فلسفة الحياة في لوحة ” رحلة الحياة ” للرسّام العالمي

توماس كوول thomas cole ( 1801-1848)

بقلم الدكتورة بهية أحمد الطشم

بزغت الشمس بأوجّ سطوعها ,فتوجّت رؤوس الأشجار السّامقة بأكاليل ذهبية على جدول الأمنيات في رحلة الحياة كما رسمها توماس كوول ,فعلى ضفة نهر الحياة,وفي ظلّ الحدائق الغضّة والسّامقة ,حيث يتكلم كل شيء عن الجمال وبلغة البهاء : تتعانق الأغصان وتتمايل الورود ,و كما أنّ الطبيعة بأسرها تكرز بالقلوب.

فالحياة عبارة عن بحرٍ او نهر من التجارب والوقائع ,والتي ينبغي النظر اليها بروحٍ متفائلة,لكي تصبح ذات معنى في حيّز الأنطولوجيا,وتغدو كحديقة زاخرة بالفرص البهيّة,وبالرغم من أنّ المشقّات والمصاعب تكاد من سُنن الكون.

وكما تدور عقارب السّاعة في الزمان حول جميع الأرقام ,كذلك تدور بنا الحياة حول جميع الظروف,ولذا, يجب أن نُحسِن الدوران حول عقاربها….

ولعلّنا نستذكر في هذا السّياق قول للقمان الحكيم لابنه عندما  اختصر له الحياة بالعبارة التالية:” يا بني,كل انسان سيمرّ ,لا محالة, في حياته بثمانية ثنائيات ومراحل متباينة في حياته, وهي الأتية :

(الصحة والمرض, الغربة والاستقرار ,الحزن والفرح والغنى والفقر.)

وفي السّياق عينه,اعتبر فيلسوف الحدس برغسون   Bergson بأنّ:” الحياة سمفونية حالمة نعيشها ولا نستطيع تحديد كنهها.”

لقد خطّت ريشة  مؤسس مدرسة هندسون الفنية أيقونة ساحرة من الأنوار وتناغم الألوان التي تصف رحلة الانسان في الحياة,وكما قال الفيلسوف اليوناني هيرقليطس :”نحن لا ننزل ماء النهر مرتين”, كأدلّ دليل على الصيرورة المستمرة, والتي لا تنتظر هنيهة واحدة البتّة.

اذاً , تحتفي لوحة الرسّام بالطبيعة وألوانها ,وهو الذي تأثّر بعمل والده في النقثش, ثم قام بتدريس الفن بعد أن هاجر من انكلترا ( مكان ولادته) الى أمريكا ,وقام برسم المناظر الطبيعية الرومانسية بكل جدارة.

يسعى المسافر عبر القارب في رحلة الحياة التي  تجسدّها اللوحة للسيطرة على مصيره,ويدأب للوصول الى قصر أحلامه رمزاً الى المجد….

ويعبر الانسان (نجم اللوحة) ضفة نهر الحياة من براءة الطفولة الى مرحلة الشباب الزاخرة بالأمنيات قاصداً قصر أحلامه (البارز في أعلى اللوحة لجهة اليسار…)

وبالموازاة يبدو أديم السّماء متألّقاً بالأزرق الناصع ليتعانق الخيال والواقع في عالم الصّفاء السّاحر, وليُشرق وهج النور في أفق الأحلام….

اذاً تحتفي الأيقونة الاستثنائية بالطبيعة وألوانها ,وتجعلها نابضة بروح الحياة الحقّة,ويتوهّج الأصفر بالاشراق الأخّاذ.وتتسامق الأشجار الغضّة  ,ويسود اللون الأخضر سيادة عارمة في أرجاء اللوحة كآية صارخة على لدُن التفاؤل وعين الخير بذاته ولذِاته.

و المفارقة أنّه كلّما اقترب المسافر من هدفه ,انحرف التيار المضطرب عن مساره ,فالوصول الى الهدف المنشود محفوف بالشياطين والصعوبات والمآسي ,ولكنّ القارب يمخر عُباب النهر باستمرار في رحلة الحياة دونما نسيان لموطن الأحلام ويُجابه  كل أشكال الاضطراب ,ولعلّ المتأمّل في حنايا اللوحة يكتشف الكوّة المضيئة بين الغمام.

وفي الخلاصة نلتمس حكمة باهرة ألاوهي:أن ّ الحياة كناية عن مراحل متباينة ابّان الوجود:فالفرح مرحلة,والحزن ارهاصة,والمأزق اختبار لقدرة الذكاء….وماهيّة الحياة بأكملها هي أشبه بسلسلة لا تنفصم حلقاتها عن بعضها البعض….

والأهم هو تكامل الارادة وفن العيش في مراحل الحياة المتنوعة وترسيخ سِمة تجاوز الألم لصُنع الأمل كتاج لايروس الحياة المرجوّة بوجه اشكال التاناتوس .

شاهد أيضاً

المكارثية السياسية والأقفاص المغلقة!

د. بسام  أبو عبدالله تعرف المكارثية السياسة بأنها سلوك يقوم بتوجيه الاتهامات بالتآمر والخيانة دون …