حذاء متسخ بـ 800 دولار.. لماذا تلجأ بيوت الموضة لترويج الرداءة؟

آية ممدوح

إذا كنت ممن يمتلكون أحذية ثمينة، فأنت تعرف أنها تحتاج إلى عناية خاصة كي تحافظ عليها، لذلك تُوصي مجلة “Complex” باستخدام زبدة الفول السوداني لتنظيف الأحذية الرياضية الثمينة، ومنظف الصحون لتنظيف النعل، وإذا أردت أن تُزيل البقع الداكنة، يمكنك استخدام أدوات العناية بالأسنان، وهناك منتجات أخرى يمكنك استخدامها للحفاظ على رائحة زكيّة للقطعة الغالية.

إلا أن شركة “Gucci” وضعت نهاية لكل هذا الهوس بعرضها لأحذية متسخة، تبدو بالية، وهي بالمناسبة ليست الشركة الأولى التي تقدم هذا النوع من الأزياء، رغم ما يثيره هذا النمط من جدل واسع على شبكات التواصل الاجتماعي، لكن، يبدو أن صناعة الأزياء تعود بين الحين والآخر لتبحث عن الجمال الذي تخبئه بضاعتها التالفة، أو أنها بصورة أدق تبحث عما يحقق الغرابة، ويثير الجدل. يقول المصمم الياباني “Yohji Yamamoto”: “أن تكون حديثا هو تمزيق لروح كل شيء”، فهل هذا حقا هو ما يدفع بيوت الأزياء لترويج “القذارة” أحيانا؟ وهل هو فقط ما يفسر انتشار العناصر القديمة والبالية واعتبارها رمزا للرفاهية؟ (1)

في السبعينيات ظهرت موضة “The Converse All Stars” وصار في الثمانينيات وأوائل التسعينيات إشارة إلى الشباب والاستقلال، وتطور الأمر بعد ذلك فصارت الأحذية المتسخة أيقونة لتمرد الشباب، ومؤخرا قدم العديد من المصممين أحذية رياضية تبدو بالية أو قذرة، فقدمت شركة “Adidas” عام 2015 أحذية تحمل بقعا سوداء، وقدمت “Reebok” في عام 2017 أحذية بيضاء من الفرو مغطاة بكتابات وخربشات، وهي تصميمات مستوحاة من ثقافة الشباب، وقدمت “Golden Goose” قبل كل ذلك حذاء أبيض مغطى بما يشبه الشريط اللاصق على الكعب للحفاظ عليه من الأوساخ، ومظهرا التباين بين الجزء المغطى والجزء الآخر، بحيث ظهر كما لو كان صاحبه مجبرا على تغطيته، وفي الملابس أيضا أصدرت نوردستروم وهي سلسلة محلات أميركية بنطلون جينز للرجال يبدو ملطخا بالوحل مقابل 425 دولارا وجد طريقه للبيع.(2) يبدو مثيرا للسخرية أن تُقدَّم هذه الروح في تصميمات تتكلف نحو ألف دولار، فقد بلغ سعر أحذية “Gucci” نحو 870 دولارا مما أثار جنون البعض وتساؤلاتهم عما إذا كان هذا التغيير مزحة واعية من قِبل المصممين على حساب المستهلك.(3)


بداية من عصر النهضة كان يمكن تمييز الحالة الاجتماعية للفرد من خلال ملابسه؛ كان ارتداء بعض الألوان (مثل اللون الأرجواني) يقتصر على الطبقات العليا التي يمكنها تحمّل التكلفة المرتفعة لصباغة الأقمشة بهذه الألوان، إذ كانت تتطلب مواد نادرة، وحين صارت رخيصة وأمكن الحصول على اللون باستخدام مواد أقل تكلفة، مُنع ارتداؤها لتظل حكرا على الطبقات العليا، وخضعت بعض الأقمشة والأزياء للتنظيم الصارم حتى لا تختلط الطبقات، فارتداء المخمل والأحذية المدببة كان مسموحا فقط للطبقات العليا، وكان المجال محدودا للتعبير الفردي بالملابس الذي ذكره نيكولاس كيج في فيلم “Wild Heart” قائلا: “هذه سترتي من جلد الثعبان. رمز فرديتي وإيماني بحريتي”.

وحتى الثورة الصناعية كانت الملابس الجديدة باهظة الثمن بالنسبة لمعظم السكان وكان ارتداؤها ترفا نادرا، لكن الأمور تغيرت في عصر ما بعد الصناعة، إذ أتاح التقدم العلمي بدائل مختلفة من الأقمشة، وآليات متطورة يمكنها تقليد مقتنيات الأثرياء وملابسهم دون فرق كبير؛ هناك حرير صناعي وأحجار كريمة مقلدة لا يمكن تمييزها تقريبا عن الأحجار الحقيقية، وصار الحصول على ملابس راقية أسهل من أي وقت مضى.

لكن مؤشرات الرفاهية لم تبق كما هي، لقد تغيرت أيضا بشكل أسرع وأكثر ذكاء، ليمكن تمييز الأثرياء من خلال الملابس التي تحمل علامة تجارية مميزة، تبدو رثة لكنها في الحقيقة غالية الثمن، فقد صار ارتداء الملابس الغالية جدا أمرا يعرّض الفرد للخطر خاصة في ظل الفجوات الاجتماعية الآخذة في الاتساع، والتي اضطر معها مصممو الأزياء على الحفاظ على الخط الرفيع الذي يجمع بين أن تكون القطعة “عادية” وأن تظل محل تفاخر أيضا.

كما قدم وادي السيليكون مفهوما جديدا للأناقة المتواضعة في مكان العمل، فقد اعتمد بعض أغنى الرجال في العالم زيا عاديا؛ قميص ستيف جوبز ذو الأكمام الطويلة والسروال الجينز الأسود، أو القميص الرمادي المتواضع الذي يرتديه مارك زوكربيرج، جعل استهلاكهم أقل وضوحا، فالسروال الجينز لجوبز يحمل علامة “Levi’s” ويحمل البلوفر علامة “Issey Miyake” اليابانية الشهيرة، وهناك تكهنات بأن قميص زوكربيرج المفضل مصنوع من الكشمير ويبلغ ثمنه نحو 2000 دولار.(4)

لقد تغيرت الأمور واتسعت الفجوة أكثر بين الأغنياء والفقراء وأصبح الاعتناء بالمظهر واجبا على الفقراء، أما التوجه إلى العمل بالملابس الرياضية فمتاح للأثرياء فقط، وهكذا في تطور غير منطقي صار يمكن ملاحظة مظهر الأغنياء يبدون وكأنهم قد “جمعوا ملابسهم من القمامة” بينما تحرص الطبقات الأخرى الطامحة لصعود السلم الاجتماعي على أن تبدو في أكمل صورة بملابس فاخرة. (5)

الأحذية ذات الهيئة البالية والتي تحمل علامة تجارية مميزة تبدو “قذرة وعنصرية” في رأي البعض أيضا، وقد علّق الكثيرون على الشبكات الاجتماعية منتقدين هذا الاتجاه الجديد، إذ يرون أنه من العبث أن تُباع بهذه التكلفة المرتفعة، إلى جانب أنه يحمل سخرية من الفقر في العالم. (6) يسوق المنتجون لهذه الصيحات بأنها قطع لديها “مشاعر”، ويعيدون من خلالها تعريف الترف، فلم يعد التفاخر بالجديد واللامع. إنها مليئة بالخدوش والبقع لكنها في الوقت ذاته تحتفظ للنجوم بمكانتهم، فهم يرتدون أشياء عادية لكنها مميزة لمن يعرفها بالعلامة التجارية المطبوعة عليها، ولذا تُتهم بيوت الأزياء بـ”الاستحواذ الثقافي” على الفقر من خلال هذه المنتجات التي تُظهر حبا لثقافة الفقراء وتُبقي على التحيز أو الاضطهاد الذي يتعرضون له من قِبل الأثرياء، فهم في النهاية يرتدون هذه القطع لأنهم يريدون، لا لأنهم مضطرون. (7)

كان المؤرخ كيمبرلي كريسمان كامبل قد أشار إلى ميل الأثرياء حين تتفاوت مستويات الدخل إلى ارتداء ما يشبه الطبقات الأخرى حتى يمتزجوا مع الجماهير. ويقول مؤرخ الأزياء شارلين لو إن الملابس الرثة والممزقة والقذرة ترمز إلى التمرد، إذ لا تتماشى مع معايير الطبقة الوسطى من النظافة وصلاحية الثياب. (8)

يقول البعض إن بيوت الأزياء تريد إخبارك بأن ارتداء الملابس القديمة علامة الذوق الجيد والأصالة وتقدير ملابسك، لدينا جميعا هذا الحذاء أو ذلك الجينز الذي نحبه ونرتديه كثيرا حتى يُستهلك، لكن لا بأس لو واصلنا ارتداءه بعد أن اكتسب قيمة عاطفية لأننا مررنا معه بتجارب كثيرة، الشركات تريدك أن تتخذ هذه الخطوة وتبدأ بالفعل في تقديم مثل هذه الملابس إليك. الثقوب في الملابس وبعض القذارة في الأحذية تحمل معها آثار سفرك وحركتك المستمرة، وهذا ما يمنحها قيمتها، إنها تحتفظ بأغلى ما مر بك؛ أيامك. لكن ماذا عن السعر؟ إن جعل الملابس بهذه الهيئة ليس أرخص بالنسبة للشركات فهي تزيد تكلفتها، تُصنع أولا ثم تُضاف عملية إنتاج أخرى لتبدو بالية أو متسخة وتُستخدم في ذلك تقنيات مكلفة أحيانا يدفعها الأثرياء، فضلا عن الثمن الذي يدفعه العمال من صحتهم لأن هذه التقنيات ضارة بالصحة.(9)

يثير الحذاء المتسخ اللافت للانتباه الحوار -في رأي آخرين- ويعيد التكريم لجيل معين من الشباب، ويرمز لروح التمرد الشابة في أوروبا التي تجاوب معها منذ عقود كورت كوبين في نهاية الثمانينيات فاعتمد ارتداء كونفيرس، ومثل هذه الحركات هي التي تخلق تغيرات في الموضة وتعيد تعريف هوية الأجيال. يلمع نجم “Balenciaga” وهي إحدى شركات الموضة الإسبانية حاليا بفضل تصميمات “قبيحة” و”بالية ” يعتمد مصممها على سلاحين للإغواء الجماعي: المفارقة، والحنين، فهو يستحضر أزياء الثمانينيات والتسعينيات فيأسر -ضمن من يأسرهم- جمهورا كان مراهقا في تلك السنوات فيعيد إحياء الملابس الرياضية التي اقتنوها يوما. (10)

المصدر : الجزير

شاهد أيضاً

🍋صابلي بذوق الليمون🍋

💕المقادير💕 250 غرام مرغرين أو زبدة +نصف كأس زيت+ كأس سكر ناعم+ 2 حبة بيض+3 …