احذروا الدب الروسي…

د. سلمان صبيحة

الدب الروسي وديع و مسالم و محب و يتميَّز ببرودة دمه المحيّرة ، لكن بالتأكيد لبرودة دمه حدود و خاصةً عندما يُراد استفزازه بشكلٍ مقصود أو إثارة غضبه بالتطاول عليه أو على أصدقائه و حلفائه ، حينها سينقلب هذا الدب المسالم الوديع إلى وحشٍ أسطوري مخيف لم يعرف العالم شبيهاً له حتى في أفلام الخيال العلمي أو الفانتازيا ، و حينها سيرى العالم أجمع دباً روسياً من نوع آخر سيحطم كل شيء على رؤوس المعتدين.
على الغرب الامبريالي أن يعي هذه الحقيقة جيداً و ألا يقترب من الخطوط الحمراء الروسية.
من المعروف تاريخياً أن روسيا لم تعتدِ يوماً على أحد و لم تتدخل في شؤون أحد ،لا نهجها هكذا ولا موجود ذلك في عقيدتها العسكرية أو الإيديولوجية أو حتى الأخلاقية.
روسيا كانت دائماً على مر السنين تتميز بعلاقاتها الدولية المبنية على الاحترام المتبادل للسيادة و عدم التدخل في الشؤون الداخلية للغير .
لكن في المقابل نجد العنجهية الغربية المُعدّة من قبل القابعين في الغرف المظلمة في البنتاغون و لندن و باريس و دول الحلف الإمبريالي الصهيوني الذين لا يستطيعون أن يغيروا من عقيدتهم المبنية على الحروب و القهر و العهر و الاستغلال و الهيمنة ، هؤلاء الضباع المتوحشة هم سبب بلاء العالم وأ زماته و حروبه و أمراضه ، فهم الذين يشكلون اليوم الخطر الدائم و المحدق على البشرية جمعاء.
من هذا المنطلق و المنطق نجد هؤلاء الأوغاد و من يدور في فلكهم يعتبرون أن عدوهم التاريخي الأول و العائق الرئيسي و الأساسي و المحوري لتنفيذ مخططاتهم الجهنمية هي روسيا و حلفاؤها وأصدقاؤها ، فهذا هو الصراع الأزلي بين الخير و الشر، بين الحق و الباطل لذلك يعتقد البعض أن كل مناطق التوتر في جميع أنحاء العالم هي من صنع و ترتيب و تخطيط أمريكا و حلفائها لجر روسيا إلى مواجهات غير مباشرة بهدف إرباكها و إضعافها و استنزاف قوتها لضربها لاحقاً عندما تحين الفرصة التاريخية المناسبة للانقضاض عليها و تدميرها بالكامل .
إنَّ ما يجري اليوم على الحدود الأوكرانية و التحرك الامبريالي المشبوه المتمثل بوضع قواعد عسكرية لحلف
” الناتو “فيها ماهو إلّا استفزاز و تهديد مباشر لأمن و استقرار روسيا و حلفائها ، الأمر الذي تدركه روسيا جيداً.
السؤال الذي يطرح نفسه الآن و أكثر من أي وقت مضى : هل فعلاً بدأت طبول الحرب العالمية تُقرع…؟ .
هل وصلتِ الأمور في العلاقات الدولية إلى نقطة اللاعودة…؟.
من وجهة نظر البعض فإنَّ الأمور تسير للأسف بهذا الإتجاه .
إذا عدنا قليلاً إلى الوراء و نظرنا إلى روسيا الاتحادية اليوم بقيادة فلاديمير بوتين ، نجد أن روسيا اليوم ، خليفة الاتحاد السوفيتي و الوريث الشرعي له ، قد تجاوزت الأزمة التي مرت بها بعد تفكك الاتحاد السوفيتي و انهياره و تجاوزت الفوضى و التفكك الذي كان يعد للاتحاد الروسي لتمزيقه و جعله دويلات صغيرة متناحرة فيما بينها .
القوة العسكرية الروسية اليوم هي أقوى وأ ضخم مما كانت عليه في العهد السابق بعشراتِ المرات و شهد الداخل الروسي استقراراً سياسياً و اقتصادياً و اجتماعياً و نضجاً وطنياً و قومياً أذهل الجميع و عادت العقيدة العسكرية الروسية أكثر تألقاً و إيماناً و تمسكاً بالثوابت المبدئية و الكرامة و العزة الوطنية و الكبرياء و الشموخ من خلال عودتها إلى الساحة الدولية كقوة عظمى و فرض سياسة التعددية القطبية و التوازن في العلاقات الدولية ، وكان ذلك واضحاً من خلال الكم الكبير غير المسبوق من “الفيتويات ” الروسية في مجلس الأمن و موقف روسيا الرافض لسياسية القطب الواحد و سياسة الهيمنة و الاستكبار التي تمارسها أمريكا و الدول الغربية .
من جهة أخرى نجد أن بوتين اتخذ عدة إجراءات ملفتة لعل أهمها إعادة شعار النجمة الحمراء للجيش الروسي و أعاد موسيقا النشيد الأممي ليصبح النشيد الوطني لروسيا ،كما أنه منع بيع جثمان لينين و نقله من مكانه في الساحة الحمراء باعتباره رمزاً وطنياً روسياً ، و أعاد الاعتبار لبعض رموز القادة من الجيش الأحمر و الأمن
” ال.كي. غي .بي.”بإعادة النصب التذكارية لهم وترميمها ، كما أنه أوقف بيع المرافق العامة الرئيسية في البلاد و لاسيما مطار
” شرميتفا ” في موسكو و العديد من منشآت القطاع العام التي ترمز لهيبة الدولة الوطنية الروسية.
يتحدث بوتين دائماً بكل احترام و تقدير عن الاتحاد السوفيتي و الجميع يذكر جملته الشهيرة : “من لم يحزن على سقوط الاتحاد السوفيتي هو بلا قلب ، ومن يعتقد بعودته هو بلا عقل.”.
لقد أعاد بوتين هذا الرجل الوطني الكبير بناء روسيا خلال الفترة الماضية و وضع أسساً جديدة للعلاقات الدولية و استطاع أن يقول لا للمخططات الأميريكية و الغربية المشبوهة ، و في هذا السياق
يقول خبراء و محللون أن عقدة الغرب و أمريكا هي بوتين و خوفهم منه ، فالكثير من الزعماء الغربيين و لاسيما الأمريكيين تأتيهم كوابيس ليليّة تجعلهم في وضع شلل و عدم قدرة على النهوض بعدها و الوصول إلى دورات المياه.
تسعى روسيا دائماً لدفع أمريكا للدخول معها في مفاوضات من شأنها تغير خارطة التوازنات الجيوسياسية في أوروبا لصالح موسكو، و كان بوتين يوجه رسائل للغرب من خلال طريقة اللقاءات معهم ولعل أبرزها لقاء بوتين مع رئيس وزراء اليابان مع كلبه في الكرملين و اجتماعه مع الرئيس الفرنسي على طاولة طويلة جداً ،و غيرها من اللقاءات…الخ.
في الفترة الأخيرة أطلق بوتين تصريحات نارية وصفت بالخطيرة و الملفتة و هي : (( إذا فكر أحد بالهجوم أو تم اتخاذ قرار بضرب روسيا و تدميرها عندها سيكون من حقنا القانوني و الشرعي الرد…بالتأكيد ستكون كارثة كبيرة و عميقة على البشرية و العالم أجمع ، وهنا يمكن لي كمواطن روسي أولاً و كقائد لروسيا أن أطرح السؤال التالي :
ما حاجتنا للعالم إن لم تكن روسيا موجودة فيه.)).
و قال أيضاً : (( إننا لن نكون البادئين بالضربة النووية الأولى ، فهذا غير موجود بعقيدتنا التي نشأنا عليها…نحن قادرين على تلقي الضربة الأولى و توجيه الضربات المضادة مباشرة …من المؤكد للأسف أنه سينتهي العالم لكن سنكون نحن شهداء و سندخل الجنة و نتنعم بها باعتبارنا ضحية الهجوم الأول و هم سيدخلون جهنم و يُشوون في نارها باعتبارهم معتدين و هم من بدأ الضربة الأولى.)).
نعم إنّ الوضع الدولي خطير جداً و إنّ الأمور كما يقال على كف عفريت ، حيث يعتبر بعض المحللين أن هذه المرحلة من أخطر المراحل التي تمر بها البشرية على الإطلاق و بحسب الديالكتيك فإن التراكم الكمي للتوترات و المناوشات العسكرية و بؤر التوتر الإرهابية و الحصار الاقتصادي و حروب الصحة و انتشار الأوبئة و الفيروسات و المشاكل الاجتماعية و النفسية ستؤدي إلى تغير نوعي يتمثل باندلاع حرب الإبادة الشاملة للبشر والحجر و ستكون حرب نووية مدمرة تنهي الحياة على الكوكب تماماً لاقدر الله.
لذلك المطلوب من كل القوى الوطنية الشريفة و العقلاء في أوكرانيا أن يقدّروا الموقف جيداً و ألا يسمحوا لأمريكا و لا للغرب عن طريق عملائهم الخونة المأجوربن بالتدخل في شؤونها الداخلية وإن كان هناك أية خلافات مع روسيا فيمكن اللجوء للحوار و الحل السلمي ضمن البيت الواحد و العائلة الواحدة فالدم الروسي و الأوكراني واحد والجيش الأحمر السوفياتي هو من صنع النصر العظيم على النازية الألمانية و دحرها في الحرب العالمية الثانية. يجب أن يعي المسؤولون الجدد في أوكرانيا هذه الحقيقة و أن يأخذوا بعين الإعتبار بأن مصلحة أوكرانيا وشعبها مع روسيا لا مع أمريكا ولا مع الغرب أبداً.
أثبتت التجارب التاريخية بأن
أمريكا و الغرب لايؤمنون بالصداقة و لايمكن أن يحموا أصدقاءهم لأنهم يتعاملون معهم كأجراء و عبيد لخدمتهم و خدمة مشاريعهم وعندما تنتهي مهمتهم يتخلصون منهم مباشرة.
مرة أخرى أقول لا تعبثوا مع الدب الروسي أو تحاولوا الاعتداء على مصالحهِ أو النيل منه، فكل الكتب التاريخية تؤكد بأن الدب الروسي لم يهاجم أحداً و لم يُهزم بأية معركة خاضها.
يقال أيضاً بأنه ورد
في بعض الكتب الأسطورية القديمة جداً بأن الغلبة في الصراع في نهاية المطاف ستكون لصالح الدب الأبيض و بحسب معتقداتهم وتفاسيرهم و توقعاتهم بأن هذا الدب الأبيض هو نفسه الدب الروسي…
د.سلمان صبيحة.
11/2/2022.

شاهد أيضاً

تينا طبارة تخطف الأنظار في جلسة تصوير جديدة وتستعد لعمل تمثيلي خارج لبنان

#لينا_دياب خضعت الممثلة اللبنانية تينا طبارة لجلسة تصوير خاصة أبرزت خلالها جمالها الفريد وإطلالتها الساحرة. …