عبرَ صِورٍ مباشرةٍ واضحةٍ, وهذه الرمزية هي النوع الذي يُثير التساؤلات ويفتح الباب نحو أسئلةٍ تبدأ وقد لا تنتهي! هي روايةٌ مقسّمةٌ على فِصولٍ, وهذه الفصولُ هي أسماءُ لشخصياتٍ الرواية, كشخصية ( أدهم, جبل, رفاعة…) هذه الشخصيات لا تمثلُ شخصّيتها فحسب, بل هي تمثلُ زمان ومكان وأحداث ذلك التاريخ المعلوم المعروف, الرواية تستدعي الكثير من الشخصّيات المُقدسة وتأتي عليها تِباعاً بعد أن يُزيلَ الكاتب قناع المقدس ويجرد تلك الشخصيات من قدسيتها, فهو نقلَ الحارة القديمة والزقاق القديم بل إنّه نقلَ البيت الكبير إلى العالمِ, وصارَ الناس في كل العالم يتساءلون عن جبل المقطم والقلعة والجماليّة وغيرها من مُدنِ القاهرة القديمة. يدخلنا الكاتب إلى الرواية بمقدمةٍ سحريةٍ, فهو يكتبُ بسحرية سرديةٍ واضحةٍ , والدليلُ أن الرواية ممتازة ونوّعية في لغتها وخطابها وتقنياتها فهي مكتوبةٌ 1959 وطبعت في عام 1962 وما تزال تُقرأ كأنّها مكتوبةٌ اليوم أو قبل اليوم بيوم.
الرمز في العمل الأدبي, يأتي لضروراتٍ فنّيةٍ, يُراد عدم المباشرة بها أو التصريح المباشر فيها, وهذه الرمزية تأتي على أقسامٍ ثلاث: الأول: رمزية تكون غامضة, أي أنّ الفكرةَ تكون مُبهمة عند المُتلقي, ويحتاجُ إلى التأوّيلات الكثيرة, ولكن في كثيرٍ من الأحيان, تكون هذه التأويّلات غير ما كان يقصدهُ الأديب المبدع, فهي رمزيةٌ غامضة, لا يُحبذها المتلقي, وكُلّما تعمقَ العمل الابداعي في الرمزية, كُلّما فقد بريقهُ . القسم الثاني, رمزية تكون عميقة وتارة تكون سطحية, أيّ أنّ النصَ الأدبيّ بالإمكان فهمهُ في أكثر من قراءة, وبهذا يكون عنصر التشويق , العنصرُ الأبرزُ في الاسلوبِ الذي يجعلُ العمل الفنّي, يتسمُ بالقبولِ عند المتلقي, وهو الأفضل من بين الأساليب الثلاث, فهو لا يغوص عميقاً في الغموض ولا يطفو على السطح بصورةٍ مُستهلكةٍ, فهو قريبٌ, لكنّه ليسَ سهل المنال. هذا القسم, يعدُ الأفضل لأنّه يعطي القرّاء المُتعة والإثارة عند القراءة. أما القسم الثالث والأخير فهو الرمزية المباشرة, أي الاقتراب من لغة الصحافة والإعلام, أيّ كتابة تكون قريبة من المعنى المقصود دون غموض أو إيهام, فتجدُ أن القارئ يشعرُ بالسأمِ عند القراءة , إذ الاسلوب يكون قد استهلك نفسه بنفسهِ, وهذا القسم, يكتب فيه الكثير من الكُتاب , الذين يدخلون إلى فن السرد, دون التعرف على ماهية هذا الفن, فبعض الكتاب, يغرقُ به الخيال بعيداً, فيجعل من إنجازه, عسير الفهم, جافاً, غامضًا, لا توجد فيه صفة الجاذبية التي تشد المتلقي لقراءةِ ما يقرأ, ولكن هذا القسم , لا يصمد طويلاً أمام غربال الابداع, فلن يبقى إلا ما ينفع وسيموت كل طارئ أو مُستهلك.
تأتي رواية أولاد حارتنا للروائي نجيب محفوظ من ضمن القسم الثاني, التي تكون قريبة من المتلقي إلا أنّها لا تسلمُ نفسها بكلِّ سهولةٍ للمتلقي, الذي ينقسم بدورهِ إلى متلقٍ إيجابيٍ ومتلقٍ سلبيٍ. فالروايةُ تتصف بالمباشرة القريبة, أي أن مكانها وشخصياتها وحكايتهم كلها حكايات مكتوبةٌ بلغتهم, هذه الواقعية والدخول فيها بهذه الهيئة, لم يُسلب الرواية قيمتها الفنية, بل نجد أنَّها تتخذ من هذه الشخصيات الشعبية والمكان الشعبي رمزية عالية لحكاية البشرية منذ بداياتها حتى قرونٍ مديدة, تستعرضُ بداية الخلق والتكوين, وكيف بدأ الصراع وكيف بدأ الانقسام والتنازع بين المخلوقات.
لا يباشرُ نجيب محفوظ القارئ مباشرةً, بل يتخذ من المباشرة تقنية للإثارة والتشويق, ولكنه يكتبُ برمزية محببة للقارئ, هذه الرمزية جعلت من الرواية, تبدو قريبة من الجميع وعلى اختلاف مستويات التلقي, فهم قد تفاعلوا معها تفاعلاً إيجابياً, سواء وافقوا أم اختلفوا في الرؤى الفكرية التي ضمنتها الرواية, فالمحصلةُ النهائية, أن التلقي كان مقبولاً في الاسلوب الفنّي الذي أصبح علامة مميزة تميز نجيب محفوظ عن باقي كُتاب الرواية المصرية والعربية.
يلجأ الروائي في روايته إلى الرمزية, ويستدعي الشخصيات الدينية ولكن يُضفي عليها طابع الرمزية أو يُغلِّفها بالرمز لكي يجعل منها حمالة أوجهٍ تأويلية عديدة ويُبعد الرواية من الاستهلاك في القراءة الأولى أو الثانية, وكثيراً ما نجد نجيب محفوظ يستدعي الرموز فيكتب بحريةٍ تامةٍ لكنها تستبطن أشياء كثيرة. محفوظ يستدعي الشخصيات المقدسة في هذه الرواية بصورةٍ مباشرةٍ غير خافية على القارئ, فلو تأملنا في الشخصية المهمة ( الجبلاوي) الجد الكبير للأسرة, لوجدنا الروائي يرمز لله تعالى بالجبلاوي, فهذا الجد الجبلاوي لديه خمسة أبناء, يستدعيهم جميعاً, كانوا يظنون أنَّه دعاهم لتوزيع العمل والإرث لأنه هرمَ وشاخَ ولم يعد يستطيع أن يمارس العمل وأخذ ريع الوقف. وقف الأبناء خمستهم, كانوا يتوقعونَ أن الأخ الأكبر هو الذي سيدير الوقف نيابةً عن والده, لكن الأب قال بإصرار وثبات أنه دعاهم لأمرٍ ضروريٍ, أخبرهم أن الاختيار وقع على أدهم الابن الأصغر, هنا ثارت ثائرة الأخ الأكبر إدريس وانتفض غاضباً وهذه هي قصة الخليقة الأولى والصراع بين آدم وإبليس. نلاحظ أن آدم يرادف أدهم, وإبليس يرادف إدريس, واختيار الاسماء لم يكن بمحض الصدفة!
والحوار الذي دار بين الجبلاوي ( الله سبحانه وتعالى) وبين إدريس ( إبليس), هو يتفق تماماً مع قصة مجادلة إبليس مع الله في تفضيل آدم عليه وأمره بالسجود له.
الجبلاوي يرمز إلى الذات الإلهية

المتأملُ في شخصّية الجبلاوي, سَيلمحُ بكُلِّ وضوحٍ لا يحتاج بعده إلى تأوّيلٍ, وهو أنّ الروائيَ كانَ يقصدُ به الله سبحانّه وتعالى, وصفات الجبلاوي, أو الصفة الأبرز في الجبلاوي أنّه يقررُ ولا يُناقش ولا يُجادل في ما يقرِرهُ, ولو تأمّلنا المحاورة بين إدريس والجبلاوي وأدهم, وقارنا بين ما يُروى في المرويّة الاسلامية, لوجدنا تشابهاً وتطابقاً إلى مدى بعيد, فكيف يفضلُ أدهم ابن الجارية السوداء على إدريس ابن الهانم, أي كيف يفضل ابن التراب ( آدم) على ابن النار( إبليس)؟ النص يحملُ رمزيةً مباشرةً أو قريبة من الاسطورة الدينية التي وردت في كتب التراث الدين الاسلامي, لا تخرج هذه الصورة الرمزية عن تلك المَرويّة في التراث الدينيّ, فالثانيةُ تتشابه إلى مدى بعيد مع الأولى, كأنَّ الثانية, نسخة تتطابق مع الأصل.
الحوارُ الذي دارَ بين الأب وابنه الكبير إدريس, هو الحوارُ الذي نظّرَ فيه العديد من الكُتاب في مسألة الجبر والاختيار, فقرارُ الجبلاوي, يجب ألا يُناقش, وعلى الابناء القبول, هنا انتفضَ إدريس ولم يتحمل أن يكون ابن الجارية السوداء ( أدهم) هو الوكيل عن الأب, هنا دخلت المسألة منعطفاً آخر, وهو هل الأنبياء وُكلاء عن الله تعالى؟ الجوابُ عن هذا السؤال, قد لا يكون سهلاً ومتاحاً, فهذه المسألة قامت عليها الدنيا كُلّها, هل الأديان أرضيّة أم سماويّة؟ فمسألة البحث في الأديان واعتماد التراث الاسطوري والروائي لوحدهما في حقيقية هذه الأديان وكثرتها بهذه الكمية الكثيرة مسألة غير منطقية ولا تتفق مع نزعة العقلانية في القصّة.
إنّ اعتماد تقنية الرمز والتعويل عليها كثيراً, قد أوقعَ الروائي في مطباتٍ تخلُ بالبناءِ الاسلوبي للرواية. يخرجُ إدريس ( إبليس) مطروداً من النعيّم والراحة إلى الشقاء, يخرجُ من النعيّم المعنوي إلى الشقاءِ المادي. الواضحُ أن الكاتب يتعاطف في الرواية مع إدريس ( إبليس), فهو يصوغ أسئلةً منطقية, ونجد أن جواب الأب الجبلاوي ( الله ) هو التعنت والجبر وفرض القرار, يقدمُ إدريس أسئلة كلها تُرجحه على أخيه أدهم, إلا أن هذا الأب, يرد وبكلٍّ غضبٍ: ( هذه إرادتي وما عليك إلا السمع والطاعة) إلا أن إدريس يستمر بالجدل حتى إزداد غضب الأب أكثر فأكثر حتى وصلَ إلى مرحلة الطرد النهائي: (لا أنت ابني ولا أنا أبوك, ولا هذا البيت بيتك, ولا أم لك فيه ولا أخ ولا تابع, أمامك الأرض الواسعة فاذهب مصحوباً بغضبي ولعنتي…) وصاح الجبلاوي( وطالقة ثلاثاً من تجتزئ على هذا) هذه المحاورة تتناص مع المروي الدينيّ تمامًا, اللغة السردية استمدت خطاب النص من مُخيلة السارد أو انعكاس الأثر الديني في مخيلته, فأعادَ صياغة النصّ بلغتهِ الفنّية التي تحملُ أكثر من وجهٍ وكُل وجهٍ قابلٍ على أن ينفتحَ على صِورٍ تأويليّةٍ قد تصلح كلها عند القراءة.
تنتهي المحاورة بشقاءِ المَخلوق الذي يُناقش, ويبقى النعيّم للمخلوق الخانع, الذليل, الجبان, الذي لا يملك الحول ولا القوة, هذا المخلوق الذي لا يملك الإرادة في اعتقادهِ في الله, كأنَّ الله لا يُعبده إلا الضعفاء! هذه رمزيةٌ إلحاديةٌ, كثيرًا ما يبثُها الفلاسِفة في فلسفاتِهم, هل الإنسان عبدَ الله حُباً ومعرفة ً, هل عرف الإنسان خالقه بعقلهِ؟ وهذا يفتح أبواب التساؤل التي تبدأ ولن تنتهي إطلاقاً! ( أدهم _ الذي يرمز إلى النبي آدم) هذا الشخص الضعيف, تخدعهُ زوجته بواسطة خديعة دبرها المخلوق المطرود, وبالفعلِ اتضح , أن هذا آدم هذا, شخصية ضعيفة ولا تملك القرار ولا الشخصية, فسرعان ما يُطرد من النعيم, ليشقى بالعذاب القاسي هو وذريته, ويعيش هذا الإنسان الضعيف حياةً مليئة بالانكسار والشقاء والعذاب هو وذريته, إلا أن شقاء هذا الضعيف يكون على ضروبٍ شتّى, وتُصاب ذرية هذا ( الضعيف) بالجبن والانكسار. الجامعُ المشترك في كل الرواية, أنّها لا تخلو من ظهور مصلح في كل زمانٍ ومكان, وهذا المصلح يكون دائماً في مجتمعٍ ضعيفٍ وجاهلٍ ويعيش الهوان والذل, فيأتي المصلح يبثُ القوة والعزيمة والثورة في نفوس هؤلاء الضعفاء, ومن ثمَ يموت أو يقتل هذا المصلح, ليرجع الانكسار والظلم والذل على الناس البسطاء حتى يأتي مصلح آخر وهكذا تستمر حركة التاريخ أو صيرورة الحياة, الملاحظة الجديرة بالتأملِ هي: إنَّ الحياةَ مُستمِرَةٌ على الرغمِ من الكمِ الكثير من هؤلاء المُصلحين, وهذه الحياة آخذة بالتقدم إلى الأمام, عرفة ليس كقاسم ورفاعة ليس كجبل, وجبل ليس كأدهم, وأدهم لا يشبه الأب الجبلاوي في أيِّ صورةٍ من الصور ولا يتشابه معه في أيِّ طبعٍ من الطباع أو الصفات!
الاشتغالُ الرمزيُ لم يكن بعيداً عن الاسطورةِ الدينية, فهو يتناص مع كثيرٍ منها من حيث اللغة, أما من حيث المعنى فيتشابه تشابهاً تاماً.
الغايةُ من سرديةٍ تشتغلُ على هذه اللغة وعلى هذا الخطاب, هو أنّه يمثلُ النزوع العقلاني في الفلسفات الحديثة, التي صارت تساءلُ المقدس وتستدعيه في مناقشاتها الفلسفية, وهذا الاستدعاء يستدعي نزع القدسية وخضوعه للنقدِ والانتقاد كما حصل مع الجبلاوي, الذي كان جباراً, إذ ذكره ابنه إدريس بصفاته السلبية, إذ خاطب إدريس والده بخطابٍ شديد اللهجة: ( … فقل لأبيك ( يكلم أخيه) إنني أعيش الخلاء الذي جاء منه, وإنني عدت قاطع طريق كما كان, وعربيداً أثيماً عاتياً كما يكون…) في فعلي ( كان) الماضي و ( يكون) المضارع, تجلّت الصراحة المباشرة التي يتحدث بها محفوظ, وهي أنّه هذا الرب كان ويكون, فهو في الماضي قاطع طريق, وفي الحاضر والمستقبل سيكون عربيداً, هذه كلمة لها مدلولٌ فلسفيٌ, قد يكون هذا إشارة إلى جبروته وسلطته على العباد الذي هم لا حول ولا قوة ولا يستطيعون أن يدفعوا البأس عن أنفسهم! فهم مجبرون لا مخيرون! الروايةُ محتشدةٌ بالرموز الكثيرة, هذه الرموز تأويلها لن يخرجها عن التناص مع رمزية الموروث الديني الاسلامي, قد يتساءل القارئ, وهل أضعفت الرمزية التي كتب بها نجيب محفوظ الرواية؟ أقول وبكل صراحة: إن التقنيات السردية كانت غاية في الابداع الفنّي, واللغة لم تكن تقريرية ولا شعرية, بل هي لغة ٌ سرديةٌ, أي أنها لغة السرد ولغة الفن الروائيّ, فهي لم تخرج عن ثوبها وإطارها العام الذي نُسجت فيه.
الدلالاتُ الرمزيةُ في الرواية لن تخرج عن القصّدية الواضحة, وهي أن هذه الدلالات ترمزُ إلى شخصّياتٍ لها حضورها في المُخيّلة الدينية, فمثلاً شخصّية أدهم تشيرُ إلى آدم, وإدريس إلى إبليس, وأميمة تشيرُ إلى حواء التي أغوت آدم وأقنعته بفعلِ الخطيئة وعِصيان أوامر الله سبحانه وتعالى, أما باقي الشخصيات التي ظهرت على هيئةِ مُصلحٍ أو ثائرٍ, أولئكَ يشيرونُ إلى الانبياء العِظام الذين ظَهروا في أزمانٍ مُتباعدة ولكن في مكانٍ واحدٍ يكاد أن يكون واحداً في كل أزمان الرواية, المكان هو الأرض, المكان الذي وقعت فيه الخطيئة الأولى, الأب الذي فعل هذه الخطيئة قد أورث لذريته عذاب تلك الفعلة , وأورثهم الشقاء الدائم في كل حياتهم! فهذه الدلالاتُ أعطت الجانب السلبي أكثر مما بينت الجانب الايجابي من تلك الشخصيات, صنعَ الساردُ من هذه الشخصّيات عبارة عن مصلحين ولكن لديهم عيوبهم أيضاً كحادثةِ قتل جبل لأحد الفتوات الذي كان يُطارد أحد الضعفاء , فقتله دفاعاً عن نفس هذا الإنسان الضعيف, قتلهُ دفاعاً عن النفس ليس إلا, ولم يكن في حاجة ليقتله , وعلى الرغمِ من كرههِ للقتل, وأنّه لم يُرد قتله, إلا أنّ فعل القتل قد حصل!
الرمزيةُ تعطي تَخيّلاً عن قصدياتٍ لا يستطيع أن يُصرحَ بها الكاتب, خوفاً من التابوات التي لها سلطة البطش وحرية الرد القاسي, فيلجأ الكاتب, أن يُرَمزَ الأفكار برموزٍ ويُشفر هذه الرموز لِتبدو كأنّها تتحدثُ عن أشياءٍ غير مقصودة, إلا أن القارئ اللبيب سيعرف فك الشيفرات وسيحلل الرموز ليكتشف دلالاتها المقصودة. لا يمكن أن نتصوّر المُخيّلة الابداعية لنجيب محفوظ ما لم نفهم السردية الدينية المروية في كتب التراث, ونربط بين ما سرده محفوظ وبين ما ورد في التراث , سنقارن وسنجد أنهما يتناصان معاً في كثيرٍ من اللغة والخطاب, إلا أن الروائيّ هنا, كان ناقداً أكثر منه سارداً وإن جاء النقد بلغة السرد!
الروايةُ غنّية في الرؤى والافكار والمواضيع النقديّة, وهي حمّالةُ أوجهٍ كثيرة, وكل وجه ينفتح على صورٍ تأويلية, وهذه الصور تنفتح على غيرها وهكذا.

شاهد أيضاً

🟤🟠 رهنت خاتم زفافها لتمنح زوجها جائزة نوبل..قصة “مرسيدس بارشا” زوجة الأديب العالمي غابرييل غارسيا ماركيز..

  غابرييل غارسيا ماركيز ، الكاتب الكولومبي الأشهر في العالم وأحد أعظم الكتاب في عصرنا …