أدباء وشعراء

إعداد وحوار الشاعرة رانية مرعي

نور النعمة.. من سوريا حمص وأقيم حالياً في كندا
حاصلة على الشهادة الثانوية الفرع الأدبي.
بدأت الكتابة منذ المرحلة الإعدادية في مجلة الحائط في المدرسة نصوصًا نثرية بمتابعة معلميّ وتشجيعهم.
ثم بدأت بنشر كتاباتي في جريدة العروبة بمدينه حمص في صفحة على طريق عبقر بتشجيع من الدكتور والشاعر الصديق غسان لافي طعمة وكانت معه تنمو بذور موهبتي بإرشاداته وتدقيقه لنصوصي.
بعد هجرتي لكندا تابعت نشر كتاباتي في موقع صوت العروبة وفي عدد من المواقع الإلكترونية لأصدقاء أدباء ومهتمين بكافة مجالات الأدب.
حائزة على ميدالية تقدير بمسابقة الشاعر علي الغوار بالعراق عن نص مشترك مع الشاعر والكاتب العراقي الصديق مهند التكريتي يحمل عنوان “لا رئة بعد الفلك السابع للحلم” والذي حمل فيما بعد إسم ديوانه وتضمن النص.
حائزة على الجائزة الأولى بمسابقة المنتدى الثقافي الأسترالي العربي في أستراليا عن قصيدة أبي.
صدر لي قبل أشهر ديواني الأول “أساور الحرمل” عن دار بعل للنشر والتوزيع في دمشق، ان هو باكورة أعمالي وأتمنى أن يكون بذرة لمواسم قادمة.

إنسانة بسيطة جداً وعفوية، لعبَت حياتي الخاصة دورًا كبيرًا في صقل روحي واستفزاز مكنوناتها.

 

الشاعرة نور النعمة:

وطني المصاب بذبحة صدرية
يسعل فيوقظ كل الشهداء في أعماقي

 

*هل تذكرين أول قصيدة نُشرت لكِ؟ وكيف تقبلها القرّاء؟

أول نص نشر لي كان قصة قصيرة قبل حوالي عشرين عام في جريدة العروبة يحمل عنوان (لعيون زارتني مصادفة) في صفحة على طريق عبقر الذي يرأس تحريرها الدكتور الشاعر غسان لافي طعمة الذي أكن له كل احترام وتقدير لتشجيعي الدائم ومتابعتي وكان لهذه القصة وقع جميل جدًا بين الأصدقاء والأساتذة الذين كانوا يتابعون موهبتي في تلك المرحلة وتابعت بنشر الخواطر النثرية من بعدها في صحيفة العروبة.

*نحتفل معك ونبارك لك صدور ديوانك الأول منذ فترة قريبة.
“أساور الحرمل ” أيّ عطر يفوح منه وأيّ شفاء بين صفحاته؟

أشكرك من القلب شاعرتنا المتألقة رانيا والرب يبارك كل خطواتك
لمجرد قراءة العنوان تفيض الروح بعبق الطفولة والحنين لتلك المرحلة من العمر أساور الحرمل كانت إحدى إكسسوارات طفولتنا كانت أمي تصنعها لي بيد واحدة وعلمتني كيف أحول هذه البذور الى أشكال فنية جميلة تشبع روح طفلة باللعب دون ملل ومنها تعلمت الصبر على كل شيء .
كما يحمل الديوان عطر الحنين للوطن والأهل وأيضا يحمل الكثير من الحزن والألم وخاصة النصوص التي كتبتها بعد رحيلي إلى كندا وما تلاها من الحرب في سوريا وإستشهاد الكثير من الأقارب في قريتي “صدد” ومن بينهم أخي وأنا بعيدة لا حول لي ولا قوة غير الكتابة لأفرغ كل هذا الشجن والحزن وما أكمله القدر فيما بعد وقبل أشهر من رحيل أخي الثاني وزوجي معاً في شهر واحد .

حملت وطني ورحلت
وطني طفل مشاغب
وأرض غربتي ضيقة
وطني المصاب بذبحة صدرية
يسعل فيوقظ كل الشهداء في أعماقي
انا ووطني ولدنا معا
من مشيمة واحدة
وكل هذه الحروب مجرد محاولة
لقص حبلنا السري
كلما توسدت ذراعه لأنام
يمسد شعري ويغني لي
يالله تنام يالله تنام
بكرى رح نرجع ياشام

الشفاء في صفحاته ربما أجدت في بعض النصوص كتابة ما يحمله أغلب الناس في أعماقهم لكنهم لم يجيدوا التعبير عنها فلامست وترجمت مشاعرهم هذا ما أقرأه من خلال تعليقاتهم على صفحتي.

 

*هل قاربتِ الشعر الوطني؟ وهل إقامتك خارج وطنك الأم سوريا تضعك أمام مسؤولية نشر ثقافة بلد هو رفيق التاريخ؟

الغربة وجع والحنين سوط قاسٍ يجلدنا كل صباح .لا بديل عن الوطن مهما حاولنا التأقلم الا أن الروح لا تهدأ الا به، ومن واجبنا أن نحمل أوطاننا حيث نرحل، وفي الحقيقة هو من يرحل بنا ومعنا دون إرادة وسوريا كانت حاضرة في روحي دائماً ربما لم أفِها حقها في الكتابة وأشعر بالتقصير شعور إبنة تجاه أمها وأتمنى أن أتمكن لاحقاً التعويض. ولكن في الوقت الحالي نشعر بمسؤولية أخلاقية تجاه ما يحدث في بلدنا الغالي سوريا ومن واجب أي شخص بغض النظر عن مكانته أن يقدم كل ما يستطيع لهذا البلد إلى أن يتجاوز محنته ويعود سالمًا ومعافًى.

 

*ثمة قضايا اجتماعية تطال المرأة العربية والسورية
أين قلم الشاعرة نور النعمة منها؟

المرأة العربية هي إمرأة مكافحة وثائرة بالفطرة وتثبت نفسها رغم كل القيود، أنا أتمنى أن تستمر بكفاحها والا تشعر بروحها أنها غير قادرة أو خاضعة بل حرة وجديرة بإعتلاء مناصب قيادية في بعض مجتمعاتنا التي ما زالت مع الأسف تنظر لها بالدونية وتستهجن تحررها وتقيد خطواتها بسلاسل العادات والتقاليد البالية.
كتبت عن المرأة التي هي أنا بصور متعددة، المرأة الجريئة والواثقة بخطواتها والصبورة على المحن.
وبإعتقادي أن كل إمرأة تدرك حاجتها وحقوقها ووحدها القادرة على المطالبة بها والدفاع عنها فهي ليست بقاصر ولا تحتاج لمن تعيره صوتها ليطالب عنها وخاصة في هذا العصر وبظل كافة المنصات المتاحة أمامها ليصل صوتها ولتثبت ذاتها.

 

*قال جبران خليل جبران: “ليس الشعر رأياً تعبر الألفاظ عنه ،بل انشودة تتصاعد من جرح دامٍ أو فم باسم”.
ما هي المسؤولية الكبرى التي تقع على عاتق الشاعر الذي ينتمي للحقيقة والحريّة؟

الشاعر مثل الطبيب الذي يجري الصور والتحاليل ليكتشف المرض ومن ثم يعطي الدواء المناسب والشاعر إبن هذه الحياة ربما يكتب من وحي الخيال.
يراه البعض أنه بعيد عن الواقع، ولكن مهما جنح بخياله وحلق فوق السحاب الا أنه إبن هذه الأرض وما
جموحه إلاّ حاجة للإنعتاق والبحث في أعماق الروح عن السلام الذي يفتقده ويتغنى به ويجاهد لتعميمه، فإن لم نكن أحرارًا في كتابتنا وإن لم نعش سلاماً حقيقياً مع ذواتنا فنحن عبيد بأي شكل من الأشكال، والقلم أثبت على مر العصور أنه سلاح ربما أقوى من السيف إن أستخدم للدفاع عن قضية ما وهناك أمثلة كثيرة عن شعراء حملوا هذا السلاح وسخروه لأجل قضاياهم الوطنية والأخلاقية وعلى سبيل المثال
الشاعر الفلسطيني الكبير محمود درويش في دفاعه عن قضية وطن بأكمله
الشاعر نزار قباني في مواقفه الجريئة وثورته لتحرير المرأة والمجتمع
وهناك الكثير ممن كانوا لنا قدوة ومثالا يحتذى به.

 

*أطلب منك اختيار قصيدة اختزلْتَ في سطورها ومعانيها كلّ ثوراتك؟ ولمن تهدينها؟

سأختار نص (الصراط المستقيم) أشعر روحي فيه حرة ومتمردة أهديه لكل من عاش في بلاد ما زالت تصادر الحب والحرية وتكفر الٱخر..

الصراط المستقيم في بلادنا
هو طريق احادي الإتجاه
تعرفت عليه حين عبره أخي ولم يعد
وتركني على مفترق طرق
اشحد شبها لغمازتيه
فلا تحاول ترتيب فوضاي
دعني أختبر الكفر
في بلاد تطعن ابناءها بإسم الرب
وتقتل بناتها بإسم الشرف
وتخيط غشاء بكارتها بدولار
لتحافظ على عذريتها
وتغتصب حقوقنا
بلاد لا أعلم لماذا كل الأنبياء ولدوا فيها
وعلى صراطها المستقيم
قتلوا
أهي لعنة الطريق
أم لعنة من عبّدها بأشلاء أبناء الله
يا الله
مازلت على المفترق
أشحد حكمتك
ببلاد اكفر بها بقدر ما اؤمن بها
ألعنها كل صباح
ولا تغفو روحي الا بحضنها
بلاد علمتني ان أسير
بكل الطرق
عدا صراطها المستقيم
الذي يحملني بإتجاه واحد

 

*نلاحظُ ظاهرة الأعمال والإصدارات المشتركة بين الشعراء والأدباء.
كيف تقيمين هذا الموضوع وأنت لك تجربة مع الشاعر العراقي مهند التكريتي؟

وسائل التواصل الإجتماعي ساعدت بشكل كبير على إقامة هذه المشاريع الثقافية والأدبية من خلال انعدام منظومة الزمان والمكان والإنفتاح الواسع والسريع على تجارب الآخر ومتابعة الأنشطة الأدبية بسهولة دون قيود كل هذا ساعد على تكوين مجموعات ومنصات كثيرة تساهم بإثراء الحركة الثقافية طبعا بعضها وليست جميعها من خلال ندوات أو أعمال مشتركة مثل طباعة ديوان مشترك لمجموعة شعراء.
أنا لم يسبق لي الخوض بمثل هذا المشروع ولكنني لا أجد ما يمنعني في المستقبل من ذلك شرط أن يكون تحت إشراف نخبة ممن لديهم القدرة على تقييم وإنتقاء النصوص بكل حرفية وشفافية بعيداً عن أي غاية أو تعاطف أو محسوبيات من شأنها التقليل من قيمة العمل.
تجربتي مع الشاعر العراقي الصديق مهند التكريتي كانت من خلال محاورة شعرية تحت عنوان (لا رئه بعد الفلك السابع للحلم) عام 2013 فازت بجائزة تقديرية في مسابقة الشاعر العراقي الكبير علي الغوار
هذه التجربة أضافت لي الكثير وأعطتني حافراً للمتابعة والإجتهاد على تنمية موهبتي وصقلها وتغذيتها بمفردات جديدة ومواضيع متنوعة.

 

*الثقافة تحدد مكانة المجتمع ومدى تطوره.
كيف تصفين المشهد الثقافي العربي عامة والسوري خاصة؟

الثقافة هي مرٱة المجتمع ولا يمكن لأي مجتمع أن ينهض الا بالعلم والمعرفة والإنفتاح الواسع على تجارب وثقافة المجتمعات الأخرى
نشهد تطورًا سريعًا في المشهد الثقافي بظل التكنلوجيا الحديثة وعصر النت ومواقع التواصل الإجتماعي ولكن بصورتين مختلفتين الإيجابي والسلبي وإن اختلطت ببعض الأماكن لأسباب مختلفة.
فمثلاً لم يعد المشهد الثقافي حكرًا على مجموعة محددة او مكان محدد إنما أصبح مشاعاً لكل شخص يكتب ويعبر ويدلي بآرائه وينتقد أحياناً ويفتتح ندوات ومنابر ومنتديات، ولكن هل جميعها تعكس الثقافة والأدب بوجهه الراقي ووجهته الحقيقية وموجه بشكل فاعل؟ مع الأسف لا.
والأمر الذي يدعونا للإحباط أحيانا وجود بعض الأدباء الكبار والمثقفين وراء بعض هذه التجمعات ودعمها وتغذيتها ولا أعلم السر الحقيقي هل هي دوافع شخصية للشهرة وحشد جمهور للتصفيق كما يحدث في الدوائر الإنتخابية.
نشعر بفقدان الثقة أحياناً حين نتابع هذا الزخم من المنشورات التي لا تمتّ للثقافة أو الأدب بأي صلة ونرى الكثير من الشهادات والأوسمة التي تمنح بغير استحقاق وألقاب عديدة مثل شاعر/ة او أستاذ/ة ودكتور/ة ….الخ
تمنح كما تمنحين طفلًا مدللًا قطعة حلوى.
ومع الأسف الكثيرون وقعوا بفخ العظمة وصدقوا هذه الألقاب وعاشوا الوهم ومازالوا مستمرين به
ولكن في النهاية لن يصمد إلاّ من هو جدير وواثق بنفسه وبقدراته كما في كافة المجالات الفنية والعملية.

لايمكنني أن اتحدث عن المشهد الثقافي الحالي في سوريا وذلك بسبب إقامتي خارجها إلاّ ما يصلني عبر هذا الفضاء ومن خلال متابعة أنشطة الأصدقاء هناك وأعتقد بأن الحرب أثرت بصورة ما على الواقع الثقافي فيها.

 

*أترك لك الختام مع قصيدة تهدينها لقراء كواليس.
اسمحي لي أن أشكرك على هذه الإستضافة التي تعني لي الكثير من شاعرة مبدعة ومتألقة هي رمز للمرأة العربية بثقافتها واجتهادها وسعيها الدؤوب لتثبت وجودها وصوتها في الساحة الثقافية والمجتمع
واتمنى لقراء كواليس وكل العاملين بهذا المنبر الثقافي كل النجاح والتوفيق ولمزيد من العطاء والإبداع.

زرع الله

قف على تلة المواويل
وادل حبال دمعك بسخاء
في الوادي ثمة من يدّعي الفرح
غير أن عينيه تشتهيان البكاء
رافقه في ضحكات عالية
وارقص معه لو يشاء
كن له كما أم
ترتق جراح طفلها بالغناء

دع العشب ينم
فوق تلات القبور
لا روح في الأرض تبقى
مهما غاصت بالجذور
وحدها الأجساد تفنى
كما الهياكل والمساجد
والقصور

خلف السحاب جوقات تعزف
للروح الحان الخلود
اغمض العين لتسمع
كل أسرار الوجود

نحن زرع الله في هذي الحقول
ولكل منا موعد للحصاد
ربما اليوم او غدا
ربما طال الميعاد

ودع في مصباحك زيتا
لاينطفيء اذ تنام
فإذا ماجاء الزارع
تمشي خلفه في سلام

 

🌿تحية كواليس🌿

يا الله من أين لقلبك الشاعرة رانية مرعي هذا النور ليهديك إلى جواهر لا أعرف شخصياً أيها أختار من نص حدقت  فيه طويلاً فبكي القلب فرحاً مهللاً لأحزان يجاهر دمعها فناً شفافاً كماء المطر، يجول السماء والفضاء والسحاب وأنا ألاحقة حتى لا تفوتني روعته وهو  ينغرس في الأرض عشباً وزهراً وألقاً

نور النعمة.. إسمك لا أظنه جاء صدفة، أرتدته روحك منذ تكوينك لتشعين لغة القلوب الهاربة في متاهات العمر تحمل قنديلها الغارق بزيت لا ينضب، الباحث عن الفرح في أماكن لا تعرفه ولكنك تصنعيها بحروفك تبنين خيمة أمان كل منا يتمنى أن يستطل بفيء نبضها لأنها تحاكي الحقيقة في عمقه وتضيء عتمته وتغرد معك روجه

لا أريد أن أكتب لأنني لن أفسر ما أشعره متمنية وبحب كبير أن يجرب غيري ما عشته من متعة في تعاطيكي مع الوطن والغربة والمرأة والحب وكيف أستطاعت الشاعرة رانية أن تعزف على أوتار إبداعاتك فكان هذا اللقاء الأروع..

فاطمة فقيه

شاهد أيضاً

8 عادات سيئة عليك التخلص منها لإبطاء الشيخوخة

تؤثر خيارات نمط حياتنا بشكل كبير على صحتنا، حيث يمكن أن تؤثر بشكل إيجابي أو …