قساوة الغربة

استراليا / شبلي بوعاصي

 

قصص وأحداث ومآسي تحصل في هذا العالم وتكون أشبه بالخيال
ثمانون عاما من هذا الزمن : ثلاثة أشقاء ونتيجة الحاجة والفقر والعوز والبحث عن عمل ومصدر رزق توزعوا في أرجاء العالم وشقوا طرقات الصحارى وأمواج البحار ، فانقطعت أخبارهم اوالتواصل فيما بينهم او بين ذويهم الذين لم يعد يعرفون عنهم شيئا

.
وفي آخر ما تبقى من عمرهم وقبل ان تطويهم الأيام شاءت الأقدار والصدف ان يجتمع شملهم
ويعود الحب والحنين وعودة ذكريات الطفولة ، بعد جفاء وافتراق قارب على خريف الحياة .
هذه حياة عالمنا العربي الاغتراب الهجرة وترك الأوطان والعائلات والأهل بحثا عن رزق ومال من اجل لقمة عيش تساعد على قوت الحياة، فالاغتراب فيه الكثير من العثرات والكبوات والوجع والألم وفيه من الإيجابيات والحسنات .
هذه القصة بداء ت في العام 1934 من القرن الماضي وامتدت عشرات السنين حتى العام 2017 من القرن الحالي لتنتهي بشئ من المعجزة وما يشبه الخيال .
الشاب الفتي هاني (الا صبحي ) الذي لم يهدأ له بال الا ان يعرف قصة ومصير عائلته، فروى حكاية جده عبد الكريم عبد الحبيب وأعمامه حيث كانت تفاصيلها ومحورها تدور بين أديس أبابا والأصابع في تعز مرورا في عدن ومقديشو والقاهرة
يقول هاني : ان الجد عبد الكريم عبد الحبيب ترك قريته عام 1934 ورحل تاركا زوجته تفاحة عبد الغني وولديهما: والدي محمد وعمي عبد الودود ، وسافر إلى عدن ثم إلى  الصومال وبعدها الىغ إثيوبيا ومن هناك إلى  أديس أبابا حيث تزوج وانجب ثلاث بنات هن : هنية وحليمة وصفية وولدان هما: سعيد وعبدالله .
الحفيد هاني ظلت المعاناة ترافقه في كافة مراحل حياته اليومية ، فقرر ورغم ضيق الحال والظروف الحياتية الصعبة ان يبذل ما استطاع من جهد وتعب ان يصل إلى  معرفة قصة الأشقاء الثلاثة فبدأ البحث عنهم ومعرفة مصيرهم : سافر في البداية إلى  إثيوبيا في العام 2017 وهناك تواصل مع رجل له حضور وفعالية وهو من اصل يمني إسمه  : احمد الرمادة وعنده تعرف على شخص يدعى : شوقي السقاف وأخبره قصته وهدف مجيئه هو البحث  عن أهله الذي انقطع التواصل معهم منذ عشرات السنين .
شوقي السقاف أجاب هاني ان الكثير من اليمنيين يبحثون عن ذويهم ومعظمهم لا يجدوهم ولا يعرفوا عنهم شيئا .
يقول هاني : في اليوم الثالث كررنا اللقاء وكنت حشرياً معه وسألت شوقي من اين انت : قال أنا من الحجيرة أنا ابن عبدالله عبد الحفيض٠ تفاجأت و قلت يالها من صدفة ، شوقي له شقيق متزوج شقيقة زوجتي عندها بداءت المفاجات تتوالى حيث لم نكن نتوقعها ، عم شوقي السقا متزوج من عمة هاني : غنية ،
بداءت الانباء السارة تظهر فمدد هاني زيارته لنهاية الأسبوع حتى يتمكن مع شوقي زيارة عمته غنية والتي لم تكن تعلم بوجود شقيقها سعيد في هذه المنطقة التي تعيش فيها .
حدد وقت اللقاء وانطلق الحفيد هاني وشوقي إلى  منزل العمة ولدى وصولهم قال لهم شوقي لكم معي ضيف عزيز عليكم هذا هاني ابن محمد عبد الكريم وعند سماع الاسم انهمرت الدموع والعمة لم تصدق ذلك فسقطت أرضا وهي تصرخ وتجهش بالبكاء ، مشهد عاطفي مؤثر اما زوجها عبد الغني السقا عمره 85 عاما وهو مريض وطريح الفراش سمع الصراخ والبكاء فنهض مسرعا وهو مرتجف القدمين والدموع تنهمر من عينيه فتذكر والدي محمد لانه زار اليمن وبقي فيها سبع سنوات .
غنية بلغت من العمر 70 عاماً وتوفيت شقيقتها حليمة في حادث سير وتوفيت شقيقتها صفية بورم سرطاني وشقيقها عبدالله توفي ووالدتها توفيت ولم يبقى الا أخوها سعيد ٠
تكررت زيارة هاني لعمته وتمنت ان ترى شقيقيها محمد عبد الكريم وعبد الودود عبد الكريم وبعد أربعة اشهر وفي شباط 2017 سافر هاني ووالده الى القاهرة للعلاج وأثناء السفر طرح فكرة اللقاء وفي البداية رفضها الوالد لان مشاعره متضاربة و كما يقول لم يعرف شقيقته على الإطلاق وهي بعمر السبعين والأخ سعيد شارف على الثمانين عاما ولكن هاني اقنع والده بالزيارة .
ويقول هاني : وصلنا الى أديس أبابا وتوجهنا الى منزل العمة دون إبلاغهم بمجيئنا وكانت فرحة التلاقي تغمرنا وخاصة عند حضور عمي سعيد الذي احضر معه المصحف والمسجل بداخله تواريخ الولادة لجميع أفراد العائلة والذي احتفظ بالكتاب من الجد عبد الكريم الذي جلبه معه من اليمن عام 1934 إلى  الحبشة واحتفظنا به كإرث عائلي من الجد الىغ الوالد الىغ الأشقاء والشقيقات ٠
هذه قصة الهجرة والاغتراب والابتعاد عن الأهل والأحبة وهذه واحدة من آلاف القصص والحكايات التي تتواردها الألسن عند الناس عن مغتربين هاجروا وتركوا عائلاتهم والابناء وانقطع التواصل فيما بينهم ولم يعرف عنهم شيئا ٠هذه قصة صحيحة وواقعية حصلت في اليمن وتحصل في قرانا وضياعنا اللبنانية وفي كل بلادنا .
فكم من العائلات اللبنانية انكسرت اغصانها واندثرت بهجرة الاشقاء والأبناء و كل واحد منهم في دولة من هذه القارات ولم يعرف عن مصيرهم شيئا .
الف سلام وتحية لكل مغترب ترك وطنه وعائلته وابناؤه من اجل العمل والسعي الى حياة حرة وكريمة وان يعود الى بلاده سليما ومعافى وألف رحمة للذين توفاهم الله و هم بعيدين او قريبين عن تراب الوطن ……….

شاهد أيضاً

ماذا لو نُفّذ قرار التوطين في لبنان؟

د. ليون سيوفي باحث وكاتب سياسي كيف سيكون وضع اللاجئين لو تم توطينهم في لبنان؟ …