دفنوه واقفا.. رشيد طليع!


“غمقوا الحفرة غمقوها..” صرخت بأعلى صوتها وراح صدى هذا الصوت يتردد بين الوديان السحيقة والجبال الشرقية المترامية في جبل الدروز، هكذا صاحت المجاهدة المرحومة السيدة “رضية سعيد”.

 

 

 

وكان في الميدان مجموعة من مجاهدي الثورة السورية الكبرى على رأسهم المرحوم “سلطان باشا الأطرش” قائد الثورة الذي استنكر صراخ تلك السيدة وأنبها قائلاً: “عيب يا حرمة.. عيب.. شو ها الحكي هذا؟ انت عارفة لمن نحفر هذا القبر؟ هذا قبر المجاهد رشيد طليع”.

ردت المجاهدة: “اني عارفة وأرجوكم أن تنفذوا رغبتي”، وعندما سألها الحاضرون عن سبب إصرارها على تعميق الحفرة، أجابت: “أدفنوا رشيد طليع واقفاً ولا تبطحونه (تمددونه) على الأرض حتى تبقى الثورة واقفة!”.

و هنا تبين أنهم فهموا كلامها -غمقوا الحفرة- خلافاً للمتعارف عليه في لهجة المنطقة التي تعني التشفي والغضب، كانت تعني –حتى تبقى الثورة واقفة- أي أن تستمر الثورة ولا تقف بموت المرحوم “رشيد طليع”.

هذا ما أكد صحته العقيد المتقاعد حمد عمرو رئيس رابطة المحاربين القدماء في السويداء والذي نقل إلينا هذه المعلومات كشاهد عيان عندما ذهب إلى قرية الشبكي مع مجموعة من رفاقه المحاربين لمعاينة لمكان بقصد نقل رفاة المجاهد “طليع” لإقامة نصب تذكاري له على نفقة أهالي بلدة “الشبكي” الذين أكدوا تقدريهم ووفائهم لذلك المجاهد الكبير.

جرى حفر الضريح وكان الرأس أول ما ظهر من رفاة المرحوم ثم الصدر والذراعين وبقية أعضاء الجسد، ونقلت هذه الرفاة الطاهرة إلى المكان الذي شيد فيه نصب لائق دشن باحتفال رسمي وشعبي عام 2003.

يقول الأستاذ “حسن عز الدين: المجاهد الكبير المرحوم “رشيد طليع” من مواليد جديدة الشوف في لبنان عام 1876م، تعلم فيها ثم أوفد للأستانة في تركيا، حيث درس هناك في معهد الإدارة والمال وتخرج عام 1900م، وعاد إلى بيروت ليعين مأمورا لولاية سورية، عام 1903 عين قائم مقام في بعلبك ونقل عام 1904م إلى الزبداني في نفس المنصب، وانتقل بعدها إلى راشيا فحاصبيا، وفي عام 1908م نقل إلى عريقة، وبعدها إلى المسمية، وفي عام 1911 عين متصرفاً لحوران، وفي عام 1913 نقل متصرفاً لطرابلس الشام، ثم متصرفاً للواء الاسكندرية في مصر عام 1915، وفي 1916 نقل إلى اللاذقية قائم مقام.

سقطت الدولة العثمانية في عام 1917 فعاد إلى بيته في لبنان. عين وزيراً للداخلية في عام 1918 من أول إمارة شكلها الأمير فيصل (حكومة الركابي). في عام 1920 عين والياً على حلب بسبب الفوضى والأطماع التركية والفرنسية هناك، وساعد وجوده على تقوية الثورتين: ثورة الشيخ صالح العلي وثورة إبراهيم هنانو، وأمدهما بالمال والسلاح.

كلف بتشكيل وزارة في “الأردن” في زمن الأمير “عبدالله” جد الملك “حسين”، قاوم الاحتلال البريطاني بعنف، واضطر إلى الاستقالة من الوزارة، وانتقل إلى القدس وشكل جمعية “مساعدة الأحرار” ولاقى من الإنكليز المضايقات الشديدة فاضطر إلى المغادرة إلى مصر ليشارك زملاءه في الفكر والقلم، وكان من بينهم المرحومين الأمير “عادل أرسلان” والعقيد “فؤاد سليم”، ومن هناك جرت اتصالات وكتابات سرية بينهم وبين المرحوم “سلطان باشا الأطرش” للتخطيط للثورة في جبل العرب، والتحق هؤلاء جميعاً بالثورة في الجبل عند قيامها عام 1925.

أما عن آخر المعارك التي خاضها المجاهد الكبير فيقول “عز الدين”: خاض المجاهد “رشيد طليع” عدة معارك كان آخرها معركة “الشبيكي” حيث كان يقود مجموعة ميمنة الثوار على الجبهة الغربية ومجموعة الميسرة يقودها “سلطان باشا الأطرش”، ومجموعة الخلف من جهة الشمال يقودها المجاهد “محمد عز الدين”، وقاموا جميعاً بمهاجمة جيش الجنرال الفرنسي “أندريا”، أسقطت للعدو طائرة حربية، دامت المعركة ست ساعات انسحب العدو بعدها خاسراً باتجاه قرى شعف، الحريسة ثم إلى قرية الهويا. في هذه المعركة جرح “رشيد طليع” وبقي يعالج لعدة أشهر، وأصيب بمرض معوي أدى إلى وفاته في قرية “الشبكي”، كان ذلك أواخر أيلول عام 1926.

نعاه القائد العام للثورة قائلاً: فقدنا بوفاته ركناً من أركان الثورة ورجلاً من خيرة رجال الدروز.

شاهد أيضاً

الجميع يتاجر بفلسطين

جمال اسعد  يزخر التاريخ بحوادث ووقائع ميليودرامية تتخطى العقول وتتجاوز المعقول ولكن المشكلة الفلسطينية قد …