افتراء الاسلام دين حرب

الكاتبة ليلى الدسوقي

السلام هو الاساس فى علاقات الامة الاسلامية بغيرها من الامم و ان الحرب هى الاستثناء او هى الضرورة التى لا يلجأ اليها الا عند مقتضياتها المشروعة كما يجب حصرها فى نطاق هذه المقتضيات دون التوسع فيها

قال الله تعالى مخاطباً رسوله ومبيناً له الغاية من إرساله {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} (الأنبياء، 107) وقد أرسل الله تعالى نبيه الخاتم برسالة الإسلام القائمة على مبادئ الرحمة والعدالة. والإسلام هو الاسم الذي اختاره الله لدينه، مشتقٌ من السلم، ومن معانيه إعطاء السلم والأمان, وكانت تحية المسلمين فيما بينهم السلام لتأكيد سماحة الإسلام ودعوته للسلم.

وقد كانت حياة النبي صلى الله عليه وسلم وأقواله وأفعاله تطبيقاً لرسالة القرآن الكريم الداعية لتحقيق السلم والتعارف والتعاون.

فالاسلام عقيدة عالمية و رسالة الهية تحمل الخير و السعادة لكل البشر على وجه الارض فقد كان من المتوقع ان يقاومه و يصد الناس عنه اشرار الارض و طغاتها فالتاريخ علمنا انه لم تسلم دعوة دينية من مقاومة الاشرار و الطغاة لها ووقوفهم بكل قوة فى طريقها و قد واجه الاسلام هذا الموقف فقد وقفت قريش بكل جبروتها و طغيانها موقف العداء السافر للاسلام و ظل الرسول ثلاث عشرة سنة فى مكة و هو يحاول جهده و بكل وسيلة ان يثنى قريشا عن طريق الاسلام فلم تستجيب

و اخيرا تامرت على حياته و اجبرته و اصحابه على ان يهاجروا من مكة الى يثرب (المدينة المنورة) و كان هذا غاية الظلم و الاضطهاد و لم تكتف بهذا بل استمرت فى اساليبها الاستفزازية للمسلمين فى مهاجرهم الجديد لذلك لم يكن امام المسلمين الا ان يواجهوا القوة بالقوة لان الدعوة بالحسنى هنا لا تجدى و ليس هذا مكانها فما دام الطغاة قد صموا اذانهم عن سماع صوت الحق فلا بد من معاملتهم باسلوب اخر يضع حداً لغطرستهم و جبروتهم و الواقع ان الرسول كان يتوقع هذا الموقف من قريش و غيرها و انه قد يضطر لاستخدام القوة لازالة العقبات من طريقه الا انه مع كل هذا ظل دائماً ينظر الى الحرب على انها ضرورة و لم يبحها الا عند مقتضياتها المشروعة

و مقتضيات الحرب او مسوغاتها المشروعة فى نظر الاسلام لا تخرج عن واحدة من ثلاث حالات :

الحالة الاولى الدفاع عن النفس (وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا ۚ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ ﴿١٩٠﴾‏ سورة البقرة

و الدفاع عن النفس عمل مشروع اقرته كافة الشرائع السماوية كما كفلته القوانين الوضعية

الحالة الثانية الدفاع عن المظلومين و هذا واجب على المسلمين (وَمَا لَكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَٰذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُها ) سورة النساء 75

فهذا عمل انسانى من الدرجة الاولى فنصرة المظلومين هدف اساسى من اهداف الاسلام

الحالة الثالثة الدفاع عن حرية نشر العقيدة و هذا هو واجب اصحاب العقيدة (وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّىٰ لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ ۚ سورة الانفال 39

و نقول الدفاع عن حرية نشر العقيدة لا لنشر العقيدة لان العقيدة فى حد ذاتها لا تحتاج الى القوة لنشرها اذا خلت الطريق امامها من العوائق و اذا ابتعد الطغاة عنها و تركوها تشق طريقها الى قلوب خلق الله فى حرية و امان

هذه هى الحالات التى يسوغ فيها الاسلام الحرب و يعتبرها عملا مشروعا و الله سبحانه و تعالى لم ياذن للمسلمين بالقتال الا بعد ان تعرضوا للظلم (الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِم بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَن يَقُولُوا رَبُّنَا الله سورة الحج 40

و التعبير فى الاية الكريمة بالفعل المضارع يقاتلون مبنيا للمجهول ذو دلالة كبيرة مقصودة فهو يدل على ان المسلمين تعرضوا فعلا للظلم و عندئذ كان لابد من رفع الظلم عنهم و لا سبيل الى ذلك امام طغيان اعدائهم الا حمل السلاح لرد العدوان و حتى وهم فى حالة الدفاع عن النفس فان القران الكريم يذكرهم بالا ينسوا ان القاعدة الاساسية فى علاقاتهم بالاخرين هى السلام و اذا اضطروا للحرب فيجب حصرها فى نطاق دواعيها فقط اى لرد العدوان دون زيادة من جانبهم او محاولة لتوسيع نطاقها و فى كل الحالات يجب عليهم مراعاة تقوى الله سبحانه و تعالى : ( فَمَنِ اعْتَدَىٰ عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَىٰ عَلَيْكُمْ ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ ﴿١٩٤﴾ سورة البقرة

و فوق هذا فان الله سبحانه و تعالى الذى يعلم دخائل النفوس البشرية ينبه المسلمين الى ناحية هامة و هى ناحية شعورية نفسية فقد يضايقهم تصرف شاذ و ظالم من اعدائهم و قد يحملهم هذا الشعور على التفكير فى العدوان على هؤلاء الاعداء و عندئذ يطالبهم الله تعالى بضبط النفس و كفها عن العدوان (وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَن صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَن تَعْتَدُوا ۘ وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَىٰ ۖ وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ ۚ وَاتَّقُوا اللَّه ) سورة المائدة 2

هل هناك ما هو اروع من هذا السلوك فى تنفير المسلمين من الحرب و دعوتهم الى كظم غيظهم و حصر الحرب فى اضيق نطاق

و حتى فى حالة الحرب فان القائد المسلم مدعو من الله سبحانه و تعالى الى تفاديها ما استطاع الى ذلك سبيلا فاذا لاحت امامه فرصة و لو ضئيلة لتحاشى الحرب و تحقيق السلام و لو بشىء من التضحية فيجب عليه الا يدع هذه الفرصة تفلت من يده و هذا هو موقف الرسول عام الحديبية ظهر حرص النبي على دفع حصول الحرب بكل وسيلة حيث قال “والله لا تدعوني قريش اليوم إلى خطة يسألوني فيها صلة الرحم إلا أعطيتهم إياها

فاذا أظهر العدو اى ميل الى السلام فعلى القائد المسلم ان يستجيب (وَإِن جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ ۚ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ﴿٦١﴾‏ سورة الانفال و مجىء هذه الاية الكريمة مباشرة بعد الاية التى تدعو المسلمين الى الاستعداد العسكرى القوى المؤثر الذى يرهب الاعداء و هى قوله تعالى (وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ ۚ وَمَا تُنفِقُوا مِن شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لَا تُظْلَمُونَ ﴿٦٠﴾سورة الانفال يدل على ان الاستعداد العسكرى لا يعنى بالضرورة الحرب بل قد تؤتى القوة ثمرتها دون ان تستخدم او قد يرهبها العدو و يلقى سلاحه و يجنح الى السلام و يكفى الله المؤمنين شر القتال هذا هو موقف الاسلام من الحرب فهى ضرورة و يجب ان تقف عند مقتضياتها المشروعة و يجب ان تبتعد عن اساليب التدمير و مراعاة اداب الحرب التى وضعها الاسلام و طبقها النبى و كانت نصائحه ووصاياه دائما لقواد حملاته الحربية تدور فى نطاقها فيحتم الاسلام على المسلمين الاعتناء بجرحى اعدائهم و مداواتهم و اطعامهم و يحرم الاجهاز عليهم او ايذائهم باى شكل من الاشكال

فالنبي لم يبادر لحرب قط، وكانت كل حروبه إما دفاعا عن النفس كما حصل في بدر وأحد والخندق، وإما هجوما استباقيا بعدما كان يتأكد من جهوزية عدوه لمهاجمته، كما حصل في خيبر وحنين وغيرهما، وأما فتح مكة فهو رجوعه لبلده التي أُخرج منها، وقد دخلها النبي صلى الله عليه وسلم سلما معطيا لأهلها الأمان ومعلنا عفوا عاما عنهم بالرغم ما ألم به بسبب أفعالهم، وكان ذلك سابقة تاريخية كانت مصدر إلهام لكثير من الاتفاقات الدولية الحديثة (ومثال ذلك اتفاقية جنيف وهي عبارة عن أربع اتفاقيات دولية تمت صياغة الأولى منها في1864  وأخيرتها في 1949 تتناول حماية حقوق الإنسان الأساسية في حالة الحرب، أي طريقة الاعتناء بالجرحى والمرضى وأسرى الحرب، وحماية المدنيين الموجودين في ساحة المعركة أو في منطقة محتلة إلى آخره )

فالاسلام مع اعترافه بالحرب الدفاعية و اعتبارها حربا مشروعة الا انه ميز تمييزا واضحا بين المقاتلين و غير المقاتلين فواجب الجيش المسلم الاتجاه بقوته لتحطيم مقاومة المقاتلين فعلا فى ميدان القتال اما من لم يباشر القتال بنفسه من الاعداء فليس لنا ان نقتله او نتعرض له و تعاليم النبى واضحة فى هذا الشان ” فالاطفال و الشيوخ و النساء و المرضى و المعتوهون بل حتى الفلاحون فى حرثهم و الرهبان فى معابدهم كل اولئك معصومون بحصانة القانون من اخطار الحرب ” و بلغ السمو الاسلامى الى درجة ان الاسلام لا يحرص على تجنيب المدنيين من الاعداء ويلات الحرب فحسب بل حرص على تجنيبهم مجرد الالم النفسى

فلقد مر بلال مؤذن الرسول بامراتين من نساء اليهود يوم خيبر على عدد من قتلى قومهما فتالمتا لذلك فلما علم النبى بما صنع بلال وبخه على ذلك و قال له : ” انزعت منك الرحمة يا بلال حين تمر بامراتين على قتلى رجالهما ”

و الاسلام لا يحرص على سلامة ارواح غير المقاتلين من الاعداء فحسب بل يوصى المقاتلين المسلمين بعدم التعرض للاهداف المدنية و ينهاهم عن التدمير و الهدم و التحريق لان الاسلام جاء ليبنى الحياة و يعمرها

و ها هى ذى وصية ابى بكر الصديق رضى الله عنه ليزيد بن ابى سفيان و هو متوجه الى ميدان القتال ” انك ستلقى اقواما زعموا انهم قد فرغوا انفسهم لله فى الصوامع فذرهم و ما فرغوا انفسهم له ..و لا تقتلن مولودا و لا امراة و لا شيخا كبيرا و لا تعقرن شجرا بدا ثمره و لا تحرقن نخلا و لا تقطعن كرما و لا تذبحن بقرة و لا ما سوى ذلك من المواشى الا لاكل ”

و من تعليمات النبى المتكررة الالتزام بالنظام و حسن السلوك و عدم السلب و النهب و عدم التمثيل بجثث القتلى

روى ابو ثعلبة الخشنى رضى الله عنه قال ” ان ناسا من اليهود يوم خيبر جاءوا الى رسول الله بعد تمام العهود فقالوا : ان حظائر لنا وقع فيها اصحابك فاخذوا منها بقلا و ثوما فامر رسول الله عبد الرحمن بن عوف رضى الله عنه فنادى فى الناس : ان رسول الله يقول ” لا احل لكم شيئا من اموال المعاهدين الا بحق ”

و قد صنع ذلك رسول الله مع يهود خيبر فقد كان من بين ما غنم المسلمون حين غزوا خيبر عدة صحائف من التوراة و قد طلب اليهود من النبى ان يسلمهم اياها فامر بتسليمها لهم ” و لم يصنع صنيع الرومان حين فتحوا اورشليم و احرقوا الكتب المقدسة و داسوها بارجلهم و لا هو صنع صنيع النصارى فى حروب اضطهاد اليهود فى الاندلس حين احرقوا كذلك صحف التوراة ”

و حرص ايضا الاسلام على حماية ارواح الاسرى من الاعداء و لم يبح ايذاءهم و لا حتى سرقاتهم و انما اباح باحد طريقين اما ان يمن عليهم قائد المسلمين بالحرية دون مقابل او بالفداء مقابل مال او عمل او بالمبادلة كما صنع الرسول مع اسرى مشركى بدر (حَتَّىٰ إِذَا أَثْخَنتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً حَتَّىٰ تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا ۚ ذَٰلِكَ وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَانتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَٰكِن لِّيَبْلُوَ بَعْضَكُم بِبَعْضٍ ۗ وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَن يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ ﴿٤﴾ سورة محمد

و لكن لا ننكر ان المسلمين كانوا يسترقون بعض الاسرى فى بعض الاحيان من قبيل معاملة الاعداء بالمثل لانهم كانوا يسترقون اسرى المسلمين و لا ننكر انهم كانوا فى بعض الاحيان يقتلون بعض الاسرى و لكن ليس لانهم اسرى و انما من اجل جرائم خاصة خطيرة ارتكبوها فى حق المسلمين و ذلك كامر الرسول بقتل عقبة بن ابى معيط و النضر بن الحارث من اسرى بدر و تاريخهما فى ايذاء الرسول و المسلمين معروف

اين هذا السلوك الانسانى فى معاملة الاسرى من المصير المؤلم الذى يلاقيه اسرى الحروب فى هذا العصر الحديث الذى يدعى اهله بالتحضر  و الاعمال الهمجية التى صاحبت الحروب الاستعمارية الاوروبية التى تاتى على الاخضر و اليابس و لا تفرق بين هدف عسكرى و هدف مدنى و لم ينج منها شيخ كبير و لا طفل صغير و لا امراة          و لا زالت بشائع الحرب العالمية الثانية ماثلة امام اعيننا باثارها التدميرية هيروشيما و نجازاكى و لكن تلك حروب استعمارية دفع اليها الحقد و التنافس و الصراع بين الدول الاوروبية على تقسيم المستعمرات و مناطق النفوذ و الاستيلاء على المواد الخام و الاسواق و امتصاص دماء الشعوب

اما الحرب المشروعة من وجهة نظر الاسلام فهى بريئة من كل تلك الشرور لانها حرب لها هدف انسانى فلا يمكن ان تعمل على ابادة الانسانية لان الاسلام ضد الحرب التى تشن بهدف التوسع و الاستغلال و الحصول على مناطق النفوذ

خلاصة القول: أن السلام هو الأصل في علاقة المسلمين بغيرهم، وأن الجهاد ( الحرب) شرع لأجل الحفاظ على السلام من اعتداء الظالمين على الضعفاء، ولهذا جاء الإسلام وسطا، فلم يجعل الحرب أصلا، ولكنه لم يكن يوما ما دين ذل وهوان، بل دين قوة وعزة، {وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ} سورة الحديد: 25

صلى عليك الله يا علم الهدى *** واستبشرت بقدومك الأيامُ
هتفت لك الأرواح من أشواقها *** وازينــت بحديثك الأقلامُ

شاهد أيضاً

البرياني الهندي (حيدر آباد) بالدجاج

في طنجره نسخن ملعقه زيت نضيف ورقتين غار -4حبات هيل-2قرنفل-عود قرفه صغير نشوح البهارات الحب …