الهروب والإستسلام للواقع

مريم صالح

 

المقدمة

الواقع هو المسار الذي تتفاعل معه الحياة بصورة طبيعية، إذ كل مكون في هذه الطبيعة يتفاعل مع غيره من المكونات وقد يكون هذا التفاعل بنَّاءً وقد يكون مدمراً وفق مؤثرات عديدة مع بعضها البعضّ. فعلى سبيل المثال، لنفترض أن سفينة تسير في عمق البحر وإذا بعاصفة هوجاء شديده تهب فيهوج البحر مما يؤدي إلى غرق السفينه ومن فيها. وفي الجهة المقابله نرى رجلا فقيرا يعيش مع اسرته وهم يعانون من الحاجه الماسة للقمه العيش وفي أحد الأيام بينما كان الرجل يفلح في أرضه، وإذا به يعثر على كنز دفين؛ أنقذه وأنقذ عائلته من الحاجه الماسه.

    وهنا نرى أن الواقع بالنسبة للانسان قد يكون مليئاً بالبهجة والسعاده، وقد يكون عسيراً مظلماً. وإزاء هذه التفاعلات نرى من يجابه أحداثا مظلمه بعمل ما بوسعه السيطرة عليها وبكل ما أوتي من قوه وعزيمه، بينما نرى آخرين قد غاصوا في الصدمة وانهارت أعصابهم واصبحوا بحاجه لمن يسعفهم ليخرجوا مما هم فيه، وهناك آخرون لا يبدون اهتماما بما يحدث حولهم تاركين الأمور لغيرهم.

 

 

الهروب من الواقع:

    لذلك نرى أن الهروب هو أكثر الأشياء التي يلجأ إليها الانسان لعدم قدرته على المواجهة لأمور كثيرة، والهروب هو نوعان منهم من يهرب لعدم قدرته على التضحية ومنهم من يهرب لعدم الرغبة في اعطاء التضحية.

    النوع الأول هو الذي يعجزعن تقديم شيء لمن يحب والنوع الثاني هو قادر لكن لا يفكر إلا في نفسه، والهروب هو صوت الخوف في داخلنا الذي يكتسبه الانسان بسبب البيئة والمحيط الذي يعيش فيه.

    ومن زاوية أخرى نرى أن هذا الخوف هو غريزه موجودة لدى جميع المخلوقات الحساسه الذين منحهم الله سبحانه وتعالى هذه الغرائز لينتبهوا لحالهم إذا ما تراءى لهم أن هناك خطراً مما يجب أن يحذروا منه لما قد يحمل معه من خراب ودمار. ولكن يجب أن ننتبه إلى أن الخوف هو ما يجعل الحقيقة لا تظهر كما يجب، مثال على ذلك خوفنا من زعل الآخرين مما يجعلنا نكذب حتى لا نخسرهم لكن هنا في المقابل نكون قد خسرنا حياتنا، خوفنا من الحياة نفسها التي نعيشها مما نجعل الجميع يتدخل في أمورنا وهذا يجعلنا ضعفاء في اتخاذ أي قرار عندما نكون بمفردنا ونبقى معتمدين على هؤلاء البشر لأنهم أصبحوا جزءاً كبيراً في حياتنا وهذا الخطأ الأكبر في معنى الخوف حتى خوفنا من رؤيتنا شفافين مما يسمح للآخرين إستغلالنا وهذا ما يستفز البشر لجعلهم أشخاصا سيئين لأن باعتقادهم حتى يتغلبوا على مخاوفهم يجب أن يستسلموا للأمور السيئة في حياتهم وهذا ليس صحيحاً لأنهم ليسوا سيئين بل هم أظهروا للبشر حقيقة مخبأهعند كل البشر لكن حتى يتغلبوا عما في داخل قلوبهم يحاربون بكل الطرق حتى يصلوا الى مكاناسهل لكي يتخلصوا من الذين يحاوطونهم وحتى هنا لا يبذلون جهداً كافياً لكي يصلوا الى الطابع الجيد فيكتفون بالسيىء وهنا بإعتقادهم بأنهم نجحوا في تخطي مخاوفهم بالهروب من الواقع.

    ما لا يعرفه البعض بأنه لا يوجد انسان لا يخاف، كل شخص لديه مخاوف حتى الحيوانات التي يقولون عنها شرسة فهي تهاجمك لأنها تخاف منك، فلا يوجد كائن حي على وجه الأرضوقلبه ينبض لا يخاف، فالخوف هو ما يدل على وجود دقات للقلب المسرعة هي التي تتحكم بنسبة الخوف لدينا، منا من هو قادر على تخطي مخاوفه فلا تظهر دقات قلبه مسرعة ومنا من تكون دقات قلبه مسرعة من الخوف لدرجة يعجز عن التحكم بمخاوفه وهذا ما يؤثر عليه سلباً لجعل مخاوفه ظاهرة للجميع، وعندما تتكرر هذه الأشياء فتصبح الأمور معقدة أكثر من حيث التعب والارهاق النفسي والجسدي، ويصبح أكثر عرضةًللأمراض الخطيرة منها الامراض المميتة وكل ذلك بسبب الحالة النفسية التي مرَّ بها من قبل ولم يستطع أن يتحكم بها في حياته، والسبب الرئيسي لهذا الشيء هم البشر الذين يحاوطوننا والذين بدورهم يأثرون علينا بأقوالهم وأفعالهم لكي يحطموننا حتى لا نصبح أحسن منهم ويكون لدينا أمور تشغلنا عما يجب أن نفعل مما يجعلنا ضعفاء وسيئين لكي نصل الى هدفنا، وهكذا يكونوا قد وصلوا الى هدفهم معنا ونحن لا نعلم إلا بأنهم أحباؤنا، ولكن للأسف هم أكثر الأشخاص عداءً لنا ولا حتى تهمهم سعادتنا انهم بني جنس“البشر” ويتباهون بأنهم أقرب الناس لنا، لكن يتبين لنا ان أطعمت كلباً شهر سيحسن معاملته لك أكثر من بشر أطعمتهم دهر، والكلب لن يدخل دارك ويخرج منه يثرثر عليك إنما البشر أسوأ من ذلك بكثير.

    هذا ما يُقصد بمخاوف الانسان ليست دائماً من تلقاء نفسه بل هي جزء كبير من تصرفات البشر من حوله وما يولده المجتمع من حوله، كل شخص في الحياة نسطتيع مساعدته في التغلب على مخاوفه وهذا سيحسن من تصرفات المجتمع كله فيتحول من انسان سيء الى انسان جيد، وهذا ما سيخفف من تجنب الامور التي تخوفنا من البشر اذا تمكنوا من السير في الطريق الجيد.

    وهذا أيضاً ما يحصل للأطفال عند بداية قدرتهم على فهم من حولهم، فالبعض يجد طفله عدوانياً والبعض أنانياً والبعض حنونا لكن لا يعلمون مدى تأثير هذه الأمور عليهم عندما يكبرون ولا يعلمون انهم يجب حل مشكلة ولدهم منذ الصغر حتى لا تبقى معه عندما يكبر ويصبح ضمن مجتمع لا يعرف الرحمة.

    كل ما عليهم فعله بالبداية هو فهم أطفالهم جيداً ومن ثم التعرف على سبب المشكلة ويتوجب على الأهل أن يسمعوا أطفالهم دائماً ويحاولوا فهم ما يقولونه لكي يستطيعوا فهم أساس مشكلتهم وارشادهم بالأمور الجيدة لكي يتغلبوا على مخاوفهم بجرأة وازالة الخوف من داخلهم وهذه الطريقة هي لحل مخاوف الصغار التي هي سبب كبير في حياتهم السلبية عندما يكبرون.

    وهكذا نكون قد تكلمنا عن المخاوف المهمة في حياة الانسان من بعض مفاهيم البشر الذينيستعينون دائماً باخصائيين لعلاج أولادهم منذ الصغر وهذا ليس عيب أو حرام بل هذا ما يجعل المجتمع أكثر وعياً وتفهماً لما يواجهون….

 

الإستسلام للواقع:

    بالرغم من وجود الكثيرين الذين يهربون من الواقع المرير والمخيف إلا أن البعض منهم يتحلون بإيمانهم وقدرتهم على تخطي الصعاب وهنا سنتكلم عن كاتبه طرحت في كتاب لها اسمه “السواء، الاختلاف وزمن كورونا”،تتكلم فيه عن الواقع  المرير التي خاضته، منذ ولادة طفلتها التي كانت تنتظرها بفارغ الصبر، وبعد ولادتها بساعات عدة أخبروها بأن إبنتها تعاني من مرض إسمه:” trisomy 21 ” وهنا كانت الصدمة الكبيرة لها ولم تقوى على تقبلها في تلك اللحظة وكانت لحظة جداً صعبة بعد أن كانت تحلم بما ستراه بابنتها من مستقبل لم تعد تستطيع أن تتفهم ما يحدث من حولها وبدأت بالبكاء وحزنها الشديد لعدم معرفتها كيف تتصرف أو ماذا تفعل ورغم مواسات الجميع لها من أطباء وممرضات إلا أنها لم يكن سهل عليها إستيعاب ما يحصل لها وبعد كل هذا سمعت بأن إبنتها تحتاج إلى عملية مستعجلة ويجب أن تنقل إلى مستشفى أخرى لكي تتعالج، بالرغم من أنها حديثة الولادة ومع ذلك بدأت بالدعاء لها لكي تتحسن وتعود لها بخير، وبعد أسبوع من خروج الأم من المستشفى  إنتظرت ابنتها حتى تخرج من المستشفى وعند قدوم الطفلة إلى المنزل وهنا كانت الأم لا تزال تفكر بما سيحدث لو رأت الناس إبنتها وماذا سيقال وماذا سيحدث وما حجم معاناتها وبالرغم من دعم الكثير لها من أقارب وأصدقاء إلا أنها بقيت خائفة لأنها لم تكن تعرف كيف ستشرح لإبنها الذي كان صغيراً وكيف ترد على تساؤلاته وهكذا مرت الأيام المثقلة عليها ، كانت تمضيها بالنوم والبكاء ولا تستطيع أن ترسم أي خطة للغد وبعد مرور شهرين من اقامتها عند أهلها استوقفتها أمها ذات يوم وقالت لها: إلى متى ستبقين هكذا؟ فوقي لنفسك، قومي بواجباتك واهتمي بابنتك… وكانت صرختها المدوية حينذاك: إبنتي؟ لا تشبهني، لا أستطيع أن أحبها ولا أريد أن أشفق عليها… ساعدها الجميع على إستعادة هدوئها، وبدأت بلملمة ذاتها وأغراضها للعودة إلى منزلها وكانت أيضاً المحطة الأصعب لها.

    شعور بالغربة واللا انتماء ظل ينتابها لعدد من الأيام، كانت خلالها كل الأشياء والأغراض تستثير نوبات البكاء لديها ( من سرير ابنتها إلى ثيابها الزهرية، إلى هدايا مولدها التي لم توزع، ولا تزال حتى الآن كما هي شاهدة على فرحة لم تكتمل فصولها..)

    كل هذا وعليها أن تحفظ البسمة على وجه ابنها والرد على تساؤلاته التي كانت تزداد يوماً بعد يوم…

كانت تنتظر المساء كي تخلد بنفسها وكانت تتضرع كل ليلة ان يمدها الرب بنعمة الصبر والقدرة على الحب…

    كانت لا تريد معاودة عملها وغير قادرة على ذلك أصلاً، فكيف لها أن تحاضر بالطفولة ومراحلها واشكالياتها الآنية والمزمنة وهي طفلتها، مولودتها الجديدة ستحمل مشكلتها مدى الحياة، كانت لا تريد البقاء في وطنها وفكرت في الإنتقال والسفر إلى الخارج، ورغم كل هذه الأمور كان لا بد لها أن تستعيد حياتها مجراها الطبيعي، فعادت لمزاولة مهامها، ومحاولة إستئناف الحياة اليومية بشكلها الإعتيادي ولكن بغصة يصعب ابتلاعها…

    احدى الزميلات قالت لها يوماً: “أتبكين لأن لديك طفلة مختلفة؟ أنظري حولك، فمعظم الناس مختلفون؟!” وبعد كل هذه الصراعات التي واجهتها إستسلمت بطريقة إيجابية للموضوع.

    الآن تقول كم كنت غبية، كيف أنها لم تقدر تمام التقدير كل ما وهبها اياه الله، كيف كانت تلهث للكمال فيما كل الأشياء إلى زوال… الآن انقشعت الرؤيا، زالت الغمامة عن عينها، صارت ترى بوضوح أكثر وكأنه كان لزاماً عليها ان تتلقى صدمة كهذه كي تستفيق على أمور كثيرة، وكي تبني وجهات جديدة في الحياة…لا تعتبر قولها هذا نتاج يأس ما، فمرحلة اليأس اعترفت أنها مرت بها وتعتقد أنها قد تخطتها…

    فهي الآن تعتمر لباس النضج والمسؤلية أكثر، وربما يتوجب عليها فعل ذلك كي تستطيع المتابعة والإستمرار والنجاح في الخطوات المفروض القيام بها…

    وهذا ما يسمى بتخطي الأمر الواقع وليس الهروب منه هذا ما لزمت به وهو ما يسمى بالاستسلام الذي كان جزءاً من حياتها من حيث لا هروب منه.

شاهد أيضاً

ضاهر:” تمنى على الأحزاب المسيحيّة الأساسيّة وقف السجالات العدائية “

تمنّى النائب ميشال ضاهر على “الأحزاب المسيحيّة الأساسيّة”، وقف “السجالات العدائيّة في ما بينها، وإيلاء …