اربعينيَّة سميحةِ اجمل الأمَّهات [ سميحة علي اسعد المصري (امّ حسن) رضوان الله عليها ..

علي رفعت مهدي

 

بِسْمِ اللَّـهِ الرَّحْمَـٰنِ الرَّحِيمِ

وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفْ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ ۝ الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ ۝ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ [سورة البقرة 155 -157] ….

 

 

امّ حسن …!
وكرَّت سبحاتُ الأيّــــام … والليالي … والأحزان …
اربــــعون يومـــــًا ….
على غيابك ورحيلك وعروج روحك وايابك الى ملكوت الله نفسًا مطمئنةَ ، عابقةً بالسماح والطمانينة والتسليم بالرجوع الى الى ربِّك راضيةً مرضيّة ، هانئة قانعة … صابرة محتسبة ، مؤمنة موقِنة انَّ الأمـــرَ لله … هو حسبنا ونِعمَ الوكيل …
امّ حسن …
يومَ ودَّعتِ السند والعشير والحبيب ورفيق العمر فقيد الشباب ونديم الحياة (ابا حسن نديم المصري ) وجهّتِ وجهكِ لله ، واسلمتِ امرك ِ لله ، وذرفتِ دمع الصبرِ والمأساةِ والحزنِ واللوعةِ على ايتامِ القلب الذي ذوى في ريعانِ العطاء ، وكنتِ كهف الأبوَّة ونبع الامومة وحنان الجمالات لوحيدِكِ حــــسن ، ولوردات حياتِك كارول وشيرين وميرنا ومريم ، حيثُ عكفتِ على جهاد الحياة ومغالبة الصِّعاب ومواجهة الازمات بعزيمة الصابرات ، وشكيمة القويَّات ، حتَّى انهككِ التعب ، وهدَّكِ الألم ، وهزمكِ القلب ، وخانكِ عهدُ الحبِّ والعطاء والتضحيات … يا جميلة التضحيات ، ونبيلة العطاءات … وواحدةً من اجمل الامهات ….
أيُّ عامٍ ….
هــــو هذا العام ؟؟؟
عام الخوف والجوع ونقص الاموال والأنفس والثمرات ؛ عام الفقد والغربة والكربة والبلاء والابتلاء … عام الردى والموت … وآهِ ما اقسى الموت ؛ وقد غيّب وجوه كبارنا من آبائنا وامهاتنا وشبابنا وصبايانا واولادنا في عامِ الحزنِ ؟
ايّ زمنٍ هو هذا الزمن ؟
اتراهُ يختصر كلَّ مسافات الدَّمع ، ومناديلَ النجيع … واحزانَ اللوعات ، ومواويل الجراح … ؟؟ وهو يغلقُ باب ايامـــِهِ على تلبيتكِ نداء اللهِ : { يَا أَيَّتُهَا النَّفسُ المُطمَئِنَّةُ ، ارجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرضِيَّةً ، فَادخُلِي فِي عِبَادِي ، وَادخُلِي جَنَّتِي } …وما اجمل رجوعك الى الله … وانتِ تحملينَ زادَ الطهرِ الى يومٍ لا ينفعُ فيه مالٌ ولا بنونٌ الا من اتى الله بقلبٍ سليمٍ … وما انبل سماح نفسك وطهارة روحك وانتِ السميحة والكريمة والعزيزة والمضحية … ويا نِعم الحسنات التي حملتها زادا يا ” ام حسن ” الى آخرتك بعد ان حوّلتِ حياتكِ الى ميدان تضحيات وعطاءات وتربية حسنة لنجلِك الغالي حسن ولبناتِك الجميلات العفيفات السّمِحات كروحك ؛ بعد رحيل المعيل والسند والاب منذ سنوات طويلة … وامدٍ بعيد … حيثُ كنتِ الاب والام والاخت والصديقة والرفيقة والحضن الحنون واليد الحانية والعين الرقيب … وكنتِ الحبيبة ومستودع الاسرار ونبعَ النقاء ، وربيع ايام الصفاء …
ولكن … يا سميحة الروح … يا امّ حسن
هو الموت الذي لا بدّ منه … الحقيقة الكبرى ، والمصير المحتوم ، والذي ستتذوّقه كلُّ نفسٍ … الموت الذي انشده عليُّ (ع) :
المَوتُ لا وَالِداً يُبقي وَلا وَلَداً
هَذا السَبيلُ إِلى أَن لا تَرى أَحَدا
كانَ النَبِيُّ وَلَم يَخلُد لِأُمَّتِهِ
لَو خَلَّدَ اللَهُ خَلقاً قَبلَهُ خَلَدا
للمَوتِ فينا سِهامٌ غَيرُ خاطِئَةٍ
مَن فاتَهُ اليَومَ سَهمٌ لَم يَفُتهُ غَدا
وهو الرحيل المبكر… والفقد الغربة … و” فقد الاحبة غربة ” يا حبيبتنا ، وغاليتنا ، وسميحتنا ، وجميلتنا ؛ ومثالَ كل الامهاتِ من امهاتِنا اللواتي يغرسن القيم والحب والوعي والاخلاق والتربية والجمالات …
اربعونَ يومًا … !!!
وطيفكِ يسكنُ الجوارح ونبضات القلوب وغصص النوى ومناديل الدمع .. وشجو آهــــاتِ الليالي … ترسمينَ ذكـرياتِ الطهارةِ والنَّقاء والحنان والصفاء !
اربعون يومًــــا …!!!
[ … وتبقى الحياة …
وتختصِرُ العُمْرَ ضمَّةُ أمّي
وقبلةُ أمّي
ولمسةُ أمّي
وإشراقةُ الحبِّ
في روحِ أمّي
وتبقى الحياةُ…
وتهربُ منّي جمالاتُها
وأغفو
وأبصرُ في الحلمِ
في رحلةِ الطّيوفِ بعينيّ
جمالاتِ أمّي
ويبقى ابتهالي وكلُّ خشوعي
وكلُّ الصّلاة
ويحيا معي السّرُّ سرّ الألوهةِ
يا ربِّ أنتَ الرّحيمُ
وأنتَ الكريمُ
لكَ الحمدُ
رحماكَ
في روحِ أمِّي ]…(1) .
ام حسن …
متى نعي انّنا _ ونحنُ نهيلُ التراب على اجسادكم … وقاماتكم ؛ وندفن بأيدينا بركاتكم وتضحياتكم وجمالات حياتكم وابتساماتكم ورؤاكم وصلواتكم ودعواتكم … _ ندفنُ منظومة القيم وعوالم الملكوت الطاهرة ، وبركات السَّماء … !!!
ودعاؤنا
يا قلبَ الحبِّ انتِ
ثبتكِ الله بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة..رحمكِ الله ايتها الصابرة والمكافحة والمجاهدة والمربية والمعلمة والجميلة والخميلة …
آنسكِ الله !!!
وانزلكِ منازل المتقين ، وجعلكِ _ وحفيدَكِ عليًّا ، وابا حسن شريكَ حياتك _ في عليِّين ، في ركبِ النبيين والصديقين والصالحين والشهداء وحسُنَ اولئكَ رفيقا …
وعزاؤنا للغوالي من ذريتك : الغالي حسن والغاليات كارول شيرين ومريم وميرنا …وكل محبيكِ وارحامك ممَّن سيبقى ذكرُكِ في نبضاتِ قلوبِهم وارواحِهم … حتى اللقاء بكِ وبكل الاحبة في مقعدِ صدقٍ عندَ مليكٍ مقتدرٍ ، هو حسبنا _على فراقكم _ ونِعمَ الوكيل !!!
علي رفعت مهدي
علي النهري 12 / 12 / 2021 .
_(1)_ من قصيدة رثاء المرجع الراحل السيد محمد حسين فضل الله لأمِّه والموسومة بعنوان (رحماكَ في روحِ امي) . وهي من روائع قصائده التي كتبها في العام 1992م في والدته، في ذكرى رحيلها، وهي تعبِّر بشكل إنساني عميق عن طهر الأمّ وسموّها وحضورها .

صورة للراحلة الكبيرة الحاجة سميحة علي اسعد المصري مع بناتها وحفيدها

 

مع نجلها الوحيد حسن

شاهد أيضاً

قمم عربية ليس لها اي قرارات…

بقلم/حميد الطاهري عقدت قمم عربية في الماضي والحاضر وليس لها اي قرارات صارمه ضد عدوة …