ألبكاء السياسي والدمعة السخية

د.ليون سيوفي ، باحث وكاتب سياسي

لا يمر وقت قليل إلا ونشاهد رئيساً أو سياسياً أو سيداً أو شيخاً أو راهباً وحتى نائباً ووزيراً يشهقون بالبكاء وكأن البكاء أصبح وسيلة من وسائل إثارة القضية لأنه يدعو الناس إلى التساؤل عن الأمر الذي يجعل شخصاً مثله يبكي أمام الاعلام..
علماً يقال وأنا لا أوافق على هذا القول إنّ البكاء من شيم الإبطال، وأترك لكم الحرية بتسميته كما تشاؤون ..
فالتماسيح أيضاً تذرف الدموع وهي تلتهم فريستها، هل علينا أن نحزن عليها وهي ظاهرة استقبلها العلماء بتفسير علمي استند على أن التمساح يحرك فمه بقوة أثناء التهام ضحيته، فيتحرك الهواء في الجيوب الأنفية ليصب الدموع في عيونه ..
تقول الأسطورة إن الإمبراطور الروماني نيرون أحرق روما، وظلت النيران مشتعلة فيها خمسة أيام وهو يغني ملحمة من أسطورة يونانية وعيناه مغرورقة بالدموع، ومن قبلها قتل أمه وزوجته ومُعلمه، وبعد كل جريمة يرتكبها كان يبكي، إلا أن الشعب الروماني لم ينخدع بدموع “نيرون” فعزله وحكم عليه بالموت ضربا بالعصي
ومن روما أيضا يذكرنا “شكسبير” بشخصية “بروتس” الصديق المقرب للإمبراطور الروماني يوليوس قيصر والذي اشترك في مؤامرة لقتله في خسة لم يغفلها التاريخ أصابت قيصر بخيبة أمل وصدمة من صديقه، عبر عنها شكسبير في مسرحيته بعبارة جاءت على لسان يوليوس قيصر، وهو يحتضر: “حتى أنت يا بروتس”، ومات قيصر وبكاه بروتس أشد البكاء بدموع مثل دموع التماسيح أثناء افتراس ضحاياها..
وكم من سياسي بكى بعد جريمته ليشفق الشعب عليه ..كما قال أحد الحكماء: “لا تنظر إلى ما يرتسم على الوجوه ولا تستمع إلى ما تقوله الألسن ولا تلتفت إلى الدموع فكل هذا هو جلد الإنسان، والإنسان يغير جلده كل يوم ولكن أبحث عما هو تحت الجلد”.
ليست كل الدموع دموع تماسيح، وليست كل الدموع دموع إنسانية مرهفة .. ألحس والفرق دائما تعرفة بالمحتوى والسياسات والنتائج وخاصة لو كانت دموع حاكم يذرفها بكثرة مبالغ فيها أمام شعبه.
كفاكم زرفاً لدموع الخبث فالشعب لم يعد غبياً وقد صحا ولو متأخراً فلن يشفق عليكم بعد اليوم ولو رفعتم له العشرة بعدما أوصلتموه إلى الحضيض ، وعوضاً عن التمثيليات والبكاء أعيدوا له أمواله التي نهبتموها ، أعيدوا له كرامته التي سلبتموها منه قبل أن تبكوا عندما سيحاكمكم الشعب ولن يسامحكم وهذا اليوم لن يكون ببعيد…