التشكيلية الكويتية مي النوري تفوقت ولا تعترف بأن المرأة سلعة!

غامرت من الواقعية إلى التأثيرية وصولاً إلى التجريد المسؤول

بقلم// جهاد أيوب


الكويتية مي النوري من الواقعية إلى التأثيرية التجريدية المسؤولة والمفهومة رسمت خطوط تجربتها الثرية بموروث تعلمته بعناء يحسب لها، ويحسب إلى التجربة التشكيلية الكويتية، ومن ثم الخليجية والعربية، وتخاطب كل الصالات بثقة دون خجل أو عقد!


تسعى الفنانة التشكيلية الكويتية المجاهدة مي النوري إلى تطوير أدواتها الفنية المترجمة مع تنوير أفكارها بجدية، وبتعليم كل ما يخدم مسيرتها دون خجل، ودون أن تقف أمام ما قدمته منذ بداياتها إلى اليوم، وما قدمته في معارض مشتركة، ومعارض فردية جالت من خلالها العالم، وهي ومنذ عرفتها في بداياتها مؤمنة بموهبتها، وبأن الرسم سلاحها، والألوان زخيرتها، والفكرة بصمتها!


مي النور لا ترغب بالرسم العبثي، ولا تحب أن تنتمي لوحتها إلى حركة مجنونة تولد الصدفة فيقال إنها قدمت الجديد والتجديد، هي فنانة الفكرة بكل تفاصيلها، قد تكون فكرة تعنى بقضية المرأة أو بالإنسان، وقد تكون فكرة صغيرة لكنها جميلة تعاود صياغتها لتولد من صناعتها حالة خاصة لا تشبه إلا قلق مي النوري، أعني مي لا تذهب إلى كذبة المعاصرة بل هي تؤمن أن لوحاتها معاصرة لكل زمان ومكان!

التردد

تخوض مي النوري في بحر التشكيل دون تردد، لا تخاف طرحها ولا الوانها، تعمل ما ترغب به فكرياً، تجرب، وتسجل ما وصلت إليه، ومنذ انطلاقتها الاولى هي حالمة، وقد كنت شاهداً على بداياتها المتزنة بالتهذيب والبحث والعمل بصمت دون الثرثرات التي عودونا عليها أهل التشكيل ممن حولها آنذاك!
كانت تسأل كي تتعلم، تبحث كي تتثقف، وتنظر بقراءة عميقة، وتواصل التواصل مع كل جديد من هنا وهناك كي تستفيد إلى أن وصلت إلى تشكيل لوحة خاصة بها، وألوان تعشقها فدخلت اعماقها، وفرشت اخضرار المساحة تحت جلدها، أقصد لوحة مي هي بكل تناقضاتها، جمال روحها، أمومتها، صداقتها الصافية والحاسمة، وكلام ترغب بقوله…
المتابع لمعارض مي في الكويت أو في صالات العالم لا يجد انفصاماً بين الطارح والمطروح، بين الفكرة والمفكر، بين بيئة تخاطب الجميع ضد بيئة تقليدية ضيقة بحجة التراث، فما تقوم به مي النوري اليوم هو سيصبح التراث المعاصر في اللوحة الخليجية المقبلة، ونبض حر وواقعي فكرياً في نضال المرأة كويتياً، والأهم غالبية لوحات نصوص مي النوري محاكات لكل إمرأة أينما وجدت، وتزاوج الجمال مع الصفعة والطرح بكل ثقة!

مثابرة اللون الفكرة

منذ سنوات لم يجمعنا اللقاء، ولكن التواصل المعاصر اختزل المسافات لأجد مي مثابرة لا تهدأ، وفي كل تواصل معها أجدها متجددة، وتحاول مخاض النص الجديد، وترسم حدود لوحة تحركا وتحكي معها، وتحاكيها كطفلة، ومن ثم وبالتأكيد تحرك وتحاكي وتحكي من يطالعها ويقرأها!
لم تعد مي النوري خائفة من نصها وألوانها ومحيطها ومساحة لوحتها، هي اليوم أكثر حرية، أكثر نضوجاً، وأكثر تفهماً لدورها ولمغامراتها اللونية، ولرواية قضايا المرأة بأسلوبها الناعم والعميق، أقصد رغم كل هذه السنوات، وتعب الأيام، وفقدان الأحباب، ومشاكل الحياة والأيام لم تتغير روح مي في عشق التشكيل، ولم تصنع مسافة انفصامية بينها وبين من حولها ولوحتها وألوانها، هي متصالحة جداً مع محيطها ونصها وتعاملها مع الجميع!
لذلك نجد مي مغامرة في اللون، ولم تعد تخافه أيضاً، تلعب به ضمن انسيابية مدروسة، تذهب به في رحلة هي تحدد المشوار، ولا تنتظر الصدفة أو الحدث كي يفرض عليها خطوطه، هي تغوص، تحدد، تخطط، وتلعب بثقة العارفة وليست المنتظرة مع إنها تؤمن بكل جديد ولا تخافه!


ألوان مي ثورتها الداخلية، وحريتها التي تعيشها تعشقها، وتؤمن بأن تمارس مع اللون كل حريتها، ولا تسجن لونها بالموضوع المطروح، بل بما هي تجده يحمل شخصيتها، وهذا لا يحدث إلا مع الفنان المغامر والحر، والمؤمن بالتجريب!
لذلك نص طرح فكرة مي هي ما تفكر به هي، ما تتلمسه في زمن التناقضات، وما تخوضه اصوات النساء في إمرأة مسكونة بالبحث وبالحرية المعتمدة على الأخلاق والاتزان، أقصد مي في لوحاتها لا تعترف بأن المرأة سلعة، ومجرد شكل والسلام، بل المرأة عند مي النوري كالحرية، المرأة عندها مسؤولية ومسؤولة ولا تخجل من مطالبها، ولا تؤمن بحرقها ووأدها إن ولدت!
إمرأة مي في نصها تعالج قضيتها، وتقدمها بصورة أنيقة تليق بها!


مي النوري.. هي اليوم متفردة في نص تشكيلي يحمل توقيعها، متفردة في الوصول إلى الأسلوب التأثيري المحاك بالتجريد دون أن تزعج المتلقي، وفهمها التناسق الجمالي مع موسيقى الأصباغ الفرحة في غالبيتها، والثائرة والتأثيرية إذا تطلب النص ذلك!
بدأت مي من صفر التعليم لتثقف موهبة متوهجة، وقد حققت الكثير من أحلامها بعد أن غزت في نصها التشكيلي أكثر من دولة عربية وغربية بثقة، ومن دون خوف، وناقشت لوحاتها جدران الأمكنة بكل اعتزاز، ولم يعد لديها كغيرها عقدة الخواجة والأخر…


مي النوري تثق بنصها، ونحن نؤمن بأن تصل تجربتها لوحاتها إلى الجميع دون قلق وخوف، بل بثقة الفنانة التي تعلمت حتى تفوقت، وجربت حتى تميزت، وانسنت نصها حتى جعلته ناطقاً بعالم نحتاجه كي نزيد من ثقافاتنا، ونزيد من مشاهدة الجمال الذي نفتقده!.

شاهد أيضاً

قميحة: “انعقاد الدورة الكاملة الثالثة للجنة المركزية العشرين للحزب الشيوعي الصيني خطوة مهمة في مسيرة التطوير والتحديث”

رأى رئيس معهد طريق الحرير للدراسات والابحاث – كونفوشيوس، رئيس جمعية “طريق الحوار اللبناني الصيني” …