إفتتاحية صحيفة الوطن السورية

الثلاثاء 25/5/202

محمد عبيد

تدخل سورية مع الانتخابات الرئاسية يوم غدٍ الأربعاء مرحلة جديدة لا تشبه المراحل التي سبقت من تاريخها الحديث. ذلك أن هذه الانتخابات تحصل في ظل تحولات داخلية وإقليمية وحتى دولية، يمكن أن تطوي سنوات طويلة من الاشتباك الحاد السياسي والعسكري والاقتصادي بين محورين أساسيين: محور المقاومة دولاً وقوى، ومحور أميركا وأتباعها في المنطقة.

من المؤكد أن هذا لا يعني مطلقاً إنهاء هذا الاشتباك والانتقال إلى حلولٍ سريعة ونهائية، يمكن أن تُخرِج دول المنطقة وشعوبها من دائرة الاستهدافات الدولية والأميركية خصوصاً.
ولكن ذلك يعني أن أدوات الصراع ستختلف تبعاً للتبدلات التي فرضها صمود محور المقاومة دولاً وقوى في سورية والعراق واليمن ومؤخراً في فلسطين المحتلة، كذلك وفقاً للتغيير الذي سيحكم منهجية الإدارة الأميركية الجديدة في التعاطي مع شؤون المنطقة، بعدما استنفدت إدارة ترامب السابقة العقوبات ووسائل الحصار كافة في سبيل دفع دول وقوى محور المقاومة إلى الإذعان لمشاريعها وفي مقدمتها ما سُمي «صفقة القرن».
لكن يجب ألا ننسى أن موجة ما سُمي «الربيع العربي» كانت من إنتاج إدارة «ديمقراطية» مشابهة كان نائب الرئيس فيها الرئيس الحالي جو بايدن، وهي الإدارة ذاتها التي ابتدعت نظرية الانسحاب الشكلي من العراق لتفتح الأبواب لولادة وسيطرة داعش على جزء منه، كذلك للتمدد في الداخل السوري انطلاقاً من الأراضي السورية الحدودية المحاذية، والأخطر العمل على تهجير شعبي البلدين، ومن ثم استثمار هذه الذريعة لغزو «مسوغ» للمنطقة من جديد تحت عناوين محاربة الإرهاب، بعدما كان وجود القوات الأميركية والأجنبية الأخرى قد فقد جميع مسوغاته التي ساقتها حينذاك واشنطن وحلفاؤها لاحتلال بعض دول المنطقة.
غير أن اكتمال تنفيذ هذا السيناريو الشيطاني لم يكن ممكناً من دون الانقضاض على سورية، دولة المركز في المشرق العربي وركيزة محور المقاومة فيه، وعلى اعتبار أن إسقاط نهج «الأسد» فيها يقودها تلقائياً إلى الانضواء موحدة أو مُقسّمة تحت مظلة الولايات المتحدة الأميركية ومن خلفها كيان العدو الإسرائيلي، مع ما يعني ذلك من تدحرجٍ لباقي الدول العربية المتفرجة أو المنتظرة باتجاه الوقوف في صف التطبيع، كذلك تسهيل مشروع الاستفراد بإيران الحليف العضوي لسورية من أكثر من أربعة عقود، إضافة إلى محاصرة قوى المقاومة في لبنان والعراق وفلسطين وإنهائها بعد إنهاكها بحروب طائفية ومذهبية داخلية أو حدودية.
لذلك كله، لم يكن الانتصار على هذا السيناريو الشيطاني مشروعاً داخلياً لإنقاذ سورية وشعبها فحسب، بل كان خياراً إستراتيجياً اتخذه قائد سورية وجيشها وقواها ونخبها الوطنية الحيّة وشعبها بأغلبيته الساحقة، بهدف الحفاظ على الإرث التاريخي لدور سورية وموقعها القومي المقاوم، كذلك من أجل تثبيت تموضعها في قلب محور المقاومة ضد المشاريع الأميركية والإسرائيلية والحليفة في المنطقة، هذا التموضع الذي جعل من جبهة سورية في مواجهة العدوان والإرهاب خط الدفاع المتقدم للحفاظ على شعوب المنطقة وخياراتهم، حتى أولئك الذين تم تضليلهم مع بداية الحرب العدوانية الكونية على سورية، من خلال بث عناوين كاذبة وشعارات رنانة زائفة، وها هي حكوماتهم تسعى اليوم إلى إعادة التواصل مع القيادة السورية.
إن اختيار أغلبية الشعب السوري غداً للدكتور بشار حافظ الأسد لولاية رئاسية جديدة، عدا كونه تجديداً للعهد معه على الاستمرار في التضحية من أجل استكمال تحرير سورية من الاحتلالين الأساسيين الأميركي والتركي اللذين يجثمان على بعض أراضيها، وهو اختيار يعني أيضاً الالتزام بالعمل الدؤوب والمخلص في سبيل إعادة بناء ما دمرته الحرب العدوانية عليها، في استعادة للرؤية التي ارتكزت عليها سورية مع نهج «الأسد» حول ضرورة تحقيق التوازن الإستراتيجي في الميادين كافة، وخصوصاً منها الاكتفاء الاقتصادي الذاتي الذي جَنّبَ سورية على مدى عقود أي ارتهان لإرادة سياسية خارجية، ومن ثم حافظ على استقلالية خياراتها، وإن كانت هذه الاستقلالية مكلفة في الكثير من المحطات المصيرية.
ومع الاحترام الكامل لخيار الشعب السوري الشقيق في انتخاباته الرئاسية هذه، غير أن من يؤتمن على مصير وطن في مواجهة حرب كونية عدوانية وينجح في قيادته إلى انتصار مُعمّد بالشجاعة والحكمة والصمود والتضحيات، لا بد وأن يكون جديراً بالثقة لاستكمال تحرير سورية من تداعيات هذه الحرب، كذلك قيادتها إلى بَرِ الاستقرار والأمان والازدهار.. بالعمل.

سياسي وإعلامي لبناني

شاهد أيضاً

الرحالة الكاتب عدنان عزام لرئيس تحرير (سيرياهوم نيوز):

اعتقلتني الشرطة الفرنسية في مطار ديغول وأوقفتني في زنزانة نتنة لمدة 24 ساعة وأساءت لي …