“في يوم تشييعه المشهود في مسقط رأسه في النبطية: حسن كامل الصبّاح في الذاكرة التاريخية للمدينة والجنوب ولبنان..

بقلم د. عبّاس وهبي

“النابغة اللبناني العاملي حسن كامل علي الصبّاح الذي عاد من البعيد ليرقد في وطنه”

عشرون ألفاً من كلّ أنحاء جبل عامل حضروا لتشييع العالم المخترع حسن كامل الصبّاح في 3 حزيران عام 1935م .”
ويروي الاعلامي المرحوم سليم نجيب جابر في جريدة البيرق الصادرة في التاريخ أعلاه كيف استقبل لبنان فقيد العلم العبقري الصبّاح من مرفأ بيروت الذي نُقل إليه جثمانه مروراً بالشيّاح و مدينة صيدا والغازية ، وصولاً إلى النبطية في احتفالٍ تأبيني ومسيرةٍ من السيارات بلغت 120 سيّارة آنذاك ، علماً بأنه لم يكن هناك إلا أربع سيارات في النبطية في الخمسينيات “حسب مذكرات الصحافي الراحل الأستاذ سمير شاهين ” ، وعليه فكان العدد أقل في الثلاثينيات ، وهذا يدل على أنّ الوافدين كانوا من أغلب المناطق اللبنانية إضافةً إلى رجالات الدولة آنذاك….
و أمّا قصيدة الشاعر العاملي موسى الزين شرارة تحت عنوان “حكمة الله” قد وُجّهت ضدّ بعض رجال الدين المتزمتين ، و لا سيّما ضدّ أحدهم الذي رفض الصلاة على الجثمان الطاهر للعالم الراحل وليس ضدّ بعض رجال الساسة ، ذلك لأنّ زعماء المنطقة وصولاً إلى صيدا قد شاركوا في العزاء إمّا بإرسال الأكاليل أو في تقدّم الموكب و نذكر منهم النائب بهيج بك الفضل والنائب نجيب بك عسيران ويوسف بك الزين و آل الصلح وغيرهم ، وكذلك مشايخ جبل عامل وحشودٌ هائلة حتى قيل أنّ جبل عامل بأكمله قد خرج لملاقاته ، وأنّ مدينتي صيدا والغازية قد خرجتا بأهلهما بما يشبه التظاهرة الشعبيةلملاقاته ، وحدّث عن الشيّاح وأهالي بيروت بلا حرج…حتى إنّ قاضي بيروت الأستاذ الشيخ مصطفى الغلاييني قد ألقى كلمة تأبينية في النبطية ، وكذلك الشيخ سليمان ضاهر الذي كان خطيب الاحتفال التأبيني الذي أقيم له .. وحدّث بلا حرج عن خاله الشيخ أحمد رضا ومشايخ آل صادق وغيرهم من العلماء الأجلّاء في جبل عامل و لا سيّما أنهم كانوا يعرفون جيّداً أخبار لمعاته وإشعاعاته و أفكاره من خلال عمه الشيخ سعيد الصباح وخاله الشيخ أحمد رضا اللذين كان يراسلهما باستمرار ويذكر أدق التفاصيل لهما ، فحسن كامل الصبّاح كان مسلماً حنيفاً يقوم بواجباته الدينية من صلاةٍ و دعاء ، وينبذ الطائفية والمذهبية و هو القائل
:”هنا أسأل أخي المسيحي أن يأخذ القرآن الكريم و يقرأ كم مرّة يُمجّد اسم المسيح… وأنّ المسلم لا يصحّ إسلامه إلّا إذا اعتقد بأنّ المسيح من روحه وأنّهُ من أولي العزم “… ( أنظر كتاب عبّاس وهبي ” الفيلسوف العبقري حسن كامل الصبّاح ،طبعة أولى، ص ، 125 -126 .
هذا وكان العالم الصبّاح قد أدرك بنباهته الفكرية
” أنّ القرآنَ الكريم مليء بحثّ المؤمنين على التفكير في خلق السموات والأرض ، والوقوف على حكمة الله في خلقه”. ويؤكد الصبّاح في كتاباته المختارة “حتمية نطق عقولنا بذلك المقصد الشامل “أي الله عزّ وجل” وكذلك الأمر بالنسبة لعقول العلماء الطبيعيين الملحدين ، لكنّ المشكلة عند أولئك العلماء الأفاضل أنهم لم يشعروا بوجود الخالق بعاطفتهم إنّما شعروا بذلك في عقولهم “. م.ن العبقري الفيلسوف ص 146-147
و من يتمعّن في قصيدة الشاعر موسى الزين شرارة صاحب النخوة العاملية يرى أنها موجهة نحو الاقطاع الديني من المعممّين المتزمتين …
و بعد البحث والتمحيص تبيّن لنا أنّ هذه القصيدة قد وُجّهت ضدّ رجال الدين المتزمتين ومنهم المفتي الجعفري آنذاك” رحمه الله و سامحه “الذي رفض الصلاة على جثمان المخترع ظنّاً منه أنّ الصبّاح قد تأثر بالغرب وبالثقافةالغربية الملحدة،
وأنّه عالمٌ عصري قد يكون قد تفاعل مع الحضارة الغربية ومعتقداتها ،
فرفض الصلاة عليه في الجامع العمري في بيروت وصيدا نتيجة تفكيره الخاص المتزمت ليس إلّا ! لا بل نتيجة مبالغته في حرصه الديني إلى درجة انقلاب المقاييس ممّا جعله يظلم ذلك النابغة رائد الثورة الالكترونية – قدوةُ الانسان في كل زمكان ! وليس بسبب الضغينة أو أيّ أسبابٍ سياسية…
كما أنّ حسن كامل الصبّاح لم يكن على خصامٍ مع أحد ما عدا الجهل ، و كان يراسل الملوك والأمراء العرب من أجل إنارة الصحراء العربية ، و من أجل تطوير أمته العربية ، و لم يرجع إلى وطنه إلّا مسجّى في تابوته لكي يوارى الثرى في أرض أجداده ….
14/12/2021

شاهد أيضاً

ضاهر:” تمنى على الأحزاب المسيحيّة الأساسيّة وقف السجالات العدائية “

تمنّى النائب ميشال ضاهر على “الأحزاب المسيحيّة الأساسيّة”، وقف “السجالات العدائيّة في ما بينها، وإيلاء …