المعلّمُ النّاجحُ هوَ المعلّمُ المتطلّبُ

حسن عليّ شرارة

المُعَلِّمُ هو أكثرُ النّاسِ اختلاطاً وتَفاعُلاً مع الفئاتِ والأجناسِ والأعمارِ من البشرِ كافّة. لذلك عليهِ التَحلّي بالصّفاتِ الحميدةِ الّتي تَتَطَلًبُ منه جُهدًا كبيرًا من العِنايةِ والحِنكَةِ والدِّرايةِ ورَباطةِ الجأشِ وضَبْطِ الأعصابِ والقيامِ بالأفعالِ التي تنمُّ عن المحبَّةِ والعطفِ وإنكارِ الذّاتِ والتّضحيةِ لخدمَةِ العِلمِ والمعرفَةِ.

ولهذا وَجَبَ أن يكونَ سلوكُهُ سلوكًا سوِيًّا خاضعًا لمقاييسِ التّربيةِ الصّحيحةِ. إذ إنَّ سلوكَ المُعلِّمِ وشخصيّته لهما تأثيرٌ قويٌّ على التّلامذة. وفي هذا المِضمارِ عدّها البعضُ متَفوقةً أكثر من تأثَيرَ الكُتُبِّ عليهم. كما وأنَّ حبَّ التّلامذة لمادّةٍ من الموادّ الدِّراسيَّةِ مرهونٌ لدرَجَةٍ كبيرةٍ بحبِّ التّلامذة لمدرِّسيها؛ فلهذا نراهم ينظرونَ الى مُدرَسِّهم كمثِلٍ أعلى في العِلمِ والأخلاقِ. ومن أجلِ ذلك لا بدَّ للمجتمعِ والدّولةِ من رعاية المعلَّمِ، قدرَ الإمكانِ، من ناحيةِ حاجاتِهِ الاجتماعيّةِ المُلحَّةِ، والاعتناءِ بصحّتِهِ الجسديَّةِ والنّفسيّةِ.

ومن واجباتِ المعلِّمِ الأساسيةِ أن يكونَ مُدرِكًا كلّ الإدراكِ لنقاطِ ضَعْفِهِ ومتقبّلًا للنّقدِ البنَّاءِ الموجّهِ إليهِ من قِبَلِ المعنيّينَ المُتمرّسينَ بالتدريسِ، أو حتّى أيضًا من تلامذته ليسلكَ طريقَ الحوارِ المؤدّي إلى الحلولِ النّاجعةِ ويَعتمدُ الأساليبَ الملائمةَ للفهمِ بحسبِ قُدراتِ مستوى الصّفِّ والمنهجِ المقرَّر لكلِّ صفٍّ. وقد لُخِصَتْ سماتُ المعلِّمِ الناجحِ بالنّقاطِ الآتيةِ:
– – أن يكون درسه منسجما مع الأهداف العامّة والخاصّة للمنهاج وفق خطّة (سنويّة، شهريّة، أسبوعيّة، يوميّة) مدروسة.
– أن يكونَ شرحُ الدّرسِ من قِبَلِ المعلِّمِ وافيًا ومنظّمًا وواضحًا ومُحضّرًا مُسبقًا ليُلامِسَ مستوى القدرةِ العقليّةِ للتّلامذة.
– أنْ يشعُرَ المُعلِّمُ أنّ التلامذة جميعهم مهتمّونَ لشرحِهِ، وراغبونَ بمتابعةِ الدّرسِ.
– أن يحترمَ المدرِّسُ آراءَ تلامذتهِ، وتكونَ إجاباتُهُ لأسئلتهَم مقنعةً وبمنتهى الدّقّةِ والوضوحِ.
– أن لا يُميزَ بين تلميذٍ وآخرَ، وأنْ يهتمَّ بالمقصّر كالمجتهدِ.
– أنْ يكونَ المعلِّمُ واثقًا من نفسِهِ ومُلِمًّا إلمامًا جيّدًا بالمادّةِ الّتي يُلَقِّنُها لتلامذتهِ.
– أنْ يكونَ مَرِحَ الشخصيّةِ لا لينًا ولا قاسيًا ولائقَ المظهرِ.
– أنْ يخلقَ الظّروفَ المُلائمةَ لعمليّةِ التّعلّمِ والتّعليمِ.
– أن يكونَ ذا أخلاقٍ عاليةٍ ومُتَحمِّلاً أسئلةَ تلامذتهِ مهما كانت بدهيّةً أو دالّةً على عَدمِ فَهمِهم للدّرسَ.
– أنْ يكونَ الاحترامُ متبادلاً بين التّلامذة والمعلِّمِ.
– أنْ لا يشعُرَ المعلِّمُ باليأسِ والإحباطِ من تكرارِ شرح الدّرسِ عدّةَ مَرّاتٍ.
– أن لا يخرجَ المعلِّمُ عن طورِهِ اللّائقِ فيجرح مشاعر المتعلّم أو ينعته بألقابٍ مشينةٍ.
– أن لا يَستعملَ الوسائلَ القاسيةَ لِمُعاقَبةِ تلامذتِهِ كي لا يشعُرَ الطّالبُ بالنّقصِ والفشلِ.
– أنْ يُدرِكُ المعلِّمُ أن الخِلافَ في الرّأي بينَهُ وبينَ تلامذتهِ أمرٌ مُتَوقعٌ ومفيدٌ.
– أن يضعَ المعلِّمُ جانبّا كلَّ أنواعِ مشاكِلَهُ الاجتماعيّةِ والاقتصاديّةِ والنّفسيّةِ وما شابه، وأن ينصَبَّ اهتمامَهُ على تلامذتِهِ فحسب.
– ان يكونَ مُحبًّا لمهنتِهِ كي يكونَ محبًّا لتلامذتِهِ.

فإنْ كانتْ كلُّ هذهِ المواصفاتُ هي من واجباتِ المُعلِّمِ الناجحِ، أليستْ لَهُ حقوقٌ على المجتمع والدّولةِ من رعايةٍ تضمنُ لهُ الحدَّ الأدنى من العيشِ الكريمِ واللّائقِ؟ فلِمَ لا تُراعى حاجاتُهُ المُلحَّةُ في الميادينِ: الاجتماعيّةِ والصّحيّة والنّفسيّة الخ…؟ أليسَ هو المؤتمنُ على فلذاتِ القلوبِ! وقد قيل عنه: المعلِّمُ ليس بناقلٍ للعلومِ ومُلقنٍ للمعارفِ فحسبْ حتّى يُستغنى عنه، إنّما هو نفسٌ زكيّةٌ تفوحُ في أرجاء المدرسة… إنّه شعَاعٌ وهَاجٌ تنطبعُ صورتُهُ في أعماقِ النّفوسِ، وهو هِدَايةٌ سماويّةٌ تُرشِدُ القلوبَ وتسدِدُ الخطواتِ.. فالمتعلّمُ هو المادّةُ البشريّةُ الّتي يُطلبُ إلى المعلِّمِ معالجتُها عن طريقِ المادّةِ التّدريسيّةِ.
إنْ لمْ نستطعْ إكرامَ المعلِّمِ ماديًّا فَلنجلِّهُ معنويًّا كونُهُ مُثقِّفَ الشّخصيّة نّفسًا وعقلا وجسدًا.
مع تحيّات الخبير التّربويّ: حسن عليّ شرارة

 

شاهد أيضاً

شاب تركي من اصل كردي يقتل عبدالعزيز الأب الأول لبني سعود .

  عن كتاب ( الربيع والآبار والدمار ) للكاتب الباحث سعيد فارس السعيد : في …