هل تسعى روسيا لفرض مشروع دستورها الرّوسيّ على لجنة مناقشة الدّستور في جنيف ؟!.

 

تسعى روسيا من خلال دبلوماسيّتها أن تضع أسساً استراتيجيّة للعمل لدى الجانب السّوريّ ، ولعلّ ذلك ما بدا واضحاً في جوانبَ كثيرةٍ منذ أن تدخّلت لحلّ الأزمة السّوريّة ، فوضعت مسودة مشروع روسيّ لسورية ، وقد سبق لي أن كتبتُ مقالاً منشور في موقع ( الحدث اليوم ) بتاريخ 29/5/2018 م ، تحت عنوان : ” رأي في مشروع الدّستور الرّوسيّ .. وما دور أبناء سورية في صياغته ؟! ” ، ويأمل السّيّد سيرغي لافروف وزير الخارجيّة الرّوسيّ عقد جلسة أو جولة جديدة من اجتماعات مناقشة الدّستور السّوريّ في جنيف قريباً ، وإنّي أرى أنّ روسيا تسعى لتمرير مشروعها ليغدو بلسان سوريّ ، والمشروع الرّوسيّ لدستور الجمهورية العربيّة السّوريّة يمثّل مخطّطاً استراتيجيّاً من وجهة نظر روسيا وأمريكا لسورية ، وإن صدر كمشروع باسم الجانب الرّوسيّ ، وينطوي على تعديلات جوهريّة ومواد جديدة تختلف عن الدّستور الحالي الذي يسري مفعوله في سورية من شباط 2012 ، فهو يسعى لتغيير اسم الجمهورية العربيّة السّوريّة بإلغاء العربيّة منها وبالتّالي تغيير الهويّة العربيّة السّوريّة بالمعنى الاصطلاحيّ لا البطاقة الشّخصيّة أي تغيير المادة الأولى من دستور 2012، وإلغاء ديانة رئيس الجمهوريّة بتغيير المادة الثّالثة منه ، كما يسعى لنزع معظم صلاحيات رئاسة الجمهوريّة إن كانت تشريعيّة أو تنفيذيّة ويكون دوره وسيطاً بين الشّعب والدّولة ، وتخضع له القوّات المسلّحة ويتولّى مهمّات القائد الأعلى للقوّات المسلّحة … وفي حال العدوان أو الخطر بالعدوان يحقّ له اتّخاذ الإجراءات للتّصدّي له ، ويبلّغ بها جمعيتي الشّعب والمناطق ، ويحقّ له إعلان التّعبئة العامة ، ويقوم بطرح إعلانها على جمعية المناطق للموافقة عليها ، كما يحقّ له إعلان حالة الطّوارئ بعد موافقة مسبقة من جمعية المناطق والتي تتولّى مهمّات رئيس الجمهورية في حال أصبح موقع الرّئاسة شاغراً بعد إثبات عجز رئيس مجلس الوزراء عن ذلك أيضاً .
ومشروع الدّستور الرّوسيّ يسعى لتحويل سورية إلى دولة فيدراليّة يتمّ رسم حدودها وفق اعتباراتٍ عرقيّة وطائفيّة وعزل سورية عن المكوّن العربيّ وعدم انخراط الجيش العربيّ السّوريّ في أيّة حروب خارجيّة ، ويلفت المشروع الرّوسيّ إلى أنّ القوّات المسلّحة تكون تحت الرّقابة من قبل المجتمع ولا تتدخّل في مجال المصالح السّياسيّة ولا تؤدّي دوراً في عملية انتقال السّلطة ، ويحرّم تنظيم أعمال عسكريّة أو ذات طابع عسكريّ خارج سلطة الدّولة ، ولعلّ دستور 2012 قد جعل دور الجيش والقوّات المسلّحة متمثّلاً في ” الدّفاع عن سلامة أرض الوطن وسيادته الإقليميّة ” ، وفق المادة ( 11 ) منه ، ومنح إدارات المناطق صلاحيات ضمن إطار اعتماد اللامركزيّة كأساس لنظام الحكم ، وتكفل مشاركة ممثلّي الوحدات الإداريّة في العمل التّشريعيّ وإدارة البلد ، وتتكوّن من “ممثلّي الوحدات الإداريّة ، وينعقد مجلسها على نحو منفرد عن ” جمعيّة الشّعب ” أي مجلس الشّعب حاليّاً ، ويجوز لها عقد جلسة عامة للانتخاب والاستماع إلى رئيس الوزراء أو رئيس الجمهورية أو قيادات الدّول الأجنبية ، ولها الحقّ في وضع نظامها الدّاخليّ ، ووردت فيه مادة جديدة مفادها ” تستخدم أجهزة الحكم الذّاتي الثّقافي الكرديّ ومنظّماته اللغتين العربيّة والكرديّة كلغتين متساويتين “، كما يحق لكل منطقة وفقاً للقانون أن تستخدم بالإضافة إلى اللغة الرسمية لغة أكثرية السّكان إن كان موافقاً عليها في ” الاستفتاء المحلي ” ، وهذا ما يتمّ السّعي لفرضه حاليّاً ضمن إطار ما يُطلَق عليه منطقة الحكم الذّاتيّ رغم إظهار حالة لا مبالاة أو عدم الاكتراث .
ويسعى أيضاً لإسقاط مجلس الشّعب واستبداله بجمعية الشّعب ومنحه صلاحيات واسعة منها : تعيين أعضاء المحكمة الدّستوريّة العليا ( وهي من صلاحيات الرّئيس في الدّستور الحاليّ ) ، وتعيين رئيس ” البنك الوطنيّ ” بعد تغيير اسم ” البنك المركزيّ ” وإقالته من المنصب ، كذلك ألغى المشروع الرّوسيّ التّقسيم السّائد لعضوية مجلس الشّعب : والذي كان ممثَّلاً من نصف الأعضاء من فئة العمال والفلاحين ، والنّصف الآخر من باقي الفئات ، كما يعمل على إسقاط القسَم الدّستوريّ المتعلّق بــــــ “العمل على تحقيق العدالة الاجتماعيّة ووحدة الأمّة العربيّة”، ليستبدله بنزوع أوضح نحو الاقتصاد الحرّ و”الوطنيّة” بعد استبعاد كلّ ماله علاقة بالقوميّة العربيّة ، ومن ضمن التّغييرات في تغيير القسَم أن يصبح :
” أقسم أن ألتزم بدستور البلاد وقوانينها ، وأن أحترم وأحمي حقوق وحرّيّات الإنسان والمواطن ، وأن أدافع عن سيادة الوطن واستقلاله وسلامة أرضه ، وأن أتصرّف دائماً وفقاً لمصالح الشّعب ” .
ومنحَ المشروعُ صلاحياتٍ أوسعَ لمجلس الوزراء ، فعليه مسؤولية سياسيّة عن أعماله أمام رئيس الجمهوريّة وجمعية المناطق ، وإنّ تعيين مناصب نواب رئيس مجلس الوزراء والوزراء يكون ” تمسّكاً بالتّمثيل النّسبيّ لجميع الأطياف الطّائفيّة والقوميّة لسكان سورية ، وتُحجز بعض المناصب للأقلّيات القوميّة والطّائفيّة “.
وضمّ المشروع الرّوسيّ مصطلح ” المنظّمة الدّينيّة ” ، إذ تفيد إحدى المواد أنّ الأديان والمنظّمات الدّينيّة متساوية أمام القانون ، وكذلك مصطلح “المنظّمة الاجتماعيّة “، فذكر ” لا يجوز لأيّ مجموعة أو منظّمة اجتماعيّة أو شخص استملاك صلاحية ممارسة السّلطة ” ، وإنّ الجمعيات الاجتماعيّة متساوية أمام القانون أيضاً .

وما إن يتحدّث المرء عن الدّستور الذي صاغته روسيا ، وهو مشروع حتّى الآن ، إلّا ويتبادر للذّهن ويستذكر المرء ما كان يُقال على ألسنة الأصدقاء والأعداء على حدٍّ سواء عن تقسيم سورية ، إن كان في مناطق تخفيف التّوتر _ كما سُمّيت_ أو في الدّستور الذي روّجت له روسيا ، وهو يقوم على تقسيمٍ لمناطقَ تحت مسمّى الفيدرالية .
ولعلّ من أولئك الذين أشاروا للتّقسيم الرّئيس الرّوسيّ فلاديمير بوتين عندما تخوّف من تقسيم سورية أمام مديري الإعلام والوكالات العالميّة بتاريخ ١/٦/٢٠١٧ :
” نقيم الآن مناطق خفض التّصعيد وهناك تخوّف محدود من احتمال تحوّل تلك المناطق إلى نماذج لتقسيم البلاد في المستقبل”.
ومنهم سيرغي رياباكوف بتاريخ ٢/٣/٢٠١٦ نائب وزير خارجية روسيا فقال :
” لن تقف روسيا ضدّ فكرة إنشاء دولة فيدرالية في سورية ، ولابدّ من وضع معايير محدّدة للهيكليّة السّياسيّة في سورية في المستقبل تعتمد على الحفاظ على وحدة أراضي البلاد في ذلك إنشاء جمهورية فيدرالية خلال المفاوضات ” .
وقال جون كيري وزير خارجية أمريكا الأسبق بتاريخ ٢/٤/٢٠١٦ : ” ربّما يكون من الصّعب إبقاء سورية موحّدة إذا استغرق إنهاء القتال فيها مدّة أطول “.
ويأتي مركز أبحاث الأمن القوميّ الصّهيونيّ الذي دعا في ٤/٤ حكومة بنيامين نتنياهو إلى دعم المخطّطات الرّوسيّة لتقسيم سورية تحت غطاء الفيدراليّة ، وهو يؤكّد ما جاء على ألسنة أولئك السّاسة في الغرب حول دعم روسيا إقامة فيدرالية سورية ، وقبل ذلك أكّدتْ وثيقة نيون أو ما يُعرف بوثيقة نيون عام ١٩٨٢ ضرورة تقسيم سورية وغيرها من الدّول العربية .
والأقوال السّابقة تتماشى ولا تتعارض مع ما جاء على ألسنة بعض الأطراف المتنازعة في سورية ومنهم إبراهيم برّو رئيس المجلس الوطني الكرديّ بتاريخ ١٣/٣/٢٠١٦ , فقال :
” إنّ الفيدرالية لا تعني تقسيم سورية ، وإنّ المبعوث الأمميّ ستيفان ديمستورا السّابق ووزراء خارجية أمريكا وروسيا والدّول الأوربيّة يؤكّدون على ضرورة إقامة نظام فيدراليّ في سورية ، وسورية على أبواب التّقسيم بالفعل “.
وكانت مناطق تخفيف التّوتّر بمثابة ولادة لدول عديدة لاحقة بعد تقسيم سورية ، وهذا تطبيق عمليّ لما جاء على ألسنة الغرب ومخطّطاتهم ، وما قاله بعض السّوريين ، وكان الوفد الرّسميّ السّوريّ مشاركاً في مؤتمر جنيف وأستانة ، وبالتّالي : اتّفقت الأطراف جميعها على ضرورة التّقسيم وإقامة النّظام الفيدراليّ ، وإن لم يكن الآن مباشرة لكنّه سيقع ، وسيتمّ عبر الدّستور الذي أعدّته روسيا سابقاً والذي تعمل الأطراف السّوريّة على نفيه أو عدم القبول به ، وسيتمّ طرحه للاستفتاء غالباً ، وقد أوصلت معظم الأطراف الشّعبَ للقبول بأيّ شيء من أجل وقف نزيف الدّم بما في ذلك التّقسيم والنّظام الفيدراليّ ، ليظهر على أنّه نصر وقضاء على الإرهاب مقابل التّقسيم ، وإلّا ما معنى أن تتّفق روسيا وإيران وتركيا بتاريخ ٤/٥/2٠١٧ على إقامة مناطق خفض التّصعيد ، ويتمّ نشر وحدات من الدّول الآنفة الذّكر لحفظ الأمن في أربع مناطق سوريّة ، وما معنى قوّات حفظ الأمن والفصل في دولة واحدة ؟ وهل تُنشَر في دولة واحدة موحّدة ؟!.
ولم تتمّ مناقشة مناطق تخفيف التّوتّر ومشروع الدّستور الرّوسيّ إلّا مع بعض الأطراف ، كما لم تتمّ مناقشته مع قوى المعارضة الوطنيّة الدّاخليّة التي ترفض التّقسيم بأيّة صورة وبمختلف أشكاله ، كونها تلتزم بالثّوابت الوطنيّة لتبقى سورية واحدة موحّدة تحت راية العلم الذي أقرّه الدّستور الحالي ، وهو علم الجمهوريّة العربيّة السّوريّة ذو الألوان المعروفة ، وقد عملت مختلف القوى وليس كلّها على تقسيم سورية على أسس طائفيّة وعرقيّة ، ليجعلوا من عملية التّقسيم _ ليس لسورية فحسب _ نتاجاً للرّبيع العربيّ المزعوم ، وهم يطبّقون وينفّذون تصريحات الصّهاينة ومخطّطاتهم ، ومن ذلك ما قاله وزير الحرب الصّهيونيّ السّابق موشي يعلون في ميونخ :
” سورية التي نعرفها لن تكون موحّدة في المستقبل القريب ” ، ووصف مدير عام وزارة المخابرات الصّهيونيّة رام بن باراك ” تقسيم سورية بأنّه الحلّ الممكن الوحيد لسورية ” ، وقد قسّمها وفق الطّابع الطّائفيّ ؛ ومن الأهمّيّة بمكان أن نشير إلى الصّهيونيّ ديفيد بن غوريون ، وما قاله عن قوّة الصّهاينة وتقسيم الدّول المحيطة بهم فقال :
” قوّتنا ليس في سلاحنا النّووي ، بل قوّتنا في تفتيت ثلاث دول كبيرة تحيط بنا : العراق وسورية ومصر إلى دويلات متناحرة على أسس دينيّة وطائفيّة ، ونحن هنا لا نعتمد على ذكائنا بل نعتمد على جهل وغباء الطّرف الآخر “.

والسّؤال : أين إعلامنا من تحليل هذا المخطّط ومشروع الدّستور وما يحمله قول الصّهيونيّ بن غوريون وإظهاره للشّعب العربيّ السّوريّ ، وبيان خطورته ؟! .

ونرى نتيجة ذلك أنّ عملية التّقسيم إلى فيدراليّاتٍ هي مخطّط صهيونيّ وبتنفيذ روسيّ أمريكيّ وللأسف بتوافق سوريّ سوريّ ، وجاء على لسان وزير الخارجية الأمريكيّ الأسبق جون كيري من موسكو قوله : ” اتفقنا و الجانب الرّوسيّ على جدول زمنيّ لتأسيس إطار عمل للانتقال السّياسيّ فضلاً عن مسودة دستور” ، فرح كثيرون به ، وهلّلوا له من اجتماعات أستانة وتغنّوا بمجده في مؤتمر جنيف الأخير ، رغم الإلحاح على ضرورة محاربة الإرهاب والقضاء عليه ، وبرأيي :
فإنّنا في سورية نرفض التّقسيم جملة وتفصيلاً ونرفض مشروع الدّستور ، ولن نتغنّى به كما تغنّى به غيرنا ، ومثّل الجهة التي حضر باسمها ممثّلاً لها ، ولن نقبل بأي دستور لا يحفظ أمن وسلامة ووحدة الأراضي العربيّة السّوريّة .

الباحث والمحلّل السّيّاسيّ : أ. نبيل أحمد صافية
وعضو اللجنة الإعلاميّة لمؤتمر الحوار الوطنيّ في سورية

شاهد أيضاً

*قتل زوجته بطلقين نارييَن بسبب خلاف بينهما، وقطّعها بمنشارٍ كهربائي ودفـنها في حديقة المنزل وشعبة المعلومات أوقفته وضبطت سلاح الجـريمة.

  2024-04-20 صــدر عــــن المديريّـة العـامّـة لقــوى الأمــن الـدّاخلي ـ شعبة العـلاقـات العـامّـة البــــــلاغ التّالــــــي: …