هبه عبد الفتاح تكتب .. تناسخ الأرواح ما بين المعتقدات الباطله وآراء الأديان

بقلم : هبة عبدالفتاح 

تناسخ الأرواح ومعناه هو عند موت الإنسان  فإن  روحه تنتقل  إلى غيره ، و قد يكون هذا الغير إنساناً، وقد يكون حيواناً، سواء كان  كلباً، أو قطاً أو أي نوع من أنواع الحيوانات الأخرى، وقد يكون سمكة، وقد يكون دودة، وهذا يعني انه عند الوفاة فإن الروح تكون قد تحولت وتناسخت إلى جسم وهيكل آخر ، وعلى ذلك يتم بناء الكثير من  الترهات الباطلة المضللة  .

هذه العقيدة الباطلة عرفها الإنسان منذ العصور القديمة، فاعتقدت بها الهندوسية والجينيَّة والبوذيَّة والكنفوشيَّة والزرادشتيَّة والمانويَّة..وغيرها ،  ودخلت هذه العقيدة ضمن معتقدات كثير من المذاهب المضلله  كما رأينا ، ومازالوا  إلي الآن الكثيرون يؤمنون بهذه العقيدة .

 

التقمص أو تناسخ الأرواح ، كلمة ترفضها ديانات فيما تعتنقها اخرى وتعني تقمص روح إنسان قد مات بأي شكل من الاشكال جسد  انسان اخر او غير انسان  ، وفي التعريف الروحاني فان الانسان بعد الموت يفنى جسده ، أما روحه فتظل هائمة في الكون تبحث عن جسد لتعود وتولد فيه من جديد، وليس من الضرورة ان تكون ساعة الوفاة بل لاحقا ، وفي التعريف الروحاني فان الإنسان بعد الموت يفنى جسده أما روحه فتظل هائمة في الكون لتعود وتولد في جديد. وهذا الحالة تسمى أيضا عودة الولادة أو تحول الروح الى جسد اخر ويطلق عليها عدة تسميات منها كارماKarma.

 

فقد جاء في التلمود أن الله خلق ستمائة ألف روح يهودية، وأن هذه الأرواح تعتبر جزء من الله، ولذلك فهو يهتم بها أكثر من أرواح الآخرين، وعندما تترك روح اليهودي جسده فإنها تتناسخ أي تدخل في جسد آخر ، فروح الجد مثلًا تدخل إلى الحفيد عند ولادته، وإلي الآن ما زالوا يعتقدون في التقمص وتناسخ الأرواح .

وأفكار التقمص وتناسخ الأرواح  لم ترد لدى اليهود ، لذا فانها لم ترفض كما لم تقبل، ولم يطور المذهب اليهودي أي تصور لما يحدث بعد الوفاة ، بل اعتمد فكرتين بنيت على القليل من الأدلة  وهي الاعتقاد بقيام الموتى ،  أي يموت الانسان جسدا وروحا  ، لكن الجسد يبعث وحده دون الروح. والثانية أن الروح الطاهرة تعود بعد الولادة والحياة والموت الى خالقها ،  بينما في مبدأ  كابالا اليهودي وهو التصوف اليهودي فإن عودة الجسد هي عقاب إلهي الا إنها تخدم النفس كي تعمل لتصبح كاملة وتستقر في جسد جديد .

 

 

ومن القصص اللطيفة التي تذكر في هذا الشأن أنه في أواخر القرن التاسع عشر كان ملك سيام وزوجته في زيارة رسمية إلى فرنسا، وعندما زارا قصر رئيس الجمهورية جاء كلب صغير يشم  رجل ملكة سيام ويلعقها ويحرك ذيله بسرور، ثم جلس على ركبتيها وأخذ يشمها، فما كان منها إلا أنها إنفجرت في البكاء، وتساءلت عن عمر هذا الكلب؟ فقالوا لها سنتان، فصاحت أنه ابني بعينه الذي مات منذ عامين، ولم يجد رئيس جمهورية فرنسا مخرجًا إلا أن يقنع ابنته صاحبة هذا الكلب بالتنازل عنه لأمه ملكة سيام.

فقد جاءت فكرة تناسخ الأرواح على أي معتقدات  يؤمن بها البعض  بأنَّ روح الانسان الميّت يعود الى الارض ويدخل في جسم أنسان آخر وتتكرر هذه العملية عدّة مرات ، وحسب هذا الاعتقاد فإنَّ روح إنسان مُعدَم سيعود الى الحياة كإنسان ثري، وروح انسان أعمى سيعود الى الحياة في جسم انسان ذو نظر ثاقب وهكذا ،  إنّ َفكره تناسخ الارواح بدأت فى الشرق الاقصى ،  وخاصة فى العقيدة البوذية والهندوسية التى تؤمن بأن الروح تعود في أشكال اخرى أو كمجرد روح بذاتها غير ظاهرة في جسد مرئي ،  وإذا حصرنا عدد هذه الفئات التى تضم الملايين من الهندوس والبوذيين فسندرك أن هذه الافكار موجودة فى عالمنا بشكل لا يمكن تجاهله  ، وفكرة التناسخ مضمونها أن الروح بعد وفاة الجسد لا تنتهي وإنما تعود لتعيش في أجساد واماكن وازمنة مختلفة عن تلك التي عاشت فيها من قبل، لذا تشعر الروح فى حياتها الثانية بحنين جارف لمكان لم تره في حياتها من قبل أو لأشخاص لم تلتق بهم نهائيا .

 

قبل فترة من الزمن كان هناك خبرا  عن زواج غريب، ففي الفلبين تزوج شاب من أفعى عملاقة لاعتقاده بأنَّ هذه الافعى كانت زوجته قبل ستمائة عام.

فالتناسخ هنا  كما يعتقد هؤلاء هو  إعادة حلول روح شخص مات فى جسد آخر ، وقد مرت هذه الفكره الخطأ بعدة تطورات ففي البداية آمن الفراعنه ان الروح تعود الي نفس الجسد لهذا قاموا بتحنيط الاجساد إنتظارا لعودة حلول الروح في جسدها مره ثانيه بعد مئات أو ألوف السنين ولا يتم مباشرة، ثم تطور الفكر وإنتقل هذا المعتقد بين الشعوب فهناك من ظنوا أن الروح تنتقل من جسد إنسان يموت إلى جسد إنسان اخر جديد يولد ، أو فى بعض الأحيان إلى جسد حيوان لتحيا حياة دونية ، بل أن بعض المعتقدات  تمادت فى إعتقادها أن الروح تغادر الجسد عندما ينام من خلال فتحة الأنف و الفم، ثم تعود إليه عند الاستيقاظ ، و مع مرور الوقت ترسخ الإعتقاد القائل أن الروح تنتقل من إنسان ميت إلى آخر يولد، وفسر البعض ما يحدث من  تشابه بين الإبن و جده المتوفي فى الشكل و الطباع و العادات .

وكان من العلماء الذين نادوا بتقمص الأرواح العالم فيثاغورث عالم الرياضيات و الفيلسوف اليونانى الشهير، إذ قال أن الروح تعود للأرض عدة مرات فى عدة ولادات أخرى لتتقمص أجساد أشخاص آخرين، و بين ممات و ميلاد فإن الروح يتم تطهيرها فى العالم السفلى. و من بعد موتات و ميلادات تكون الروح قد تطهرت تماماً لتترك هذه الدائرة المغلقة من موت و تقمص لتسبح فى السماء ، وهذا الفكر يرفض أن  التناسخ يتم مباشرة  بل بعد وقت من  التطهير للروح .

 

و لقد إتفق بالتو – فيلسوف يونانى آخر – مع فيثاغورث وهو تلميذ الفيلسوف سقراط ، فى عملية التقمص هذه و لكن بالتو قال إن الروح حينما تحل فى الجسد و تحدث عملية التقمص فإنها تتدنس، ثم يموت الانسان لتتطهر روحه فى العالم السفلى ، ثم تعود لتتقمص جسد ما، ثم يموت و هكذا ،  و فى النهاية إن كانت الصفة السائدة على الروح هى الطهر فمكانها فى السماء، و إن كانت الصفة السائدة هى الدنس فإنها تذهب إلى العذاب الأبدى ، هذا وقد أكد بالتو  أن  الروح وقبل حلولها في جسد جديد تختار الحياة التي تريد ، لكن كلما كانت الروح حكيمة في الماضي أو تمنت ان تكون حكيمة يكون إختيارها للجسد أفضل .

 

 

لذلك  تؤمن شعوب في غرب افريقيا وفي منطقة تلينغيت جنوب شرق الاسكا أن الأمنية التي يتمناها الإنسان قبل أن يموت كي تكون روحه أفضل تسهل عملية العثور على الجسد المطلوب.

 

وفي الستينات نمى الإعتقاد بالتقمص في شمال اميركا وغرب أوروبا وزاد عدد الذين يؤمنون به لكن نافسه ما يسمى بحركة new-age-movement ، ونمى وزاد عدد أتباعها نهاية قرن العشرين ، ومعظمهم من الفنانين والأكاديميين، وتعتمد على مبدأ أن وضوح الروح تسهل الحياة الثانية ، بينما يقول أتباع البوذية أن سلوك الانسان وسعيه وأفكاره وشعوره له تأثير على حياته بعد الموت ، وهذا ما تنص عليها تعاليم كارما .

 

و يعتقد البوذيين و الهندوس أيضاً فى تقمص الأرواح و لكنهم يختلفون عن الاعتقاد اليونانى بأن الروح قد تعود لتتجسد فى شكل نبات أو حيوان ، و ذلك يعتمد على أعمالها فى الحياة السابقة إن كانت خيراً أو شراً. بل أيضاً يوجد من يعتقدون بتقمص الأرواح .

وهناك البراهميون أيضا  والذين يؤمنون بتجوال الروح , من جسد الى جسد وتكون هذه التقمصات ممثلة في عقوبة أو ثوابا بالنسبة إلي  الروح  ،وتظل هكذا الى ان تنطلق من هذه التجسدات الى الملأ الأعلى ، وتسمى هذه بحالة النرفان وتأتى بالنسك الشديد .

 

 

أما أفلاطون فكان يرى أن  عدد الأرواح محدود لذلك أستلزمت الضرورة ان تخرج الروح من جسد الى جسد اخر. 

 

فيعتقد قدماء المصريون أن في قدرة الإنسان على  العودة إلى الحياة بعد موته، لأن الموت هو عبارة عن رقاد في القبر إلى أن تعود روح الميت، فترتدي، أو تتناسخ جسدها الثاني من جديد، والنفس تتناسخ بالتتابع في هيئة  صور جميع الحيوانات التي تعيش على الأرض، لتعود بعد ذلك إلى جسد إنسان ،  لكي تبتدئ ثانية بسياحتها الأبدية (ولادة ثانية)، وكان بعض المصريين يعتقدون أن الإله أوزوريس يتناسخ في هيئة  جسد عجل .

لذلك فقد عرف هؤلاء تناسخ الأرواح على أنه هو انتقال الروح أو النفس الإنسانية عند انفصالها عن البدن من جسد إلى آخر، والتناسخ يعني جعل الأجساد بمثابة قمصان  للأرواح تنتقل من أحدها إلى آخر دوراً بعد دورٍ ، و يقال تناسخ أي انتقلت روحه من جسده إلى جسد آخر، وفاعل الفعل هو الروح أو العقل الفعّال كما يقول أرسطو.

تعترف الهندوسية والجاينية والبوذية، بعقائد الكارما Karma  أي (الولادة ثانية)، لأن العدالة والكمال الأخلاقي والروحي لا يتحقق في حياة واحدة، فالولادة ثانية تعطي الفرد فرصة للتقدم باتجاه الكمال.

ولاشك أن الكنعانيين والفينيقيين كانوا يؤمنون بالحياة الأخرى، فقد كانوا يدفنون الميت ومعه أو بقربه، متاعه وماله وسلاحه. وقد وُجدت جرار كثيرة كانت تستعمل كتوابيت، توضع فيها الجثة مطوية على نفسها بشكل متجمع، وبجانبها إبريق وصحن وكأس للإستعمال في حياة ما بعد الموت .

 

امّا طبقة الشودرا أو  طبقة الخدم وهم طائفة من بعض شعوب جنوب آسيا فإنَّهم يؤمنون بعقيدة تناسخ الارواح ويسمّونها بالكارما، وحسب هذه العقيدة فإنَّ الارواح لها دورة حياتية تتناسخ فيها وتنتقل من جسد الى آخر يُحدده عمل الروح في الجسد الّذي حَلَّت بهِ، فالخيِّر لا يرتقي، أمّا الشرير فانّه ينتقل الى جسد في نفس المستوى ،  إلى انْ يصل الى مرحلة الخلود حيث يتّحد مع ذاته  ، وفي هذه المرحلة يُعطى فرصة تلو الاخرى لكي يتعرّف على ربّه في أكثر من دورة حياة ، إنَّ الشودرا لا يؤمنون بالبعث لذلك لا أهمية لفعل الخير والشر لديهم طالما قام بالواجب المشروط عليه وهو الزواج والإنجاب.

 

 

وهنا ننتقل  إلى ما يعتقده الهندوس حول تناسخ الأرواح حيث يؤمن الهنود بتناسخ الأرواح:

 

ومعناه: أن الروح حينما تفارق جسدها عند الموت تنتقل إلى جسد آخر وتستمر هكذا في التنقل حتى تستقر في أصلها الأول الذي صدرت منه وهو الله تعالى، وفكرة التناسخ هذه تتضمن فكرة وحدة الوجود الذي قال بها الهنود؛ لأن جميع الكائنات في نظرهم تتضمن روحًا صدرت من الله الواحد، والكائنات في الحقيقة هي الروح السارية ، بتلك العقيدة والمقصود هنا التناسخ يثبت أن الهندوس وسائر الشعوب التي تؤمن بها لا تؤمن بالبعث، وبالتالي فلا حياة أخرى ما ورائية تحاسَب فيها كل نفسٍ بما كسبت، وبالتالي فلا جنة ولا نار كما هي في الأديان السماوية  الإسلام والمسيحية واليهودية وتلك حواجز  وجدانية بين شعوب آسيا التي تؤمن بالتناسخ وبين غيرهم من الشعوب، خاصةً إذا علمنا أن الصينيون في عقائدهم البوذية يتفقون مع الهندوس في الاعتقاد بالتناسخ، والبوذيون والهندوس يشكلون أكثر من 90% من شعوب آسيا بما يعني أن القارة الآسيوية هي مؤمنه بتناسخ الارواح في معظمها.

وإليكم  الإعتقاد الوارد عند  الدروز بالنسبه لتناسخ الأرواح ، حيث أن  الدروز يعتقدون بالتناسخ والتقمص، أي بإنتقال النفس من جسم بشري إلى جسم بشري آخر، باعتبار أن النفس لديهم لا تموت، بل يموت قميصها (الجسم)، ويصيبه البلى، فتنتقل النفس إلى قميص آخر.

 

 

إذ يعتبر هذا المفهوم أحد أسس العقيدة الدرزية. ووفقًا لهذا الإيمان فإنّ روح الإنسان الدرزي تنبعث فورًا بعد موته في روح مولود درزي يتواجد في جسد إمرأة حامل، وبعد ولادته يذكر أحيانًا بعضًا من حياته السابقة. إنّ إيمانهم القويّ بتناسخ الأرواح يمثّل راحة من الحزن بسبب فقدان الحياة، ويعزّز هذا الإيمان التسامح والتضامن بين أبناء الطائفة الدورزيه،  و الذين يعتقدون أنّهم يولدون واحدًا عند الآخر.

وفقًا لرؤية الدروز فإنّ الجسد هو كالثوب الذي تبدّله الروح. وإنّ إنعدام أهمية الجسد الحقيقية عند الدروز يظهر في غياب الحاجة إلى طقوس الدفن ، مثل شاهد القبر وزيارة قبر الميّت في مواعيد محدّدة أو حتى في جلب الجثة إلى مكان سكن أسرة الميّت. رغم وجود المقابر، فغالبًا ليست هناك شواهد قبور عند الدروز .

 

ويشير الاعتقاد بتناسخ الأرواح عند الدروز  أيضًا إلى عدم جواز البكاء على الميّت، نظرًا إلى أنّ روحه قد أنبعثت في مولود جديد ممّا يجلب الفرح إلى أسرته.

ولكن هناك راي آخر عند بعض العلماء ، حيث  يفسرون ظهور العبقريات المبكرة للأطفال، بأن هؤلاء الأطفال صغار الأجسام فقط، ولكن الأرواح التي حلت بهذه الأجسام كبيرة في السن  و ذات نضج ،  فبعض العلماء يرى أن النبوغ المبكر للموسيقار النمساوي (موتسارت) هو شيء من هذا، ويرى العالِم الأمريكي (إدجار وطسون) أن الطفل البلجيكي (أندريه لنور) لا بُد أن يكون نموذجًا حيًّا لهذه النظرية، فهذا الطفل كان في الثانية من عمره، وكان قادرًا على أن يعرف حاصل ضرب خمسة أرقام في خمسة أرقام، مع أنه لا يعرف الأرقام، ولا يعرف كيف يعد من واحد إلى عشرة !!

 

وقال العلماء كذلك  أن الإنسان قد يتذكر حياته السابقة التي عاشها في جسد سابق، وفي سنة 1956م أصدر كاتب برازيلي كتابًا بعنوان (كانوا هناك.. وأصبحوا هنا) لمؤلِف أسمه ” موري برنشتين ” وأهم ما في الكتاب أن سيدة برازيلية قالت أنها كانت تعيش قبل ذلك (في حياة سابقة) في أيرلندا ،  ولم يترك المؤلِف شيئًا من حياة هذه السيدة لم يعرضه على العلماء ،  ثم سافر مع السيدة إلى أيرلندا، وتركها تتعرف على الأماكن التي عاشت فيها؟ ومن الغريب أن هذه السيدة كانت تدخل المتحف وتقول: هذه كانت موجودة في المكان الفلاني، وهذه كانت جزءًا من بيت فلان الفلاني ،  وكان علماء الآثار يؤكدون كل ما تقول، مع أنها لم تترك البرازيل نهائيا .

 

بالأضافه إلي أن الذين يشتغلون بالتنويم المغناطيسي يواجهون الكثير من هذه الأحداث والنوادر، فمن الممكن أن يطلب المنوّم المغناطيسي إلى الشخص الذي نومه أن يعود إلى فترة طفولته، ويروي ما حدث في ذلك الوقت، ويفاجأ المنوم المغناطيسي بأن طفولة هذا الشخص النائم كانت في القرن العاشر أو الحادي عشر، أو كانت قبل الميلاد ، ثم أنه يروي أحداثًا عجيبة وبلغات لا يعرفها ذلك الشخص  نهائيا إذا صحا من النوم .

 

ويقول العلماء أيضا  أن تناسخ الأرواح يعطيها فرصة جديدة للتكفير عن آثامها وخطاياها السابقة، أي لسداد ديون الماضي، وتحسين الوضع الحالي للحصول على التطور والارتقاء، ووسيلة للحصول على المزيد من المعرفة الاختبارية، وفي إعادة التجسد تقوم الروح برسالة معينة بين البشر، مثل إنسان يأتي من سفر بعيد إلى بلاد فقيرة نائية بهدف تأدية رسالة معينة، ويقولون أيضًا في عودة التجسد تتخطى الروح الفروق الجنسية، فمن الممكن أن إمرأة في حياة سابقة تتجسد في شكل رجل، ولذلك يغلب عليه طابع الأنوثة، وإذا حدث العكس تجد المرأة يغلب عليها ملامح وخشونة الرجال .

وروى الصحافي الهندي وكاتب القصص البوليسية المعروف كريم راسن شوهان انه ألتقى يوما بالصبي تراجيت من عائلة سنغ ، والذي قال له بإنه كان في الحياة الأخرى ويتذكر الكثير منها. واخبرته عائلة الصبي إنه ومنذ كان عمره عامين يتحدث عن حياته الأخرى، وهرب من المنزل ليبحث عن بيته الأول، وهو يعرف في أي قرية كان يسكن يومها ويعرف اسم امه وأبيه ومدرسته التي تعلم فيها ،  وقال إنه ركب في حياته الأخرى في ال10 من شهر أيلول(سبتمبر) عام 1992 الدراجة متجها إلى البيت ،  فصدمه شاب كان يركب دراجة نارية فأصيب نتيجة ذلك بجروح في رأسه ،  وفي اليوم التالي توفي ، وقال أبوه الحالي رانجيت سنغ أن الصبي كان يصر على أقواله مما دفعه وزوجته للذهاب إلى القرية التي يقول أنه ولد فيها ،  في البداية لم يجد  أحد يصادق على قول إبنه أ يعطى أوصاف لوالديه في حياته الاولى كما يدعي ،  لكن نصحه أحد السكان بالذهاب الى القرية المجاورة والتحدث مع معلم المدرسة الذي أكد له وقوع حادثة الدراجة النارية، كما وجد عنوان الوالدين ،وكانت المفاجاة الكبيرة عندما ألتقى تراجيت سنغ والده في الحياة الأولى ،  فذكره بأن كتبه بعد الحادثة كانت ملوثة بالدماء ، وقال له أيضا كم من المال كان بحوزته يومها، وبكت أمه من الحياة الاولى وحملت له الكتاب الملوث بالدم والدراهم وأحتفظت بهما كذكري، وعندما عرض على الصبي صورة زفاف والديه في الحياة الأولى عرفهما بسرعة رغم تقدم السن .

ولم يصدق الكاتب ما يسمعه أو يرفض ذلك ،  لكنه كان فضوليا وأراد معرفة الموضوع كله حتى النهاية ، فزار العائلتين كل واحدة على حدا في القريتين بعد ذلك  ، وسمع نفس القصة    وأكد مالك مزرعة بالقرب من مكان الحادثة على قول الصبي قبل مقتله بوجود دراهم في محفظته تساوي ثمن الكتاب الذي أشتراه منه بالدين ويبدو أنه كان آتيا اليه كي يسدد ثمنه .

كما تأكد للصحفي راسن شوهان أن الصبي إبن عائلة سنغ لم يذهب قط الى المدرسة لان أسرته فقيره جدا، لكن عندما طلب منه كتابة الأحرف الأبجدية اللاتينية والبنجابية كتبها من دون أي اخطاء ، إضافة كتابته إلى الكثير من الكلمات الصعبة أيضا  ، وقارن خطه مع خط الولد الذي توفي في الحادثة فلم يميز بينهما أبدا ، وحسب قوله كخبير علم الجرائم لا يمكن أن يكون لشخصين نفس الخط لأن كل يد لها خصوصياتها في الكتابة ، وهذا ما يسهل كشف عمليات الغش والتزوير. وأخبره احد معتنقي التقمص ان الروح عندما تتمقص جسدا اخرى تاخذ معها خصال الجسد الاول ايضا خاصية خط اليد. ومن اجل التاكد اخذ الكاتب خط الصبي والشاب المتوفي وفحصها لدى خبراء خط فاتضح انها من يد واحدة.

 

والقصة الاخرى حدثت في شمال الصين، إذ أن رجلا وزوجته كان يلبيان كل رغبات إبنهما الضعيف والمريض دائما ،وبعد أن زاد ضعفه وشارف على الموت طلب منهما أن يذبحا له الحصان ، و كان ذلك الحصان هو  كل ما يملكان عندهما ، وذلك حتي  يأكل الولد  لحمه ، لكنهما رفضا ذلك. وفي يوم أصر الولد على طلبه بإلحاح شديد  عليهما بقوله  سوف أموت لذا أريد أن آكل قطعة من لحم الحصان الآن وإلا سيكون الوقت متأخر وسأموت قبل ذلك ، وخوفا عليه ذبحا الحصان وطبخت الأم اللحم وقدمته الى إبنها وبعد ان أكل مات بعد ساعات قليلة  ،  وبعد الدفن أتى اليهم راهب بوذي عرف القصة من دون أن يروها أحد له ،  وقال لهما أن أبنهما كان ابن عائلة غنية وعندما بلغ ال18 سنة من العمر ذهب مع عائلته لزيارة أقارب له ذبحوا حصانا تكريما لهم ،  إلا أن الشاب أصيب بسهم قتل فيه وكان راغبا في أكل لحم الحصان ،  ووصف الراهب الولد والشاب فأتضح أن لديهما نفس العلامات على جسميهما، والشبه في العادات متقاربة إلى درجة غير عادية.

وفي كتابه الاخير عن التقمص وتناسخ الأرواح  أورد الكاتب الامريكي وعالم النفس كارتر فيبس العديد من الروايات عن التقمص  ، من أهمها ما حدث لجيمس ليننيغر الذي ولد بحالة نفسية وجسدية جيدة، وعند بلوغه العامين أظهر شغفا وولعا بالطائرات بشكل غير عادي وكان يرفض اللعب بأي لعب اخرى مثل الاطفال مما أقلق والديه. وكان يستيقظ دائما ويروي لوالدته الكوابيس التي كان يراها وبأن الطائرة قد هوت والرجل الصغير القامة فيها لم يتمكن من الخروج منها ،  وتساءلت والدته بعد ذلك إذا كان حب إبنها جيمس للطائرات يخفي أكثر مما تراه أو تسمعه منه، أم أن ما يرويه ليس سوى من مخيلة طفل ، وتذكرت يوما أنها اشترت له طائرة عسكرية تحمل تحت جناحها حسبما إعتقدت صاروخاً فصحح لها إبنها معلوماتها وقال ، يا أمي هذا ليس صاروخاً بل خزان الوقود ، ولم تشهد هي نفسها من قبل خزان وقود طائرة ، فكيف لطفل في الثانية من عمره التفريق بين الخزان والصاروخ ، ومع الوقت بدا جيمس يصاب بالمزيد من الكوابيس و يقصها على والدته إضافة إلى  قصص من حياة في الماضي ، وقال يوماً لوالديه بأنه كان قائد طائرة في سلاح الجو الاميركي فوق حاملة الطائرات إسمها Natoma، حتى أنه تذكر اسمه صديقه على السفينة وكان إسمه جاك لارسون، مما أصاب الوالد بالقلق وقرر أن يبحث القضية بعمق أكثر ، وبالفعل حصل على معلومات مذهلة ، فحاملة الطائرات الاميركية ناتوما كانت بالفعل متمركزة في المحيط الهادي والصديق لارسون الذي ما زال حياً ويسكن في كانساس كان على متنها .

 

وفي يوم من الايام وفي الوقت الذي كان يقلب فيه جيمس مع والده صفحات كتاب عن الحرب العالمية الثانية وضع أصبعه على صورة لجزيرة يابانية وقال إسمها من تردد  ، أنها جزيرة Iwo Jima وأنه أطلق على طائرته صاروخ فوقعت فوق هذه الجزيرة بعد أن أصيب محركها مباشرة، فأصبح الوالدان أكثر تحمسا لمعرفة ماضي إبنهما وهل له حياة سابقة حقيقة، وإذا كان ذلك فكيف كانت ،  ولاحظا أنه عندما يلفظ إسمه كان يقول جميس الثالث، فبحث الوالد في لائحة أسماء الذين كانوا فوق حاملة الطائرات وسقطت طائرته في الجزيرة اليابانية فعثر على إسم جيمس م. هيوستين جنيور وهو من الجيل الثالث في العائلة ،  وقتل بالفعل في اليابان  عند إصابة طائرته خلال الحرب.

ومن العلماء الألمان الذي أنشغلوا بقضية التقمص وتناسخ الأرواح  عالم الانتروبوزوف رودولف شتاينرز  ، والذي قال في محاضرة له قبل عشرة أعوام في ميونيخ وألحقت بملفات علم النفس وحالات الغيب ،  أن الكثير من المشاهدات أكدت صحة إعتقاد البوذيين والهندوس بالتقمص أو انتقال الروح من جسد توفي إلى جسد آخر في الوقت المناسب، وإلا فاين تذهب الروح بعد مغادرتها الجسد ، إنها تحوم في الفضاء باحثة عن جسد لها لأنها لا تفنى.

 

ولكن للأديان السماوية رأيا آخر  ففي المسيحية ، يقول قداسة البابا شنوده الثالث، لا تؤمن المسيحية بتجسدات متعددة للروح بعد الموت، وحيوات متتابعة للإنسان كما ينادي بذلك هؤلاء العلماء حاليًا، وكما نادت بذلك الديانات الهنديَّة والبوذيَّة.

وبعض الفلسفات مثل الأفلاطونيَّة الحديثة والأوريجانيَّة والفيثاغوريَّة وغيرها ، بل إن تعليم الكتاب المقدَّس واضح في قوله ” وُضع للناس أن يموتوا مرة ثم بعد ذلك الدينونة ” (عب 9: 27) وعبارة “يموتوا مرة” تنفي نظرية “الحيوات المتتابعة” التي ينادي بها أولئك الذين يقولون أن الروح البشرية بعد مفارقتها للجسد تعود إلى تجسد آخر متحدة مع إنسان آخر أو حيوان، وربما تدخل تجسدات عديدة، مرة كامرأة، وأخرى كرجل، مرة كطفل، أي  تتجسد ثم تموت ،  ثم تتجسد مرة أخرى وتموت ، و يضيف  قداسة البابا شنودة الثالث  ردًا على ظاهرة الأطفال العباقرة والنابغين في علم معين ، أن المشتغلون بعلم الأرواح، و المعتقدون بعودة التجسد، يحاولون إثبات عودة التجسد بوجود بعض أطفال عباقرة ،  أولئك الأطفال من عمرهم المبكر جدًا أمكن أن يكونوا نابغين جدًا، وبخاصة في الموسيقى مثلًا ، إذ ألف بعضهم سيمفونيات موسيقية وبعضهم نبغ في الأدب والشعر، بما يفوق طاقة سنه بكثير ،  والبعض في مجالات أخرى من النبوغ ،  وهم يرجعون ذلك إلى أن هذه المهارات كانت لهم في حيوات سابقة ،  أي أن أشخاصًا نابغين من الذين ماتوا قبلًا، عادوا مرة أخرى إلى التجسد في شخصيات أولئك الأطفال ، وهنا يرد البابا شنودة الثالث على ذلك بالنقاط الآتية:

1- بعض من هؤلاء الأطفال نالوا نبوغهم عن طريق الوراثة  وكثير من العلماء يقولون إن الموسيقى بالذات هي من أكثر الفنون التي ترتبط بالوراثة، فالموسيقي المعروف موزارت  الذي نبغ في الموسيقى منذ طفولته ينحدر من أسرة نابغة في الموسيقى، ومثله أيضًا الموسيقي النابغة باخ الذي نبغ في أسرته موسيقيون في أجيال متتابعة ، فإن كان أحد الأطفال قد ورث نبوغًا في فن ما عن أحد والديه، أو عن الوالدين معًا، فلا داع مطلقًا أن يعزى ذلك إلى أن أحد النابغين القدامى قد عاد إلى الحياة وتجسد فيه. 

2- نقطة أخرى وهي إرجاع النبوغ إلى موهبة من الله: ليس كل إنسان فنانًا، إنما توجد قلة من الناس لها موهبة الفن، وقد منحهم الله هذه الموهبة فيعطي البعض موهبة الموسيقى، والبعض موهبة الشعر والأدب، والبعض موهبة الغناء، والبعض موهبة الرسم أو النحت وهكذا ، والله المعطي، لا مانع من أن يهب الموهبة للصغار كما يهبها للكبار، وغالبًا ما يولد الإنسان والموهبة كامنة فيه، تظهر فيما بعد حسب الظروف المتاحة، أو يكتشفها في هذا الطفل أحد الكبار أو المتخصصين في وقت ما. 

3- أما إن كان أحد الموتى قد عاد إلى التجسد في هذا الطفل النابغ، فإن إعتراضات كثيرة تقف ضد هذا الأمر، منها أن  الموسيقي العبقري الذي مات وعاد إلى التجسد، هل عاد فقط إلى التجسد بموهبة الموسيقى فقط، أم إن روحه عادت إلى الحياة بكل معارفها، وكل خبراتها، وكل ما أكتسبته قبلًا طوال حياتها الماضية من فكر وما كان فيها من رغبات؟!

فالطفل العبقري 

لماذا لا يأخذ  الكثير من المواهب من الحيوات الماضية –كما يقولون– لماذا لم يأخذ سوى الموسيقى !!!  لماذا لم يأخذ اللغة أيضًا !!! لماذا لم يأخذ المعرفة !!!!  أليست الروح التي عادت إلى التجسد كان لها كل هذا!! لماذا لم ينطق الطفل حال ولادته !!! لماذا لم يتحدث عن خبراته؟! لماذا لم يظهر فيه ذكاء الرجل الذي مات وعاد إلى التجسد؟!

أم إن الروح التي عادت للتجسد تؤخذ منها كل معارفها، ولا تبقى لها سوى موهبة الموسيقى أو الشعر فقط ؟! أليس هذا ضد المنطق .

أما عن رأي الإسلام في تناسخ الارواح :

فيؤكد أن هناك  بعض الأقوام  أصحاب المعتقدات المضلله والتي تتحدث  عن تناسخ الأرواح  والتقمص وحلول الروح في عدة أجساد قبل تطهرها ؟؟؟ ويستدلون على ذلك  بآيات من القرآن (يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً * فَادْخُلِي فِي عِبَادِي * وَادْخُلِي جَنَّتِي) [سورة الفجر: الآيات 27-30] ، وهنا يوضح الإسلام  حقيقة هذا الأمر موضحاً : أنه ومنذ بدء الخليقه، ومنذ آلاف السنين و الشيطان يحاول إغواء الناس وأتبع أساليب كثيرة لتحقيق أهدافه ليضل الناس عن طريق الله وينفذ قوله عندما قال: (قَالَ رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ) [الحجر: 39-40] ،

وايضا قال إبليس: (وَقَالَ لَأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبَادِكَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا * وَلَأُضِلَّنَّهُمْ وَلَأُمَنِّيَنَّهُمْ) [النساء: 118-119] ، وذلك ليبعد الناس عن الحق، ويخرجهم من النور إلى الظلمات، فجعلهم يبتدعوا الأساطير ومنها أسطورة تقمص أو إستنساخ الأرواح ، وهي فكرة أوحاها الشيطان لأوليائه ليوهمهم بأنه لا توجد حياة بعد الموت، وأن الروح تنتقل من إنسان لآخر.

والآية التي يستدلون بها على صحة معتقدهم الباطل المضلل  هي قوله تعالى مخاطباً النفس المطمئنة: (فَادْخُلِي فِي عِبَادِي)، وفسروها على أنها إشارة إلى إنتقال الروح من الميت إلى جنين في بطن أمه أو إلى حيوان أو غير ذلك ،  ومع أن الآية واضحة في حديثها عن النفس وليس الروح ،  (يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ)، فالروح لا تنتقل من شخص لآخر وهي أمر من الله: (وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا) [الإسراء: 85] .

أما النفس فهي التي تتذوق الموت، و يقول تعالى: (كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ) [آل عمران: 185] ،والنفس هي التي تُحاسب يوم القيامة، يقول تعالى: (وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ) [البقرة: 281] .

ولذلك نجد الكثير من الناس يخلطون بين مفهوم النفس والروح، والقرآن يفرّق بينهما بوضوح، فقد ذكرت النفس في مئات المواضع من القرآن، نجد أن الروح لم تُذكر إلا 23 مرة (بعدد سنوات نزول القرآن) ، وقد سمَّى الله القرآن بالروح، يقول تعالى: (وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) [الشورى: 52].

أما قوله تعالى للنفس المطمئنة: (فَادْخُلِي فِي عِبَادِي) أي فأدخلي بين عبادي  ، وجاءت كلمة (فِي) هنا لتعبر تعبيراً دقيقاً عن محبة عباد الله الصالحين بعضهم لبعض وحرصهم على بعض حتى يصبحوا كالجسد الواحد ، ولذلك فإن سيدنا سليمان عليه السلام لم يقل: وأدخلني برحمتك بين عبادك الصالحين إنما قال: (وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ)، وهذا لا يعني أن سيدنا سليمان طلب من ربه أن يدخله داخل العباد الصالحين ، إنما أن يدخله بينهم ويكون واحداً منهم.

ولذلك فإن الله يدخل كل نفس مطمئنة في عباده الصالحين يوم القيامة، ويدخل كل نفس ظالمة في جهنم لتُعذب مع الكافرين والملحدين والمستهزئين، يقول تعالى: (وَتَرَى الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفَادِ * سَرَابِيلُهُمْ مِنْ قَطِرَانٍ وَتَغْشَى وُجُوهَهُمُ النَّارُ * لِيَجْزِيَ اللَّهُ كُلَّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ) [الرعد: 49-51] ، نسأل الله تعالى أن ينجينا من عذاب يوم القيامة.

 

أما الدليل العلمي على أن التقمص والإستنساخ لا أساس له، فحتى هذه اللحظة لم يكتشف العلماء أي ظاهرة تشير إلى تقمص الأرواح أو تناسخها أو حلولها في المخلوقات، بل بمجرد أن يموت الإنسان فإن جسده يبدأ بالتحلل وليس هناك أي شيء يمكن معرفته بعد الموت، ولذلك فإن القرآن هو الكتاب الوحيد الذي يصف لنا مرحلة ما بعد الموت بدقة مذهلة.

فهناك تجارب يقوم بها العلماء اليوم لإكتشاف أسرار الموت، ويزعمون أن بعض المرضى قد مرّوا بتجربة الموت المؤقت ورأوا نفقاً في نهايته نور، ومنهم من يعتبر أن الموت عبارة عن عملية تحلل طبيعية للجسد وإنتقاله من شكل لآخر (كما يدعي بعض الملحدين)، ونقول بأن جميع التجارب لن تسفر عن أي شيء، لأن الله جعل بعد الموت برزخاً لا يستطيع أحد اختراقه، فيقول تعالى: (حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ) [المؤمنون: 99-100] ، فهذه الآية دليل على أن من يموت لن يرجع إلى الحياة مرة أخرى (إلا في بعض المعجزات مثل معجزة سيدنا المسيح الذي كان يحيي الموتى).

وخلاصة القول أن  تناسخ الأرواح ليس صحيحاً ، فهو مجرد إدعاءات باطله ، ومجموعة من الأكاذيب و أقوال واهيه  ومهاترات ،  ولا يوجد برهان علمي أو شرعي عليها، بل كل ما يُروى بشأن ذلك هو قصص وتخيلات لم يقم الدليل العلمي عليها  ، وليس من الممكن أن يحاسب الله نفساً بالنيابة عن نفس أخرى أو يحلّ نفساً مكان نفس ، و يقول تعالى: (أَلَّا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى * وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى * وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى * ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاءَ الْأَوْفَى * وَأَنَّ إِلَى رَبِّكَ الْمُنْتَهَى) [النجم: 38-41] ، فهذا النص الكريم يدل دلالة قطعية على أن كل نفس ستحاسب عن نفسها وأن منتهى الأنفس إلى الله تعالى وليس إلى كائنات أخرى ، و يقول عز وجل: (يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجَادِلُ عَنْ نَفْسِهَا وَتُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ) [النحل: 111] ، لذلك  فهناك قوى خارقة وطاقات كامنة سخرها الله للبشر، مثلاً أعطى الله طاقات خارقة لسيدنا سليمان عليه السلام فسخر له الريح والجبال والشياطين والجن والطير ،  وهناك معجزات أعطاها الله لأنبيائه، وهناك قدرات فائقة يمنحها الله لبعض من  عباده سواء المسلمين وغير المسلمين  مثل الكرامات ، حيث  يمكن أن يمنحهم الله تعالى قوة خارقة ليختبرهم بها ، ولذلك فإن التقمص أو التناسخ لم يُبنى على أساس علمي، ولو أننا نرى بعض الظواهر الخارقة لبعض الأطفال والتي لم يتمكن العلماء من تفسيرها علمياً، فهذه تبقى حتى يكشف العلم شيئاً بخصوصها.

أما ما جاء من جدال حول معنى الآيه القرآنية الكريمه ( كيف تكفرون بالله  وَكُنْتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ﴾ فهذا تفسيره كما قال علماء المسلمون :

﴿ كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ ﴾ قال ابن كثير في تفسيره:

﴿ كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ ﴾ أي: كيف تجحدون وجوده أو تعبدون معه غيره

﴿ وَكُنْتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ ﴾ أي: قد كنتم عدمًا فأخرجكم إلى الوجود، كما قال تعالى: ﴿ أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ * أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالأرْضَ بَل لا يُوقِنُونَ ﴾ [الطور: 35، 36].

وقال ﴿ هَلْ أَتَى عَلَى الإنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا ﴾ [الإنسان: 1] والآيات في هذا كثيرة.

﴿ وَكُنْتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ﴾ ذكر ابن العثيمين في تفسيرها – رحمه الله -: ﴿وَكُنْتُمْ أَمْوَاتًا ﴾: وذلك قبل نفخ الروح في الإنسان ،  ﴿فَأَحْيَاكُمْ﴾ أي بنفخ الروح .

﴿ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ﴾ ثانية ، وذلك بعد أن يخرج إلى الدنيا .

﴿ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ﴾ الحياة الآخرة التي لا موت بعدها .

﴿ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ﴾: بعد الإحياء الثاني ترجعون إلى الله، فينبئكم بأعمالكم، ويجازيكم عليها .

 في نفس الوقت فقد فرق القرآن الكريم بين النفس وبين الروح ، إنَّ كلمتَي الروح والنفس ترددتا في آيات كثيرة في القرآن الكريم، وكثر ورود الكلمة الأخيرة وهي النفس  مفردة ومجموعها في القرآن قرابة الثلاثمائة مرة أو تزيد، ولا يعقل أن يأتي ذكر كلمة واحدة 300 مرة على إعتبار أنها مرادفة لكلمة أصلية هي كلمة الروح، وهنا من ظاهر القرآن الكريم أن هناك نفسا وهناك روحا ، وأن الروح عندما تخرج من جسد الإنسان لا يعلم أمرها الا الله، ويبقي الجسد الميت الفاني، وهنا يبقي لغز الروح وفكرة النفس  وهو ما بنى عليه البعض  فكرتهم حول   أنَّ روح ألأنسان تعود إلى الحياة في الأرض عدة مرات حتّى يتصفّى من الذنوب ،  وهى الفكرة  يزعمون إنها تستند لنصوص من الأصول الإسلامية ،  وعلى الرغم من تخوف رجال الدين من بحث موضوع رحلة الأرواح بعد الموت ، وتقيد حركة البحث الروحاني بدعوة الآية الشريفة { ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم إلا قليلاً } ، إلا أنه أوجدت العديد من التساؤلات التي تخص عالم الروح ولكن لا أحد يستطيع الإجابة عليها ، لأنها  في علم الله .

 

ولذلك  فإن أصحاب تناسخ الأرواح  قد خلفوا وراءهم منهج خاص بهم ، وزينوا لأنفسهم الضلالات وأمرجوا أنفسهم في الشهوات، وزعموا أن السماء خاوية،  ما فيها شئ مما يوصف ، وأن مدبر هذا العالم في صورة المخلوقين ، بحجة من روي: أن الله عز وجل خلق آدم على صورته ، وأنه لا جنة ولا نار، ولا بعث ولا نشور، والقيامة عندهم خروج الروح من قالبه وولوجه في قالب آخر ، إن كان محسنا في القالب الأول أعيد في قالب أفضل منه حسنا في أعلا درجة في الدنيا ، وإن كان مسيئا  صارت روحه في بعض الدواب المتعبة في الدنيا، أو هوام مشوهة الخلقة،  وكذلك فإنه ليس عليهم صوم ولا صلاة ولا شئ من العبادة أكثر من معرفة من تجب عليهم معرفته، وكل شئ من شهوات الدنيا مباح لهم مثل  النساء و زنا المحارم وغيرها من الكبائر التي حرمها الله سبحانه وتعالى .

لذلك فإن  فالفكرة المثيرة دائماً  عند هؤلاء الملحدين والتي هي محط إهتمام هؤلاء الفلاسفة منذ قديم الازل ، بل ومازالت محل إهتمام كل من يبحث عن الجديد، وأيضا    أصبحت هي الحل لكل  لمعضلة ، ألا وهي البحث عن العدل عند هؤلاء  الملحدين ، وتلك  الفئة التي  لديها شبهات عن العالَم الماورائي، أو فيما نؤمن به وهو البعث والجنة والنار ، لذلك فإن تناسخ الارواح  يحل هذه المعضلة  عندهم بشكل كبير، ويربط بين جوانبها بطريقة تُقنعهم ، حيث يقدم لهم حياه أفضل في أجساد أفضل لها مستوى إجتماعي وثقافي وصحي  ومادي وعلمي أفضل ،  ويعوضهم عن أي معاناة  أو فقر أو جهل أو مرض قد تكبدوه في حياتهم الأولى قبل أن تتناسخ أرواحهم وتنتقل إلي جسد آخر بعد موتهم  كما يعتقدون .

شاهد أيضاً

المؤتمر العلمي لجراحة العظام يختتم اعماله

محمد القيري اختتم اامؤتمر العامي التاسع لجراحة العظام اعماله والذي نظمته جمعيه اطباء العظام علي …