التأسيس الثقافي والتأثيث النوعي ..

بقلم: علي .أ. دهيني ..

“أيمتا منفيق من الموت الغميق”. هكذا / وهذا ما كتبته صديقة كريمة على حسابها في “فيسبوك”، وكان تعليقي:
نحن قوم نظن أن الفجر لا يبزغ إلّا إذا صاح الديك، وللأسف ليس عندنا ديوك تصيح”. ولا أنكر كم آلمتني هذه العبارة بإيجازها في التعبير عن واقعنا المؤلم.

هذا هو حالنا. تتراكم مآسينا فوق رؤوسنا ونحن نيام. نكتفي من الأماني والآمال مِمّا يلج إلى لا وعينا من أحلام في سباتنا الذي لا نريد أن نستفيق منه خشية أن نكتشف خواءنا، وغياب وعينا عن قضايانا الجوهرية في الحفاظ على أوطاننا وتطلعاتنا لقيام مجتمع تتطور فيه آليات النهوض ومواكبة مجريات تطور المجتمعات البشرية في هذا العالم. ولكننا نغرق في أدبيات الأديان ومذهبية الدين الواحد، ناهيك عن تحزباتنا العمياء، في ظل غياب إطار فكري يجمعنا في قومية واحدة.

إن التأسيس الثقافي والتأثيث النوعي، في وعي الشعوب، يرسّخ الانتماء الوطني ويزيد في نماء العقد الاجتماعي بين العرقيات والإثنيات العقائدية، مما يجعل الرّابط الوطني أكثر تجذّراً في الانتماء القومي، فأي ثقافة تربى عليها وعي المواطن العربي؟

ففي ظلّ غياب أيديولوجية قومية، بقيت أطروحاتها في هذا الاتجاه، لا تعدو كونها بياناً سياسياً لا يتخطى الجهة المصدّرة له. لقد وغل الخلاف في الرؤية بين النزعة القومية والنزعة الدينية، حتى جعلت هذا المواطن العربي “كالقابض على الجمر” إلى أي جهة أنتمى بين هاتين النزعتين، فيما لو بذلت جهود من ذوي الفكر المتقدم في وسط الأمة، لإيجاد قواعد بناءة لعقد اجتماعي بين الرؤيتين، وصاغته بأفكار تصلح للبناء عليها، لعاد ذلك بالخير على الجميع.

في منتصف القرن الماضي قامت نواة دولة شعاراتها قومية، في جمهورية مصر العربية وامتدت إلى الجمهورية العربية السورية، إلا أن هذه الشعارات لم تلبث أن غابت مع غياب مطلقيها.

أما اليوم، فهل من دولة عربية يعنيها الانتماء القومي بحقيقته وجوهره وينتشر وجدانياً بين شعبها غير الجمهورية العربية السورية؟ مع عدم إنكارنا إلى وعي الشعب المصري لهذا الفهم القومي.

واعترافنا حق لهذه الدولة وللمواطن المنتمي إلى هذا الدولة، لأن المواطن السوري الجنسية قومي بفطرته، وحده يشعرك بانتمائه القومي رغم الاتهامات الواهية المغلّفة بالغرضية السياسية. وأنا كلامي مبني على منهج ثقافي عام ـ يمتد من المدرسة إلى كل مراكز التعليم وصولاً إلى تبوء المكانات المعرفية والعلمية ـ رغم رعايته السياسية.

السؤال الذي يجبه القائل بالأيديولوجية القومية من الوجهة المقابلة الدينية، بأن العالم العربي بكلّه يملك ثقافته التي بناها في وعيه الدين، مسلماً أو مسيحياً، فبلادنا بلاد الأنبياء والرسل.

هذا صحيح في واقع بلادنا، ولكن السؤال المقابل هل قدم دعاة الدين ـ واقول الدعاة الذين نصّبوا أنفسهم حراساً للدين ـ هل قدموا الفكر الديني على حقيقته؟ وهل ترجموا محمول الدين من عناوين حياة ونهوض بالمجتمع نحو التطور إلى واقع يبني الإنسان في ميادين العلم والنور والمعرفة والتفاعل مع الآخر؟ وهل ميزوا بين ما كان يصلح في الماضي وبين ما تجاوزه الزمن بفعل تطور المنطق العقلي؟

كلا الحراس للعقيدتين، مارسا شؤونهم الخاصة باسم الدين. وعندما نهض من بينهم من يسال ويتساءل عن الجوهر في الفكر الديني وعن أسباب تراجع الأمة من خلال النقد وطرح الأسئلة، أو من خلال عدم قبولهم بأن يكون ما جاء في القرآن مجرد خدمة للسلطان بل للإنسان، أو أن يُستغل من جماعة لم تخرج من عباءة التاريخ وتعيش حياة مجتمع كان منذ 1400 سنة أو جماعة أخرى تعيش على مظاهر ملكية منذ 21 قرناً،  رموا هذا السائل بالزندقة والمرء على الدين ناهيك عن أقذع الاتهامات. ولن أقدم أكثر من شاهدين : نصر حامد أبو زيد ومحمد شحرور، وغيرهم كثر.. أو ممن أسسوا للفكر القومي من أمثال بطرس البستاني وناصيف اليازجي السوريان وسليم البستاني ومنيف خوري اللبنانيان. وليس صحيحاً أبداً أن القومية تعني إبعاد الدين سعياً لالتفاف الشعب من حولها وحمل أفكارها. إنما الفكرة القومية تعتبر إذا كان الدين هيئة تشريعية، فإن القومية هيئة تنفيذية ترعى مصالح الأمة وتدير شؤونها بما يتوافق مع تطلعات أبناء الأمة والحفاظ على ثرواتهم في تنمية بلادهم ومواكبة تطورات العصر.

عسانا أن نفيق.

شاهد أيضاً

عروس النيل الفنانة لبنى عبد العزيز:

★خرج من بيتي العندليب عبد الحليم حافظ وانا أحمل سيناريو الفيلم. ★زمن جميل بكل الفنون: …