حوار ” مشقلب “..ذ حوار ” الطرشان “.. ديمقراطية ” الزعيق “.

 

د.سلمان صبيحة

تكثُر هذه الأيام الحوارات و النّقاشات في عالمنا العربي و خاصةً بعد ما عُرف ب: ” الرَّبيع العربي “.
فَفي المقاهي و المناسبات الاجتماعية (التَّعازي و الأعراس) ، و حتّى في السَّهرات العائليّة نجد الحِوارات و النّقاشات تأخذ مجدها و يدلو كلُّ شخصٍ برأيه و يعبّر عن وجهَة نظره ، فتجد “النَّجَّار” يتكلّم بالسِّياسة و “الخيَّاط”يحلل أبعاد المؤامرات و ما يُخطَّط للمنطقة و “السَّمَّان” يتكلَّم بالاستراتيجيَّة الدِّفاعية و “الكندرجي ” يتحدَّث عن خطورة الحرب الكهراطيسية و التَّوتّر في شبه القارَّة الكوريَّة و ترى النقاش كموج البحر يعلو و يهبط ،يرغي و يزبد.أحياناً يكون الحوار بصوتٍ هادئ و أكثر الأحيان يكون بصوتٍ “جعوري ” بحسب طبيعة وتربية كلّ شخص و محيطه الاجتماعي ،يتبعه سعال جاف لا يتوقَّف ،ينطلق عن طريق التسلسل يُعطيك إشارةً على نوعيّة الدخان الذي يشربه كلُّ مُحاور، لكن أغلب دخَّان المتحاورين
“فلش” من العيار الثقيل، و تبدأ المماحكات الحوارية ، فهناك أشخاص يعتقدون أنَّه كل ما “علا” صوته كان حديثه مقنعاً أكثر، و خاصةً عندما يكون المُحاور الآخر هادئاً و يتكلّم بمنطق ، لكنَّ الآخر الذي لا يمتلك الحجّة العلمية المقنعة يلجأ للصوت العالي مستخدما حقه الديمقراطي ب ” الزعيق ” للتعبير عن رأيه ،لتتحول بعدها هذه الأماكن إلى حلبات ملاكمة و مصارعة حرة وقد يُستخدم فيها السلاح بكلِّ أنواعه.
منذ فترة سمعنا عن امرأة ضربت
“سلفتها ” ب “الكندرة” على رأسها نتيجة خلاف بالحوار حول عمر ابنتيهما و أي منهما الأكبر مما أدّى إلى زعل كبير في العائلة و جرح كبير في الرأس و حقد و غل في القلب.
وقد درجَت هذه الأيام عادة أخرى على بعض المحطات الإعلامية “الشاشات العربيّة”، أثناء بث الحفلات الحوارية الدِّيمقراطية أن نجد تبادل لرشقات من الشَّتائم ،ليصل الأمر إلى مرحلة الضرب بما يتوفر أمام المحاورين من “كأس” أو “فنجان” ، أو أي شيء موجود على الطَّاولة ، ليتطوَّر الأمر ديمقراطياً إلى مرحلة الصَّفع واللكم و”اللبط ” أيضاً ، و من الجدير بالذِّكر أنَّه في إحدى الحلقات الحوارية و بعد حفلة السَّب والشَّتم و الضَّرب و بعد أن تمَّ قطع البث و إيقاف
الحوار و بسبب خطأ فني بقي صوت المذيع مسموعاً بشكل واضح و هو يقول بكل ديمقراطية للمحاور الآخر “الذي لم يعجبه رأيه”:
” يلعن أبوك و أبو اللي جابوك على هالحوار يا كلب يا ابن ستين كلب.”، بعد ذلك يعود البث ليظهر المذيع من جديد كالحمل الوديع و هو يعتذر من المشاهدين بكل براءة على ما تخلَّل الحلقة من عدم احترام للرأي و الرأي الآخر من قبل المتحاورين و تمنياته أن لا تتكرر مثل هذه الأفعال في الحلقات القادمة.
من جهةٍ أُخرى جَرى نقاش و حوار بين سيّدتين واحدة عربية و أخرى ألمانية في أحد الشوارع ، نتيجة الخلاف على أفضلية مرور المُشاة من المكان المخصَّص لهم فكانت المرأة العربية تحاول إيصال وجهة نظرها إلى المرأة الأخرى لكنها لا تعرف لغة…فهي تتكلم باللغة العربية بصوتٍ عالي جداً و تقترب من أُذن المرأة الألمانية…و المرأة الألمانية مذهولة و تقول لها بكلِّ هدوء و هي تضحك : لماذا كلُّ هذا الصُّراخ … أنا لا أفهم ما تقولينه ، فأنا لستُ صمّاء…
و المرأة العربية ماتزال تُتابع صُراخها و انفعالها مُضيفةً إليه حركات من التَّأشير و التَّشبير بِكلتا يديها زيادة في التوضيح لكن دون جدوى ، مما أدَّى لتدخُّل رجل سمع الحوار وهو يعرف اللغتين ، فلعب دور المترجم و شرح وجهات النَّظر فهدأت المناقشات و علت الضحكات و الابتسامات ، بعد أن كاد هذا الحوار”المشقلب”، “حوار الطرشان ” أن يتسبب في أزمة دبلوماسيّة عالميّة غير مسبوقة نتيجة لديمقراطية ” الزعيق ” .


.
21/11/2021.

شاهد أيضاً

علامة عرض اوضاع لبنان والمنطقة مع سفير هنغاريا

استقبل رئيس لجنة الشؤون الخارجية والمغتربين النائب الدكتور فادي فخري علامة سفير هنغاريا في لبنان …