جوز الهند.. وجزيرة الأحلام

 

الأشياء تذهب، أما الذكريات فتبقى وهي الأهم

أحمد فقيه

إن الله سبحانه وتعالى خلق الكائنات بختلف أشكالها وإمكانياتها، وكل فئة تتميز بصورة ونمط معين تعرف به وخاصة فئة البشر الذين خصهم الله بقوام مميز يؤدي كل عضو من أعضائه وكل جهاز الوظيفة المطلوبة منه بكل تناسق وتكامل. هذا من حيث الشكل العام، أما من حيث المزايا الداخلية والميول والأهواء والأفكار والتوجهات، فهنا يكمن الإختلاف، إذ يكاد لا يوجد إثنان يحملان نفس الأفكار ونفس الميول والرغبات والتمنيات، حتى الفرد نفسه لو رصد ما لديه الآن من توجهات وأفكار، وعاد يتذكرها بعد مدة لوجد الكثير منها قد تغير. وكلما كانت هذه الحالات متقاربة مع الآخرين كلما كان العيش أكثر تفاهماً وتسامحاً وتواصلاً.

 

 

وفي هذا المجال عمدت الكاتبة Bessie Reynolds”” أن تلقي الضوء على هذه المفاهيم من خلال إختيار الإنسان لذاته وإيجاد الفوارق التي يتعرض لها خلال سني عمره، وهنا هي تسرد لنا من خلال مجلة “Woman,s Realm” ما جرى مع “ماريا” وهي تحاول إختبار نفسها فالنطلع معاً:

شقت ماريا غلاف الرسالة وفتحته.. من السخافة حقاً، أن تحتفظ برسالة طوال هذه المدة. كان مكتوباً عليها ملاحظة “يجب ألا تُفتح حتى عيد ميلادك الأربعين”.

لقد أصبحت الآن في الأربعين، إنها تتذكر الآن كتابة الرسالة، وهي ممددة على شاطيء ذهبي.. وبحر إستوائي على قيد خطوات منها. إنه يوم متكامل لإجازة متكاملة كانت هدية والدها ووالدتها لها في عيد ميلادها الواحد والعشرين، قال لها والدها آنذاك: “لم نشتر ٍ لكٍ اشياء يا ماري، لأن الأشياء تذهب.. أما الذكريات فتبقى.. هي الأهم.”

وقد أعطاها والدها هذه الذكريات – سبعة أيام مشمسة لا تزال تتلألأ في ذاكرتها حتى الآن. الأم والأب ذهبا، إلا أن صورتيهما لا تزال تشع شباباً وهما يبتسمان كما كانا ذات مرة.

لقد كان الوالد هو الذي بدأ معها فكرة “رسالة عيد الميلاد” واحدة كل سنة، تُضمنها آمالها وطموحاتها للأثني عشر شهراً المقبلة. لقد كان تقليداً بأن تبدأ السنة الجديدة بقراءة رسالة من السنة الماضية.

وعندما أصبح عمرها 21 عاماً، كتب هذه الرسالة. أخذت الرسالة وفتحتها بعناية فائقة: كم كان خطها يبدو طفولياً.

تبدأ الرسالة: هالوا: أتذكرينني؟

 

 

 

تنهدت ماريا وهي تجيب: نعم، بالفعل، إنني أتذكر ذاتي السابقة فتاة جميلة، ذات شعر قاتم، وهي في أرجوحتها الشبكية تحدق في راكبي الأمواج المتكسرة  وبأجسامهم البرونزية، فإذا أقفلت عينيها تستطيع سماع صوت الأمواج، وتتذوق طعم حليب جوز الهند الخفيف الشاحب الطازج البارد وهو في قشرته، توماس برادي، أحد هؤلاء الرياضيين، كان يُحضر لها واحدة كل صباح، وهو يقول لها: “الحلو للحلوين” لقد كانت تحبه كثيراً.

ثم فردت الرسالة وأعادت قراءتها.

في السنوات السابقة كانت رسائلي مليئة بالطموحات بأن إجتاز إمتحاناتي، أو أن أعثر على عمل، أو أن أسافر للخارج، لقد أنجزت كل هذه الأمور، والآن لدي أحلام أخرى، أريد أن أتزوج، وربما يكون لدي أطفال (أثنان كما أعتقد)، أريد أن يكون لديَّ منزل مريح، وعمل أكون محترمة فيه وأحبه.

نظرت ماريا في الغرفة، نعم، لقد كانت مريحة، ربما غير منظمة، ولكن هذا هو المتوقع، أربعة أطفال: ليس إثنان، وربما عملها الإضافي في محل أحذية لم يكن هو العمل الذي كانت محترمة، وكانت تحب عملها ذاك، “تلك الطموحات قد تحققت، ثم تتابع الرسالة.

ولكن لدي أفكار أخرى أيضاً، ربما عندما أصبح في عمرك سأعتقد بأن كل هذه الأمور سخيفة، هل سيكون لديك آمال وأحلام، إني أشك في ذلك؟

ماريا إبتسمت وهي تقول في نفسها: نعم بالطبع لديها أحلام، أن ترى إبنها وبناتها وهم ينجحون، وأن ترى زوجها وقد حاز على العمل الذي أراده، وأشياء أخرى عملية أيضاً وستائر جديدة لغرفة الطعام، غسالة صحون، وهي تبتسم بندم، إنها فترة طويلة بعيدة عن أحلام لعشرين سنة خلت.

وتتابع ذاتها الصغرى الكتابة قائلة: ها أنت هنا، هذه هي أكثر أحلامك جنوناً وغرابة، أعتقد أن السماء هنا، أعتقد أن ما أريده بعد عشرين سنة هو أن أعيش على جزيرة، أمامي بحر، مع جوز الهند على الأشجار، وتوم برادي – معبودي البرونزي البجري يجلب لي شرابي كل صباح، أن أعيش حياتي في الدفء والشمس. أن أحٍب وأحَب، شي سخيف ربما.. لكن، كما يقول الوالد، يمكنك أن تفعلي أي شيء إذا حاولتي، هل أنا نجحت؟ أجيبيني ماريا.

وضعت ماريا الرسالة جانباً وأخذت تنظر من خلال النافذة وهي تفكر بعمق شديد. كان الصباح كغيره في بريطانيا بارداً، رمادياً، وتبدو بعيداً بعض الشي أرض خضراء حيث كانت القطط تمرح تحت شجر تفاح، وبعد ذلك صف من البيوت شبه المستقلة، وهي شبيهة بمنزلها هي، ومع ذلك، فقد كانت هي قانعة بعائلتها حولها، إلا أنه لا يزال هناك شيء ما آسراً بخصوص تلك الأحلام.

ناولها الزوج وهو يبتسم كوباً من الشاي، وقال لها: “عندما تشربينه يمكنك أن تفتحي هذه “وأشار إلى رزمة على الصينية” وتابع حديثه، “تعالي إلى المطبخ، الأولاد أحضروا لكِ الفطور “إنحنى عليها وقبل شعرها، فنظرت إليه، وهي مولعة بعينيه السوداوين وشعره الرمادي، وخطوط وجهه المألوفة المحبوبة، فتحت الرزمة، فإذا بها فستان جميل أخضر اللون، مطرز الحواشي، فتبسمت وهي تقول: “إنه جميل يا حبيبي” فقهقه وهو يقول: “هناك شيء ما في الجيب كذلك”.

تناولت الظرف وفتحته فإذا به تذكرتا سفر بالطائرة ذهاباً وإياباً إلى الجزيرة التي قضت فيها عيد ميلادها الواحد والعشرين،  عندها صرخت بلهفة وهي تقول: “توم برادي، لا أصدق ذلك!” وهي تحتضنه بشوق شديد.

فأجابها وهو يحتضنها “الحلو للحلوين” تعالي بنا للأسفل الآن، فأومأت برأسها مجيبة:

“لقد أحضرت رسالة لأكتب”.
أخذت تراقبه وهو يذهب، توم برادي لم يعد الآن معبود البحر البرونزي، وإنما مدير جمعية بناء، متوسط ا لعمر، إلا أنه لا يزال يُحضر لها شراب الصباح، وهي لا تزال تعبده.

وفجأة أفتكرت أنها قضت حياتها في الدفء والشمس – ولكن ليس من النوع الإستوائي، إلا أنه الدفء الأقوى لعائلة متحابة، قادها تفكيرها إلى توماس والأطفال في المطبخ، وقد تحققت في ذاتها أن الحقيقة أفضل من أي حلم، القت نظرة من النافذة – القطط لا تزال تمرح تحت الشجرة، وضعت حاجزاً حولها حتى لا تقفز وتؤذي الطيور، الطيور! وفجأة بدأت تضحك، وهي تقول في ذاتها:

“ان العيش على جزيرة مقابلة للبحر فيها جوز الهند يتدلى من الأشجار.” كل ذلك كان حقيقة! حسناً إذن الجزيرة هي جزيرة وايت، وجوز الهند يتدلى من شجرة التفاح لتأكله الطيور – إلا أنها أصبحت تمتلك جزيرتها الخاصة بها، بعد كل شيء.

ثم بدأت تحدث ذاتها الصغرى، وهي تضحك بينها وبين نفسها، فتقول: “نعم، يا ماريا، لقد نجحت.”
ثم أخذت القلم والورق وبدأت تكتب:

“عزيزتي ماريا، أتذكرينني؟! لدي طموح واحد فقط أود تحقيقه خلال الخمسين سنة من عمري.. ذلك هو أن أكون سعيدة كما أنا الآن.

طوت الرسالة وو ضعتها في ا لظرف وكتبت على عجل: “يجب ألا تُفتح حتى عيد ميلادي الخمسين”.

ثم نزلت إلى الطابق السفلي بسرعة قبل أن يفسد فطورها…

شاهد أيضاً

كيكة الشوكولاتة المثالية..🤎🍫”

​ #المكونات: كوب و نصف طحين 4 بيضات زبدة 150 جرام مسحوق الكاكاو 2 ملعقة …