المايسترو اللبناني أندريه الحاج للميادين نت: الأزمة الاقتصادية تنعكس دماراً نفسياً!

على وقع الأزمة اللبنانية، يتحدث المايسترو أندريه الحاج للميادين نت عن المشاكل التي يواجهها فريق الأوركسترا الوطنية وحجم الإحباط والدمار النفسي، وكذلك الأمر بالنسبة إلى الكونسرفتوار الوطني والعاملين فيه، فماذا قال؟

في ظلّ الوضع الدقيق والخطير للبنان الذي ينهار تِباعاً على الصعُد كافة، يتأزّم الشعب بمعظمه بشكلٍ دراماتيكيّ أكثر فأكثر، وتعتريه يوماً بعد يوم الهواجِس المُتزايدة.

وبعدما لامست الأوضاع المُتفاقِمة الحضيض وبات البلد قاب قوسين أو أدنى من انفجارٍ اجتماعي مُتوقَّع، لا تبدو النُخب الثقافية والفنية بمنأى عن الهمّ اليوميّ الكبير الذي يُعاني منه المواطنون اللبنانيون، إضافةً إلى الخشية المُدوّية لدى الأكثرية من شبح المجهول. 

التقت الميادين الثقافية المايسترو أندريه الحاج قائد “الأوركسترا الوطنية اللبنانية للموسيقى الشرق- عربية”، وسألته عن آفاق وكيفيّة استمرار الرسالة الموسيقية والفنية في واقعٍ مُهترىء، وعن الرؤية الخاصة بالمرحلة المقبلة، والمُعاناة التي تُهلِكُ الموسيقيين والعازفين بوصفهم جزءاً من الناس… إضافةً إلى المرور سريعاً بوَمَضاتٍ صارت تُشكّل بؤرَ ضوءٍ وسط هذه الحُلْكة الجسيمة. 

الجدير ذِكره أنّ الأوركسترا الشرق- عربية تُمثّل وتحمل الهوية الموسيقية الوطنية اللبنانية أولاً والعربية ثانياً وهي مُنفتحة على العالم، ومن غير الطبيعي ألاّ تُواجه التحدياتٍ والصعاب في مرحلةٍ شائكة. هذا عِلماً بأنها كانت تضمّ في البداية 40 عازفاً تقريباً، وبعد ذلك بلغ عدد الموسيقيين فيها 58، ويطرأ تعديلٌ على العدد بحسب الحاجة أو الظروف. 

يؤكِّد الحاج أنّ الوجع كبيرٌ ويُضيف في حديثه مع الميادين الثقافية إن: “أهل الموسيقى في ظروفٍ مُشابهة هم أوّل مَن يتأثّر وآخِر مَن يعود ليتفاعل”.

ويُفسِّر حال الموسيقى راهناً في لبنان بالقول: “إنّ الموسيقى مُتوقّفة لأنّ الناس في مكانٍ آخر”، ويُضيف بغصّةٍ: “راتب الموسيقي كان يتراوح بين 1000 و1200 دولار، ثم فجأة وبسحر ساحرٍ صار يُعادل مليوني ليرة تقريباً فقط لا غير، ما أثّر عليه سلباً وبشكلٍ قوي. هذا عِلماً بأنّ اعتماد الموسيقي لا يقتصر على الأوركسترا لحُسن الحظ”

في هذا الإطار يوضح الموسيقار اللبناني أنه يتحدّث عن الأوركسترا العربية لا الغربية التي يتبدّى تأثُّرها بالأوضاع بشكلٍ أكثر سوءاً، ويقول: “يحاول أعضاء الأوركسترا أن يعيشوا كما يعيش كل الناس. الوضع المالي وغير المالي ينعكس دماراً نفسياً وإحباطاً اليوم على الموسيقيين في كل التفاصيل، ومنها تمارين الموسيقي في بيته، ونتساءل عن إحساسه فيه، إنْ كان مُتزوّجاً أم عازباً، لا سيما أنّ آفاقاً ممتازةً كانت مرسومة أمامه قبل الآن لأنّ اعتماده كان على الأوركسترا وعلى العمل خارج الوطن. أما حالياً، فليس هناك من عملٍ خارج الوطن، وإذا توافر عملٌ إضافيٌّ للموسيقي ضمن نطاق بلدنا فقد أصبح بالعملة المحلية. اليوم يسود الإحباط بعد كل ما قدّمته الأوركسترا منذ العام 2000 حين تأسَّستْ على يد الدكتور وليد غلمية، ثم بدءاً من العام 2011 حين تسلّمتُ قيادتها، والموسيقيون يعتبرون أنّ الأوركسترا نجحت بحضورهم في العام 2011. اللبنانيون جميعهم ينتظرون الحل ونحن كذلك. الموسيقي يُشبه أيّ عامل، مع فارق أنّ الموسيقي فنّانٌ وحسّاسٌ وحساسيّته أعلى في الجانب الفني، وقد كان يتسلّحُ بحلمٍ وطموحٍ لم يعودا موجودين”.  

وعن نشاطاتهم – شاكراً وزير الثقافة- يَذُكُر أندريه الحاج الأمسية التي أحياها في عيد الموسيقى في المتحف الوطني برفقة عددٍ من العازفين وقد أصرّ على أن تكون الحفلة بلا إيقاعٍ لأنّ الوجع المعيشي ووجع الحياة اليومية لا يسمحان بذلك. ويبوح بأنّ الموسيقيين في “البروفا”  Provaوفي الأمسية كانوا فرحين جداً بعودتهم إلى ملعبهم. “هذا عملنا الذي سنعود إليه”، يقول المايسترو الذي يضيف إنّ الأوركسترا، بالإضافة إلى كل ما ذكره، تأثّرت بصورةٍ سلبية أيضاً بسبب جائِحة كورونا التي تستمرّ حالياً. 

يُشدّد المايسترو الدينامي على ضرورة الاستمرار في عملهم رغم الصعاب، شاحِذاً هِمَّة العازفين: “في ما يتعلّق بكورونا سننتظر عالمياً ما سيحدث وسنلتزم في الأوركسترا الشرق- عربية بالشروط العالمية. أمّا على صعيد لبنان والحال بل المرحلة الخاصة والمُعقّدة، فلا بدّ من المُثابرة والاستمرار والمواظبة مثلما يستمرّ الصحافيّ والإعلاميّ ويناضلان، فعلينا نحن أيضاً أن نواصل العمل مثل أيّ عامِلٍ، مهما كان الوجع كبيراً. الوضع المالي يجب ألا يؤثّر علينا موسيقياً”. 

الأوركسترا، كما يقول أندريه الحاج، هي ضمن الدولة اللبنانية وضمن مؤسّساتها وعندما يُحَلّ أيّ شيء في المؤسّسات اللبنانية فتلقائياً تُحلّ مشكلة الأوركسترا. “حتى الآن نحن صامدون رغم كل شيء، رغم الفارق على مستوى العملة بالنسبة إلى أعضاء الأوركسترا بسبب الأزمة المالية وبالنسبة إلى كل العاملين في “المعهد الوطني العالي للموسيقى- الكونسرفاتوار اللبناني”. يجب أن نبقى في لبنان. لا يجوز أن يفرغ البلد من كل الناس. برامجنا ستكون موجودة وستستمر بحسب ما يُسمح لنا”.

بعدما اختير قائداً فخرياً للأوركسترا الكورية الكلاسيكية يعلن أندريه الحاج أنه فور معرفته بالأمر تخلّى عن إسمه أي أنه لم يعُد يفكِّر بإسمه بل بإسم لبنان والأرزة موجودةٌ بجانب هذا العمل. “أنا القائد الأوركسترالي العربي الوحيد على هذا الصعيد. البرنامج لبناني ويُتّفق عليه لنهاية العام 2022. إمّا أن أديرَ العمل بالاشتراك مع القائد الكوري، وإمّا أن أقدّم لهم برنامجاً لبنانياً يديره القائد الكوري إذا لم أتمكّن من السفر. لكن طُلِب مني أن أقود الأوركسترا ببرنامجٍ لبناني”.

ورغم القلق وما يدعو إلى الحزن وصولاً إلى اليأس، لا يزال أندريه الحاج يستلّ الأمل والعزيمة سيفاً في المواجهة، ناشراً الطاقة الإيجابية في صفوف الموسيقيين اللبنانيين الذين يقاومون، وسط هذا الكمّ من السلبيات التي تحضّ على الأسى واللوعة.  يصرّ المايسترو المُتمكّن على ألاّ تغيب الأوركسترا عن المشهد. 

يُحسب أيضاً للأوركسترا تشجيعها للتأليف الموسيقي لدى الشباب ودعم مواهبهم وتقديمها للجمهور، وهي بذلك تشكّل حاجةً لوثبةٍ موسيقية وفنية على المستوى الوطنيّ.

شاهد أيضاً

“فقيه يتحدَّث عن فقهاء” كتاب جديد للمرجع الديني الراحل فضل الله

  صدر حديثًا عن المركز الإسلامي الثقافي، كتاب “فقيه يتحدث عن فقهاء”،للمرجع الديني الراحل السيد …