المقامة الفيسبوكية.. مات.. الله لا يردٌو

الشاعر حسن علي شرارة

مــات.. الله لا يـــردّو
هيك مايك الفايس بدّو
يـا فـرنــدونـي رجـاءً
عـالمفسبك..لا تحدّو!
حدّثنا عيسى بن هشام قال: كنت في السايبر كافيه ومعي أبو الفتح الفسبوكيّ. فذكرنا أوّل العهد بالشّبكة، وما لقيناه معها من لَبَكة. ثّم سألته عن ذاك الفرند، الذي انقطع خبره في بلاد الهند. فاضطرب أبو الفتح ودمعت عيناه، واحمرّت من فرط الحزن أذناه. واقترح أن نندب فرندنا ونرثيه، حتّى لا يدركنا الموت قبله فتفوتنا الفجيعة فيه.
قال: ذاك حقّ للفرندين والفرندات، فهم وهُنّ أقرب اللِّدات. تالله لا سلَبَنا حقنا أهلُه الأدنون، ولا أبّن فقيدَنا السياسيّون. نؤبّنه على سبيل الاحتياط، ولا يصيبنا في الآخرة أيّ إحباط. واعلم أنّني لم أرَ أطوع للرّثاء من فقيدٍ حيّ، فإن وجلْتَ أنت فأمرُه عليّ. فلم أجد بدًّا من مجاراته، إذ كان لي صالحٌ في مداراته. قلت أستجيب لهذه الشّهوة، ويدفع أبو الفتح حساب القهوة. ورحت أستذكر سيماء الفقيد المزعوم وأحصي من خصاله المجهولَ والمعلوم.
وكان أبو الفتح يفعل فعلي، جاعلاً نعله بحذاء نعلي. ولكن ما أسرع ما خالفني أبو الفتح، فكأنّه أبو (حماس)، وكأنّي أبو (فَتْح)، فوجدتني أقول الشّيء ويقول عكْسَه، وأوشكَ مشروع التّأبين أن يُمْنى بنَكْسه. ولكن تركنا حبل خيالنا على الغارب، إذ كانت ساعة الكافيه بلا عقارب.
قلت: كان – رحمه الله – ما إن يشيّك حتّى يليّك. وإذا شاهدته يتاغي، حسبته يناغي، فيثبّتك – والله – بلا براغي.
قال أبو الفتح: بل كان ضنينًا باللَيْكات، مسرفًا في البوستات. لجوجًا في الكُمَنْت، وله في السّنة أقلّ من إفَنْت.
قلت: كان – جزاه الله خير الجزاء – يسيّف ما يعجبه ويدلّت ما يغضبه. مشيّرًا على وول هذا الفرند أو ذاك، أحسنَ ما تقع عليه عيناك. فإذا راق له بوست، بَرْنت العبارات وليّك الكلمات، وقد يعرض عن صور وقد يصادر فيديوات. وكان هو المرتجل السبّاق، إلى خير شعار في هذا السّياق: الأكاونت الّذي تأتيك منه الرّيح بَلّكه لتستريح…
قال أبو الفتح: بل كان إن كتب على حائط صَدَعه، وإن كمن لصديق أوقعه. وهو على ثغور السّتاتُس مُرابط، فيكثر من الأدب الهابط. وأصابعه لا تغادر الكيبورد، ولو قال زكربرج “آي آم بورد”. منتشر على صفحات الإيليت، غير هيّاب لسْبامٍ أو دِليت. يخطب ودّ الفرندات، ويرفض رِكْوستات الفرندين، فلمثله الرّيسايكل بنّات إلى يوم الدّين.
قلت: كانت أطراف ليله للتْشات، وآناء نهاره للمَسِدْجات. وكان يُدار كيفما أدرْتَه في العلاقات، فلا يغار – والعياذ بالله! – إن صاحبَت غيرَه الفرندات. إي والله! كان المغدور شجرة أصلها في إفَنْت وفرعها في كُمَنْت.
قال أبو الفتح: لا أحدَ غدَره، بل لقي قدَرَه. كان يدحرج الكُمَنْت تلوَ الكمنت، مكعّباتٍ من إسمنت.
قلت: كان جدّه لأمّه من الغساسنة فسيخرج من أحفاده أعظم القراصنة. لا يعفّون عن برمجيّة، ويقتحمون كلّ خصوصيّة. وهو أوّل من قال “فسابكة”، فأثبت قرابتنا من البرامكة، وإصهارنا إلى الأتابكة.
قال أبو الفتح: إن كنت فرندي فقل لي رأيك: ألم نُجعل بروفيلاتٍ بروفيلاتٍ لنتلايك؟ واعلم أنّه قد زاد طيني من هذا الرّجل بلّة، أنّه في التّلييك ابتلي بآفة القلّة.
قلت: المهمّ الآن التّوبة وحسن الأَوْبة. مات الرجل مشيّكًا مليّكًا. فمُوفْ عمّا سلف مُوفْ. وبادر مآخذك عليه بالرِّموفْ.
قال أبو الفتح: إنّك في تحصيل مرضاتي لضليع. فلننتقل الآن إلى التّشييع. ها قد تقاطر الفرندز من كلّ صوب وحدب. فتفضّل أنت وابدإ النّدب. وقسّم بلطمةٍ سِنْغِلْ كْلِكْ، إعظامًا للرّاحل آكلِ الدِّك..
قلت:
مات هلّي كان راضي
بالضّريح الإفتراضي
للشّغل ما كان فاضي
شو بيسايل؟شوعليه؟
قال أبو الفتح:
كان بيفـسبك مكيّف
فات فَيْروس بعينيه
قال: يا ربّي تسيّف
ربّنا شطّب عـلـيه
وإذ هاج المقهى وضجّ فسابكته من عويلنا، بادروا إلى حملنا أو تحميلنا. وألفينا نفسينا في الشّارع: لا أنا مدفوعٌ عني ولا أبو الفتح دافع. فتعانقنا مُتصالحَيْن، وبالجنازة من غير فقيد مستبشرَيْن. قال أبو الفتح: ورأسِك لم أشهد أحسن من هذه الجنازة من غير فقيد، فرّجت من كربنا فهي – لعمرك – أشبه بالعيد! العوض بسلامتكم.
كلّ عامٍ وأنتم بخير.
تصبحون على وطن
مع تحيّات: حسن عليّ شرارة

شاهد أيضاً

البعريني: “نعمل مع رئيس ميقاتي ومولوي على إعادة اللبنانيّين العالقين في قبرص”

عُقد لقاء موسّع في بلدة ببنين في محافظة عكار تضامنًا مع اللبنانيين العالقين في جزيرة …