نظرة الانسان إلى ذاته ورَدَّات الفعل المنتظرة

لفتة سريعة

الإنسان….

صورة في مسيرة

بداية المشوار

يولد الانسان و هو مغمض العينين، و عندما يفتحهما يجد أمامه واقعاً عليه أن يخوضه و يتعايش معه. في البداية لم يفقه من كل ما حوله شيئاً سوى أنه بحاجه لتناول الطعام الذي هو عباره عن الحليب، فيبحث عنه من خلال أمه التي ولدته، و كأنه، بل هو، يعرف بالفطرة أن هنا مصدر طعامه، فيتناوله كلما شعر بالحاجة اليه. و بعض مضي بعد الوقت (سنه أو أقل أو اكثر) يبدأ يتعرف على أمه ومن حوله من إخوانه أو جيرانهم و غيرهم. وبعد بضعة سنوات يصبح قادراً على التقليد و ترديد ما يسمع أو يرى، فيدخل المدرسة و يحصِّل فيها معلومات تفتح بصيرته على معلومات و مشاهد و أحداث. 

وإذاء ما يرى و يسمع يبدأ فكره بالتساؤل عن كل ما يرى أمامه وخاصة الأمور الغامضة و التي لا يجد لها تفسيراً مقنعاً وفق قدراته التي توصل إليها و سعة أفقه في ترجمة ما يرى  وايجاد تفسيرات وتحليلات له. وهنا تنوعت الأفكار والإجتهادات والتحاليل والترجمات و التفسيرات لكل ما يرى الانسان و كل ما يسمع. و كل مفكر وضع ملاحظات لرؤاه يسير عليها فريق ممن يوافقونه على ما يرى.

    و للمزيد من العمل على هداية الانسان إلى الطريق السليم، أرسل الله سبحانه و تعالى رسلاً للبشر لهدايتهم إلى ما غاب عنهم و ما يجب أن يفعلوه لأنفسهم و لغيرهم من بني جنسهم، و كيف يتعاملون مع الحياة بشكل عام.

    و للأسف الشديد أنه على الرغم من كل هذا، فقد استمرت الخلافات بين الفرق المختلفة.

    و كل فريق يعتبر نفسه هو الأصوب و هو من يسير على الطريق السليم، و على الجميع أن يسيروا معه في طريقه هو، وتشتعل الحروب و القتال و الدمار في هذه الأجواء.

وهنا يجد الإنسان نفسه إما قاتلاً أو مقتولاً_ قاتلاً، في نظره، دفاعاً عن رؤيته و عقيدته، و مقتولاً من جراء دفاعه عن نفسه و الحفاظ على عقيدته هو التي يرى أنها هي الحق و هي الصواب، و بذلك تبقى البشرية جمعاءً في قلق و توتر مما قد يأتي كلا منها من خلافات و اضطرابات. و في الواقع هذه خلافات و تقاتل لا لزوم و لا معنى له.

    إذ لو نظر الانسان إلى ذاته، و فكر كيف و من أين وُجد هذا الكيان الاعجازي الذي يستمتع به الانسان و بما يقدم له من خدمات و تسهيلات تيسر له سبل الحياة. فلينظر الانسان و يتفكر كيف يرى، و كيف يسمع و يعي ما يسمع، و كيف أن أجهزته و اعضاؤه يعمل بعضها من تلقاء نفسه و اخرى تعمل وفق إدارته هو و لو فكر الانسان بهذه المعجزات، و سأل نفسه من منحه هذا الكيان الذي يسيرّ له حياته فينبهر عندها، إذيتضح له أنه هو لا يعرف عن ذلك شيئاً، عندها يتأكد له أن هناك قوة إعجازية خفية لا يراها هو أو غيره هي التي أوجدته، و بالتالي فهي التي أوجدت هذا الكون بأكمله. و عندما يتأكد له ذلك و يستوعبه تماما، فلا يدله، في هذه الحالة أن يجد صاغراً ساجداً لهذه القوة الالهية الاعجازية، و التي لا يستطيع أحد أن يلمَّ تماماً بكل ما تحيط به.

    و هكذا، عندما يتراءى أمام الفرد أن هناك قوة إلهيه أوجدته و أوجدت غيره. و هنا يبدأ يتصور الفرد مثيله الانسان الذى منحه الله الخالق ما لديه من أجهزه و أعضاء، فلا شك أن نفسه ستروه و تمنعه من التجرؤ على تهديم و تدمير ما أوجد الله الخالق. و هكذا تتغير نظرة الفرد و الجماعة، و تمتنع عن التقاتل و الدمار و الخراب، و لا بد هنا لمن يراجع نفسه و يفكر ملياً في هذه الحالة، لابد ان يهتدي ويعي بانه ليس هو من يملك ذاته و إنما هي ملك من أوجدها و هو خالق الكون بأكمله لذلك الانسان ليس ملك ذاته بل هو ملك خالقه، و ليس له أن يتصرف بذاته أو بغيره من بني جنسه كما يتراءى له.

    ​و إذا كان الخلاف ناشىء عن اختلاف العقيدة، فهذا يمكن حله ما دام تأكدنا أن هناك خالقاً لنا جميعاً، فهو يحاسبنا و يهدينا لما يحب و يرضى، فنترك الأمر له ليوم الحساب، و ليفكر كل منا بهذا الأمر كما يرى على شرط ألا يؤذي غيره، و أما أمر الحياة الدنيا فلنحياها جميعاً و الموحد بيننا الحب و التعاون و التفاهم و التسامح.

الطمع و التسلط

    و هناك أمور أخرى تدفع الانسان إلى الحروب و الشجار و الدمار، و جميع هذه الأمور يمكن تخطيها لو فكر الانسان بوعي و تعقل و هدوء. ومن هذه الأمور الطمع وحب التسلط والسيطرة على الغير. ومن هنا نشأ ما أطلق عليه “الاستعمار”. وهو عبارة عن فريق من البشر يقتحم فريقاً آخر و يسيطر عليه بالقوه و السلاح المدمر و على أملاكه ومرتزقاته وموارده. وفي هذا السياق، طبعاً، يحصل التقاتل و الدمار والخراب بين جميع الأطراف و تستمر العملية و قد تأخذ عشرات السنين أو أكثر، و يعيش جميع الفرقاء في قلق و توتر مع استمرار القتال و الدمار.

والسؤال الآن هو “أين هي انسانية الانسان؟” التي يتباهى بها لما ميزه الله عن مخلوقاته. هذه المزايا بالعقل المفكر و الكيان و المتكامل، ومزايا أخرى عديده وذلك لا يستخدمها في ظل انسانيته.

    فهل هكذا أعمال تدل على الانسانيه التي أرادها الله الخالق منه. هل يصح أن يقتحم إنسان منزل أخيه الانسان و يقتله أو يهجره من بيته و يرميه مع أولاده و أهل بيته في الشوارع، والعراء، ثم يتباهى بذلك منتفخاً و يقول أنا إنسان حر شجاع أدعو للصلاح والديموقراطية والحرية؟

    مع أن كل ما يحتاجه الانسان للعيش بسلام هو لقمة يسد بها أوده وزاوية يلقي رأسه فيها ويأوي اليها عندما ينشد الراحة و الاستلقاء. وهذا أمر سهل المنال، و يوفرها الله لكل ساع يسعى للعيش بسلام و اطمئنان.

وإذا جمع الانسان المليارات فماذا يعمل بها، إذا كان كل فرد يدرك أنه في النهاية سيلقى في حفرة ترابيه لا تتجاوز المترين و لا يأخذ معه سوى عمله كان سلباً أو ايجاباً؟!!.

درس من الحياة

    نشرت الاخبار العامة منذ قريب حدثاً سررت به جداً واعتبرته درساً و عبرة للجميع، وهذا الحدث هو أن رجلا ثريا(الملياردير) أوصى بثمانية مليارات من الدولارات للأعمال الخيرية و ترك لنفسه مليون فقط يساعده فيما تبقى من حياته. وقبله كذلك توفي رجل ثري، وأوصى بثروته بأكملها للفقراء والمساكين وترك لابنته، التي ليس له غيرها مليوناً يكفيها بقية حياتها.

    نرجو أن تكون هذه لافته للجميع وخاصة من لديه المليارات في بلده، فيسحبها إلى بلد آخر يخزنها هناك ويترك بلده وأهله يعانون الأمرين بسبب نقص العملة، ونقص السيوله في عملة معينة يسير عليها معظم العالم.

    وإزاء كل هذا، نرجو أن تكون هذه منبهات ودروس في الحياة قد أتت أكلها لدى الانسان أينما كان، إذ كل منا يعرف أنه في النهايه، طال العمر أم قصر، سنلقى في حفرة و نغيب و تغيب عنا الدنيا بأكملها. لذلك ليس هناك من داع للجشع و الطمع و التسلط واثارة الحروب و النعرات الطائفيه و القتل والدمار، إذ كل هذه الأمور لا تجلب، للجميع، سوى القلق و التوتر وفقدان الأمان. وعيش الانسان في هكذا صورة تصبح مريرة ولا حاجه لها. وأفضل كلمة نردها هنا هي كلمة لسيد الحكماء الإمام علي(ع)، الذي يقول:

“اسعد الناس عيشة من تحلى بالعفاف، ورضي بالكفاف، وتجاوز ما يخاف إلى ما لا يخاف”.

الفاخورة و الكاسورة

    و يبقى عندنا سبب آخر، وقد يكون من أهم الأسباب المؤدية إلى الحروب والقتال والدمار. وهذا السبب هو ما يقال عنه “الفاخورة”_ والفاخورة هي صناعة الأواني الفخارية التي كانت تستخدم قبل انتشار الأواني المعدنية بشكل واسع. و هذه الفاخورة إذا لم تجد سوقاً لها و استهلاكا لبضاعتها يقف عملها، إذا لم تعد تجد من يشتري ما تصنعه بالقدر الكافي. لذلك، كان يهمها جداً تكسير تلك الأواني بين أيدي مستخدميها، ليذهبوا إليها و يشتروا غيرها. لذلك جرى صياغة القول:

((لولا الكاسورة ما عمرت الفاخورة)).

    و الآن، بعد تطور الصناعة، و تطور فكر الانسان اكثر فأكثر، و تطلعه نحو الاستعلاء و الشموخ من خلال التسلط و السلب والنهب، استطاع أن يطور أسلحة مدمره للبشر والحجر و استخدامها للقتل والدمار والسيطره على الآخرين. وحتى لا تكسد بطاعته المدمرة، عمد إلى نشر الفتن والخلافات بين البشر وحثهم على التقاتل، فقط لكي يروج بضاعته، ويعلي قصوره اكثر واكثر.

واكبر دليل واضح للعيان جميعاً ما نراه أمامنا من حروب ودمار. هل يستطيع أحد أن يرى ما ذا تجنيه تلك الحروب سوى المليارات التي تنفق على الاسلحة بشتى أنواعها. هذا ما يجري، بغض النظر عن من البادىء في هذه الحروب، فكل الاطراف الداخله فيها تفقد من أبنائها ومواردها.

    وهكذا نرى أن الانسان الذي كرمه الله وأعطاه الكثير مما لم يعطه لأحد من باقي مخلوقاته، هذا الانسان، قد توصل بعبقريته، ونضوجه الفكري إلى المتاجرة بأعمال تؤدي إلى قتل وتدمير أخيه الانسان. مع العلم بأن الله قد زود هذا الانسان بضمير يحاسبه على أعماله الخارجة عن القوانين الإلهيه التي نصها لعباده. هذا الضمير أيقظ العالم “نوبل” الذي أدت أبحاثه إلى اختراع ما سمي “بالقنبله الذرية”. التي عندما علم بمدى دمارها وخرابها، عانى كثيراً من الندم وتأنيب الضمير. وتكفيراً عما فعل، أوصى بثروته وما يدر عليه من نتاج أعماله التي تركها عند موته، كان ذلك عبارة عن جائزة أطلق عليها “جائزة نوبل” لكل من قدم عملاً مفيداً للبشرية.

    و الآن ننصح صانعي السلاح الذي يقتل البشر ويدمر بيوتهم وأرزاقهم، ننصحهم بالاستعاضه عن هذه المادة المدمره القاتلة بمادة أخرى غيرها يسيرة ومفيدة للانسان وليس قاتلة ومدمرة. وبهذا قد ترتاح الضمائر والانفس إذا كان هناك ضمائر.

والله نسأل الهداية للجميع وسلوك الطريق السليم.       

الكاتب أحمد فقيه

شاهد أيضاً

قائد الجيش استقبل الامين العام للمجلس الأعلى السوري اللبناني

  استقبل قائد الجيش اللبناني العماد جوزاف عون في مكتبه في اليرزة الامين العام للمجلس …