تقييمات إسرائيلية جديدة: هذا ليس نصرالله الذي نعرفه

سامي خليفة

يواصل المسؤولون الإسرائيليون وحزب الله تبادل التهديدات على خلفية الخلاف حول الحدود البحرية. ومن نافل القول أن أحداً لا يمكنه توقّع ما سيحصل في حال تدحرجت الأمور إلى منزلقٍ خَطِر، خصوصاً أن التقديرات الإسرائيلية الأخيرة تحدثت عن قلقٍ عميق في تل أبيب من أن تنعكس الضغوط الداخلية في لبنان على الأمين العام لحزب الله، حسن نصرالله، وتُترجم إلى مزيد من العنف ضد إسرائيل.

لم نعد نعرفه!
في هذا الإطار، حاول موقع “مونيتور” الأميركي، توضيح ما يؤرق الاستخبارات الإسرائيلية من تهديدات نصرالله الأخيرة، والتي على ما يبدو أنها كان لها وقعها الكبير داخل المؤسسات الأمنية. فمنذ الاندلاع المفاجئ لحرب تموز عام 2006، بذلت إسرائيل جهداً كبيراً لاستيعاب نصرالله وفهم الطريقة التي يعمل بها. واعتبرته عدواً يلتزم بقواعد اللعبة. ومن هنا، ينقل الموقع ما صرّح مسؤولٌ كبير في المخابرات العسكرية الإسرائيلية، قبل التهديدات التي أطلقها نصرالله في الفترة الأخيرة، فقال: “هذا هو الزعيم الأكثر استقراراً وتحملاً للمسؤولية في الشرق الأوسط. يجب أن نصلي من أجل سلامته. فهو يحسب الأمور بدقة كما أنه موثوق ويلعب ضمن القواعد ويلتزم بوعوده، وفي الوقت نفسه يمكن ردعه. أتمنى أن يكون لدينا آخرون مثله على جبهاتٍ أخرى”.

لكن الأمور بعد إطلالات نصرالله تبدلت، معلناً أنه إذا تم تقويض حقوق المياه الاقتصادية للبنان، فسوف يذهب إلى الحرب. حتى أنه حدد موعداً نهائياً في أيلول، أي بعد أكثر من شهرٍ بقليل. واليوم تحاول إسرائيل فهم نواياه الحقيقية. إذ يقول مصدر أمني إسرائيلي رفيع المستوى لموقع “مونيتور”: “لم يكن نصرالله واضحاً بعض الشيء مؤخراً. يبدو أنه يفقد هدوئه ومصداقيته. لقد أحرج نفسه مرتين على الأقل في الأسابيع الأخيرة. ذات مرة، عندما نشر مقطع فيديو لمنصة كاريش كان قد بُثّ على التلفزيون الإسرائيلي مدّعياً أنه أظهر لقطات من مسيّراته، ومرةً ​​أخرى عندما تفاخر بإسقاط مسيّرة إسرائيلية، وهو ادعاء نفاه بشدة الجيش الإسرائيلي. وبذلك أقولها صراحةً، هذا ليس نصرالله الذي نعرفه”.

لعبة خطيرة
تفسر التقييمات الإسرائيلية الجديدة، هذا التحول على أنه تكتيكٌ يعتمده نصرالله، بالتركيز على التهديد المفترض من إسرائيل لصرف الانتباه عن مكانته الحساسة في السياسة اللبنانية المحلية، وبذلك يلجأ لاتهام إسرائيل والولايات المتحدة بشكلٍ غير مباشر بأزمة الطاقة الرهيبة في لبنان.

من جانبه، يوضح مصدر دبلوماسي إسرائيلي رفيع، طلب عدم الكشف عن هويته، ما يقوم به الأمين العام للحزب من وجهة نظرٍ إسرائيلية، قائلاً: “من المناسب له أن يشرح للمواطنين اللبنانيين أنهم مضطرون للاصطفاف عند محطات الوقود بسبب إسرائيل. إنه ببساطة كلاسيكي. يحاول أن يحجز لنفسه موقفاً يربحه دوماً. فإذا أسفرت المفاوضات بين إسرائيل ولبنان عن نتائج إيجابية، فإنه سينسب الفضل لنفسه ولتهديداته لإسرائيل. أما إذا كانت النتائج سيئة، فسيصعد الأمور ويصف نفسه بأنه منقذ لبنان وحامي كنوزه”.

وهكذا، يلعب نصرالله لعبةً خطيرة. وهذا ما عبّر عنه مصدرٌ في المخابرات الإسرائيلية للموقع الأميركي بالقول “إنه لا يريد الحرب. لكنه قد يجد نفسه وسطها. لم يكن يريد الحرب في عام 2006 ووجد نفسه يخوضها. يجب أن يفهم أن الشيء نفسه يمكن أن يحدث الآن”.

لابيد ونصرالله
وبخصوص كيفية رد إسرائيل إذا ما استمر نصرالله في إرسال المسيّرات باتجاه منصة كاريش، فيتفق المسؤولون الإسرائيليون على أن أي محاولة لضرب المنصة ستكون انتهاكاً واضحاً لخطها الأحمر، سيطلق يدها لهجوم واسع النطاق على لبنان.

بَيد أن رئيس الوزراء الإسرائيلي المؤقت يائير لابيد، الذي يصور نفسه على أنه “الشخص البالغ الحازم والمسؤول” على هذه الجبهة، لديه حساباتٍ مختلفة. إذ يكشف الموقع أن هذا الأخير قد أخبر الوسيط الأميركي في محادثات الحدود البحرية الإسرائيلية-اللبنانية، آموس هوكشتاين، أن إسرائيل ترغب في تسريع وتيرة المفاوضات والتوصل إلى اتفاقٍ مع لبنان في أقرب وقتٍ ممكن.

ويرى الموقع الأميركي أن لابيد يريد إخماد النيران في هذه القضية المتفجرة، لكنه يعلم أن نصرالله في مأزق. فهو لا يستطيع الاعتراف بأي اتفاقٍ مع إسرائيل، وهي خطوة من شأنها أن تعني الاعتراف بالسيادة الإسرائيلية. ومن ناحيةٍ أخرى، إذا كان الاتفاق مفيداً للبنان، يمكن لنصرالله أن يرجع الفضل لنفسه. لذا، يمكن القول أن لابيد مهتمٌ بمساعدة نصرالله على اتخاذ قراره في أسرع وقتٍ ممكن.

طريق مسدود!
في السياق ذاته، كشف المحلل العسكري في صحيفة “هآرتس”، عاموس هرئيل، أن مسؤولين في سوق الطاقة الإسرائيلية بدأوا يبحثون بهدوء عن بدائل للتنقيب في حقل كاريش، وذلك تحسباً من عرقلة عملية التنقيب بسبب التوتر الحاصل مع حزب الله.

وينقل هرئيل في تقريره، تحليلاً للمخابرات الإسرائيلية، يفيد بأن نصرالله لم يغير رأيه، ولا يزال يهاب الحرب، لكون ندوب عام 2006 لا تزال حية في ذاكرته. ومع ذلك، أُطلق العنان لديناميكية التصعيد. ثم ينتقل ليكشف أن آموس هوكشتاين، الذي زار إسرائيل الأسبوع الماضي، لم يأتِ بأخبارٍ جيدة. وكان لدى محاوريه الإسرائيليين انطباعٌ بأن المحادثات وصلت إلى طريقٍ مسدود.

ويلفت هرئيل أن شركات الطاقة وُضعت في هذه الصورة. فبعد أن كانت الخطة الأصلية تفترض أن يؤدي بدء الحفر في كاريش إلى تمكين الكونسورتيوم الذي يدير موقع ليفياثان من طلب الإذن بتحويل بعض الغاز إلى مصر، والحصول على سعرٍ أعلى. تم التلميح لهذه الشركات مؤخراً إلى أن هذا التطور قد يتأخر إذا قام حزب الله بالتصعيد في أيلول المقبل.

ما هي حدود الدور الإيراني؟
وهناك سؤالٌ آخر يحيّر القيادات الإسرائيلية ويتعلق بدور إيران في ملف الحدود البحرية وحجم تدخلها. فطهران لم تعلق على قضية الغاز ولم تنضم إلى تهديدات حزب الله. وبالعودة إلى الماضي، تصرف نصر الله عندما أمر بخطف جنود الاحتياط عام 2006، من تلقاء نفسه من دون إبلاغ الإيرانيين. وسرعان ما أعادت إيران تسليح الحزب بعد الحرب، ولكن هذه المرة على نطاق أوسع بكثير من حيث الكمية والنوعية. وحرمت نصرالله من سلطة اتخاذ القرار بنفسه حتى لا يورط طهران مرة أخرى في مواجهة تتعارض مع مصالحها الاستراتيجية.

ويقول هرئيل أنه من الصعب معرفة ما تريده إيران هذه المرة. فهل ستعطي حزب الله حرية أكبر وتسمح للتنظيم بتسخين الوضع مع إسرائيل، أم سيُكبح جماح نصرالله على أساس أن الاعتبار الرئيسي هو توقيع اتفاق نووي جديد بين إيران والقوى العظمى؟

وقد حاول بعض الخبراء بالفعل الإجابة على هذا السؤال، فاعتبر شمعون شابيرا، خبير الشؤون اللبنانية في مركز “القدس للشؤون العامة”، أنه لا يمكن استبعاد أن طهران تحرض على تهديدات حزب الله رداً على زيارة الرئيس الأميركي جو بايدن إلى المنطقة. وذهب في الاتجاه نفسه مايكل يونغ، الباحث في مركز “كارنيغي للشرق الأوسط” في بيروت. وعلى المقلب الآخر هناك خبراء آخرون يعتقدون أن قضية الغاز خاصة بلبنان فلا يستطيع الإيرانيون فرض إملاءاتهم. ويقولون إن هذه القصة تبدأ وتنتهي بنصرالله.

شاهد أيضاً

يمق زار مركز “الجماعة الإسلامية” في مدينة طرابلس معزيا” باستشهاد عنصريها

زار رئيس مجلس بلدية مدينة طرابلس الدكتور رياض يمق، مركز الجماعة الإسلامية في طرابلس، مُعزياً …