حوار في الثقافة والسياسة من إعداد الإعلامي د. وسام حمادة

 

في زمن العولمة والإعلام المرتهن وترسيخاً لمفاهيم الثقافة والمعرفة الراقية والتي تعيش غربتها القاتلة تعيد مجلة كواليس وموقعها الإلكتروني نشر لقاءات ثقافية وسياسية كان قد أعدّها وقدّمها لفضائية الإتحاد الإعلامي، د. وسام حمادة عبر برنامج 24 / 24

ولقاء العدد مع الشاعر والكاتب والإعلامي الأستاذ ” حبيب يونس “
عنوان الحلقة: ” الشعر رؤية ورأي “
أغنية بعنوان: ” شجراً كنت “
كلمات الشاعر: “حبيب يونس”
ألحان وغناء: ” د. وسام حمادة “

 

 

 

الأغنية:

 

شجراً كنت أعتلي فيءَ آبائي
فالثرى عرشي والفضاء خيالي
طفت عمراً من الفصول كأنّي
من ضلالٍ أسير إثر ضلالِ
حيث ما أرحل أرمي ظلاً وحسبي
أملأ الأرض ذكرياتِ وصالِ
فشتائي مهاجر وربيعي وحدة
والصيف الممزّق شالي
وأنا أستعيد خريفي هائماً
في الدُنى ألمُّ ظلالِ.

 

– ألتقي بكم عبر برنامج 24/24 الذي يعنى بالذائقة العامة من خلال حوار في السياسة ونقاش في الثقافة مع ضيوف كان لهم بصمتهم في حياة المجتمع والناس.
بدايةً أرّحب بضيفي الشاعر والإعلامي والكاتب الأستاذ حبيب يونس، أهلاً وسهلاً بك في هذا اللقاء.

الضيف: أهلاً وسهلاً بكم وشكراً لك على هذه الإستضافة.

 

 

– ضيفي الليلة نسّاج محترف، يغزل الحرف ويُشكّل اللوحة من كلمات وقصائد، ليصبح الشّعر إثراءَ للروح وواحة للتأمّل وفسحة لانبعاث الراحة من القلق الإنساني وتوتّره.
يعيش شاعرنا اللهفة الدائمة ويرافقه خيال يطلّ على شبابيك الإبداع السَويّ.
ففي رحلاته على لوز النعس لم يتعثر لأنّه من أهل المدى.
يقول شاعرنا: “الغيم مشوارو صعب كلو شتي متل القصيدة النازلة تشلح حبر ، والشّعر إبرة عالورق متل الرتي، رِتي تياب السما تصارت تنجّم شعر”.
مجدّداً أهلاً وسهلاً بك أستاذ حبيب الكاتب والإعلامي والشاعر الجميل والمرافق للكثير من الأسماء الكبيرة على مستوى الثقافة والشّعر، ويسعدني أن أقوم بجولة إستطلاعية على حركتك الشّعرية والثقافية والنضالية التي لها أيضاً مساحة كبيرة من هذا الشيب الذي غزا مفرقيك.

الضيف: كلّ المشكلة في هذه الشيبة.

هذه البداية الراقية في الغناء والعزف على العود ذكّرتني بكلمة كان يقولها لي دائماً والدي “رحمه الله” والذي كان شاعراً، أنه سُئل العود هل هناك أطرب منك؟ فقال لا ،وما زال يُشير بيده مؤكّداً ذلك، واليوم حين أرى العود الكهربائي المتطوّر، أقول، أنّه ليس عوداً، لأنّه يجب أن يبقى ملتوياً ومؤكّداً على أنّه هو الأطرب.

 

 

– وأنا منحاز لتلك “لا” التي أكّدتها يد العود.

سأبدأ حواري معك مباشرة من النشأة، حيث كان وعشتَ ظرفاً مميّزاً إذ أنك ولدت في بيت شاعر كبير وأسرة تهتم بالحرف كما أنها تهتم بالشأن العام إن كان على المستوى الثقافي أو السياسي. حبّذا لو تعطينا لمحة سريعة عن هذه الأسرة التي شكّلت شخصية حبيب يونس.

الضيف: نحن عائلة متواضعة، عائلة فلاحين، نزلنا إلى المدينة مثل كلّ العائلات التي فعلت ذلك، وحفظنا من الضيعة أمرين أساسيين وهما: إن وقع نصفك على الأرض لا تلتقطه، وإذا أردت أن تحلم فليكن حلمك كبيراً.

 

– جميل ..

الضيف: هذان الأمران كانا بمثابة زوّادة لنا، ولحسن الحظّ أن أبي وأعمامي جميعهم كانوا شعراء، وقد ورثت منهم موهبة الشّعر وربّما لون العينين، وورثت من أمي بساطتها وتلك الجملة التي قالتها لي في إحدى المناسبات حين وقعت قطعة الحلوى من يدي على الأرض ولحق بها نظري، وإذا بأمي تقول لي: “نصك إن وقع عالأرض لا تلمّوا” وطبعاً هذا المثل ليس من إختراعها.
بفضلها ارتقينا عالياً، وهذا لا يعني أننا مشينا فوق الغيم، بل بقيت أرجلنا على الأرض وبقي التواضع جزءاً لا يتجزّأ من وجودنا، حيث كان الحبّ لكلّ الناس وبه نستقبل كلّ الناس ونعطي كلّ الناس، فالذي لا يعطي لا يعرف أن يكون إنساناً، لأنّ كلٌّ منّا لديه فائض في داخله يجب أن يمنحه للآخر، وكلّما زاد العطاء ظهر التواضع.

 

– على كلٍّ نحن نحسد حبيب على أسرته التي ربّته هذه التربية وأنتجت هذه الشخصية التي تركت بصمة وما زالت تعمل على ترك بصمات في عالم الثقافة والإعلام والشّعر.

الضيف: إن شاء الله نتمكّن من فعل ذلك.

 

 

– اليوم سأستغلّ الوقت قدر الإمكان للحديث عن الشعر، بالإضافة إلى الجانب السياسي الذي دفعت ثمنه بسبب خياراتك السياسية.
بدون مقدمات، كيف ينظر حبيب يونس إلى مسيرته الشّعرية من عين الناقد بعيداً عن عين الكاتب؟

الضيف: لقد قمت بعمل ديوان إسمه “نيسان يمرّ بنا قُبَلاً” وهو يحتوي على مجموعة من القصائد بدءاً من قصيدة كنت قد كتبتها وأنا في سن السابعة عشر إلى آخر قصيدة كتبتها في العام 2014، وحين قرأته حذفت قصيدتين قديمتين لأنّني أحسست أنهما أدنى مستوى من باقي القصائد التي حفظتها في هذا الديوان، أي أن الخطوة الأولى في مسيرتي الشّعرية كانت سليمة تقريباً، حيث انطلقت من مكان سليم دون أن أضلّ طريقي في البداية وأعود لأهتدي على الطريق الصحيح.
وحين قرأت هذا الديوان مجدّداً لم أجد فيه ما يحتاج إلى التغيير أو الحذف، لكن قد تعجبني كلمة فأُضيفها أو أُصحّح حركة كانت خطأ، كما أنّني أعود دائماً قبل النشر للقاموس وللمرجع الأساسي الذي هو لسان العرب وإن كنت ضليعاً في اللغة، لكن لأتأكد من كلّ كلمة كي لا يكون هناك خطأ، فأنا أحبّ أن يصدر ديواني نظيفاً رغم أنه لا بدّ من خطأ ما أحياناً.
فإذا اتّخذت هذا الكتاب كمقارنة مع كلّ ما كتبته وأكتبه، أعتبر أن مسيرتي واحدة.
وصحيح أنه كلّما تقدّم بنا العمر، تزداد خبرتك من التجارب وتشعر بالنضج أكثر، وليس بالضرورة أن يكون النضج في الصُّور بل أن تشعر أن التجربة الإنسانية داخل البيت الشّعري، وهي ذاتها التي كتبتها في أوّل مرّة ما زلت أكتبها الآن كروحٍ وكنفسٍ وكأسلوب، لدرجة أن هناك الكثيرين حين يسمعون هذا البيت يقولون أنه لحبيب يونس وليس لأحد آخر أو أنه يُشبه أسلوب فلان أو أن يكون هناك حيرة في معرفة الكاتب.

 

 

– هل يمكننا القول أن حبيب يونس استطاع أن يصل إلى مكان وضع فيه بصمته الخاصة؟

الضيف: أعتقد أنه أصبح لديّ أسلوبي الخاص.

 

– هذا نتيجة لعامل الوقت أم أنّك عملت على ذلك أو أنّه يعود للنضج الذي تكلّمت عنه؟ لأن هناك الكثير من الشّعراء كتبوا دواوين كثيرة ورغم ذلك تشعر أنه ليس لديهم بصمتهم مثل الكثير من الملحّنين والممثّلين وغيرهم.

الضيف: صحيح، ربما (الطعجة) الأولى ميزّتني عن الذين كانوا يكتبون، خاصة أنّني بدأت الكتابة في سنّ السادسة عشر واليوم عمري ستة وخمسون عاماً، أي أن هذه المسيرة عمرها أربعون عاماً، وهناك أسلوب كما يقول المثل الفرنسي
“le Style C’est L’homme”
يعني الأسلوب هو الإنسان، كلّ إنسان لديه أسلوبه، وطبعاً قرأت كثيراً وتأثّرت بالكثير من الأشخاص لكن حين أتيت لأكتب كتبت ذاتي.
وفي إحدى المرّات قلت للأستاذ جوزيف حرب “رحمه الله” دائماً حين أقرأ كتاباتك أشعر أنّني أريد أن أكتب، وفي لحظة ما أخشى أن أُقلّدك من شدّة إعجابي بك، وكذلك هذا ما قلته للأستاذ سعيد عقل، لكن الذي ثبت لي فيما بعد أن قصائدهم فيها شبابيك، ربما لم ينتبهوا لها أو لم يهتموا بها لأنهم يقيمون في قلب القصيدة، أما أنا فقد رأيت هذه الشبابيك أكثر منهم، فخرجت منها وعمّرت في مكانٍ آخر، فحين تتأثّر بأحدٍ ما تقوم بنسخ جملته أو بأداء أسلوبه، لكن أنا أسلوبي مختلف عنهم ولم أصل بعد إلى أسلوبهم، لكنهم يفتحون لك آفاق حيث تكون فكرتهم كاملة في مكان وناقصة في مكان آخر، وقد يلفت انتباهي هذا المكان الناقص فأفتح منه باباً آخر، وبهذا أكون قد فتحت باباً من هذا الشباك، وهذا الباب يفتح لي مدىً جديداً وأفقاً جديداً أستطيع من خلاله بناء قصيدة، وليس من الضروري أن تتكرّر هذه الحالة، قد تحصل مرّة أو مرّتين، لكن لكلِّ قصيدة مفتاح، أحياناً يكون كلمة أو فكرة أو حادثة صغيرة حصلت معك، أو غير ذلك، لأنّه حين يكون لديك مَلكَة الشّعر وبذات الوقت تملك لغتك ووزنك وكلّ ما يتعلّق بالشّعر بإمكانك في أي ساعة أن تكتب قصيدة جيدة ومليئة بالعاطفة والإحساس.

 

 

– بناءً على كلامك هل يمكننا اعتبار الشاعر في مكان ما أنه يصبح صاحب صنعة؟

الضيف: لا، حين قلت فيها عاطفة تعمّدت ذلك، لأنّه إذا كانت الكتابة عبارة عن نظم فقط يصبح هناك فرقاً بين النظم والعاطفة التي تنبع من إحساسك الذي يعيش في داخلك، وهنا سأعطيك مثالاً عن عاصي الرحباني -رحمه الله- أثناء تحضير أغاني لبرنامج “ساعة وغنية” هذا ما أخبرني به المرحوم رياض شرارة، حين طُلب من عاصي الرحباني تلحين مجموعة من الأغاني، وقد قال له: ما بك يا أستاذ عاصي ألست قادراً على التلحين ..! ألم يأتِك الوحي بعد ..! فردّ عليه قائلاً : ليس هناك وحي، إنما هذا الذي يسمّونه الوحي هو اللاوعي المُخَزّن لديك، لكن، أحياناً، لا يكون لديك استعداد للعمل في وقت معيّن، وحين تقرّر البدء بالعمل كلّ هذا المخزون يظهر أمامك، يكفي وجود المفتاح أو الصورة أو المقام، فمثلاً حضرتك قمت بتلحين قصيدة وجدانية لي بعنوان شجرة كنت، ولو افترضنا أنّني مكانك، مباشرة يتبادر إلى ذهني ما هو المقام الذي يليق بالشجر، فأرى أن مقام النهاوند والذي وضعته أنت للقصيدة هو المقام المناسب، حينها أقوم بهذا العمل على النحو الذي ذكرته بالإضافة إلى فهم النصّ ومعرفة أبعاده من خلال النوتات التي أعمل بها.
المسألة ليست عملية نظم أو صفّ أحرف على لوحة الكمبيوتر والعمل على طبعها ونشرها دون إحساس، فبناء القصيدة يحتاج إلى أساس متين وهو عامل الإحساس.

 

– فعلاً هذا ما أردت قوله.

الضيف: لذا ذكرت لك العاطفة لأنها مسألة أساسية.

 

– كما لا يمكن وضع اللحن إن لم يصل إليك إحساس النصّ.

الضيف: صحيح.

 

– وهذا جزء أساسي إذ أنّه يلعب دوراً هامّاً في نجاح أو فشل العمل.

الضيف: والقصيدة بحدِّ ذاتها لحن ونغم.

 

 

 

– هذا ما أقوله دائماً، أي أنّه ليس هناك فضل للملحن بمقدار ما تحمل القصيدة من موسيقى بين طيّات كلماتها.
أستاذ حبيب سنُكمل هذا الحوار مع حضرتك لكن بعد متابعة هذا التقرير الذي يدور حول تجربتك الغنيّة.

 

التقرير:

 

سائح في عمق العطور، يتناعم في اختيار الأردية وأكسية الحرير والبطائن المنَعَّمة، أما فعل اللقاء فعلى إرادة الحياة.
حبيب يونس كاتب وشاعر لبناني، ولد عام 1959 في بلدة شتي تنورين قضاء البترون، حصل على شهادة في الإعلام من الجامعة اللبنانية، ترعرع في بيت تغنّى أهله بالشّعر، إذ تعلّم كلّ مفاتيح الشّعر من عمه، فكانت البداية في كتابة الخواطر، فتدرّج يوماً بعد يوم ليصبح من كبار شعراء عصره.
من أبرز دواوينه الشّعرية: ديوان شغل محابيس، ديوان لوز النعس وديوان صاروا اللي فوق كتار.
ترأس إدارة الأخبار في إذاعة صوت المدى وصوت الغد، وله أيضاً برامج تلفزيونية على قناة -أو تي في- “بعنوان نقطة فاصلة” وهو برنامج فكري ثقافي، سياسي وفني، وبرنامج آخر بعنوان “رح نبقى هون” وهو عبارة عن أربعين حلقة تلفزيونية عن تاريخ لبنان. تغنّى كبار الفنانين بشعره أبرزهم السيدة ماجدة الرومي بأغنية سيدي الرئيس، ولن أعود، وغنوا للحب يا أهل الغرام.

 

 

– مجدّداً أهلاً وسهلاً بك أستاذ حبيب يونس.

الضيف: شكراً لكم دكتور.

 

– هذه الغزارة الفكرية والشّعرية التي تمتلكها عائلة يونس كان لها أثر ليس على مستوى تنورين فقط بل على مستوى لبنان، والظاهر أن الحبل على الجرار كما يُقال، إذ أنها عائلة عشقت الحرف وطرّزته بشكلٍ جميل جداً.
أودّ سماع قصيدة من اختيارك قبل أن نناقش موضوع الشّعر المحكي وانحيازك له والشّعر الفصيح الذي قدّمت منه أنموذجاً عبر قصيدة شجرة كنت .. التي غنيّتها في بداية اللقاء.

الضيف: لقد مهّدت للحلقة بإحدى القصائد الجديدة.

 

– تعمّدت ذلك.

الضيف: وأنا خصّصت لهذا اللقاء قصائد لم أقرأها بعد أمام أحد.

 

– نشكرك على كلّ ما تقدّمه في هذا اللقاء.

الضيف: كما أنّها لم تُنشر في دواويني الإثني عشر، وهناك عشرون قصيدة جاهزة للطبع.
سأبدأ بهذه القصيدة التي تشبهني.

 

القصيدة:

أنا القصب المُعرّى للرياحِ وناياتي مقامات الجراحِ
فمن عزفت على جرحٍ تعرّت ومِن ناي غدت عرّت صباحي
أنا قصبٌ ترابي من مقامي يُحلّق بالتراب مدى جناحي

– جميل، حضرتك كتبت قصائد باللغة المحكية، وأنت المنحاز مع عدد كبير من الشّعراء في لبنان إلى اللهجة اللبنانية، ومنهم من اعتبر هذه اللهجة هي الأساس بكلّ أنواع النصّ الشّعري وابتعدوا كلَّ البعد عن القصيدة الفصحى.
واليوم على رغم هذا الإنحياز إلّا أنّك تعطي دفقاً من الأحاسيس بالعربية الفصحى، برأيك لمن الغلبة عند حبيب يونس؟

الضيف: الغلبة للجمال، حين تعجبني كلمة باللغة الفصحى أو عبارة أو موقف، أتمعّن به وأقرأه بالفصحى، والمخاطبة بالفصحى أمر عادي بالنسبة لي وليس لدي مشكلة في ذلك لأنّني مُتضلّع من هذه اللغة وأكتبها بشكل جيد جداً دون أيّ موقفٍ مُسبق، وهنا أتكلّم بإحساسي.

– وليس ردّاً على الذين يقولون أن من يكتب بالعامية لا يملك ملَكة الفصحى؟

الضيف: لا أبداً، وسأُعطيك أنموذجاً عن ثلاثة أشخاص متضلّعين من اللغة العربية، لا بل لديهم فتوحات فيها إذا صحّ التعبير، وهم سعيد عقل، جوزيف حرب، غسان مطر، هؤلاء لديهم قدرة الكتابة بالعامية وبالفصحى، فهناك جماليات باللغة العربية ليست في الكلمات، لأن بعض الكلمات حين تضعها في القصيدة العاميّة تفسدها، وكذلك الأمر إذا انتقلت من العاميّة إلى الفصيح، فحين تعرف جمالية التركيبة في الجملة بهذه اللغة أو بتلك اللهجة وتعرف كيف تجعلهم يتماهون مع بعضهم في مكان معين من القصيدة إن كانت بالفصحى أو بالعاميّة تكون قد قمت بفتحٍ جديد ودخلت على القصيدة من مكان لم يسبقك عليه أحد، هذا الذي فعله سعيد عقل وجوزيف حرب وغسان مطر، ففي النهاية نحن أبناء قُرى، ولذلك تجد روح الزجل والشّعر العامي في ذهن وفي خلفية إبن القرية سلفاً، تماماً كما هو الشّعر النبطي أو الشّعر المصري الصعيدي، وهنا لاحظ أن المصري المتمكّن من اللغة العربية والذي يكتب بالعامية في آن واحد يكون مميّزاً عن غيره.

 

– وخير دليل عبد الرحمن الأبنودي.

الضيف: هناك عبد الرحمن الأبنودي و صلاح شاهين الذي لو لم يكن مُتمكّن من العربية الفصحى لَما استطاع أن يلعب هذه اللعبة، هذا بالنسبة للشّعر في مصر، لأنّه قد تختلف أوزانهم عن أوزاننا في بعض الأماكن، لكن تبقى اللعبة لعبة جمال وإن كُتِبَت بأي لغة، لذا أُكتب؛ فالمهم أن تعطيني صورة مدهشة، وهناك مثال على ذلك للأستاذ سعيد عقل، أنّه حين يقول في قصيدته عبارة أجمل من عينيكِ، تتفاجأ وتقول أيُعقل أن يجد العاشق أجمل من عيون حبيبته، هنا يُكمل قائلاً: حبّي لعينيكِ، فإذاً خلق لديك الدهشة السلبية أولاً، ومن ثم خلق لك الدهشة الإيجابية، ويقول أيضاً أن هناك الكثيرين ممن يتكلون على بيت القصيد في الأشعار العادية، أي أنهم يضعون رصفاً من الحجارة ليصلوا في النهاية إلى بيت القصيد الذي يلمع، حينها يُصفّق له الجمهور ويأخذ هذا البيت معه دون أن يحفظ شيئاً من القصيدة سوى بيت القصيد، وهنا قال لي: يجب أن تبدأ ببيت القصيد وتُكمل قصيدتك ببيوت قصائد، أي أنه عليك أن تنطلق من هذه النقطة وتبدأ بالإرتفاع، يعني أن تكون البداية عالية وتعلو فوقها لا أن تبدأ من مكانٍ منخفض وتعلو بعده، يجب ان تكون دائماً عالياً بجملتك وبفكرتك وبتركيبة قصيدتك لكي يبقى شيء من هذه القصيدة لا أن يبقى بيت القصيد فقط، وكلمة بيت القصيد قبيحة، فكل ما تكتبه يجب أن يكون بيت قصيد أو لا تكتب وإلّا تكون شخصاً عاديّاً غير قادر على الإبداع.
نحن نحاول ولا أدري إن وصلنا أو لم نصل بعد، لكن هناك زمن يُغربل، كما أن هناك النقد الذاتي لتجربتي، إذ أنّني أقرأ نصوصي عدة مرّات وفي العديد من الحالات لأعرف ما إذا كان هذا النصّ جميلاً وأرضى به أو لا أرضى، وطبعاً حين أكتب أكون مسروراً به، وعندما أقرأه بكلّ الحالات وأحصل على ذات المتعة أعتبر أن هذه القصيدة جيدة فأضمّها إلى ديواني.

 

 

– بما أنّك أتيت على ذكر النقد، هل يعيش عالم الشّعر اليوم حالة نقدية صحية من خبراء النقد لكي يستفيد من وجودهم الشاعر؟ وهل هذا الواقع موجود أم أن هناك لبساً حول حركة نقد النصّ؟

الضيف: هنا أيضاً سأستشهد بكلام سعيد عقل.

 

– على كلٍّ تجربتك غنيّة مع الشاعر سعيد عقل وكذلك الأمر مع الشاعر جوزيف حرب وهما شخصيتان أساسيتان في حياتك.

الضيف: نعم هذا صحيح، لقد كان الشاعر سعيد عقل يقول إذا أنا لم أكتب فالناقد لا يعمل وهو يعيش على حسابي.
هناك بعض النقّاد يعملون تحت شعار خالف تُعرف، وبعضهم يسعى لتحطيم الآخر، في حين أنّه على الناقد أن يبحث جيداً قبل إعلانه عن نتيجته النقدية، فلا يحق له إبداء رأيه قبل أن يرى تجربتي، كما أنّه يجب أن يستعمل مصطلحات لائقة في عملية النقد، كأن يصف ديواني مثلاً بأنه كلاسيكي وأنّه يحتوي على الشّعر التفعيلي وأن هذه التركيبة جميلة أو العكس، وإذا كان هناك خطأ ما عليه أن يقول لي أن ديوانك فيه بعض الأخطاء، لا أن يأتي ويهشّمني لأنّني لا أعجبه ولا يعجبه إسمي.

 

 

– أو أن يكون هناك موقفاً سياسياً.

الضيف: صحيح، لقد أصبح بعض النقد عبارة عن علاقات عامة، أي أكتب عنّي لأكتب عنك، وهؤلاء يكونون مسؤولي الصفحات الثقافية إجمالاً، أو ناشطين في الصفحات الثقافية ولا يعجبهم هذا الخط. ففي إحدى المرّات قال لي أحدهم: ما زلت تكتب الشّعر العامودي؟! فأجبته: نعم ما زلت أكتب الشّعر العامودي، هل قرأت هذا العامودي الذي أكتبه؟ وهل يشبه امرؤ القيس أو المتنبّي أو أحمد شوقي، أم أنّه يشبه حبيب يونس؟ هنا مربط الفرس.
هناك بيتا شعرٍ لإمرؤ القيس في قصيدة “تعلّق قلبي” وقد غنّاها طارق عبد الحكيم وهيام يونس وطلال المدّاح.
وعانقتها حتى تقطّع عقدها وحتى لآلي الطوق من جيدها انفصل ..
كأن لآلي الطوق حين تناثرت ضياء مصابيح تطايرن عن شعل ..
هذه ليست حداثة كالتي يتكلّمون بها اليوم ..! أو هذا البيت لعنترة الذي يُعتبر واحد من أجمل أبيات الغزل في العالم.
فودَدْتُ تقبيل السيوف لأنها لمعت كبارق ثغرك المتبسّم.
ليس هناك أجمل من هذه العبارات، وهنا أسأل أين هي الصور الحديثة التي يعملون بها؟!
وإذا أردت الدخول على الوجدان هناك قصائد لجوزيف حرب.
في قرانا إنما نغمض عين الميّت حتى لا يرانا.
تأمّل روعة المعنى، أي أن الميّت هو الذي يجب أن يُدين الأحياء وليس نحن لنبكي عليه أو نشفق عليه لأنّه ميّت.
لو يدرك الجلّاد وهو يُوثق اليدين أن له ظهراً وركبتين.
أنظر إلى القيمة الموجودة في هذه الأبيات، في حين أن البعض قد لا يعرف كتابة الموزون، أو يقول أن الجميع كتب الموزون وأنا أريد أن أذهب إلى مناخ آخر، وقد تهكّم عليهم زياد الرحباني في مسرحياته حيث قال: أنشد يا فجر المسامير، وكان هيلاتيلاتي جالساً عند باب المستودع.

 

 

– وأيضاً، هوت سنونوتي على الرماد.. تناثرت صوراً وأوراق اعتماد.

الضيف: أنا لست ضدّ أحد، فحين يكون لديك نصٌّ جميلٌ سواء أكان موزوناً أو غير موزون ستتقبّله وتحبّه، فهناك كتاب الورد لسعيد عقل وهو غير موزون وكذلك أنسي الحاج لديه كتابات غير موزونة جميلة جداً خاصة في الخواتم وفي الوليمة، وقصيدة آن بولين المشهورة لجوزيف الصايغ حيث يقول: آن بولين في المرآة تحملها الفراشات، تشعر وكأنّك تطير معها بالإضافة إلى أنّني أفهم ما أقرأ، وهناك كتابات لشعراء مشهورين ومعروفين أقرأها دون أن أفهم عليهم، علماً أنهم أصدقائي، وأنا لست قاصراً عن الفهم لكن الفكرة لم تصل لي ولم تهزّنِ.

 

– سنُكمل هذا النقاش لكن بعد سماع إحدى قصائدك..

القصيدة:

ختيرت، شبت ولحيتي بهار وملح عطعمتها مين لِما تعوَّد
ورجعت صورة من زمن هربان فيي، أبيض وأسود
حين ترى صورتك بالأبيض والأسود تتذكر هذا الأمر.
لمن صرت بالمقلب التاني، الأيام رفقاتي القدامى سافروا لبعيد ما بيرجعوا، والقبور جيراني بيناتنا مرقة طريق، وما حدا منا باقيلو بالعمر حتى رفيق، كل يوم ليلية حدا بيعزم حدا لعندو عكاس نبيذ، والخابية فضيت ومليانة، وبتعمر السكرة وبآخر السهرة بسربوا القبور، قلبي بيلحقن خوفي شي مرة يضيعوا منين الدرب، بسربوا وعيني عليهن، العين نعسانة بتغفى و—-
حين تصل إلى المقلب الثاني تشعر أن هناك شيئاً ينقصك.
هناك مجموعة أكتبها لها علاقة بمناخ الضيعة الذي يُذكّرني بجدي وجدتي وبأبي وأمي وبما كانوا يفعلونه في الضيعة، من ضمن هذه الذكريات شجرة الحَور التي كنت أتأمّلها وأستمع للحفيف الذي يصدر من داخلها ويُعطي موسيقى جميلة، كما أنها تعمل على تنقية الهواء.
الحَور مش إيدين بالعالي عم يدقوا الجرس، هو وعم ينقي الهوا وقاعد لحالو وحاطط بحضنو صينية فَيّ، عشوي ما بشبهوا إلا لإيدين اشتقت نام وعدّ عقدات الصابيع للغفوتي مسابح نعس، إيدين أمي لقاعدة وحدها عن تنقي عدس.

 

– جميل، من الملاحظ أن معظم قصائدك يغلب عليها مقولة خير الكلام ما قلّ ودلّ.

الضيف: أنا أحبّ القصيدة المكثّفة التي تتضمّن تجربة من دون حشوٍ وإطناب، والشّعر في بعض الأماكن تلميح وليس تفسيراً، حيث أترك ذلك للمستمع أو للقارئ.
أحد الشّعراء وأظنّ أنّه أبو النوّاس، كان حاضراً في مجلس يدور فيه نقاش حول إحدى قصائده ولم يعرف أنّها له، فالكلمة التي تقولها قد تأخذ غيرك إلى خيالات وأماكن أنت لا تعرفها.

 

– حتى أنّك تفقد ملكيتها.

الضيف: بمجرّد أن تقولها تصبح ملكاً لغيرك.

 

 

– تصبح ملكاً للريح.

الضيف: سأتلو عليك نصّاً أحبّه، ويوماً ما أخبرت جوزيف حرب “رحمه الله” عن فكرة هذا النصّ فقال لي ستكتبها أو أكتبها أنا، فقلت له أنا سأكتبها، والآن سأقرأها دون أن أشرح لك مناسبة النص.
وقبال بيت جدي جبل، كنّا نحسّوا شيخ، ناطور الزمن، كيف ما مشينا نقدّم الطاعة، مرة وستي بمطرحا عالمصطبة قبالو عم تحيّك، سألتا أديش يا ستي بإيدك صارت الساعة، ما طلعت ع ساعتها، لبعيد راحوا عينيها، بقلب الجبل صخرة بتقرا شو فيها، قالت تنين ونص، كانت تنين ونص، تاري الجبل بإيد الله كان ساعة من صخر هو وستي وحدن لبيعرفوا يقروا فيها الساعة.

– جميل يا أستاذ حبيب.

الضيف: كانت لا تخبرني كم الساعة قبل أن تنظر إلى تلك الصخرة المُقابلة لها.
وهنا أودّ أن أوضح أن بعض الحروف القمرية تصبح حروفاً شمسية .. إذ أنها تختلف بين اللغة العربية الفصحى وبين العامية فيتغير لفظها.

 

– أريد العودة إلى تجربة فريدة عشتها ودفعت ثمنها أيام وأشهر وسنوات من حياتك داخل السجن، وذلك بسبب مواقفك السياسية المعلنة والتي نزلت بها إلى الشارع، ونتيجة لهذه التجربة كان مولودك الأول ديوان “شغل محابيس” الذي بسببه كانت باكورة معرفتي بك منذ سنوات.

الضيف: صحيح، وكان ذلك عام 2003 في ملكوت الشّعر عشقوت مع الأستاذ رفيق روحانا والأستاذ وليام حسواني.

 

– نوجّه لهم أطيب التحايا.
“شغل محابيس” هل هذه التجربة تلعب دوراً في نمطية وأسلوب ورؤية الشاعر؟ ولماذا هذا الديوان هو الأكثر سماكة بين كلّ دواوينك؟ هل كانت أيام السجن كثيرة؟

الضيف: كانت أربعمائة وتسعة وخمسين يوماً، مرّ منهم واحد وعشرون يوماً دون أن أكتب، إلى أن زارني عمي الراهب وأنا لدي ضعف أمام الجبّة التي يرتدونها، فحين رأيته ذرفت هذه الحروف “هاي ريحة الجبّة من ريحتك ربّي، عطّر عدرب الشوق لدربك الصعبة” حينها اعتبرت أنّني أعيش تجربة إيمان أو سمّها ما شئت، وبعد أن ودّعته كتبتها مباشرة واستمررت في الكتابة يومياً، إلى أن وصلت لمرحلة ألجم فيها نفسي عن الكتابة لأنّني دخلت الوزن الذي كتبت به كلّ القصائد، وأصبحت كلّما تكلّمت أشعر أنّني أقول قصيدة، فتوقّفت عن الكتابة بقرار شخصي، وهذا الكتاب يحتوي على ألف ومائتين وثماني وخمسين قصيدة، مثلاً هناك قصيدة من سطرين وسأُخبرك ظروفها، كان ذلك أثناء إقامة ورشة دهان للسجن ليلاً وباللون الأسود، لأن هناك زائراً رسمياً سيأتي في اليوم التالي ليُبَرهنوا له أن السجن نظيف، نظرت إلى المشهد فإذا به شديد السواد، فتمَرَّدَت كلماتي قائلة: “قضبان سود ومن حديد، ما تعلموا مرة بهالحبس يعملوا ثورة عبيد”.

 

 

– جميل هذا التعبير.

الضيف: كان الظلم أشدّ من السواد وأقسى من الحديد، وهنا لا أتكلّم فقط عن الظلم الذي عشته أنا في تلك المرحلة، خاصة أنّني لم أُسجن بتهمة سرقة أو ما شابه، بل سُجنت نتيجة موقف سياسي، لكنّني شعرت بالظلم لدى الآخرين أيضاً، حيث تجد أشخاصاً أُلقيَ بهم في السجن لأسباب وما من أحدٍ يسأل عنهم، وتشاهد حالة عند هذا وعند ذاك، هذا يُسجن لمدة خمس سنوات وذاك يقضي شهراً في السجن ويُفرج عنه، ما السبب لا أحدَ يعرف، ولأنّني لا أحبّ الظلم ولا أُجامل أحداً فيه، قال لي مرشد السجون الأب إيلي نصر الذي تولّى طبع هذا الديوان، أنت كصحافي قد وضعك الله في هذا المكان لكي تشاهد ما يجري في الداخل لتكتبه حين تخرج من السجن وتؤرّخه.
صحيح أنه ديوان شعر ولكن هو عبارة عمّا جرى في السجن لحظة بلحظة بالإضافة إلى كلّ النماذج التي رأيتها من الخلوق إلى سيء الخُلق، ومن مكسور الخاطر إلى أكبر مجرم والذي كانت تدمع عيناه رغم جرمه، من هنا لا يمكنك أن تظلم الناس أيضاً، لنفترض أنّه مظلوم أو لنجزم أنه مفتعل ومرتكب جرماً، علينا أن نعلم لماذا وصل إلى هذه الحالة وارتكب جرماً، هذا ما لا يعرفه الناس.
– دعنا نتفّق من هو الظالم قبل أن يكون هو مجرماً.
الضيف: هذا صحيح، حين أتجرّأ على إنسان يجب أن أعرف أن كرامته من كرامة الله، قبل أن أُدينه أكون قد قمت بإدانة الله في هذا الموضوع، وبذلك أكون قد كفرت، عليَّ أن أعلم ما هي ظروفه وأن أفتح له مجالاً ليُصلح حاله وإن لم يفعل اختلف الأمر، لكن من واجبي أن أكون إلى جانبه وأن أحميه وأحضنه وأُرشده إلى الطريق الصحيح، لأنّه قد لا يكون هناك من أرشده إلى تلك الطريق، وما جرى معه قد يجري معي في بيتي أو في أيّ مكان.
أما بالنسبة لي فهناك الكثيرون ممّن استغربوا دخولي إلى السجن، نعم أنا دخلت إلى السجن بسبب ظرف سياسي ولأن رأسي لم يتكسّر معهم ولم أنصَعْ أو أخضع إلى إرادتهم في تلك المرحلة من العام 2000 و2001 وما قبل ذلك، أنا لدي خياري ولذا أدفع ثمنه، ولم أحمل قضيتي لأقطف الورد فقط؛ فأنا أعلم أنه قبل الورد هناك الكثير من الأشواك، وأدرك أن هذه الطريق وعرة ويجب أن أجتازها، وأعتبر أنّني لم أفعل شيئاً أمام من يستشهد، وإن دخلت السجن أين المشكلة، طالما أنّني بخير وما زلت أفكّر، واعتبرت الشّعر هو السلاح الذي أغلب به الحالة الصعبة التي أعيشها وأجتاز به تلك المرحلة، وفعلاً تغلّبت عليهم وخرجت بديوان من خمسمائةوأربع وأربعين صفحة ولم يكن ذلك مزاحاً.

 

 

– أن يترافق الشّعر مع التجربة الإنسانية التي تَنتج عن روح هذا الشخص، هي أغنى تجربة ممكن أن يُعبّر عنها إذا كان يملك ملكوت الشّعر أو هذه الموهبة.
وليس هناك شكٌ أن تجربتك كناشط سياسي قد عبّرتَ عنها في الكثير من مواقفك الإعلامية وغيرها.
في هذا اللقاء لا بدّ من الإضاءة على حبيب يونس الإعلامي، حضرتك عملت في مجال الإعلام وكان لك تجربة إعلامية غنية مع تلفزيون وفضائية أو تي في عبر برنامج “نقطة فاصلة” وبرنامج “رح نبقى هون” عن تاريخ لبنان.
واللافت أن برنامج “رح نبقى هون” يُسلّط الضوء على الكثير من الأمور التي نتكلّم بها ولكن لا نعرفها كثيراً.

الضيف: أو قد نعرفها مُعلّبة كما وصلت إلينا دون إرادة منا للبحث والتدقيق، لأن المؤرّخ الفلاني كتب كذا ونقل عنه المؤرّخ الفلاني ولم نبحث عن الخطأ ومن ثم أتى ذاك ونقل عمّا قبله، فهل أبقى على هذا الخطأ ..!؟ لا، لذلك بحثت ودقّقت في العمق، وكلّ الأشخاص الذين استضفتهم هم أهل إختصاص، وكلّ واحد منهم مهتم في موضوعه، واستضفتهم لأنهم يفهمون بهذه الحقبة وبتلك المرحلة إن كان عن الفينيقيين أو عن الشيعة أو عن تاريخ الموارنة وغير ذلك من المواضيع، واستطعت أن أستحصل منهم على أمور لا تُدرّس في كتاب التاريخ، ولأنها لا تُدرّس نحن لا نعرف حالنا، وأُشَبّه هذا الذي يحدث بمقال كنت قد كتبته “العلّة في جهل الذات والدواء معرفتها” حين تعرف علّتك تشفى منها وإذا أخفيتها لن أحصل على العلاج والشفاء، وحينها لن أجد مجتمعاً يتعايش مع بعضه وسأبقى أنظر إلى فلان من عين معيّنة أو أنظر له نظرة دونية أوهو ينظر لي نظرة فوقية.

 

– يعني أزمتنا أزمة معرفة.

الضيف: أولاً هي أزمة معرفة الذات.

 

– حتى هذه الذات باتت مشوّهة وتمّ العمل عليها بشكل سلبي.

الضيف: يجب أن أقبلك كما أنت وأن تقبلني كما أنا، هناك مكان مشترك نلتقي فيه علينا أن نبني على المشترك، وأماكن الإختلاف يجب أن لا نظهرها بل نحاول إيجاد علاجاً لها دون أن نعتبرها هي الأساس.

 

– أتمنّى أن يصل هذا الكلام إلى أكبر عددٍ من شعوب المنطقة لأن هذا الواقع ليس على لبنان فحسب بل هو على كلّ المنطقة.

الضيف: لو شاء ربّك لجعل الناس أمّةً واحدةً “وكل واحد على دينه الله يعينه”.

 

 

– أريد أن أستغل آخر دقيقة بسماع شيء من شعرك ونصّك وكلامك الجميل على أمل أن نقدّم أكثر وأكثر من هذا النصّ في لقاءات مقبلة.

الضيف: سأقرأ لك هذه الأبيات التي أهديها لروح الشاعر جوزيف حرب.

 

– أعلم أن لديك علاقة شخصية وروحية مع الشاعر الكبير رحمه الله.

الضيف: رجع الشتي من بعد طول غياب وغيابك
هادي بعيني وحبرك الكحلي وكاتب دمعتو ديوان عبوابك
وملبس ولاد التراب لرايحين بريشتن عالمحبرة مراويل زهر بنفسجي من ريحة تيابك
شميتك بحبر الشتي وعم بحسد ترابك.

 

– نحن نحسد هذا التراب الذي يحتضن هكذا شخصية مثل الشاعر الكبير جوزيف حرب.

الضيف: وللشهداء أقدّم بيتين من الشّعر الذي كتبتهما بكلّ حبّ.
إغماضة عين:
لا أرى في إغماضة العين موتا
ليس من أغمضوا يُعدّون موتى
نادِهم دمعاً يصبح نبضَ حيٍّ
ويجيب إن أنت أطلقت صوتا

 

 

– أحسنت جميل جداً يا أستاذ حبيب.
شكراً جزيلاً لهذا الحضور المميّز على أمل أن نلتقي أكثر وأكثر بباقة شعر من قصائدك الجميلة.

الضيف: كلّ الشكر لك دكتور وسام.

 

– إلى لقاء قريب مع ضيفي الشاعر والكاتب والإعلامي الصديق العزيز الأستاذ حبيب يونس.

لمتابعة الحلقة مع الشاعر والكاتب والإعلامي الأستاذ ” حبيب يونس”

 

رابط صفحة اليوتيوب لبرامج ” د. وسام حمادة “

 

https://www.youtube.com/channel/UC0AuXJduId6PcXIkK9x1phw/videos

 

متابعة وإشراف: سهام طه
إعداد وتقديم: د. وسام حمادة

شاهد أيضاً

سلسلة ثقافة الأدب الشعبي وثيقة إحياء الأصالة عن تراث (ج /٣٣)

الباحث الثقافي وليد الدبس الأدب الشعبي و صفر دائرة الثقاقة السياسية _ تعتبر الثقافة صفر …