الأواني المنزلية.. والتحف الأثرية

 

أحمد فقيه

 

“الحاجة أم الإختراع”، والحاجة هذه هي بالضبط  التي جعلت الإنسان يفكر دوماً بإيجاد الوسائل والأدوات التي تسهل له أمور حياته، أو تساعده على قهر ما يصادفه من صعوبات وكلما إرتقى الإنسان في سلم الحياة، كلما وجد نفسه بحاجة للمزيد من الأواني والأدوات، وقد سهلت عليه هذه الإبتكارات الكثير من مهام معيشته سواء في مأواه أو في الحقل أو ما بينهما، ثم أخذ الإنسان يطور ما يبتكر من أدوات ومستلزمات ويجري عليها التحسينات على مر العصور بحيث تصبح أكثر ملائمة للوظيفة التي تقوم بها، وأسرع وأسهل تناولاً، والأواني المنزلية تعتبر من أهم هذه الأدوات، لقد ساعدت وتساعد الإنسان على تهيئة وحفظ ما يلزمه من طعام وشراب بالإضافة إلى العديد من الوظائف الآخرى الهامة.

 

 

مقياس الحضارة

لذا، أن نعتر الأدوات المنزلية مقياساً دقيقاً للحضارة والتقدم لأي شعب من الشعوب في أية فترة زمنية، إضافة إلى أنها دليل ومرشد على الكثير من ثقافته ومعتقداته.

لذلك فإن الإنسان، بما حباه الله من عقل مفكر ويبحث بإستمرار، وهو يحاول الوصول إلى الأفضل، فبعد أن يهتدي إلى الوسيلة التي تسهل له ما يريد من مهام يبدأ بعد ذلك بإدخال التحسينات والزخارف بحيث تبدو أكثر جمالاً وتناسقاً، ومع الزمن تصبح الأداة قطعة فنية تزين المكان بالإضافة إلى وظيفتها الأصلية.

ولا يمنع، بعد هذه المرحلة من أن تبدأ عملية مزج الفن بالفلسفة، ليضمن الصانع هنا ما يعتقده من أمور حول الحياة والكون وأسرارهما، هذا ما نراه في الأواني المنزلية التي يعود تاريخها إلى آلاف السنين، والتي تكشف عن معتقدات ومفاهيم الأمم والشعوب التي أستخدمتها، كما أنها تعتبر تحفاً فنية رائعة، يصلح الكثير منها للإستخدام والمباهاة حتى في أيامنا الحاضرة.

 

 

أواني أثرية، تصلح تحفاً راقية

في عصرنا الحالي

منذ سنوات قليلة مضت، تمكنت بعثة أثرية مصرية استرالية من إكتشاف مجموعة من الأواني المنزلية الفخارية وأدوات الزينة من ذهب ومرمر يعود تاريخها  إلى 4000 سنة، وهي ترجع إلى فكرة نهاية عصر الملك “تيتي” وفترتي “أوسكارع” و “بيبي الأول”.. ويقول الخبراء أن أدوات الزينة المكتشفة تعتبر تحفاً فنية قابلة للتعميم مجرداً، وصالحة للأستعمال في عصرنا الحاضر، بالإضافة إلى أنها غاية في الدقة والإتقان.

أما في أوروبا فقد ظهرت أدوات عديدة ومتنوعة لقبائل الفرنجة والسيلت التي كانت تقطن ما بين إسبانيا والبلاد الإسكندنافية، وهذه الأدوات معظمها من البرونز والحديد والمزخرفات المصنوعة على أشكال الحيوانات وأشكال أخرى غالباً ما تأخذ الطابع الخرافي، والتي يعود تاريخها للألف الأول قبل الميلاد. وهذه الأدوات غنية جداُ بالزخارف الفنية مما أثر على مدارس الرسم التي أنتشرت بعد ذلك في إيرلندا وإسكلندا وغيرهما من بلدان أوروبا. وقد عبرت الرسومات والزخارف على هذه الأدوات عن معتقدات شعوبها التي كانت تعتقد بأن الغابات والبحار ملأى بالعفاريت، فكانت الأشكال والرسومات الخرافية مثل “التنين” توحي لهم بأنها تستطيع طرد مثل تلك العفاريت أو غيرها من الأرواح الشريرة. ثم جاءت الثقافة البيزنطية وأدخلت مفاهيمها ومعتقداتها المسيحية إلى تلك البلاد. ومثل ذلك نرى في جميع المناطق ذات الحضارات القديمة المعروفة مثل بلاد الرافدين، والهند، وشرق  وجنوب شرق آسيا التي تزخر جميعها بحضارات عريقة ومفاهيم ومعتقدات عميقة راسخة.

 

العالم الجديد..

وصناعة الأواني المنزلية

أزدهرت صناعة الأدوات المنزلية من خزفية وفخارية في أمريكا منذ القرن السابع للميلاد. وقد سارت هذه الصناعة جنباً إلى جنب مع التقدم الحضاري في مجالات الزراعة ومنسوب المياه الذي توصلت إليه الشعوب التي قطنت تلك المناطق مثل ” ألانا سازي”، و “بويبلو”، و “سانتا كلارا” وغيرها، ومما دعم هذه الصناعة وتواجد المهتمين فيها بشكل كبير، هو إنتشار السكان في  أخدود “شاكو” وسهل “فردي” وقد أدى نمو هذه الصناعة إلى الوقف عندها ولفت الأنظار إلى وجوب تحديد المجموعات وتصنيفها، بحيث كل فئة أو مجموعة تتخصص في مهنة أو عمل محدد. وقد بدأـ هذه الصناعة بإستخدام اللونين الأبيض والأسود اللذين عرفت بهما قبائل “الأنا سازي”. ثم أخذت بعد ذلك تظهر أشكال مختلفة تملأ بنقاط سوداء، وهذه كانت بمثابة البشير لإستخدام الظلال، ومن ثم الألوان المتعددة في فترات لا حقة، وقد ظهر خلال هذه الفترة مجموعة نادرة غاية  في الإبداع، منها يأ×ذ شكل “القصعة”، أو الأبريق، أو الجرة، وجميعها ذات أشكال جذابة، ومعظمها الأبيض والأسود.

 

 

الزخرفة.. وتعدد الألوان

بعد الفترة من 900 و1100، بدأت تظهر بعض الألوان، وبالأخص الأصفر والبرتقالي، وإستخدام الإنحناءات والزخارف مع إستمرار إستخدام اللون الأسود. وقد أنتشرت بكثرة تجارة الأواني ذات اللونين الأسود والبرتقالي.. وفي البداية أستخدمت الألوان البراقة مع الإنحناءات السريعة. ومن الرسومات التي أنتشرت بكثرة في تلك الفترة: رسم طائر يشبه الببغاء وهو يعتبر همزة الوصل بين عالم الإنسان وعالم الحيوان.

 

 

صقل الأواني

ومع بداية القرن الخامس عشر أنتقلت قبائل الأنا سازي من موطنها الأصلي إلى أماكن أخرى، وأختلطت بقبائل “الهوبيس” ونشرت بينها هذه الصناعة، إستمر إستخدام الألوان إضافة إلى اللونين الأبيض والأسود إلى تعدد الألوان. وظهرت كذلك في تلك الفترة رسومات وزخارف تعبر عن مفاهيم ومعتقدات تلك القبائل.

وفي القرن السادس عشر حل المستعمرون الأسبان في تلك المناطق، وجلبوا معهم ثقافتهم ومعتقداتهم، مما أدى إلى ظهور تصاميم “الأرابيسك” التي كانت منتشرة في أوروبا في تلك الحقبة من الزمن. كما وظهر في هذه الفترة من الأواني الأكواب، الأطباق، والجرار ذات العنق الطويل. وقد أشتهر من هذه الجرار والأواني جرار “سانتا كلارا” ذات اللون الأسود، وجرار “سان الديغونسو” باللونين الأبيض والأسود/ والجرار المتعددة الألوان.

وأستمر التأثير الاسباني طوال تلك القرون، ولا يزال حتى يومنا هذا، وتدرجت النماذج، وتطورت جرار سانتا كلارا المشهورة. فأصبحت تظهر بحواف متعرجة بما يعرف بإسم “الأسقلوب”، وباللون الأسود الكربوني التي تم الحصول عليه بحرق الخزف في  جو ينقصه الأوكسجين، أما الزخارف والرسومات، فأصبحت تؤخذ من الطبيعة مثل النجوم، البرق، الدب المقدس، وهذه كانت تزين بصورة خاصة الجرار التي تستخدم في الحفلات والمناسبات. وهناك آنية برموز ومناسبات أخرى مثل الغزال وأشكال عجيبة بألوان وزخارف متعددة.

شاهد أيضاً

يمق زار مركز “الجماعة الإسلامية” في مدينة طرابلس معزيا” باستشهاد عنصريها

زار رئيس مجلس بلدية مدينة طرابلس الدكتور رياض يمق، مركز الجماعة الإسلامية في طرابلس، مُعزياً …