مرآة الخيال

قراءة في منحوتة ” المرأة ذات المنديل ” للنحّات والشاعر العالمي رافييلي مونتي

(1818-1881)

بقلم الدكتورة بهيّة أحمد الطشم

يتجلّى السّحر بأبهى صورة في أيقونة استثنائية تكتسي بالوقار العارم وتتكلّل بشعاع الجلال الفائق.

نحدّق في حنايا المنحوتة بعيون الدهشة البهيّةّ ونقع تحت تأثير البهاء السّاطع في خطوط الهندسة الفنية المُتقنة ,وكذلك في تفاصيل المنحوتة الرّخاميّة بأجزائها المتكاملة في كلٍ متناسق يُحاكي الألق بجمّ الابداع.

لقد شيّد صاحب المنحوتة عمله الرائد بعظيم الاتقان,ولا غرو فقد درس فنّ النحت على يد والده النحّات الشهير “غاتيانو مونتي.”

ولعلّ المنحوتة التي نسلّط الضوء السّاطع عليها( المرأة المحجبة) هي من أشهر الأعمال الفنية لمونتني على الاطلاق,وكان قد أبدعها في عام 1860,وتجدر الاشارة الى أنّه سافر الى العديد من دول العالم وأقام فيها المعارض الكبيرة وكان فخوراً بأعماله,حث حصد عشرات الجوائز بما فيها الميدالية الذّهبية ,ونال العديد من التكريمات.

ولمّا كان النحت هو فنّ تجسيد الأشكال,لذلك فهذه المنحوتة تُحاكي رأس المرأة التي ترتدي وشاحاً مسبوكاً من الرّخام,حيث يتمندل على وجهها بطريقة شفّافة وكأنّه أجمل الحُليّ….

لتنعكس معالم الجلال بقوة من موئل الجمال الهادىء ….

لقد ترك الشاعر والنحّات روفاييلي مونتي دواعي ابداعهتتموّج على لدُن المنحوتة,وألبسَ نجمة الأيقونة جمالاً راقياً حَاكته قوة ابداعيّة خلاّقة, اذ حجبَ الحجاب في المنحوتة مفاتن المرأة,ولكنّه كشف النقاب عن وجه السّحر وأماطَ اللثام عن ذكاء خلاّق في فنّ النحت.

اذاً, لقد تميّز الفنان الاسطوري العالمي بمهارته الفائقة في استخدام مادة الرخام في المنحوتة والتي تعتبر من اصعب المواد فكانت مِطواعة بين يديه وكأنّها ضرب من ضروب السحر الواقعي.

ونستذكر في هذا السياق النماذج الرائعة في فن النحت عبر ارهاصات الزمن الغابرة عند الحضارة الفينيقية ,اذ اعتمد الفينيقيون في نحتهم على مادة الرخام., حيث أبدعوا في ابراز الأشكال وسكبوا وهج الألق في ظُلمة الصعوبات والتحدّيات.

وبالعودة الى الايقونة : تتوّج الورود الرخاميّة التي يزدان بها حجاب نجمة اللوحة, اذ تبدو كتاج مرصّع بالجمال المنقطع الشبيه.

اذاً,يتلألأ النقاب الشفّاف الذي يغطي الوجه كجدول بلوريّ حيث يُبرِز قسماته الملائكية في مُفارقة فنية استثنائية تنغرس في لُدُن فلسفة الجمال.

ولعلّنا نسمح لأنفسنا بالقول:أنّ هذه الأيقونة هي بمثابة القاعدة الأبرز في الاحتكام لمعايير الجمال الراقي ,وفي مقاربة استثنائية لَمعت في ذهن النحّات,فكانت في عِداد الانجازات العملاقة ابّان سيرورة التاريخ الفني وسريان عقارب الزمن الى الحاضر الراهن.

اذاً,تنطبق فكرة المعادلة الأصعب في عالم النحت على منحوتة “المرأة المحجبة” والمسبوكة بأنامل سحرية من الرخام الخالص,لتترنّم على وتيرة البهاء الخيالي والواقعي في آن.

وهكذا, ترتكز المنحوتة على أهمّ مقوّم من المقوّمات في فلسفة الجمال ألا وهو:

عنصر البساطة المتناغم مع الانسجام الشّكلي دونما شوائب البتّة,اذ ترتاح حاسّة النظر ابّان التأمّل للمشهد الجمالي,فرغم الصعوبات التي تواجه الابداع,الاّ أنّه من النادر جداً أن يكون معقداً,لأنّه يعثر على البساطة داخل العناصر المركّبة بعد أن ينجز تحليلها وتفسيرها.

وكأنّ هذه الأيقونة هي قصيدة شِعر بدون كلمات ,سيّما وأنّ صانعها هو النحّات المبدع والشاعر المُفعم برهافة الشّعور.

وفي الخلاصة, نستلهم حكمة باهرة ألا وهي :

أنّ كل ما هو عظيم في الحياة هو من صُنع الفكرة العظيمة .وما أرقى تجسيد بنات الأفكار الجبّارة بلغة ابداعية كي لا تبقى حبيسة الأذهان,ولكي تتشارك في تأمّلها معظم العقول وتلتمس مبلغ عظَمتها!

 

شاهد أيضاً

السلاح المتفلّت كالخطاب المتفلّت: وجهان لسياق واحد

حسن علوش  إذا كان السلاح المتفلّت في مختلف المناطق اللبنانية هو وجه من أوجه تحلل …