مرتع الأضواء في لوحة “سينما ريفولي” لشوقي دلال

الدكتورة بهية الطشم

“إنّ الحياة كناية عن مسرحية، إذ يلعب كلّ واحد فيها دوره بجدارة” هي العبارة الذّهبيّة التي قالها الفيلسوف والرياضي اليوناني العظيم فيثاغورس.

ولا غرو في ذلك، حيث تتوالى فصول الحياة إبّان إرهاصات الزّمان وأبعاد المكان، وتخلق مفهوم الزمكانية وتطبع بطابعها وجود كلّ إنسان.

ولعلّ القاسم المشترك العظيم بين مسرحية تصنعها إرادة البشر، وأخرى تصنعها الظروف وترسم نهايتها، هو أنّ كُنه الحياة ينضوي على ضرورة أن نلعب أدوار البطولة الحكيمة في الصراع بين الخير والشّر، المبادىء والنقائص، الإرادة والوهن، الحكمة والتهوّر.

ويتجلّى عبر اللوحة الاستثنائيّة لسينما ريفولي في ساحة البرج (بيروت 1961) والخالدة في ذاكرة التاريخ، سِحراً منقطع الشبيه، حيث نسلّط الضوء السّاطع عليها كأدّل دليل وأجمل شاهد على توثيق اللحظات البهيّة السمعيّة والبصرية عبر الفن السّابع، والذي يتعدّى في غايته موضوع الترفيه إلى عالم التذوّق الفني.

إذاً، تنفتح الذوات بمشاعر متماهية ومتماثلة منبثقة من حاستي السّمع والبصر عبر التلقّي، حيث تصل إلى الدماغ الذي يشكل مركز العقل، ويُعنى بالتحليل والربط والفهم. ذلك أنّ أهم الأعمال الفنيّة السينمائية تنطوي على رسائل متباينة وتنضوي على مغزى هادف في شؤون وشجون الحياة بين البداية والنهاية.

فكم من الروايات العالمية استحالت إلى أعمال فنية بصرية- سمعيّة راقية، وبمنأى عن كل أنواع الانحطاط الفني أو ما يمكن تسميته بشِبه الفن الهابط.

وبالعودة إلى اللوحة التي نحن بصددها، فقد رسمتها ريشة مُرهفة، حيث يُسبغها الحنين العارم إلى زمن المجد في مدينة عملاقة بَرعت في الاضاءة على الابداع، فكانت “سينما ريفولي” بمثابة مرتع للأضواء الباهرة.

تعكس الزحمة البارزة أمام صالة ريفولي نبض الحياة في الزّمن الجميل للعاصمة بيروت التي تملك تاريخاً حافلاً بمجابهة كل أشكال التحدّيات ورسم معالم الحياة رغم استبداد الظروف.

مع الإشارة إلى أنّه، وعلى سبيل الذّكِر، تستهوينا المقارنة أو الاستناد الى المشابهة والمماثلة بين انتقاء أجمل اللحظات إبّان تلقّي الهدية من عزيز لتكون لحظة فتح تلك الهدية والتي يُصاحبها الشّغف العارم، شبيهة باللحظات الأولى لبدء عرض فيلم مُشوّق يسِمه الانتظار في اقتفاء آثار كل المَشاهد المتسلسلة والتي تدور في رحى الأحداث الصّانعة لقصة الفيلم.

  1. وفي إطار استقراء ماهيّة الألوان المنطوية في حنايا اللوحة:

يتوهّج اللون البرتقالي ويتماهى في آن واحد باللون الأصفر الأخّاذ ليعكس السّطوع في ربوع المكان.

وينطوي اللون الأزرق على السّحر الفائق في ديناميّة المشهد، كما ويتناثر اللونان الأبيض والرماديّ ألقاً في أرجاء اللوحة.

وكذلك تؤطّر لعبة الظّل عُمق الآفاق في شعاع الحكايات المصوّرة والموثّقة.

وكأنّ الأنوار المنبثقة من قلب المكان المُزدان بالوهج السّاطع، تُحاكي النجوم المنشورة في ملتقى ساحة البرج، جميع اللبنانين باختلاف أطيافهم آنذاك، حيث تتدفق ثنايا الذكريات من ذاكرة الوجدان بعدما حفرت تأثيراً عظيماً في أثلام الدماغ.

وتنمّ فسيفساء الألوان التي تزخرف الأيقونة عن فضاء متنوع من باقات الأفلام العربية والأجنبية الرومانسية والكوميدية وأفلام الرعب والحرب ، والتي كانت تُعرَض آنذاك.

ولعلّنا لا نبالغ بالقول إذا ما قلنا بأنّ الضوضاء التي تؤطّر حيّز المكان، سينما ريفولي، في الخارج وتستثير فضولنا لاكتشاف عالم بهيّ ومترنم على إيقاع السّحر الصّاخب، إذ تستحيل بسرعة الضوء إلى سكون متأهّب في بهو السينما من الداخل إبّان لحظات بدء العرض للأفلام.

وبالتالي، كانت تلك السّاحة التي تحتضن سينما ريفولي بمثابة موطن للذاكرة الجميلة التي تبثّ سلسلة ذكريات صادحة بلون الحياة وناطقة بلغة الجمال، لتبقى بيروت منارة مُشرقة للثقافة والفنون بمرور السنين.

ونلتمس إزاء ذلك حكمة ساطعة ألا وهي:

ما أرقى اقتناص الفُرَص السّعادوية من عُمر زماننا وتوثيقها، لأنّنا لا نملك الحظّ بتكرارها من جديد!

شاهد أيضاً

الأسد: موقف سوريا من المقاومة يزداد رسوخاً.. وستقدّم كل ما يمكن للفلسطينيين:

الرئيس السوري، بشار الأسد، يؤكد ثبات موقف بلاده من القضية الفلسطينية والمقاومة، على الرغم من …