عام الكُحل ..

أحمد وهبي

هنا ، وحسبي الحمدانيّ
يخطب ودَّ يمامةٍ راقَ لها ،
والمُتنبّي يُغنّي على مُلكٍ زائل ،
وكافور قاتلُ المعاني وهالك ،
فلمّا جاءَها مالك .. ابتدأت مصر العرب
ورفاق البحر والرمال على تخوم التاريخ
كانت تصلها أيادي المسافرين
ورائعة الحمام الزاجل
رسائل الأشواق والأهواء والأنواء ..
*
كان آخرَ الخلفاء الفاطميين يُحتَضر
كيف سُلِّمَ المُلك .. لبغداد ،
كيف فعلها الأيوبي ..
ما بين قاهرة المُعزّ والقدس راية حطين ،
هناك ، في جنوب الجنوب ..
حطّ الفرنجة ثلاثة قرونٍ إلّا ” عكشة ” سنين ،
فكان عنّا .. هذا السِّحر والإغواء
العيون اللازورد .. والشعر الذهبيّ ..
*
من حينها ، ثمة سحابةٌ تتبعني
إن تجهّمَ وجهي .. ضحِكَتْ
إن ترقرقتٌ عَبرةْ .. فاضتْ كأسُها
إن ضكحتُ .. تسادلتْ عناقاً
وإن سقطتُ .. رفعتني روحها ..
*
نحن أبناءَ المدنِ أحفاد القرى ،
نجسر الدّماءَ لوردةٍ رقراقة البتلات ،
ولشتلةِ التبغِ .. أيادٍ سمراءُ الصعيد ،
وسحابات الأنفاس تبتُّلٌ يتصعّدُ النجوم ،
لكَم ..
في عيون المسام لمسات الصبحُ والمساء ،
وكم ..
على تخوم الهواءِ معارج الأفكار ،
كم ..
كلّما دنونا تفتّحتْ أقمار ” صفّ الهوا ” والهوى ..
*
أمشاط الذُّرة ، لفائفُ الأصابع الصفراء ..
يتوهّج شَعرُها .. الخيطان الذّهب ،
عند حوافي الفجر هاماتٌ لا تنحني ،
وهاملت يعودُ دون كيشوت في طواحينه ،
تلك ، مُذْ استسقى هواها ، أُصيبَ بالملوحة ،
وغدت حرائرُ الغرب والشرق وسط الأبيض ،
كان ميناءَ الأحلام المهاجرة والناقصة ،
كان لليل والنهار ، حادِباً للرسائل ،
حانيّاً على قلوبٍ تنهمل من المدامع ،
كانوا من سلالات المنافي ،
كنّا في ليلةٍ سقطت من روزنامة العمر ،
ما بعدها .. نحاول ، نتساقط عالياً ..
*
إلهي ، كلمةُ الحياة ..
وهذي الدُّنى على فحمها تدور ،
وساقيات الليالي المِلاح ما بين كرٍّ وفرِّ
وقوالب المصارع ، تحكي عن .. !!
كان في أحشاء حوتٍ أزرقَ ..
قبل أن يقذف به إلى بَرِّ النجاة ،
وكان في الجُبِّ لمّا التقطه بعض السيّارة ،
كان طفلاً في إماطه في عرض البحر ،
كان معلّقاً على صليبه .. فآمنا برِفعته ورفعه ،
كان في غار حرّاء .. وتلك الحمامة البيضاء
والعنكبوت المأمورة ،
كان في رحم أمّه في الكعبة لمّا انبسق نوره ،
وكان ساجداً في ليلة القدر .. وشهيداً ،
كان في الطفّ .. والرؤوس فوق الأعواد ..
وسبايا آل البيت .. نسبوهن للديلم ،
كان في غيبته الصغرى ثمّ الكبرى
ونحن بين الفرائض والخنادق وتمرّد الإنتظار ،
كنّا في العام ألفين .. كان ولمّا يزل
وحضر الأنبياء والمُرسلون والقدّيسون
أيضاً آلهة الهند والسِند ، الإغريق والهنادرة ،
وفي المقدّمة .. زرداشت وكونفوشيوس ،
وفي حواصل الطيّور حصىً مثقوب
لأذان نساء العصر الجيولوجي الأوّل ،
لكأنّما قبائل الكنغر والبطريق والذئاب
لهجت قارّاتها بخصيتيْ الرجل الأبيض ،
يُطلق على السّماء النّار ..
الليلة رقصة النّار حول جسدٍ يشتعل ..
*
من حَلمات نجمةٍ وَلوُد ..
حنّتْ قطعانُ الشُّهبِ نيازكَها ،
تكاثرتِ على كلّ شَفَةٍ ولسان ،
سجّانُ الأرض المُحتَلة ..
امتدت يدُهُ من جهة الغرب ،
غراب قابيل يعيّنُ الملوك ويُقيل ،
قيلَ .. ما أقرب القلب ، وأبعده .. !!
*
لنحذر من العبث بالذاكرة ،
ذاكرة الزمن والمسافة والقلب ،
ثمة ، مخلوقات كثيرة فيها ..
وفيها استعراض الأهواء ،
والظنُّ لا تبدّل ..
لكن ، عند أطراف المُعلّقات
نصبوا سرادق العزاء
لكن ، ضحكة فلتت
فضجّ الحضور بالضحك
والضحك يصيب بالعدوى ..
*
الذي بين الضلوع
خوضٌ في عبقر النبوغ ،
مجاز الضوء وإكليل الزّمن ،
يوسِمها الأبعاد
نفحاتٍ روحانية الوجدان ،
يسريها بسُنبل الشموس
التي إشراقات الورى ،
كما لو يجمّها بحجرٍ كريمٍ ،
صقيل النفس والإبداع ..
*
تماماً ، هي الذاكرة ..
وفيها من روحانية المراحل الأولى ما نجهل ،
لكنّا فهمنا سرّ التقاء الأرواح ..
*
ولسوف نجمع القُبَلَ
لسوف نبذرها في الغيوم المهاجرة
وحين القطاف .. يعانقنا الحنين
والهواء يترقرق عند استراحة الخيالات
ينهمل عنها رذاذ الأنفاس
بعض المسافات العالقة بثقل ريشة
وقد هبطت بمداد يدي
لأفتح قلاع ممالك الجِنِّ
وإذا جَنّ الليل انفلتَتْ روحُ الغِواية
واشتعلتْ عوالم الخيال
بين شقائق الأفكار ..
إذا تأبطَ البحرُ مشاعر المهاجرين
شقّتِ الصخورَ دموعُ الرياحين
حولها شُقوق دروعِ مدن الملح
وقد أباح خليفة القوّادين المدينةَ للزُّناة ..
*
هذا هو القمح يُحرَقُ بالماء
هذا الذي يجيء بنا إلى الحياة
هذا المخلوق ويرتفع كي نحيا
لو قطرةٌ في أعماق التراب
لو دمعةٌ في عين السراب
لو كلمةٌ مبلّلةٌ في منقار غراب
لو حملان المَصبِّ قصّتْ ينابيع الذئاب
لو غجريةٌ تترجّل عن علبة تبغ جيتان
تلك الزرقاء الحوراء الترحال والشّمس
كي تخلعَ البروقَ والرعود
عن عاصفةٍ محطّمة الأضلاع
وكِسرى انوشروان
في جناح نحلةِ عالي الخدمة ..
*
هذا عام الكُحلِ
بينما تضطجع امراةٌ تركتْ
عينيها تراقبان ما يدور في الثقوب
هذا الوالغ جذور المنامات
راح يعتصر ريح الشمال
بينما وردةٌ مقطوعةُ الأمومة
قدّمت بتلاتها قربانا ..
*
لا ذهبَ يزن إنسانيةَ الضوء
تنشغل المسافات برؤوسٌ لا تُحصى
أنشغلُ بتطريز العشق بخيوط الشّمس
وبعض سحاباتٍ صغيرة يتيمة
أدفع دخانَ الرّماد عنها
أقوم على وقتها
فلا تصل إليها أيدي الإثمِ
لكنْ ، ثمة طيورٌ تهوي
فكم خسرنا من الضفاف
وثقُلَتْ علينا المآقي
وقد احتسبناها مواسم الخير ..

عام الكٌحلِ .. 2

شاهد أيضاً

تفقد انشطة الدورات الصيفية في مديريات القفر والمشنة وريف إب والظهار بمحافظة إب اليمنية ..

تقرير /حميد الطاهري تفقد اليوم مسؤول التعبئة العامة بمحافظة إب”وسط اليمن ” عبدالفتاح غلاب ، …