*”النهار” هكذا يخوض بري بعد أحداث الطيونة.. تجربة المواجهة الجديدة*

 

جملة واحدة صدرت فجأة عن رئيس مجلس النواب نبيه بري خرقت صمتاً متعمداً مارسه منذ ايام كانت كافية لقلب الأمور رأساً على عقب. فقد سارعت مصادره الإعلامية إلى تسريب شرطه لولوج عتبة معالجة التعقيدات وفتح باب التسوية وهو تنحية المحقق العدلي في قضية تفجير المرفأ.

فالسياسي المخضرم الذي كان يعتبر نفسه فوق “المؤامرات والشبهات” وتأنّى طويلا في مواجهة سيف العقوبات الذي انزل فجأة على عنق ساعده الأيمن #علي حسن خليل، والذي راهن طويلا بينه وبين نفسه على ان الآخرين لن يجرؤوا على هذا المستوى من التحدي المباشر له، وجد فجأة ان ثمة من يريد محو كل تاريخه السياسي الطويل والحافل فعاود لبس وجه التشدد.

راصدو مسيرة الصعود السياسي للرئيس بري منذ “انتفاضة” السادس من شباط عام 1984 يخرجون باستنتاج فحواه انهم وجدوا الرجل الثمانيني وقد عاد إلى انتهاج سياسة التصلب والتشدد في المواجهة على غرار السياسة التي سلكها عندما خاض معركة المواجهة الضارية مع عهد الرئيس امين الجميل في النصف الأول من الثمانينات، والتي انتهت كما هو معلوم باقتحام السلطة ومواقع الحكم كرقم صعب. وهكذا يجد بري نفسه مضطرا إلى أن يعود إلى نحو ثلاثة عقود ويضع البلاد بين امرين احلاهما مُر: إما رأس قاضي التحقيق وإما رأس حكومة الرئيس نجيب ميقاتي وما يلي ذلك من تداعيات محتملة اقلها المراوحة في دائرة الشلل السياسي. لكن العلامة الفارقة عن ذلك الزمن الغابر القصيّ هي ان بري الذي تربع على رأس السلطة التشريعية منذ نحو ربع قرن وصار يتصف بصفات رجل الدولة الاول، عرف كيف يتصرف بأقل قدر من الصخب وكتم مشاعر الاستياء الضاجة عنده. وبحسب المحيطين بمقر عين التينة فان بري امام “واقعة الطيونة” الدموية وما اعقبها من خطاب اعتُبر تحديا أطلقه رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع، استذكر على الفور تجربة شهر شباط عام 1984 وما سبقه من احداث دراماتيكية وما تلاه من تطورات وصراعات حادة، واستعاد ايضا مضامين “الخطاب” الذي توسله الخصوم يومذاك لتبرير حملتهم عليه وهجومهم على معقله يومذاك وهو الضاحية الجنوبية، فيومها سعى الخصوم إلى وصفه بانه “متمرد ” على السلطة “وخارج” على النظام العام ويتعين “تأديبه واخضاعه واعادته إلى جادة الصواب”. واليوم يجد هؤلاء أن ثمة من يريد اعادة الاعتبار لهذا المنطق من خلال “الخطاب الاستفزازي” الذي أطلقه جعجع، كما يصفه محيطون ببري.

وعليه وبحسب المعلومات فان الرئيس بري هو من اخذ على عاتقه “حراً” مهمة مواجهة اداء المحقق العدلي في انفجار المرفأ، لذا سارع إلى إطلاق الإشارة الأولى التي توحي انه المرجع الاوحد في هذا الشأن قبل اي بحث آخر والحديث عن اي خطوة تالية، وان مبتدأ الكلام معه والمدخل إلى البحث الجدي هو رفع يد المحقق العدلي عن ملف انفجار المرفأ.

وبذا كان بري يردّ بطريقته الخاصة على محاولة جعجع القول ان مشكلته هي حصراً مع “حzب ….ه”، لاسيما بعدما تعمّد في اطلالته المتلفزة عدم الاشارة من قريب او بعيد إلى دور لحركة “امل” والحيلولة دون وضعها في موضع الخصم او الند مع انها فقدت ثلاثة من عناصرها في الطيونة وهي صاحبة الدعوة إلى التظاهر.

في المقابل، وبحسب المعلومات المتوافرة ايضا، فان “حzب …ه” والحركة اتفقا على خريطة طريق موحدة لمواجهة الموقف بعد احداث الطيونة يقوم على ان يتولى الرئيس بري المواجهة مع المحقق العدلي، فيما يتولى الحzب مسؤولية التصارع والمنازلة مع “القوات” وتحميلها مسؤولية ما حصل في الطيونة ورفع شعار ملاحقة الضالعين ومحاسبتهم وكشف المخططين كشرط اساسي لاستقامة امور الحكم، لان ما بعد احداث الطيونة ليس كما قبلها.

وفي كل الاحوال فان المقربين من بري يستشعرون حجم المخاوف والهواجس التي تراوده مع اقتراب موعد انتخابات الرئاسة الاولى في لبنان، اذ فجأة وقبيل هذا الموعد يتبدى الاضطراب والاحتقان بل الغليان في المشهد السياسي اللبناني ويطفو إلى السطح الكثير من الحسابات والصراعات المكتومة مما يزيد من سخونة المسرح السياسي. وثمة من هؤلاء مَن يخشى ان تكون احداث الطيونة “بروفة اولى” لما يمكن أن يلي.

ومهما يكن من امر فان بري، الذي حرص طوال الفترة الماضية التي تلت خروج جعجع من السجن على خفض جدران التناقض والتباعد والصراع معه ومع فريقه السياسي إلى اقصى الحدود فساد على الأثر نوع من الهدنة والمرونة بينهما، ربما يجد نفسه مضطرا إلى ان يعيد حساباته بعد احداث الطيونة وما تلاها من مواقف تصعيدية توحي بان ما حصل هو بداية وليس نهاية.

وإذا كان الاصرار الذي يبديه الرئيس بري على تنحية المحقق العدلي شرطه اللازم لأي مخرج يرتجى، فثمة من يرى ان سيد عين التينة الذي “حلب” دهر السياسة اللبنانية وتعقيداتها وخفاياها بات يتقن ببراعة لعبة التصعيد والصعود إلى حافة الهاوية، ويعرف متى يتراجع عندما يحصل على الثمن الذي يريده.

اميل اد قال يوما لأحد زائريه في العاصمة الباريسة، في لبنان يوجد شخص لا يشبه احدا من كل رجال السياسة الذين عرفتهم طوال مسيرتي السياسية….. هذا الشخص اسمه نبيه بري

شاهد أيضاً

الشيخ الرشيدي:”متمسكون بخيار المقاومة والبندقية، سبيلًا وحيدًا لاستكمال تحرير الأرض والمقدسات”

أكَّد نائب الأمين العام للجماعة الإسلامية في لبنان الشيخ خضر الرشيدي: “أننا، كوننا لبنانيين، لا …