نسبيةٌ اينما كان

د. نزار دندش

ما أوسع هذا الكون وما أضيقه! ما أبسط العالم الذي نعيش فيه وما أعقده! يبدو للناظر اليه من البعيد مزاجياً، عاصفاً او هادئاً مشمساً او ملبداً بالغيوم الماطرة ويبدو للمتعمق في دواخله مُنتظماً ، بل في قمة الانتظام .
الناظر الى المادة حوله يراها كتلاً لها اشكال فقطعة الحديد “حديدةٌ ” وباب الخشب خشبةٌ مُصنَّعة … هكذا يرى العامة الأشياء ولا يفكرون بما احتوته من ذرات ( مع ان المتطرفين يرونها مكوّنة من أرواح ) . أما النافذون الى دقائق الأشياء فيرون في كل ذرة عالماً ويرون عالماً من الالكترونيات لم يذكره حتى أحكم الحكماء في التاريخ الماضي البعيد . فهل تكون الحقائق محفوظةً في هذا العالم الميكروي الدقيق الذي لا يعلم العامة عنه الا الاسم والدهشة ؟
نعم ان الحقائق هناك وهناك كل كنوز المعرفة ، فكلما غصنا في عالم الصغيريات اكثر كلما عرفنا عن هذا الكون اكثر وما نراه في النانو لا نراه في الميكرو وما وجدناه في الميكرو لم نجده قبلاً في الماكرو .
انها النسبية
السماء في عيوننا فراغاتٌ مظلمة ونجوم صغيرة تتلألأ بهدوء ، لكنها في عيون القريب صَخَبٌ لا يوصف وانفجارتٌ نووية ضخمة لا تقارن بها كل ترسانات الأرض .
ونعود لنكرّر ما قاله أينشتاين : كل الحقائق التي نكتشفها نسبية … نعم كل شيء نسبي في عيوننا … وما أبعد المسافة بين عيوننا وعقولنا وما أحوجنا الى الايمان بحقيقة النظرية النسبية عندما نجري مقارنة بين عقول البشر وقناعاتهم بل وعاداتهم أيضاً .
النسبية في مفاهيمنا بليغةٌ جداً ، فمنّا من يقرأ ومنّا من لا يقرأ ، والمعلومة العلمية ليست كنزاً مخبّأً او مالاً نجده في جيوب الآخرين .
والنسبية في أهوائنا السياسية تتفاوت تبعاً لوسائل الاعلام التي تتولى تشكيل القناعات وتقديم ” الحقائق” السياسية مطحونة مُمَلَّحةً ومُبهّرةً ومعجونة ومرتبة كحبات الدواء المعدة للبلع السريع . ومن يبلع حبة من هذه المحطة صار مع هذا الخط ومن بلع حبةً غيرها صار مع غيره .
وفي السياسة ايضاً هناك نسبية وهناك نِسَبٌ ومنّا من يرى العالم بعينيه ومنا من يراه بأذنيه وأخطرنا من يرى بعينٍ واحدة ويسمع بأذنٍ واحدة وأولانا بالنسبية من يرى الحقائق في منظار التاريخ ويستشهد بما قاله امرؤ القيس عن حقائق علم الذرة .

يقول علم الكون ( cosmology ) ان الكون يتمدّد وان المجرات تتباعد بسرعة رهيبة . ودعونا نقول اليوم ان عقول الناس تتباعد ومستوياتها قد تفاوتت رغم ان العلم قد قرّب المفاهيم ووحّد القواميس … لكنَّ الواقع أفعل ! فالماء والزيت لا يتبخران على نفس الدرجة من الحرارة ولا يتجمدان على نفس الدرجة … وكذلك تفعل بقية السوائل .
والعقول لا تفرز أفكاراً متشابهة في ظروف متشابهة فكيف اذا كانت الظروف مختلفة … إنها النسبية !

شاهد أيضاً

غزة وحراك الجامعات الامريكية. الشعوب تتحد وتنهض لوأد العالم الانجلو ساكسوني.

ميخائيل عوض تطورت تشكيلات الوحدات الاجتماعية للبشرية ارتقاء من الجماعات البدائية في المشاعيات الى العائلات …