حوار في الثقافة والسياسة من إعداد الإعلامي د. وسام حمادة

 

في زمن العولمة والإعلام المرتهن وترسيخاً لمفاهيم الثقافة والمعرفة الراقية والتي تعيش غربتها القاتلة تعيد مجلة كواليس وموقعها الإلكتروني نشر لقاءات ثقافية وسياسية كان قد أعدها وقدمها لفضائية الإتحاد الإعلامي د. وسام حمادة عبر برنامج 24 /24
ولقاء العدد مع الأكاديمي وأمين عام اتحاد الكتاب اللبنانيين السابق “د. وجيه فانوس”

حلقة الليلة بعنوان : ” لغة الدر”

أغنية: “مسيتكم”

كلمات: ” بلال شرارة “

الحان وغناء : ” د. وسام حمادة “

 

الأغنية:

 

مسيتكم الله شو حبيتكم

حوطكن بفاطمة الزهرا

وبمريم لما في حدا بطهرا

الله يجمع شملكم، شمالكم ع جنوبكم

طفي الحريق بدربكم، الله يحمي بلادكم

الله شو حبيتكم

من صوبنا لبنان حامل همكم

متل لِصاب عيونا لِصابكم

ولي حرق صابيعنا عما يحرق قلبكم

ولي شمت بموتنا عم يضحكو عيونو ع صرخة دمكم

حاجي حرب عما بتنهش لحمكم

الله شو حبيتكم

من صوبنا نسمة جبل بتدلكم

من صوبنا شتلة تبغ بتقلكم

نفس الشمس بتشرق عكل بلادكم

من شرقكم لغربكم، ع شمالكم وجنوبكم

نفس القمر، بيعشق بليل بلادكم

نفس القمر، ساعات بواعد مرا بشمالكم

نفس المرا بتواعدو بجنوبكم

نفس الهوا بينقل همس بين الشجر

نفس المطر بيروي الأرض نفس المطر

نفس الهوا بينقل شمس بين الشجر

نفس المطر بيروي الأرض نفس المطر

نفس الحجل ديك الحجل بيكرج عمرمى عيونكم

نفس البلابل والدوالي بتسرح بملعب ريحكم

نفس النهر بيسري بقلب كرومكم

بيحمل رسايل حبكم من قلبكم

من شمالكم لجنوبكم من شرقكم لغربكم

مسيتكم الله شو تمنيتكم

متل الحروف موحدة بكتاب

للضيف ملقاكم غني ومشرعة البواب

ليش الزمن حط الأسى بقلوبكم

لا تتركوا العِدا سيوف بدمكم

من قلوبنا منقلكم وحدة وطنكم وحدها رسمالكم

الله شو حبيتكم دعوة وفا لشعبكم

الله يجمع شملكم الله يجمع شملكم

 

– نلتقي عبر برنامج 24/24 الذي يسعى إلى تقريب رؤى ورؤية الضيف إن في السياسة أو في الثقافة لنعبر من خلاله إلى وجدان المشاهد وعقله عبر صورة تحاكي الواقع الذي نعيشه.

بداية أُرحب بضيفي العزيز رئيس إتحاد الكُتّاب اللبنانيين الدكتور وجيه فانوس، أهلاً وسهلاً بك في هذا اللقاء.

الضيف: أهلاً بكم دكتور وسام.

 

– في زمن الفوضى الكلامية والعبث باللغة والنص وكل الجماليات، تهاوت الحروف وضاجت بحور الشعر محتجة على التيه الذي تعيشه لغتنا العربية، ولتصحيح المسار وتوجيه البوصلة إلى هدفها السامي ينبري ضيفي متسلحاً بحروف من أبجدية أم اللغات للدفاع وبكل جرأة عن هذا الكنز الإرث، فهو المتخصص باللغة العربية والمدافع عنها من خلال تبوأه عدداً من المناصب الأكاديمية والثقافية، هو حكاية حب لا تنضب للغة وتراث إنساني يحنو عليه حُنو الأهل على أبنائهم.

في هذا اللقاء سنُبحر معك دكتور وجيه على متن هذه اللغة علّنا نصل إلى مصدر تفاؤلك الدائم وعدم خوفك عليها في حين نجد أن معظم الناس باتوا في حالة خوف على اللغة العربية.

لكن بداية سنُعرّف المتابعين على هذه الشخصية التي لعبت دوراً أساسياً في محاولة تثبيت اللغة العربية على قدر الإمكانيات المتوفرة إن كان عبر أكاديميتك أو عبر تبوؤك لمنصب إتحاد الكُتّاب اللبنانيين اليوم.

ماذا تخبرنا عن هذه الشخصية؟ بمن تأثرت نشأتك؟ ولماذا أحببت اللغة في حين أن معظم أبناء جيلك تحديداً اختاروا مهنة الطب أو الهندسة أو المحاماة أو غير ذلك من الاختصاصات؟

الضيف: أحببت اللغة أولاً لأنها كانت وسيلة أو آداه من أدوات التواصل الثقافي لي مع العالم الخارجي.

لقد تربيت في عائلة كان وضعها المادي جيد، ثم انهار لأسباب معينة، فلم يكن لدي إمكانيات التواصل مع العالم الخارجي إلا من خلال شيء كان اسمه الراديو، والراديو في ذلك الزمن كان يستخدم اللغة العربية الفصحى، فحين تفتح أي محطة إذاعية أكانت مصر أو دار الإذاعة اللبنانية من بيروت أو حتى إذاعة لندن كان الحديث دائماً باللغة العربية الفصحى، فهذه اللغة العربية شكّلت عندي آداه للتواصل مع كل ما هو آخر ثقافي إذ أنني كنت بأمسّ الحاجة إليه لبناء هذه الشخصية، وهنا أتكلم عن مرحلة كان عمري فيها دون العشر سنوات.

 

 

– لقد كنت محظوظاً في ذلك الوقت حيث كان الراديو عملة نادرة.

الضيف: كان هو المفتاح الأساسي وهو المُدخِل إلى العالم، ومن خلاله تعرفت على كل العالم، وقد أحببت اللغة العربية وألفاظها وجرسها وإخراج حروفها من خلال أحد مذيعي دار الإذاعة اللبنانية كما كانت تسمى من قبل، كبير مذيعي لبنان المرحوم الأستاذ شفيق جدايل الذي تأثرت به، وكان أداؤه في إذاعة نتائج اليانصيب اللبناني يعجبني جداً، حيث كان يقول إن الورقة ذات الرقم كذا في مرتبة مئات الألوف كذا في مرتبة عشرات الألوف وإلى آخره، تربح كذا أما الورقة التي تليها برقم واحد أو تتأخر عنها برقم واحد فتربح كذا وكذا، فهذه العملية كلها لم تكن تظهر مع لفظ الأستاذ جدايل أنها معقدة، بل كانت تظهر أنها عملية بسيطة وكنا نتقبلها لا بل نستسيغها، طبعاً عدا عن وصفه للحفلات التي كان ينقلها الراديو وكان وصفه وصفاً تصويرياً، فتعلمت منه أيضاً حب البلاغة وحب تجميل الكلمة واللفظة وتذويقها وتأنيقها، صحيح أن الأستاذ شفيق كان يبالغ في هذا كثيراً وأنا ضد هذه المبالغة الآن ولكن هذا ما أثّر بي.

 

 

– الجميل في هذا الأمر أنه كان أستاذاً عن بُعد وبطريقة غير مباشرة.

الضيف: أنا لا أعرفه وتوفي ولم أراه في حياتي، ومن باب الإعجاب الزائد فيه كتبت كتاباً عن شفيق جدايل ونُشر سنة 2014.

الأمر الآخر الذي لعب دوراً في حبي للغة العربية هو نشأتي المقاصدية، حيث كنت تلميذاً في جمعية المقاصد في بيروت، وكانت مدرستي تُعرف بإسم عثمان ذي النورين وهي تقع في منطقة رأس النبع وقد تمّ تغيير اسمها عدة مرات، هناك كنا نتعلم أموراً كثيرة ومنها القرآن الكريم، كان لدينا حصة تدريسية أسبوعية نتعلم فيها القرآن الكريم على يد الشيخ محمد العثماني رحمه الله، فكنا نضطر دائماً إلى أن نلتزم مخارج الحروف والأصوات وإعطاء الحق لكل حرف بالنطق الصحيح الكامل له ونتعلم مع ذلك الترخيم والإدغام والغُنة وكل هذه الأمور وقد كنا في عمر السبع والثماني سنوات، لعلنا كنا نقرأ هذه النصوص القرآنية الكريمة دون أن نعي حقيقة المضمون ولكن كانت تُشكّل لنا جرساً موسيقياً نشأنا عليه واعتدناه، أتى هذا مع محاولات البلاغة والجمال التي كان يقدمها إلقاء الأستاذ شفيق جدايل في الإذاعة، فاجتمعت هذه الأمور في ذاتي، وبعد ذلك لا أدري كيف تطورت، فما وجدت نفسي إلا عاشقاً لهذه اللغة العربية.

 

 

– من حسن حظ اللغة أن هذا العاشق حريص على معشوقته، وهذا النوع الجميل من العشق بات اليوم عشقاً ممنوعاً مع الأسف إذا صح التعبير.

الضيف: العشق الممنوع ليس من قِبَل العاشقين.

 

– أكيد ليس من قِبَل العاشقين، بل من قِبَل المهيمنين على العشق.

دكتور وجيه سنُكمل هذا الحوار بعد متابعة هذا التقرير الذي يدور حول تجربتك ومسيرتك النضالية من أجل اللغة العربية.

التقرير:

وجيه فانوس إسم غني عن التعريف في عالم الأدب والثقافة والتربية، أستاذ ودكتور وأمين عام إتحاد الكُتّاب اللبنانيين، وهذا غيض من فيض إنجازاته التي لا تُعدّ ولا تُحصى.

وجيه فانوس ولد في منطقة برج أبي حيدر عام 1948، تلقى دراسته الابتدائية والمتوسطة في مدراس جمعية المقاصد الخيرية الإسلامية في بيروت، وتخرّج في المرحلة الثانوية عام 1967 من ثانوية رمل الظريف الرسمية في بيروت، ثم تخرّج من الجامعة اللبنانية في اختصاصيّ اللغة العربية وأدبها وعلوم التربية وحاز على درجة الكفاءة في اختصاص اللغة العربية وآدابها.

لم تقف طموحات وجيه فانوس بل تابع اختصاصات التاريخ والآثار في كلية الآداب والعلوم الإنسانية، وكان من الرعيل الأول من الطلاب الذين تسجلوا لتحصيل الإجازة في الإعلام من معهد الإعلام، وحصل الدكتور وجيه فانوس من الجامعة اللبنانية نتيجة تفوقه العلمي على منحة لمتابعة الدراسة الأكاديمية في الخارج في أكثر جامعة في العالم عراقة وهي جامعة أكسفورد في إنكلترا، وكان أول طالب من متخرجي الجامعة اللبنانية يُقبل في أكسفورد الذي تخرج فيها عام 1980 برتبة دكتوراه في النقد الأدبي.

شغل وجيه فانوس مهام أستاذ زائر ومحاضر ومستشار أكاديمي وعضو لجان تحكيم وعضو مناقش في عدد من الجامعات والمؤسسات العلمية والإدارية في العالم العربي، أما في لبنان فقد ساهم في التدريس الجامعي في عدد من الجامعات وهو حالياً المستشار الأكاديمي لرئيس الجامعة الإسلامية في لبنان ورئيس قسم الدراسات العليا في كلية الآداب والعلوم الإنسانية في الجامعة الإسلامية في لبنان فضلاً عن كونه الأمين العام لإتحاد الكُتّاب اللبنانيين ورئيس المركز الثقافي الإسلامي.

 

 

– في الحقيقة أن ما ورد في هذا التقرير قليل أمام إنجازاتك، ولم نتطرق إلى ذكر كل المراكز التي تبوأتها ولكن أحب أن أُضيف أن حضرتك نائب أمين عام إتحاد الكُتّاب العرب أيضاً.

على كُلٍ أنت أكبر من كل المراكز إذ أنك إضافة جميلة لهذا العالم.

الضيف: شكراً على هذا التقرير وقد يكون هناك مبالغة فيما يُحملني إياه من مسؤوليات.

 

– لو لم تكن على قدر هذه المسؤوليات لما كان هناك هذا الإجماع على انتخابك أمين عام لإتحاد الكُتّاب اللبنانيين.

الضيف: أيضاً أشكر كل الزملاء الكُتّاب في الإتحاد على هذه الثقة.

 

– سنتكلم بعد قليل عن واقع الإتحاد، ولكن هناك أمراً لافتاً وهو أن حضرتك أول من أخذ منحة إلى أكسفورد.

الضيف: لقد كنت أول طالب من الجامعة اللبنانية يُقبل في جامعة أكسفورد في بريطانيا.

 

– هناك مفارقة في ذهابك إلى دولة ناطقة باللغة الإنكليزية لتحصيل شهادة الدكتوراه فيما يتعلق باللغة العربية والنقد تحديداً، ألا ترى أن هذا نوع من المساس بكرامة هذه اللغة إذا صح التعبير إذ أن نيل هذه الشهادة ليس على أرض عربية؟

الضيف: الحصول على المنحة جاء نتيجة تفوق في الدراسة خلال التحصيل الجامعي.

 

 

– عفواً هذا السؤال فقط من أجل التوضيح وليس انتقاصاً من المنحة أو من تفوقك، والمقصود به المنظومة العربية ألم يكن لديها هذه الإمكانيات؟

الضيف: كان لدى الجامعة اللبنانية سياسة وضع من تراه خيّراً أو صاحب إمكانيات من طلابها في أجواء الثقافة العالمية، فكانت ترسل هؤلاء الطلاب إلى الخارج، وهذا الأمر لا يُعيب الطالب على الإطلاق ولا حتى موضوعه، صحيح أن اختصاصي الأول كان اللغة العربية وآدابها، والذي ذهبت لأجله إلى أكسفورد كان يساعدني على الانفتاح الثقافي.

أذكر أنه قبل أن أذهب إلى أكسفورد أول ما خاطبني به أستاذي الشاعر الكبير خليل حاوي -تحية لروحه- حيث قال لي لديك فرصة الآن قد تكون أربع سنوات أو خمس سنوات، حاول قدر الإمكان أن تُطيل مدة البقاء هناك لتكتسب الكثير من الثقافة الغربية التي نحن بحاجة إلى أن نتعرّف عليها، وليس من الضروري أن تقبل كل شيء تراه كما أنه ليس من الضروري أن ترفضه، تعامل معه على أساس معرفة ما إذا كان مفيد لك أو لا، وحين وصلت إلى أكسفورد التقيت بصديق عزيز تحية له أيضاً وهو الدكتور كمال أبو ديب وكان قد أنهى الدكتوراه وبدأ التدريس في جامعة أكسفورد، وفوجئت بأن كمال قال لي ذات الكلام، بأن هذه فرصة عمر لك الآن، ستكون في أكسفورد وستطّلع على كل الثقافات والآداب التي تريد الاطلاع عليها، ولكي ينهض الأدب العربي والثقافة العربية لا يمكننا أن ننغلق على أنفسنا لابد من الانفتاح.

وبالفعل قضيت معظم الوقت في أكسفورد وأنا أستمع إلى محاضرات في الاقتصاد والتاريخ والجغرافيا والسياسة والعلوم العامة، وأحضر نقاشات وغير ذلك، وتعلمت الكثير من الأمور التي لم نكن نجرؤ في ثقافتنا وحضارتنا على القيام بها بهذه القوة وهذه الحرفية التي كانت توجد في جامعة أكسفورد.

 

 

– هنا كان سؤالي، لماذا الغرب مهتم إلى هذا الحد تاريخياً بكثير من الأمور وجزء أساسي منها اللغة، وقد اهتم بالتراث والأرض والجغرافيا والبيئة ولكن اللغة كانت الأساس وخاصة مع المستشرقين، كم كان بإمكانهم أن يُقدموا لطالب لبناني ما يستفيد منه بأن يعطوه هذا الدفع ليكون بهذه الشخصية التي تشكّلت لديك؟

الضيف: أكسفورد أعطتني الدفع الثقافي وأعطتني منهجية الفكر والتفكُّر في الأمور، أما المادة المعرفية فقد أخذتها من المعارف اللبنانية والعربية ومن ثقافة الكتب والتي أخذتها معي إلى هناك، لكن هنا تعامل الآخر مع ثقافتك ومع لغتك يفتح لك أفق جديد من المستحيل أن تجده في بلدك، لأن في بلدك الجميع مثلك يتكلمون من ذات الأفق مهما تنوعنا فيما بيننا نبقى دائماً ضمن نطاق واحد، أما عندما يأتي الآخر ويناقشك في أفكارك وفي ثقافتك وعاداتك وتقاليدك تنفتح الأمور على آفاق لم تعمل بها طوال عمرك، هنا سأعطي مثل بسيط، في المرحلة الأولى في أكسفورد كنت بمفردي، وبعد حوالي السنتين تزوجت وانتقلت زوجتي معي من لبنان إلى أكسفورد، فأتى بعض الأصدقاء الأجانب لتهنئتها بالوصول، قلت لها بكل عفوية أن تقوم بتحضير الشاي وأكملت الحديث معهم، هذا الحدث لوحصل في بيتي هنا أو في بيتك أو في أي بيت آخر هو حدث طبيعي ومتوقع، في تلك الأثناء نظر إليّ الصديق الأجنبي وقال لي بما معناه (وجيه لماذا تطلب منها ذلك، لماذا لا تقوم أنت بتحضير الشاي فنحن أتينا إلى هنا لنُسلّم عليها) حينها دخلت الفكرة إلى ذهني، أي أننا يجب أن نكون شركاء بالفعل إذ أنها ليست هي قرينتي بل كل منا قرين للآخر، وحين رجعت إلى بيروت كتبت على جرس البيت إيمان ووجيه فانوس، فكان الاعتراض على ذلك من أحد أقارب زوجتي وقال لي من المعيب أن نضع إسم المرأة على باب المنزل.

إذاً هذا ما يُوسّع الآفاق الثقافية ويضعك أمام تحديات كثيرة، مثل هذا الأمر وجدته في ثقافتنا التي أخذتها معي، ثقافتنا الأدبية النقدية التي درستها، هناك وجدت أنه بإمكاننا أن نفهم الجرجاني بطريقة مختلفة، وأن نقرأ الشدياق بطريقة مختلفة تماماً، وهناك الكثير من الإمكانيات التي ساعدتني على فتح الآفاق، لذلك كانت سياسة الجامعة اللبنانية حكيمة جداً في إرسال طلابها الذين ترى فيهم خيراً إلى الخارج، ولم يكن ذلك لنيل شهادة الدكتوراه، فبإمكانك أن تنال هذه الشهادة من أي مكان خاصة في هذه الأيام، ولكن أن تكتسب ثقافة العالم الآخر وتكون حراً في اكتسابها ولا تكن مرهوناً له لأنك لا تأخذ المنحة من عنده، فوطنك هو الذي يمولك بهذه المنحة لتعود ولديك شخصية مختلفة ورؤية مختلفة فيها الكثير من الإيجابيات كما أزعم.

 

 

– حضرتك حصلت على الدكتوراه بالنقد الأدبي في لبنان؟

الضيف: أساسي الأول هو الإجازة في اللغة العربية وإجازة في التربية وعلى هامش هاتين الإجازتين كنت قد حصلت على إجازة في التاريخ وإجازة في الآثار، بالإضافة إلى أنني تسجلت في معهد الإعلام وكنت من أول الطلاب فيه وكان رقم بطاقتي ثلاثة عشر، وحزت على ماجستير بموضوع لا علاقة له بالسفر إلى الخارج وهو الشعر الشعبي لعمر الزعني، فأتت المنحة وكان فيها توصية من الدكتور ميشال عاصي رحمه الله بأن أذهب وأدرس النقد الأدبي، سألته لماذا هذه التوصية، فقال نحن نقوم بطلب خليل حاوي من الجامعة الأميركية ليُعلم النقد، لأن ثقافته غربية شرقية وأنت تعلم كم هي أصالته في مشرقيته، وهذا ما نريده لذلك اذهب وعد لنا بما أوصيتك، وكان ذلك فعلاً، من هنا انفتحت الآفاق وتوسعت أكثر وانتشرت أفكار جديدة ما كان لها أن تخطر في بالي حيث قرأت حاضري وماضيي بطريقة مختلفة واستطعت أن أستخرج منه أشياء كثيرة عشتها في حياتي.

 

– شعرت من خلال كلامك أن هناك أزمة رؤية لهذه القراءة، أي أنك إذا قرأت ذات النص في الخارج يُعطيك رؤية مختلفة عمّا إذا قرأته في منطقة أخرى، مما يدل على أن هناك أزمة متلقي في هذه الحالة.

الضيف: هناك بيئة ثقافية مختلفة، لاحظ اليوم نحن نعيش أزمة عدم الثقة بالآخر أي آخر، حتى في وطننا نحن منغلقون، أنا منغلق عنك والآخر منغلق عني ونحن الثلاثة المنغلقين عن بعضنا منغلقين عن آخر أيضاً، لذلك نحن اليوم ندخل في الطائفية والمذهبية والمناطقية وغيرها وإلى مزيد من الانغلاق.

 

 

– نحن نُكوّن شرنقات حول أنفسنا.

الضيف: عندما أدخل إلى شرنقتي أرى كل شيء خارجها عدوي فلا أُقبل عليه، علماً أنه لا الدين ولا واقع الحياة يسمح لنا بهذه الشرنقة، فالنص القرآني يقول: “وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا” ولم يقل يا أيها المؤمنون بل قال “يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم” أصبحت التقوى مبنية على التفاعل الإجتماعي والثقافي، ومعنى لتعارفوا ليس فقط إجتماعياً بل ثقافياً ومعرفياً وفكرياً، نحن اليوم في لبنان نعاني هذا النقص في التعرّف على الآخر، نقول أننا منفتحون على الآخر وعلى الثقافات، لكن على أرض الواقع هناك انهيار حاصل في المجتمع اللبناني على الصعيد الإداري والسياسي والاقتصادي واجتماعي أي أن هناك انهيار من جميع الجهات، كيفما توجهت ترى هذا الانهيار بالإضافة إلى النفايات المتراكمة في كل ناحية، وسبب ذلك الانغلاق وعدم قبول أي آخر فينا، والخلافات التي نشهدها اليوم هي عبارة عن انغلاق كل واحد على شرنقته وعدم السماح لأحد بالدخول إليها.

 

– قد يكون هذا جزء من المعركة التي بات من الواجب فتحها لتكسير هذه الشرنقة.

سنحاول في هذا اللقاء أن نخترق هذه الشرنقة ونُعرّج على مفاهيم مغلوطة أحياناً تُسبب هذه الإشكاليات حتى على مستوى النص الإلهي، خاصة أن الجميع أجمعوا على أن هناك تفسيرات مختلفة هذا يُفسّر وذاك يطعن بالتفسير والعكس تماماً.

ما هو تعريف اللغة اليوم؟ هل هناك تعريف علمي لمفهوم اللغة؟ هل هذه اللغة التي نتكلمها اليوم هي ذات اللغة التي تداول بها أجدادنا؟ وهل مسموح لنا زيادة هذا الكمّ من الفروقات اللغوية ما بين النص الموروث منذ أيام قريش حتى هذه اللحظة؟

الضيف: إذا أردنا أن نعرف ماذا تعني اللغة أو ما هو مفهوم لغة تعالى نقوم بزيارة إلى لسان العرب لإبن منظور، كلنا حين نقف عند أي كلمة نذهب إلى ابن منظور في لسان العرب، إذا فتحت لسان العرب على مادة “ل غ و” باب الواو فصل اللام تجد “ل غ و” من ضمنها يقول إبن منظور أن اللغة من اللغو واللغو هو الكلام الزائل، مازلنا حتى الآن نقول لغو الكلام، أي الكلام المُتغير والغير ثابت، وهذا يعني أن اللغة غير ثابتة، نحن نتعارف على بعضنا بلغة هي إبنة عصرها، وحين يتغير العصر والزمن وتتغير الظروف نتعارف بلغة تختلف عن تلك التي تعارفنا عليها.

 

 

– إذن ماذا نسمي أنفسنا اليوم إذ أنهم يقولون لنا أن المشترك فيما بينكم هو اللغة العربية؟

الضيف: هذه اللغة التي تتغير هل هي متحولة باستمرار؟ وعلى ماذا تستند؟ وإلا يصبح الأمر عشوائياً ومزاجياً، هنا أُحيلك إلى مصدر آخر وهو النص القرآني، إذا أخذنا نص القرآن الكريم من أول ورقة في المصحف الشريف حتى آخر ورقة فيه، راجعهم لن تجد لفظة لغة بل تجد لفظة لسان، مثال على ذلك: إن أنزلناه بلسان عربي مبين، وعدة مرات يذكر لفظة لسان، فما هي اللغة وما هو اللسان؟ اللسان هو النظام الكلامي الذي تُعبّر به مجموعة من الناس وعلى سبيل المثال: وما أرسلنا رسول إلا بلسان قومه، أي بما يساعد هؤلاء القوم على أن يفهموا ما يقول وإلا أُصيب هذا الرسول بالعِيّ، والله سبحانه وتعالى لن يختار من فيه عِيّ حتى يكون رسولاً، وعندما اختار موسى قبله وقد ذُكر في القرآن الكريم “إجعل لي وزيراً من أهلي هارون أخي أشدد به أزري” وذلك لأن هارون كان لديه شيء من الفصاحة فكان له مساعداً، إذاً اللسان هو نظام الكلام الذي نعتمده ونُعبّر عن هذا النظام عبر تاريخنا العربي، وبكل بساطة عبّرنا عنه لعدة لغات، كان لدينا كما ينص التاريخ لغة قريش ولغة حِميَر ولغة مُضَر ولغة طَيء ولغة هوازن ولغة مخزوم وغيرها من اللغات ولم يكن هذا الأمر عجيباً.

 

– يعني نحن عملياً موروثنا اللغوي يعود إلى قريش فقط.

الضيف: تطور الأمر وأُنزل القرآن بلسان عربي وفيه عدد من اللغات.

 

 

– فيه عدد من اللغات؟!

الضيف: أُنزل على سبعة أحرف.

 

– حسب المنطقة.

الضيف: لكن فيه من لغات العرب جميعاً، سأعطيك مثالاً: في النص القرآني وفي سورة الإنسان آية يقول فيها: “لا يرون فيها شمساً ولا زمهريرا” إذا أردت أن تدرسها بلاغياً، الصواب أن يقول لا يرون فيها شمساً ولا قمرا أو لا يرون فيها برداً ولا زمهريرا، الزمهرير بمفهومي أنا يقابله الحر والشمس يقابلها القمر، كيف جمعت لا يرون فيها شمساً ولا زمهريرا، ما علاقتهما ببعضهما، تابعنا البحث بهذا الأمر فاكتشفت أن الزمهرير بلغة طيء تعني القمر هنا دخل طرف، إذاً جُمع القرآن على لغة قريش وأُتلفت النُسخ الأخرى كلها، ما الذي حصل هنا؟ القرآن كلام لا بد من أن يبقى ثابتاً، هذا الكلام كان يُعبَّر عنه بلغة قريش وبعض اللغات، أُلغيت كل اللغات الأخرى ووحدناه بلغة قريش وجعلنا من اللغة التي هي متحركة وجوداً ثابتاً، واللغة لا تستطيع أن تكون وجوداً ثابتاً ولا بد لها من أن تتحرك، فبدأت اللغة تتحرك، اليوم إذا كانت لغة قريش التي نحن نقول أنها اللغة العربية الفصحى، أنا أتخاطب وإياك في هذه اللحظة بالذات بما يعتبره الكثيرون لغة قريش اللغة العربية الفصحى، هل إذا استخدمت لغة قريش حقاً التي كانت تُستخدم في ذلك الزمن سيفهمها الجميع.

 

 

– بالطبع لن يفهمها الجميع.

الضيف: قد نفهم كثيراً لكن ثمة أمور وألفاظ وكلمات قد لا نعرف معناها ونعود حينها إلى لسان العرب أو سواه من المعاجم، ما الذي حصل هنا؟ اللغة ظلت على طبيعتها واللغة أيضاً ظلت مدونة ومثبتة في النص القرآني كما كانت في زمن قريش، ودخلنا هنا في معضلة إذا أردنا أن ننظر إليها من الناحية التقنية، كيف نجعل من اللغة لساناً وهي ليست بلسان وليس لديها خصائص اللسان، وكيف نجعل من اللسان لغة وليست لديه القدرة على أن يكون لغة، هو ثابت وهي متحركة، كيف نجمع المتحرك والثابت في وجود واحد، ظللنا نقول أن اللغة العربية صعبة ولا مكان لتعليمها إلا بصعوبة ولا يمكن أن يتقنها أحد، وبسبب كل هذا وصلنا إلى مرحلة قلنا أن اللغة العربية بدأت تنهار، ثمة محكية عربية وثمة فصحى عربية وثمة لهجات عربية، هنا دخلت اللهجات بما كنا نسميه لغات، عندما ثبتنا لغة قريش وأصبحت هي لسان بتنا لا نستطيع أن نقول لغة الجزائر ولغة مصر ولغة عمان ولغة بيروت، أصبحنا نقول لهجة، ولنلاحظ أنه ليس هناك لهجة لبنانية واحدة ولا لهجة مصرية واحدة ولا لهجة سورية واحدة ولا لهجة عراقية واحدة بل هناك تعدد كبير، هذه هي حقيقة اللغة كثيرة التَغيُّر حُصِرت ضمن لسان، بات علينا الآن إذا تركنا اللغة تركنا النص القرآني، والنص القرآني وجود لا بد منه للمحافظة عليه، علماً أنه ليس بحاجة إلى محافظتنا “إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون” إذن ماذا نفعل؟ إذا راقبت التاريخ نحن منذ أكثر من ألف وأربعمئة سنة نقرأ القرآن الكريم ونفهمه ونعمل على تدريسه وعلى توضيح الأمور التي بدت في بعض الأحيان مبهمة.

 

 

– ولكن اليوم هناك إشكالية إذ أن كل فريق يفهمه على طريقته وذلك باعتراف واضح وصريح حتى على مستوى الفقهاء ورجال الدين، والدليل هذا المشهد السوداوي الذي نشهده اليوم.

الضيف: هنا سندخل إلى أمر آخر وهو التأويل، وأنا أتحدث الآن ضمن نطاق اللغة فقط وسأوضح الصورة، النص القرآني مازلنا نقرأه ونفهمه، والتراث الأدبي والعلمي العربي الذي نعرفه منذ العصر الأموي مروراً بالعصور العباسية والمرحلة الأندلسية وصولاً إلى الانحطاط وبعد الانحطاط إلى النهضة ومن النهضة إلى المعاصرة ومن المعاصرة إلى الحداثة ومن الحداثة إلى اليوم كلنا نكتب بلغة ونفهم على بعضنا البعض رغم أن هذه اللغة تتغير، إذاً ثمة إمكانية هنا لنجتمع على ما نسميه العربية الأساس، العربية الأساس هي تجربة قامت بها اللغة الإنكليزية عندما وضعوا ما يسمى (the basic English) والتي اعتمدتها بكثرة إذاعة (BBC) لتقدم نشرة أخبار بالإنكليزية تستطيع أن تصل إلى كل من يُتقن اللغة الإنكليزية أو يُلمّ بها ولا يجد صعوبة أو عسر في فهمها واعتمدتها، لقد بحثوا عن القواعد أو الأُسس التي لا يمكن أن تتغير ولا يجب أن تُغيَّر أي اللسان وحافظوا عليها وتركوها للاستعمال.

نحن نتمنى أن نصل إلى هذا ونضع العربية الأساس، والعربية الأساس ليست بالعمل السهل على الإطلاق، فهي تتطلب علماء لديهم معرفة عميقة جداً باللغة العربية وبتاريخها ولهجاتها ولغاتها ومعرفة بأصول الدرس اللساني وما هو اللسان وأن يكون لديهم قدرة على فهم حركات المعاصرة وتتويجها.

ولنفهم اللغة الفصحى التي تتطور أعطيك مثالاً اليوم كنت أشرحه لبعض الأصدقاء، ثمة دراسة أو مقالة للشيخ مصطفى الغلاييني وهو من كبار علماء اللغة في مطلع القرن العشرين وصاحب كتاب دروس اللغة العربية الذي يتحدث فيه عن النابتة، ما هي النابتة؟ إذا تحدثت بهذا الأمر مع أي شخص آخر سيقول لك النباتات وما ينبت، والشيخ مصطفى قصد بذلك ما نسميه نحن اليوم الناشئة، ثمة مقال آخر لأمين الريحاني أصدره سنة 1904 عنوانه الإعتصاب، ما معنى الإعتصاب؟ قد لا يفهم أحد معنى هذا المصطلح، لكن عندما تقرأ نص المقال تجد أنه يقصد بذلك ما نسميه اليوم الإضراب، إذاً اللغة تتغير، حتى بأقل من مئة عام اللغة غيّرت أشياء كثيرة وذلك لأنها لغة، أما اللسان الذي عبّر به مصطفى الغلاييني والجاحظ والشدياق قبل مصطفي الغلاييني والذي عبّر به ميخائيل نعيمة وجبران والذي نُعبّر به اليوم هو اللسان العربي وهو الذي يجمع كل هذه الأمور، لنصل إلى هذه المعادلة لابد من تخصص ودقة ولابد من مسؤولية ورؤية مستقبلية، هذا الأمر لا يمكن لفرد أن يقوم به بل يحتاج إلى مؤسسات لتقوم بذلك وليس إلى مؤسسة واحدة.

 

 

– الظاهر أنه لابد من قرار سياسي إضافة إلى ما ذكرته.

الضيف: قد تكون السياسة هي الأساس.

وكذلك لابد من إجماع من كل العاملين في هذا المجال، هل هذا ممكن؟ ففي اللغة الإنكليزية وصلنا إلى تأسيس الإنكليزية الأساس.

 

– على أمل تأسيس اللغة العربية الأساس.

أودّ الدخول معك إلى موضوع الإتحاد الذي ترأسته منذ فترة، ومن الواضح أن هناك حركة تغيير إيجابية في هذه المؤسسة، كيف تصف لنا وضع الإتحاد اليوم؟

الضيف: الإتحاد اليوم بخير أو أنه بدأ يدخل مرحلة الخير، كما يعلم الجميع وقد قلتها في عدد لا بأس به من المقابلات الصحفية والتلفزيونية والإذاعية والاجتماعية والشخصية، دخلت الإتحاد ولم يكن في حوزته قرشاً واحداً، ومرّت علينا أربعة أشهر أو ربما ستة أشهر لم نتمكن من دفع الراتب الشهري للموظف الوحيد الذي لدينا، لكن الحمدلله بمساعدة الأصدقاء استطعنا أن نقف على أقدامنا وعاد الإتحاد إلى بدء نشاطاته، اليوم أعدنا قاعة المحاضرات في الإتحاد وأصبحنا نقيم محاضرة كل أسبوعين، بالأمس كان لدينا محاضرة رائعة جداً للأستاذ أمين صالح عن انهيار العدالة الضريبية، وقبل أسبوعين كانت لدينا أمسية شعرية لبعض الشعراء وأذكر منهم الأستاذ وجدي عبد الصمد والدكتورة مريم الترك وغيرهم، وقبلها كان لدينا ندوة عن اللغة العربية واستطعنا أن نقيم لأول مرة منذ اثناعشرة سنة مؤتمر عام للاتحاد وكان موضوع النقاش “نحو مشروع ثقافي للوطن” لأننا نرى اليوم أن الوطن يضمحل ثقافياً، وذلك لأنه لا يوجد مشروع ثقافي لديه، والآن نستعد لإصدار ثلاثة كتب تكريمية عن ثلاثة من كبار أعضاء الإتحاد إضافة إلى مجلة الإتحاد، وقد أثبت الإتحاد وجوده في المجالات العربية والحمدلله انتُخب أمينه العام نائباً للأمين العام للاتحاد العام للأدباء والكُتّاب في العالم العربي، هذا الإتحاد الذي يضم أكثر من تسعة عشر أسرة أو جمعية أو إتحاد في البلاد العربية جميعها، ونحن نتعاون مع الجميع في هذا المجال.

 

 

– كم هو عدد المنتسبين إلى الإتحاد تقريباً؟ وما هي شروط الانتساب؟

الضيف: المنتسبون كُثٌر ولا تنسى أن الإتحاد عمره طويل كما أنه لا يطرد أعضاءه، ومن يتركه من الأعضاء يبقى إسمه موجوداً ونعتبره عضواً إلى أن ينتهي العمر، إلا إذا قام بعمل شائن أو جرم أو ما شابه تُتخذ به الإجراءات اللازمة وفق النص القانوني الذي لدى الإتحاد، لكن الحمدلله أعضاء الإتحاد لا غُبار عليهم على الإطلاق، أما الأعضاء الذين يسددون الاشتراك ليشاركوا في الجمعية العامة للاتحاد التي تُعقد كل سنتين هؤلاء عددهم حوالي المئة وخمسة أشخاص، واليوم الخطوة الأساس التي يستعد لها الإتحاد والتي أعلنت عنها عدة مرات وسنبدأ العمل عليها تطبيقاً في الشهر المقبل هي أن يكون للاتحاد وجه نقابي أي أن يقدم نوعاً من الضمان أو صندوق تعاضدي للأعضاء الذين هم من دون ضمانات لا من تعاونية أو من صندوق تعاضدي آخر في مجالات الاستشفاء والصحة، وهذه نقوم بها بالتعاون مع وزارة الثقافة، وهنا أوجه ألف شكر لوزير الثقافة الأستاذ ريمون عريجي الذي يقف معنا مواقف إيجابية في هذا المجال، هذه بعض الخطوات التي نقوم بها في الإتحاد.

 

– حضرتك كاتب ولديك أكثر من ثلاثة عشر مؤلف في مختلف المجالات، واليوم نجد كمّ هائل من المعروضات لأنواع وأشكال من الكتب ذات مضمون ضئيل وعناوين باهرة، من هي الجهة المخولة لتقوم بالإشراف على هذا النوع من النصوص والكتب لكي يصل إلى المتلقي -إذا كان لا يزال هناك متلقي وقارئ للكتاب الورقي- بمضمون ذات فحوى سليم وصحيح وهادف؟

الضيف: في زمن مضى كانت العرب عندما ينبغ في القبيلة أحد أبناءها ويصبح شاعراً يقيمون له الأفراح والأعياد، اليوم ينبغ الكثير من الشعراء، هل ثمة من يقيم الأفراح والأعياد!

 

 

– للأسف تحولت إلى مآتم.

الضيف: صحيح وذلك لكثرة الذين نبغوا! أيضاً هذا الأمر ينطبق على الكتابة تعود إلى تاريخنا الأدبي لدينا عدد كبير جداً من الأدباء والكُتّاب تعرفهم عصورنا الأدبية.

 

– طبعاً لقد تركوا بصمات ضخمة.

الضيف: لكن النشر لم يكن ميسراً بكثرة، فكان يشتهر منهم فلان وفلان، اليوم أصبح النشر شديد اليُسر، ففي الثلاثينات والأربعينات لم يكن النشر بهذه السهولة وكان الكاتب يكتب الكتاب ويدور على هذا وذاك ليؤمّن كلفة الطبع والتوزيع وغير ذلك ونفرح عندما يصدر كتاباً، أما اليوم في كل لحظة يصدر كتاباً لسهولة الأمر، كما أن الكتاب أصبح صناعة منزلية فبعضنا بإمكانه أن يُخرج كتاباً ويُنسقه على الكمبيوتر الخاص به ويضع له غلافاً ويذهب لبيعه وتوزيعه، إذاً ليس هناك من يراقب هذا العمل على الإطلاق.

 

– ليس مهماً الغلاف والورق المهم هو المضمون.

الضيف: إذاً هناك قضية يُسر النشر المتاحة للجميع إضافة إلى كل هذا أصبح لكل واحد منا قدرة على أن يكون وكالة أنباء من خلال وسائل التواصل الإلكترونية حيث تُنشر الأخبار والقصائد على الفيس بوك وتنال الإعجاب ويصبح لديها معجبين، هل هذا يعني أنه أدب حقيقي! قد تجد فيه بعض الأدب الحقيقي ولكن هل كل هذا الضخّ يسمى أدباً وثقافة!

 

 

– من المؤكد أن هناك مشكلة.

الضيف: هناك مشكلة وهي عبارة عن تورُّم ثقافي نعيشه، وذلك لأننا لا نملك رؤية واقعية حقيقية مستقبلية لمشروع ثقافي نعيش فيه.

عندما كنا في القرن التاسع عشر مع ابراهيم اليازجي ويوسف الأسير كان لدينا مشروع ثقافي هو إحياء اللغة العربية، وعندما كنا مع جبران وميخائيل نعيمة وأمين الريحاني وجماعة أبولو وأحمد زكي أبو شادي وكل هؤلاء كان لدينا مشروع إعادة الحياة والرومنطيقية للعربية، اليوم ما هو مشروعنا الثقافي؟ للأسف ليس لدينا مشروع ولذلك تكثر التورمات السرطانية.

 

 

– على أمل إيجاد علاج لهذا التورم السرطاني، وعلى أمل أن يصبح هناك رؤية ثقافية حقيقية أشكر حضورك القيّم والغني، وأتمنى لكم كل التقدم والخروج من شرنقة هذا الواقع الأليم لكل الكُتّاب والمزيد من التألق للاتحاد بقيادتك وتعاونك مع كل الشباب الكُتّاب.

الضيف: أرجو ذلك، وشكراً لكم ولقناة الإتحاد.

لمتابعة الحلقة مع الأكاديمي وأمين عام اتحاد الكتاب اللبنانيين السابق “د. وجيه فانوس”

رابط صفحة اليوتيوب لبرامج د. وسام حمادة

https://www.youtube.com/channel/UC0AuXJduId6PcXIkK9x1phw

متابعة وإشراف: سهام طه
إعداد وتقديم: د. وسام حمادة

شاهد أيضاً

محمد عبده في أول رسالة بعد إعلان إصابته بالسرطان

طمأن الفنان السعودي، محمد عبده، من خلال رسالة صوتيّة مسجّلة وجهها الى جمهوره ومحبّيه في …