” القنافذ البشرية”

  • مسافة الأمان القنفذية

د.سلمان صبيحة 

عندما يتم “رفس ” الياسمين الأبيض بكل قسوة وتتناثر أزهاره البريئة على الأرض مضرجة بدمائها ، وتصبح القلوب متحجرة، وتكون النفوس دائماً متذمرة ،والعيون بائسة وفي الأوهام سارحة مبحلقة ومتسمرة ،والشفاه يابسة والجفاف يضرب الشرايين المسدودة والممزقة وتكون الأحاسيس والمشاعر المجمعة في خوابي الجسد ميتة ومحنطة ، وعندما تكون تماثيل الرومانسية في معبد الحب محطمة ،والآهات في الصدور مكبوتة تكوى بلظى المحرقة ، وعندما يتم حسد العصافير والقطط على عشقها وحبها ، وعندما يقسم الورد الجوري والقرنفل الأحمر والياسمين الأبيض بأعظم الأيمان بأن الحب لغة انقرضت من كل الأبجديات والقواميس العاطفية ، وأن كل ورود وأزهار وياسمين العاشقين قُتلت و أُحرقت على الطريقة الهندية ووضع رمادها في قارورة النسيان ومن أعلى قمة جبل “فارس ونجود ” تم رمي محتوياتها لتتناثر في مهب الريح ،فهذا يعني أننا نعيش أزمة عشق وحب حقيقية ناتجة عن تغير كبير في مفاهيم العلاقات الإنسانية و انزياح دراماتيكي تراجيدي في الأخلاق البشرية.
يقول البعض أن السبب في ذلك هو التلوث الأخلاقي الناتج عن فيروسات نشرتها الإمبريالية الأمريكية والصهيونية العالمية والدول الغربية لمسخ العلاقات الإنسانية ، بشكل ممنهج ومبرمج من خلال ماكينة إعلامية ضخمة ، مرعبة ، تستخدم كسلاح دمار شامل فتاك عابر للحدود والقارات لضرب الخلايا الدقيقة للمشاعر والأحاسيس والحب والوطنية ، لتصبح العلاقات بين البشر أخطر وأعقد من العلاقات السائدة بين القنافذ .
في عالم القنافذ كل شيء عندهم مبني على الألم ، الألم مشترك ، فمن الألم يخلقون السعادة …
كيفما تحرك القنفذ يؤذي نفسه أو حبيبه أو صديقه أو أي قنفذ قريب منه ، الأذى متبادل أحياناً بقصد وفي غالب الأحيان بدون قصد….الأشواك التي على ظهر القنفذ” كبولة الشوك ” مخلوقة معه منذ الأزل لتحميه من الأعداء من جهة وتحد من اندفاعاته الغريزية من جهة أخرى.
في أيام البرد القارس تقترب القنافذ من بعضها لكي تتقاسم الدفء مجتمعة ، ولكنها سرعان ما تبتعد نتيجة الألم الذي تشعر به من وخز الأشواك “المسلات الحادة “، فتراها كموج البحر بين مد وجذر.
أما المأساة الحقيقية عند القنافذ تظهر في موسم التكاثر ، فعندما يقترب الذكر من الأنثى من أجل القيام بعملية التزاوج تبدأ رحلة العذاب والألم وتنتهي بنزف كمية كبيرة من الدماء التي قد تسبب الموت ،من أجل أن توهب الحياة لقنفذ آخر. فمن أجل الحفاظ على البقاء واستمرار نسل القنافذ و عدم انقراضها تقوم بشكل غريزي بترك مسافة أمان بينها تكون محسوبة بدقة ، هذه المسافة أطلق عليها اسم ” مسافة الأمان القنفذية ” . بعض الموظفين في بعض الدول أخذوا يتداولون هذا المصطلح في أماكن عملهم العامة بعد موجة ظهور وانتشار كوفيد19 “وباء كورونا ” ، واتخاذ الإجراءات الوقائية ، فكانت الناس تبتعد وتقترب من بعضها بحذر خوفاً ورعباً من أشواك العدوى كما يحصل مع القنافذ ، وبذلك ” يقول البعض ” يكون قد تم الرد أخيراً على سؤال الراحل عبد الحليم حافظ :
” علمني كيف يموت الحب وتنتحر الأشواق؟” ، وكذلك لن تعد فيروز تسمع أحد من أهل الحي أو الجيران يقول : “يمكن يكون عم يضحك عليها “،.وقد لاحظ الجميع القحط الذي ضرب الأغاني الملتزمة ، الوطنية والعاطفية وكيف بدأت تذبل أغاني ام كلثوم وعبد الوهاب وفريد وناظم الغزالي والشيخ إمام وغيرهم من عمالقة الفن الأصيل ويخف بريقها، لتظهر أغاني الموضة الحديثة ” الهابطة ” لتلبي المرحلة وتتناسب مع المعطيات الجديدة للبعض من هذا الجيل الذي كان هدفاً مباشراً لكل هذا العمل العدائي المنحط لقتل كل شيئ جميل في حياتنا تحت شعار: “اذا كانت الطلقة تقتل رجلاً واحداً فالفكرة تقتل جيلاً بأكمله “، وذلك من أجل التغيير في المعتقدات والأفكار والسلوك ليصبح هذا الجيل لاحول ولاقوة له ولينطبق عليه القول بأنه :
“جيل الفقيسة “، أو “الجيل الافتراضي “،
“جيل المثليين ” أو”الفيسبوكين الشاذين” الذين يلقون كل الدعم والتشجيع من الدوائر الغربية المشبوهة تحت مسمى ” الحرية الشخصية “، تمهيداً لزرع أخلاق غريبة في المجتمع للقبول بكل شيئ والعمل بكل الموبقات والترويج لفكرة الظهور التدريجي للعائلات الافتراضية، الإلكترونية كالعيش بشكل منعزل ومنفرد وممارسة الزواج الإفتراضي أو الزواج من” الروبوتات”أو غيرها، ليتم لاحقاً تدمير وضرب مفهوم العائلة بشكلها المقدس ولتحل الأرقام مكان الأسماء، ويتم حقن الأشخاص بشريحة إلكترونية بحجم حبة الرز تقود حاملها وتوجهه بحسب خطة شيطانية مبرمجة ليصبح الشخص آلة جوفاء ، مسيراً لا مخيراً ،لايعرف أمه من أبيه ويلتغي مفهوم الأخوة والأخوات وينتهي إلى الأبد مصطلح “صلة الرحم ” ، ليتم العمل على الأخطر من ذلك ، وهو اللعب بأخلاق البشر وتغير جيناتها الطبيعية وتفريغها تماماً من أية نزعة إنسانية وعاطفية أو أي شعور بالإنتماء ، ليعيشوا “بطريقة الخنازير بدون كرامة ولا أخلاق ولا وفاء”.
من كل ماسبق يؤكد البعض
(( أن العلاقات بين البشر ستحدد لاحقاً وفق برامج أوتطبيفات الكترونية ومقاييس موحدة بحجة فرض الأمن والأمان الإجتماعي، ولعل أهم مقياس بهذا المجال سيكون “مقياس مسافة الأمان القنفذية”)).
ملاحظة : قد يكون من بين أهداف العملية العسكرية النوعية للجيش الروسي في أوكرانيا ليس اجتثاث النازية الجديدة من أوكرانيا فقط ، بل وربما القضاء على البنية التحتية العقائدية الإيديولوجية أيضاً المعدة في أقبية البنتاغون والمخابر البيولوجية لتدمير النفس البشرية روحياً وعاطفياً وأخلاقياً عن طريق استخدام الخفافيش والحيوانات والجرذان والقنافذ والطيور المرقمة لنقل عدوى فيروسات “الحقارة ” لتدمير الحضارة…

د.سلمان صبيحة .
25/4/2022.

شاهد أيضاً

“المؤتمر الشعبي اللبناني” في الشوف زار مستوصف بلدة حلبا في محافظة عكار

زار وفد من “المؤتمر الشعبي اللبناني” فيالشوف  و“المجلس الشعبي” في إقليمالخروب محافظة عكّار، حيث استقبله …