حوار في الثقافة والسياسة من إعداد الإعلامي.. د. وسام حمادة

 

في زمن العولمة والإعلام المرتهن وترسيخاً لمفاهيم الثقافة والمعرفة الراقية والتي تعيش غربتها القاتلة تعيد مجلة كواليس وموقعها الإلكتروني نشر لقاءات ثقافية وسياسية كان قد أعدّها وقدّمها لفضائية الإتحاد الإعلامي، د. وسام حمادة عبر برنامج 24 / 24

ولقاء العدد مع الوزير والنائب السابق وأمين عام رابطة الشغيلة ”  زاهر الخطيب “

 

  عنوان الحلقة: ” في النضال والسياسة  “

 

أغنية بعنوان:  “حرائق” 

كلمات الشاعرة:  ” مهى بيرقدار”

ألحان وغناء: ” د.وسام حمادة “

 

 

الأغنية:

 

كانت الدّنيا حرائق

والموتى أمسوا فيالق

كبُرَ الصّمتُ ……فاح الموت

ناحت أسوار الحدائق

كانت الدّنيا .. حرائق

بالقمح أُقسم .. والقمح بيادر

بالدّمع أُقسم .. والدّمع جواهر

هذا البيت بيتي .. لا أخشاه موتي

لا .. لن أغادر .. لن أغادر

يا دماءَ أهلي يا طهرَ السماء

علّميني كيف أمضي في درب الفداء

فوق الظهر ملحْ .. في الأعماق جرحٌ

لا ينام صبحاً ومساء

بالغار والليمون .. بألوان الزنابق

بالرفض والجنون… بأصوات البنادق

توشّحوا جميعاً .. تكفّنوا سريعاً

بأمجاد البيارق

لن نفارق …

 

 

– بحوارٍ جديد نلتقي بكم أعزائي، لنناقش في الثقافة ونحاور في السياسة، ولنسلّط الضوء على عالَمَين متناقضين، كان لهما الأثر الأكبر في حياة الإنسانية، تاركةً بصمتهما الدمويّة أحياناً، والإبداعية أحياناً أخرى على مسرح الحياة العامة.

وفرصة كبيرة أن تنشأ في بيت عروبي وطني يتعاطى السياسة وخدمة الناس، وهي فرصة كبيرة لشاب حمل حلم الأب وكافح من أجل تحقيق ذلك الحلم.

هو العنيد في مواقفه الوطنية، لا يُهادن، لا يُجامل في العلاقات مع الحرية وكرامة وطنه وأبناء شعبه، أحبَّ وعشق فلسطين القضية، ناضل وما زال يناضل من أجلها، وحين وقَّع المتخاذلون الإتفاق الأسود مع العدو الإسرائيلي في السابع عشر من أيار لعام 1983، كان ضيفي يُسجّل مع زميلٍ له موقفاً تاريخياً تحت قبة البرلمان اللبناني، برفضه الصريح للتوقيع المُذِلّ، ليحجز له مكاناً في صالون الشرف، ليُسجّل إسمه بأحرفٍ من العزّةِ على أنقى صفحات التاريخ المعاصر.

أُرّحبُ بضيفي العزيز أمين عام رابطة الشغيلة النائب والوزير السابق الأستاذ زاهر الخطيب.

ونستعرض سوياً هذا التقرير لنتعرّف أكثر من خلاله على شخصية ضيفي.

 

 

التقرير:

 

زاهر أنور الخطيب، هو ذلك، الذي، عهدناه منذ ثمانينيات القرن الماضي،  مقاتلاً في المجلس النيابي، يفضح حيتان المال، ويهاجم المتخاذلين، ذلك المدافع عن حقوق الشغيلة، محبّاً للثقافة، وقارئاً جيّداً في كُتب التاريخ.

ولا بدّ أن تعود بنا الذاكرة لنسترجع تاريخَ رجلٍ من أبرز المعارضين لاتّفاق السّابع عشر من أيّار.

من مواليد بلدة الشوف اللبنانية عام 1940 .

حاصلٌ على إجازةٍ في الحقوق من الجامعة اللبنانية عام 1964 .

شغل منصب المساعد القضائي قبل دخوله معترك السّياسة.

تولّى منصب وزارة الدولة للإصلاح الإداري، كما تولّى عضويّة المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء، ولجنة الشؤون الخارجيّة، ولجنة الإدارة والعدل، ولجنة النظام الداخلي وحقوق الإنسان .

لزاهر الخطيب مؤلّفاتٌ عدة .. أبرزها كتاب الفهم الثوري للدين والماركسية.

شارك الخطيب في مؤتمر الطائف وطرح فكرة المقاومة لتحرير لبنان من الاحتلال الصهيوني، كما شارك في العديد من المؤتمرات الوطنية والقومية والعالمية، لنصرة قضية فلسطين، وسائر القضايا العادلة لشعوب الأرض.

زاهر الخطيب رمز من رموز المقاومة الوطنية في لبنان.

 

 

– من جديد أهلاً وسهلاً بك أستاذ زاهر بهذا اللقاء الذي يحمل الكثير من الآمال والأحلام للناس البسطاء وللناس المثقّفين الحقيقيين، وللناس الخائفين على وطنٍ بالحدِّ الأدنى، وأنت من المثقّفين، ومن الذين خافوا، ويخافون على الوطن، ومن الناس الذين نذروا الكثير والجزء الأكبر من حياتهم من أجل رفعة وعزّة هذا الوطن.

في البداية سأطرح سؤالاً تقليدياً، كيف تكوّنت شخصيتك السياسية ؟ ونحن نعلم أن حضرتك من بيت سياسي مخضرم، الوالد (رحمه الله) قاضٍ ومحامٍ ونائب في البرلمان اللبناني من أوائل النواب تقريباً.

عَمِلَ في الشأن العام، وتدرّبت على يديه لخدمة الناس مُذ كنتَ محامياً مبتدئ ..

هل هذا البيت هو المحرّك، أو أنّه، كان هناك، رؤية خاصة بزاهر الخطيب نتيجة المطالعة، وأنت قارىءٌ نَهِمٍ في تلك المرحلة وما زلت بالطبع ..!!

كيف تَكَوّنت شخصية زاهر الخطيب ..؟

 

الضيف: معروف سواء في علم النفس أو في المجال التربوي أن أيّ تكَوُّنٍ لأيّ شخصية يأتي في سياق تراكم، وبالتالي النقاش والحوار والتكامل مع الوالد في القضايا الفكرية والسياسية والفلسفية كان دائماً حاضراً بيني وبينه، إذا كان هناك نقاش في الفلسفة، يكفي أن يقول لي .. مثل مَن تريد أن تُصبح أو تكون، كنت أجيبه أريد أن أصبح مثل أنور الخطيب، فكان يستنكر ذلك قائلاً .. إذا أردت أن تكون مثل أنور الخطيب فلن تصل، وحين أسأله لماذا ..؟ كان يُجيبني، لأن أنور الخطيب في مثل عمرك كان يريد أن يكون الرازي فأصبح أنور الخطيب، إذا أردت أن تصبح أنور الخطيب عليك أن تطمح لتكون أكبر وأكثر من أنور الخطيب، وهذه ترسخ في ذهني حتى هذه اللحظة، فإذا أراد أحدنا أن يُحقّقَ مستوىً معيّناً، ينبغي أن يستهدف ما هو أبعد من الهدف كي يصل إلى الهدف، وهذا مثل من الأمثلة.

أما بالقضايا السياسية، أنا أريد أن أصبح خطيباً مثلك، فكان ردّه هناك شرطان بسيطان لتصبح خطيباً.

أولاً: يجب أن تقول ما أنت صادق ومؤمن به ليُصدّقك من يسمعك.

ثانياً: لا يهم بعدها إذا تكلمت بالنحوي أو بالدارج فهذا ريمون أده يتكلم بالدارج، وجمال عبد الناصر معظم خطابه بالدارج، ولكن الناس حين يسمعونه يشعرون أن هذا الإنسان صادق لذلك يتأثّرون به، وهذان الشرطان هما الأساس، وهذه أيضاً راسخة في ذهني، فإذاً هذه مدرسة، وهذا في سياق التدريب الذي كنت أقوم به في المكتب، فالوالد كان قاضياً وبعدها استقال من القضاء ومارس المحاماة وترشّح إلى النيابة آنذاك.

كنت أقوم بعمل المذكَّرة وأحضرها له، ينظر إليها ويمسك بالقلم، يُشطّب على جزء كبير منها ويقول لي هذه زيادة، وإذا كنت تستطيع حذف أكبر عدد ممكن من الكلمات في العبارة وتحافظ على المعنى فهذا أفضل، وإذا استطعت أن تُنقص من الكلمة حرفاً أيضاً يكون الأفضل.

فالمطلوب أن تكون فصيحاً وبليغاً وموجزاً.

 

 

– عكس خطباء اليوم، إذ أنه يصعد إلى المنبر ويتمسّك به.

الضيف: أضف إلى ذلك أن الوالد واكب كقومي عربي، ولم يكن التزامه فقط بالنهج الناصري، فكان ميدانياً يقود المظاهرات على الأرض، يناصر الثورة الجزائرية وفلسطين وله ما له من الكلمات، أنا أذكر أنه في إحدى المحطات جاء الرئيس عبد الناصر إلى قصر الضيافة في سوريا، حينها اقترح الوالد أن يُشكًّل وفداً لزيارة سوريا تكريماً لقدوم جمال عبد الناصر إليها، آنذاك لم تأتِ موافقة من الحزب التقدمي الإشتراكي.

 

– الوالد كان عضواً منتسباً الى الحزب التقدمي الإشتراكي؟

 

الضيف: كان نائب الرئيس.

فتمرّد على القرار وشكّل وفداً وأخذه إلى سوريا وكان حاضراً.

 

– هذا التمرّد واضح من أين، فأنت أيضاً متمرّد ..

 

الضيف: يأتي عبد الحميد السرّاج ويهمس في أذنه قائلاً: أستاذ أنور نريد كلمة منك، ردّ عليه هذا ليس في حسابي، فأصرّ في طلبه، وقف الوالد ومشى على مهله وأخذ يفكّر بالكلمة التي سيقولها، في هذا الوقت وردتنا مكالمات هاتفية أن أنور سيتكلم، حينها لم يكن هناك تلفاز، كنّا نتابع عبر المذياع، وكان في بداية الكلمة وهي (حيّوا الزعيم الفرد، حيّوا قائد العرب الأمين، الفرد أصلح أمة فاهنأ زعيم المصلحين، في عنقك يا جمال وفي ذمتك أماني وآمال أمّتك، ويا زعيم العرب إن في العرب لَجوعاً وعطشاً للقائد المخلص الأمين، وأنت أنت وحدك أشبعت جوعهم ورويت عطشهم) فأنا تأثرت به وهذا المقطع توقفت عنده وحفظته حتى الآن.

كلّ هذا السلوك إذا أردت، معطوف على النزاهة وهو قاضٍ معروف بنزاهته، حتى أن أحدهم أتى إليه وأحضر معه بطاقة لا أعرف من أيّ إقطاعي، نظر الوالد إلى البطاقة ووضعها في الملف، وفي يوم الجلسة فتح الملف وأخرجها وقال لمن هذه البطاقة، تفضّل يا بُني هذه البطاقة خذها للذي أعطاك إيّاها وقل له أنا لا أقبل بطاقات، ثمّ عاد والتقطها ومزّقها على القوس.

هذا السلوك كم نحتاج إلى أمثاله، وكم نحتاج لهذا النوع من القضاء، فهناك حقوق للناس تضيع، وفي الوقت الراهن هناك قضاة ينتهكون القانون، ويضيع حقّ الناس على أيديهم، لأنّه هناك إعتبارات مُحدَّدة لها علاقة بالفساد.

 

 

– والبطاقة لها تأثير مباشر ..

 

الضيف: هناك بطاقة، وأحياناً ظرف، وفي داخله شيء ما، وأنا إذا حانت الساعة سأفضح هذه الأمور بالإسم.

 

– حماية هؤلاء الناس، هو جزءٌ من مسيرتك النضالية على كُلٍّ .. وإذا هذا الجسم القضائي مع الأسف تعرّض إلى هذا الكمّ من الفساد، قد يكون لدى البعض شائبة هنا أو هناك، ولكن إذا أصبح الفساد شكلاً عاماً يصل بالناس لعدم الثقة بالجسم القضائي، ويتمّ حينها ضرب آخر معقلٍ لحماية هذا المواطن من نفسه، وهي كارثة كبرى، لذا، واجب كلِّ فردٍ أن يساهم بفضح هذه التجاوزات؛ فالنتيجة أثرها ليس شخصيّ، بل هو عام وعلى كلّ المستويات.

 

الضيف: حين رجعنا من الطائف، وعندما جرى تعييني وزيراً للإصلاح الإداري، وضعت مشروعَ وثيقةٍ للإصلاح الإداري، تناولت فيها كلَّ مظاهر الفساد وكيفية معالجته، والمأساة أنه جرت في مجلس الوزراء موافقة على كلّ إقتراحات الحلول التي قدّمتها، ولكن، لم يُطبّق أيّ بندٍ من البنود، باستثناء بندٍ واحدٍ، وهو أنهم سمحوا للحزبيين أن يُمارسوا السياسة.

 

 

– يعني طبّقوا ما يتناسب معهم ..

 على كُلٍّ سنعود إلى الطائف، ونتكلّم عن مساهمتك فيه، ولكن أريد أن أُكمل الحديث عن الوالد.

هناك أمر في السيرة الذاتية يحمل تناقضاً، بمعنى أن الوالد ناصري، وكان ناصرياً بالهوُية والعقيدة والفكرة وأيضاً بالرومانسية، وهناك حادثة أودّ أن نرويها للمتابعين وأنا قد تأثّرت بها، رحم الله الوالد أنت رأيته مرتين يبكي، المرّة الأولى .. حين أمّم الراحل عبد الناصر القناة، وهذه كانت دموع الفرح، والمرّة الثانية .. حين توفّاه الباري، وكان مُعلناً لك مباشرة أنه لن يُطيلَ الإنتظار للقاء الحبيب، وكان ذلك صحيحاً وقد تمّ خلال أربعين يوم، رحمه الله.

كم كان مقدار هذه العلاقة الشفّافة بين المُحِبّ والحبيب، بين القائد ومن يؤمن بهذه القيادة، حقيقة نفتقدها اليوم ، اليوم لا يوجد هذا الإرتباط إلّا عند القِلّة القليلة.

لماذا فُقِد هذا الحسّ؟ وما هي الأسباب التي جعلت هذا المواطن “بالذات” في ظرف عقدين أو ثلاثة من الزّمن يفقد كلّ هذا الكَمّ من المشاعر الحقيقية اتّجاه القضايا الكبرى، اتّجاه الوطن وقضاياه الشخصية ..؟

كنّا، سابقاً نعتب على الناس لأنهم ابتعدوا عن القضايا العالمية إذا صحّ التعبير، وفي وقتٍ ما كنّا نعتصم ونُشعل الإطارات إذا كانت هناك مشكلة عند أحدٍ في أميركا اللاتينية، صغُرت الأحلام وأصبحنا نُشعل الإطارات إذا ما انزعج أحد في الجزائر، والآن تَضيق الأحلام وبتنا نُفكّر إذا كان من الضروري إشعال الإطارات لأجل مشكلة ما في الحيّ المجاور.

حُلمنا اليوم أن يعودَ الناس لقضية مركزية إسمها فلسطين، في الوقت الذي نرى فيه أن هذا الإحساس قد تغيّر تغيّراً رهيباً خلال فترة زمنية متواضعة جداً من عمر الزّمن، لا تتجاوز ال 25 أو 30 سنة، بحيث كان إنتقالاً رهيباً وكأنّه لم يُعمل على هذه القضية بالتثقيف ولا بالأحزاب ولا بأيّ شيء، وذهبنا إلى نِتاجٍ على المستوى اللبناني سُمّيَ – الطائف – ونتائجه طافت علينا، واليوم نراها في الشوارع اللبنانية قاطبة.

برأيك وحسب تجربتك أين الخلل، وأنت صاحب تجربة مخضرمة بعلاقتك مع الناس ومع الشباب وبخاصة أن حزبك من الأحزاب التي كانت فاعلة جداً في حركة الوعي الثقافي والثوري والوطني، وساهم حتّى على المستوى النضالي والأمني والعسكري.

أين أنتم اليوم ..؟

 

الضيف: بالنسبة للذي تفضّلت به وأشرت إليه، أين هو هذا الرابط الذي يجمع المواطن ويصل إلى حدِّ تقديس الشخصية.

 

 

– وهذه أزمة كلِّ الأحزاب.

 

الضيف: أساسها ما أوحته هذه الشخصية من صدق في الممارسة، يعني عندما يرى أنور الخطيب الرئيس جمال عبد الناصر ينصر ثورة فلسطين وثورة الجزائر ويُرسل جنوداً وضباطاً إلى اليمن ناصراً الثورة اليمنية ويستشهد مَن يستشهد في اليمن، ويقف الرئيس عبد الناصر أمام هذه الأمة ليقول – وهنا الزعامة التي افتُقدت اليوم – علناً لقد فقدنا كذا ضابط وكذا جندي شهيد، مثل هذا النموذج عند المواطن العربي يؤثر به، فالبنسبة له بات هذا الإنسان مجموعة من القيم ومن المبادىء، والدّم بالنسبة له أغلى من أيّ شيء، وبالتالي، عندما يقول ذلك، ارتبط هذا المواطن بهذا القائد وبهذا الزعيم.

نحن اليوم في ما يختص بالقضية الفلسطينية، من هو القائد الذي يرفع مستوى نصرة فلسطين سوى هذه الشمعة التي تُضيء اليوم ساحتنا، وهي شمعة المقاومة وقائدها سماحة السيد حsن نصرالله الذي حقّق لنا نصراً في العام 2000 ، وعزّز هذا النصر في العام 2006 ، وكلّ هذا النصر جاء اليوم ليتكامل مع حالة تؤكّد أنه لو لم يكن هناك مقاومة لكانت الساحة في لبنان أكثر سوءاً مما هي عليه، ولو لم يكن هناك مشاركة من قِبَل المقاومة مع الجيش العربي السوري، ومع سوريا دولةً وقيادةً وشعباً لكان الوضع في سوريا أسوأ مما هو عليه، وهذا لا أقوله أنا فقط بل يأتي بإقرار من دول عظمى تُفيد أن الخِطط والأداء والتقنية والممارسة الفدائية التي يقوم بها ح…ب الله إنما هي جديرة بأن تُدرّس في أرقى المعاهد العسكرية اليوم.

نحن، إذاً، أمام تحوّلات نوعية لصالحنا يندرج في إطارها معسكر، وهو المعسكر الصاعد، وهناك معسكر آخر، وهو المعسكر الآفل، المعسكر الصاعد هو معسكر إيران، ومعسكر المقاومة وسوريا وروسيا والصين – منظمة شنغهاي.

 

 

– ليس هناك شكٌ أنه توجد تحوّلات كبيرة في الخريطة السياسية أستاذ زاهر. ولكن أريد أن أعود معك إلى مرحلة تاريخية ويهمّني أن يعرفها الناس، وهي المرحلة التي تأثرت بها بأخيك المناضل الشهيد ظافر، وبالرغم من أنها لم تكن طويلة بسبب استشهاده مبكّراً، إنما لعبت دوراً كبيراً وأثّرت بشخصيتك السياسية.

فماذا تُخبرنا عن هذه المرحلة وبالأخص أن سؤالاً .. يطرح نفسه، أنت من بيت ناصري عروبي قومي، وفجأة رأينا أن رابطة الشغيلة تحمل الفكر الماركسي، وتُنظّر للفكر الماركسي حتى هذه اللحظة، هذا التناقض وبخاصة أننا نعرف أن مرحلة عبد الناصر كانت على خلاف مع الماركسيين في تلك الحقبة.

كيف استطعت أن تجمع ذلك، وبذات الوقت كنتم في الحزب التقدمي الإشتراكي لمدة ثلاث سنوات تقريباً أو أكثر؟

 

 الضيف: أشكرك كثيراً على هذا السؤال، فالذي دفعنا لإيجاد هذا الترابط أنا وظافر الذي كان على علاقة بالجبهة الشعبية أيام جورج حبش وكان قومياً، والفكر القومي كان سائداً هناك وجرى الإلتزام بالماركسية، طبعاً الماركسية كمنهج، والترابط الفكري الذي قام بين كلِّ مجموعة المؤلّفات التي خلّفها الوالد كتراث، ليس فقط المجموعة الدستورية التي هي ستة مجلدات، الأصول البرلمانية، الأهلية المدنية، حماية فاقدي الأهلية، ومنها النزعة الإشتراكية في الإسلام.

 

 

– هذا المؤلَّف للوالد ..؟

 

الضيف: نعم للوالد، وأنا تأثّرت بالنزعة الإشتراكية في الإسلام، وكنت أتداول هذا الموضوع مع ظافر، وأنه بالنهاية الفكر الإسلامي الصحيح ليس بعيداً عن الإشتراكية وعن نُصرة المُستضعَفين والمُعذَبين، وهذه مصطلحات كانت سائدة على لساني وعلى لسان كلِّ الذين نهضوا في تلك المرحلة، وباشرت من العام 1977 تقريباً بطرح مسألة عدم إدارة الظهر للديّن، لأن الديّن بذاته هو انعكاس لشقاء واحتجاج على هذا الشقاء، إذا توقف عند الإحتجاج يلعب دوراً سلبياً وكيدياً، وإذا احتجّ على هذا الشقاء لعب دوراً جهادياً، وبهذا المعنى، النزعة الإشتراكية في الإسلام تكاملت مع من جاء مثل عباس صالح ومثل كلّ هؤلاء الذين رؤوا في اليسار إنما التزام بحقوق المستضعَفين والفقراء، وبالتالي الجانب الذي ينصر المستضعَفين “أبو ذر الغفاري” وهو اليساري الأول في الإسلام، وفي كتاب الفهم الثوري للديّن، وجدت أنه راهن – الآن ومع انتشار الوباء التكفيري، أن نرى ما هو الفهم الصحيح للديّن للجم الإرهاب التكفيري ومواجهته.

 

 

– هذا أمر ضروري جداً ومطروح الآن ..

 

الضيف: هو مطروح الآن، وحين كنت أناقش مع ظافر ورفاقه، دائماً كان يُقال أن الماركسية إنما هي سلوكية، مذهب ديالي من (ديالكتيك) لأنه مصطلح جدلي قد يثير بعض الإلتباس، وهي أوضح ديالياً، وهذه واردة في “أين الخطأ” للشيخ “عبد الله العلايلي” .. وأنت قارىء وتعلم أنه تناول هذه القاعدة، وهي أنه حين يسبق الواو كسرة تتحوّل من داول يداول ديالاً، وتصبح ديالياً وهذا في اللغة، إذن، توقّفنا عند هذه المسألة، وفي العام 1977 كان أوّل كتاب –  الإسلام كيف يفهمه الماركسيون، لأنهم يفهمونه على طريقتين، وكيف يستغلّه الرجعيون، وأطلقت آنذاك مصطلح “المتمركسون” أي الذين لم يفهموا الماركسية، والمتأسلمون الذين لم يفهموا الإسلام، وبالتالي هناك منهم من لم يفهم الإسلام ولا الماركسية، أتينا لنرد الإعتبار للإسلام وللماركسية، لأنه كما يمكن أن تُغادر الماركسية معانقة الإنسان والعدالة الإجتماعية، كذلك قد يُغادر الديّن معانقة العدالة الإجتماعية والإنسان المقهور، ونصل إلى المشهد الذي نراه اليوم، فإذن، نحن تعمّقنا هنا بالفكر لنرد الإعتبار كرابطة شغيلة جرى تأسيسها، وكان ظافر وراء ضرورة الردّ في جريدة الحقيقة، أو الدّنيا على الشيوعيين الذين إلى حدٍّ ما ابتعدوا عن الماركسية، وأصبحوا ملتزمين أيديولوجياً بالإتحاد السوفياتي.

 

 

– لذلك ذهبتم إلى رابطة الشغيلة وليس إلى رابطة العمال ..؟

 

الضيف: رابطة الشغيلة على أساس عصبة الشغيلة، وهي العصبة الأولى التي أسّسها لينين، والشغيل هو الشغيل، والعامل الذهني مثلك ومثلي أو كالمهندس والطبيب، والعامل اليدوي مثل العامل الذي يمكن أن يكون منتمياً إلى نقابة، لذلك نحن لسنا نقابة، نحن حزب، قلنا رابطة الشغيلة، وكانت رابطة الشغيلة بهذا التوجّه الذي تناولنا فيه، يعني كيف نفهم الإسلام، كيف نفهم النظام البرلماني، كيف نفهم الديّن، وكلّ المقولات والقضايا التي ينبغي أن تُشكّلَ برنامجاً متكاملاً قرأناها ودرسناها، استكملنا دراستها وبدأنا التعبئة بهذا الإتجاه، لذلك نحن لم نُغادر أبداً موقف المستضعَفين والمعَذّبين، إلى حد أنْنا كنّا نبثّ الأناشيد الثورية الإيرانية إبّان الثورة الإيرانية عندما شُنّت الحرب عليها من العراق، حينها كنّا التنظيم الوحيد البعيد عن الإلتزام بما يُسمّى بالحركة الوطنية في مرحلة من المراحل، قلنا لا، الحركة الوطنية حركة إصلاحية وليست جذرية، لذلك كان لنا تحفُّظ على موقفها من النظام العراقي، والتزمنا الثورة الإيرانية، هذا الإلتزام ناجم عن فكر، وإيران كانت ما تزال في بداية انطلاقتها.

 

 

– سأعود لسؤال لفتني في موضوع البرلمان ورؤيتكم للبرلمان، برأيك هل هناك إمكانية للتغيير من داخل البرلمان في ظلّ نظام مثل النظام العربي أو تحديداً في لبنان؟ وهل هناك إمكانية حقيقية أن يُشارك زاهر الخطيب ومعه إثنين أو ثلاثة – لم يتحملهم البرلمان في كلّ الأحوال – ويساهموا في حركة تغيير أم أن هذه المسألة عصيّة ..؟

 

الضيف: أيضاً أُحييك على هذا السؤال، لأنه سؤال واكَبَنا مع بداية ترشيحي للإنتخابات النيابية وطُرحت عليّ هذه الأسئلة أكثر من مرّة، أنه لماذا لا تُغيّروا داخل المجلس، في كتاب الفهم الثوري للنضال البرلماني تناولنا كيف يفهم ماركس وإنجلز ولينين النضال البرلماني، الفقرة الأولى في الشرح عند الجميع أن النظام البرلماني هو نظام برجوازي، داخل النظام البرجوازي ليس هناك إمكانية للتغيير، وهذا لا يمنع من المشاركة في البرلمان على أساس فضح البرلمان والنضال مع الجماهير لإسقاط البرلمان كمؤسسة للبرجوازية.

 

 

– ولكن هل كان البديل على أهميته – مهيَّأ ..؟
الضيف: كنت دائماً أطرح طروحات لمشاركةٍ تُحقّقُ صحة التمثيل، بعد أن عُدنا من الطائف، كنت أنا من الذين جاهدوا وناضلوا وقاتلوا في الطائف، لأن هذا المجلس النيابي لا يُحقّق صحة التمثيل، فمعظم القوى الفاعلة هم خارج المجلس، المقاومة وحزب الله وحركة أمل خارج المجلس، لذلك لجأوا إلى التعيين، وبعد فترة استعجلوا تحديد موعد الإنتخابات النيابية، وكانت انتخابات ما بعد الطائف، وهي التي شاركتُ فيها بالانتخاب، بعدها أُلغيَ التعيين،  وكان نواب من حزب الله ومن حركة أمل، وهم كانوا يعرفون الشارع الحقيقي، ثمانين بالمئة أو أكثر، فإذن، هذه الحالة الإنتقالية التي حصلت، حين كنت أنا أو كان معي نجاح أو كان أيّ نائبٍ جذري (راديكالي) معنا، اثنين أو ثلاثة لا يستطيعون التغيير، أكثر ما يمكننا القيام به تمرير قانون، كم مرّة طعَنّا بالموازنة، وكنّا نتوسّل، لأن بالموازنة غير اقتراح القانون، بالموازنة يجب أن تُقدّم طعناً ويوقِّعَ عليه عشرة نواب، أما اقتراح القانون – ممكن – فقط نائب واحد أن يُقدّمه.

 

 

– ومن أين ستجد العشرة ..!!

 
ولأن الوقت شارف على الإنتهاء ومسيرة حياتك تحتاج إلى لقاءات وليس لقاء.

أستاذ زاهر هذه النقطة المضيئة التي لا تصحّ لكلّ الناس. أن يقطف أحدنا في الحياة نجمةً مثل نجمة عدم توقيعك أنت والصديق العزيز نجاح واكيم على إتفاقية الذُلّ كما سُمّيت في ذلك الوقت “17 أيار” ، في الوقت الذي وقّع فيه الجميع، وجاهر بهذا التوقيع تحت عناوين مختلفة.
من المؤكّد، كلاكما، يومها خرجتما عن السَرب، وكنتما مُهدَّدَين عملياً، فكلّ من لم يُوقّع عملياً، هو ذاهب إلى الإقصاء الجسدي، ومع ذلك استطعت أنت وزميلك نجاح أن تقطفا هذه النجمة، وُتسَجّل في التاريخ شاء من شاء وأبى من أبى ..

 

الضيف: أولاً، كنّا أمام خيارين إمّا السيء أو الأسوأ، وثانياً، إمّا أن توقّعوا أو يجري اغتيالكم.

 

– وكانت المسألة علناً ولم يخفوها ..

 

الضيف: دائماً قوّة الروح هي الأساس، قوّة الروح حين تقول لا وكلّ العالم ينتظر أن تقول نعم، أنا قلت لهم لا، قالوا معقول، أنت تريد مواجهة إسرائيل ..!!
أجبتهم سأقول لا .. وذاهبٌ إلى المجلس، وسأقف على درج المجلس.
هذه الروح القويّة عكست نفسها على الناس، لأنّه لو الجميع استسلم حينها كان انتهى الأمر.

وحين رُسِمَ الموقف بدأت تداعياتُهُ تصل إلى الآن، في هذه اللحظة .. د. وسام، يتكلم، عن إتفاق 17 أيار، معنى ذلك أن الموقف لم يمُتْ.

 

 

– أكيد وهذا أحد أهم المواقف ..

الضيف: معنى ذلك، أن هذا الموقف التاريخي، حين كانوا منتظرين أن تقول نعم، وقلت لا.

 

– لأنك من مُحبّي فلسطين، وكذلك السادة المتابعين إسمح لي أن أوجّهَ تحيةً متواضعةً لفلسطين من خلالك.

 

أغنية بعنوان: ” آتٍ من الجرح “

 

كلمات الشاعر: “سعيد الصباح”

 

ألحان وغناء: “د.وسام حمادة”

 

 

الأغنية:

 

آتٍ من الجرحِ أمْ من ثورةِ الغضبِ

 

تٌطهّر الأرضَ من غازٍ ومغتَصِبِ

يا قدس إنّا غدونا الحقدَ نزرعُهُ

فيطلع الفجر من عينيكِ والهدبِ

آهاتها قد غدت في الكون أغنيةً

تشدو لمجديْكِ يومَ الثأرِ فاقتربي

كالسيل يزخر والوثبات ترفدهُ

فيطرد الخوف من ركنيكِ فالتهبي

شمّ الأنوف فلا ضيم يؤرّقنا

نحطم القيد في الأرزاء والنُّوَبِ

 

 

– شكراً لضيفي العزيز الأستاذ زاهر الخطيب المناضل الجميل في الزّمن الجميل.

 

الضيف: وأوجّهُ أكبرَ تحيةٍ لكم وللإتحاد ولفريق العمل.

 

 

 

لمتابعة الحلقة الوزير والنائب السابق وأمين عام رابطة الشغيلة ”  زاهر الخطيب “

 

 

رابط صفحة اليوتيوب لبرامج ” د. وسام حمادة “

 

https://www.youtube.com/channel/UC0AuXJduId6PcXIkK9x1phw/videos

 

متابعة وإشراف: سهام طه

إعداد وتقديم: د. وسام حمادة

شاهد أيضاً

حاكم الشارقة يشهد إطلاق النسخة 16 من “جائزة اتصالات لكتاب الطفل”

الشارقة – من عمر الجروان المكتب الإعلامي لصاحب السمو حاكم الشارقة المكتب الإعلامي لحكومة الشارقة …