موسم الفقوس والتعب المريح

رشاد ابو داود

تراهم في كل شارع وكل حارة وزقاق . هذا بدأ بعشر صحارات بندورة ، ثم أضاف اليها مثلها بطاطا . تحسن البيع ، أضاف عشر شوالات بصل ، ثم بعد أن تحسن أكثر ، ضم اليها عدداً من خضار الموسم ، وما ألذها في بلادنا .

تبدأ الحكاية بالحاجة الى عمل ، أي عمل . «الشغل مش عيب» لكن العيب أن تمد يدك للناس . هكذا تربينا ، وهكذا تؤمن الناس . الكرامة أولاً ومن بعدها كل شيء.. كل شيء يهون حين تتوفر الارادة .

الآن موسم الفقوس ، حتى يخيل اليك أن كل البسطات على الطرق بين مدننا نسخة عن بعضها البعض.أجملها تلك التي تكون قريبة من أرض زراعية . يقول لك البائع «هذه من هنا ، من هذه الأرض « ويشير اليك الى لوحة ربانية جميلة ، أرض حمراء مزينة بنباتات خضراء . يكسر فقوسة ويقدمها لك لتتذوقها كدليل على كلامه . تصلك رائحتها الشهية قبل أن تصل الى يدك . الفقوس أخو الخيار لكنه ليس هو كما لو انهما توأمان متشابهان كثيراً لكن مختلفين في الشكل و المذاق والنكهة .

قبل موسم الفقوس كان موسم الزهرة . الصفراء بلدية ، أغلى لكنها أشهى . ربما سموها زهرة لأن شكلها فعلاً كالزهرة ، كما أن الاسم أجمل من كلمة « قرنبيط» أحد اسمائها بالفصحى ، مع أن ختيارات زمان كانوا يسمونها «قمبوطة» تخفيفاً لقرنبيط.

موسم البتنجان «الباذنجان» يأتي قبل الزهرة . صحارات من الكرتون تزين الطرق السريعة بين مدننا وخاصة طريق عمان جرش . الصحارة عشرة كيلوات بثلاثة دنانير ، يا بلاش. حبات متعددة الأحجام أغلبها صغيرة للمكدوس ، والباقي لعدة أنواع ، اما قلي بالزيت أو طبخة «منزلة» أو في «المقلوبة» أو متبل . وان زاد فيمكن تفريزه الى الموسم القادم .

أسهل ما يمكن تفريزه ، وضعه في الفريزر ان وجد ، الفول الأخضر . بلاد الشام حباها الله بخيرات طيبة لكل منها موسمه . أذكر حين كنا ندرس في جامعة دمشق كانت محلات الخضار كلها خضراء بأكوام من الفول الأخضر و الفاصوليا و البازيلا . يخيل لك ، وهو ما كان فعلاً يحصل ، أن كل البيوت طبختها فول أخضر على مدى الاسبوع . يوم طبخة عادية مع ما يتيسر من اللحمة ، يوم فولية مع الرز وبجانبها اللبن بالخيار والنعنع ، يوم تحويس مع البصل وزيت الزيتون.

كانت أم فاطمة تتحفنا و..تتخمنا بأكلات الفول الأخضر ما دام الفول يملأ السوق . كنا أنا ونشأت مطر المعاني ابن الزرقاء نسكن عندها في غرفة من غرفتين وصالة على سطح بناية في حي المهاجرين بدمشق . تؤجرها للطلبة مقابل ماءتي ليرة سورية كانت أيامها تكفي لاعانتها على الحياة بعد وفاة زوجها .

سيدة فاضلة مكافحة كانت ، بحنان أم ، توقظنا صباحاً لنذهب الى الجامعة ، «رشاد ، نشأت يللا أوموا الساعة تمانية ما تتأخروا عن جامعتكم « . وعند عودتنا من الجامعة كانت رائحة الفول الأخضر تقترب منا ونحن نصعد الدرج الى الطابق الرابع ثم بيتنا ، أقصد بيت أم فاطمة على سطح البناية . يللا تعوا نتغدى ، تقول بلهفة أم على ابنها . مائدة شهية مع المخللات و الخضروات يتوسطها صينية كبيرة من الفول الأخضر الشهي .

أعاد الله العافية للشام ، كل بلاد الشام ، فانها أرض الرباط التي دعا رسول الله محمد – صلى الله عليه وسلم – الله أن يبارك بها ، وهي أرض الخير وبوابة القدس و المسجد الأقصى .

الدستور

شاهد أيضاً

“تجمع العلماء” رحب بتمديد ولاية المجالس البلدية والاختيارية: “العدو الصهيوني لن يستطيع تحقيق أي انتصار في غزة”

أشارت الهيئة الإدارية في “تجمع العلماء المسلمين” ببيان اثر اجتماعها الأسبوعي في مقر التجمع في …