رسالة قلب

إعداد فريال مغنية

قال الشّيطان للكاهن:
مرحبا أيّها الكاهن السّمين.
ما الذي جعلك تكذب على هؤلاء النّاس المساكين المضلّلين!!❗
أيّ عذابات من الجحيم صوّرت لهم!!❗
ألا تعلم أنّهم يعانون أصلاً عذابات الجحيم في حياتهم على الأرض!!❗
ألا تعلم أنّك أنت وسلطات الدّولة مندوباي على الأرض !!❗
أنت من يجعلهم يعانون آلام الجحيم الذي تهدّدهم به!!❗
ألا تعلم هذا!!❗

حسنا، تعالَ معي..

شدّ الشّيطان الكاهن من ياقته، ورفعه عالياً في الهواء، وحمله إلى مكان سبك الحديد في مصنع.
وهناك رأى العمال يركضون على عجل ذهابًا وإيابًا، يكدحون في الحرارة الحارقة ،
لكن سرعان ما يفوق الهواء الثّقيل مع الحرارة احتمال الكاهن، فيتوسّل إلى الشيطان والدّموع في عينيه:
دعني أذهب! دعني أغادر هذا الجحيم..

آه، يا صديقي العزيز، يجب أن أريك أماكن أخرى كثيرة..

أمسك به الشيطان مرّة أخرى وسحبه إلى مزرعة، وهناك رأى العمال يدقون الحبوب والغبار والحرارة لا يُحتملان. يأتي المراقب حاملاً سوطاً، يهوي به بلا رحمة على كل من يقع على الأرض عندما يغلبه الإرهاق من العمل الشّاق أو الجوع.

وبعدها أخذ الكاهن إلى الأكواخ التي يعيش فيها أولئك العمال مع أسرهم. جحورٌ قذرة، باردة، عابقة بالدخان، وكريهة الرّائحة. ابتسم الشيطان ابتسامة عريضة، مشيرًا إلى الفقر والمشقات في تلك البيوت. وسأل الكاهن:”حسنا، أليس هذا كافيا؟” وقد بدا الشيطان نفسه، مشفق على النّاس.
لم يحتمل الكاهن المشهد، فرفع يديه متضرعًا: “دعني أخرج من هنا.
نعم، هذا هو الجحيم على الأرض..

حسناً، أرأيت !!❗
ولا تزال تعِدهم بجحيم آخر، تعذبهم حتّى الموت معنويًا، في الوقت الذي هم فيه ميّتون أصلاً ما عدا الموت الجسدي! هيا بنا، سأريك جحيمًا آخر، جحيمًا أخيرًا وهو أسوأ جحيمٍ على الإطلاق..

أخذه إلى سجن، ليعاين زنزانة، بهوائها الفاسد، وهيئاتها البشرية المسلوبة كل صحة وقوّة، ملقاةً على أرضها، ومغطاة بالحشرات والهوام التي تتغذى على الأجسام الضعيفة، العارية، الهزيلة.

قال الشيطان للكاهن:
اخلع عنك ملابسك الحريرية، وكبّل كاحليك بالسلاسل الثقيلة كتلك التي يجرّها هؤلاء البائسون، ثمّ استلق على الأرض الباردة القذرة، وبعدها حدّثهم عن الجحيم الذي لا زال ينتظرهم..

فأجاب الكاهن: لا، لا أستطيع تخيّل أمرًا أكثر ترويعًا من هذا.
أتوسل إليك، دعني أخرج من هنا..

نعم، هذه هي جهنّم لا يمكن أن يكون هناك جهنّم أسوأ منها.
ألم تكن تعلم بها!!❗
ألم تعلم عن هؤلاء الرّجال والنساء الذين ترعبهم بصورة الجحيم!!❗
ألم تعلم أنّهم في الجحيم الآن، قبل موتهم!!❗

#كتبها ﺩﻭﺳﺘﻮيفسكي ﻋﻠﻰ ﺟﺪﺍﺭ ﺯﻧﺰﺍﻧﺘﻪ ﻓﻲ ﺳﻴﺒﻴﺮﻳﺎ في ﻋﺎﻡ 1849..

شاهد أيضاً

ظهور مسلح للقوات الفجر واطلاق نار كثيف ادى الى اصابات بالرصاص الطائش والجماعة الإسلامية أسفت لما حدث .

  طقوش: “سنكمل المسيرة وسنبقى أوفياء حتى تحرير الأرض” كتب مدير التحرير المسؤول: محمد خليل …