كنوز مذهلة بين ثنايا التربة

-2-

الكاتب أحمد فقيه

إكتشافات هامة بين تجمعات النفايات

علاجات ضد السرطان والأيدز

    وتواصل مجلة ” فوربس” شرحها للكنوز المختبئة بين ثنايا التربة، وبين تجمعات النفايات، فنقول: وللإسراع في عملية التجميع، جرى تخصيص جوائز لهذا الغرض من قبل المعاهد الوطنية للصحة ومؤسسة العلوم الوطنية في أمريكا. وقد تم إعداد هذه الجوائز لتشجيع العلماء المهتمين حاليًا بأعمال البحث لكي يضيفوا المزيد من المركبات الحيوية إلى عملياتهم. ومعهد السرطان الوطني كذلك وَسَّعَ مجالات أعماله للبحث عن مصادر طبيعية فعالة ضد فايروسات أنواع السرطان المختلفة، وكذلك الأيدز. 

 

  هذه المجهودات تشتمل على سبر أغوار النباتات بالإضافة إلى المايكروبات، وذلك في سبيل الحصول على مركبات قيمة، إلا أن معظم شركات الأدوية والتقنيات الحيوية تراهن على المايكروبات . إذ أن جمعها سهل ويمكن ترتيبها في أطباق زجاجية وقوارير زجاجية أو في أوعية للتخمير.

 

  إلا أن الحقيقة الناس يستخدمون العضويات الدقيقة منذ آلاف السنين دون معرفة بها. هذه العوامل الفعالة البسطية جدًا كانت تستخدم في الأزمنة الغابرة لصنع البيرة والنبيذ. ولكن لم يستطع أحد أن يدرك أهمية تلك المايكروبات حتى سنة 1837، عندما بيّنَ علماء من فرنسا والمانيا، كل على حدة إن مادة الخميرة تسبب عمليات التخمير المعروفة.

الفطريات.. وحمض السيتريك

    في أوائل القرن العشرين، بدأ العلماء ينظرون إلى المايكروبات على أنها مصادر لمواد أخرى غير الكحول. وأول المركبات الكيمائية التي تم إنتاجها على مستوى واسع من الفطريات كان حامض السيتريك الذي يستخدم الآن لإضافة نكهات إلى المشروبات الخفيفة ولتحميض بعض الأطعمة.

    في البداية جرى إستخلاص الحامض من الفواكه الحمضية مثل الليمون واللَيم. ولكن في سنة 1917، أدرك حيمس كوري، أحد الكيميائيين لدى شركة بفايرز، أن هذا الحامض يمكن صنعه من الفطريات وبطريقة أقل تكلفة.

    كان الناس، حتى في ذلك الوقت، لا يدركون أهمية المايكروبات كمصدر للأدوية، وأول الإشارات التي المحت إلى إمكانية إحتواء هذه العضويات المايكروبية على عقاقير ظهرت عام 1928، عندما غزت بعض الطحالب طبقًا زجاجيًا مخبريًا في مختبر الكسندر فلمنغ في لندن. لقد بدا أنها تعيق نمو البكتيريا في الطبق. وبالنسبة إلى فلمنغ اللماح فإن ذلك لا يعني سوى شيئًا واحدًا وهو أن الطحالب أفرزت مادة قتلت البكتيريا. وقد أدت ملاحظة فلمنغ هذه إلى إنتاج أول مضاد حيوي وكان ذلك في أوائل الأربعينيات، وكان ذلك المضاد الحيوي هو “البنسلين.”

سباق محموم للقضاء على الأمراض

    أطلق إكتشاف البنسلين موجة جديدة في عالم الطب وهي الموجة الحيوية، وجرى سباق محموم للعثور على مواد مايكروبية تستطيع مسح البكتيريا المسببة للأمراض. وأستطاع ذلك السباق أن يجد مئات المضادات الحيوية المنقذة لحياة الكثيرين منها: التتراسايكلين، الستروبتومايسين/ والترامايسين، والأرثرمايسين وغيرها الكثير.

 

  وخلال السنوات الماضية أتسعت دائرة البحث لتتعدى دائرة العدوى البكتيرية وتشمل مشاكل طبية أخرى مثل أمراض القلب، ورفض الجسم لزراعة الأعضاء. والنجاح في هذه المجهودات الحديثة يُعتمد، ليس فقط على الحظ، بل وعلى فهم أكبر للتركيبات الجزئية لمسببات الأمراض. ومن الأمثلة البارزة على ذلك العقار “ميكافور” الذي يعمل على تخفيض الكليسترول. في السبعينيات من القرن الماضي (العشرين) بدأ علماء “ميرك” البحث عن مركب طبيعي يعمل على تخفيض مستويات الكوليسترول لدى الناس، وبالداراسة العقلانية توصل الباحثون إلى أهدافهم. في البداية درسوا كيف يعمل الجسم على تركيب الكوليسترول، وحددوا خطوة كيميائية يبدأ منها العقار بالتدخل، ثم أعدوا أختبارًا لمادة تعمل على إعاقة هذه الخطوة.

    وبعد اجراء آلاف المعالجات الكيميائية الطبيعية من خلال هذا الإختبار توصلوا في أوائل الثمانينيات إلى مادة كيميائية في عينة من التربة جلبت من أسبانيا. وفي سنة 1971 كان العقار “ميكافور” في الأسواق.

عقار لتحييد جهاز المناعة

    وقد أدى أختيار جزيئي آخر إلى الحصول على عقار ناجح أستُخلص من كتلة من التربة أخذت من سفح جبل تسوكوبا خارج طوكيو، عندما كان علماء في شركة الأدوية اليابانية “فيوجيساوا” يبحثون عن عقار يعمل على إخماد جهاز المناعة. مثل هذه العقارات تعطى عادة لمن تجري لهم عملية زرع أعضاء، لمنع ذلك الجهاز من رفض الأعضاء الجديدة. كان علماء “فيوجيساوا” قد عملوا على تطوير مركب يعمل على إخماد مؤثرات تحدث من تفاعلات جزئية.. وفي سنة 1994 تمت الموافقة على العلاج بـ”روغراف” من قبل إدارة العقاقير والغذاء في الولايات المتحدة لإستخدامه في عمليات زرع الكبد.

الإنزيامات البروتينية

    وفي غضون ذلك أتسع إستخدام المايكروبات ليشمل مجالات أبعد بكثير عن مجال الكحول وحمض السيتريك. والعديد من الشركات تستفيد الآن من جزئيات بروتينة تسمى أنزيمات تصنعها المايكروبات.

    هذه البروتينات تحفز تفاعلات كيميائية معينة مما يجعل الأمر ممكنًا بالنسبة للمايكروبات لتدمر طعامها. إلا أن نفس البروتينات يمكنها كذلك مساعدة عمليات كيميائية مفيدة للناس، فعلى سبيل المثال في المنظفات تعمل الإنزيمات المايكروبية على هدم بقع الدهون، النشا والبروتينات. وإضافة إلى ذلك توجد إنزيمات تقدم خطوة أخرى، مثل: إنزيم “كيرزيم” الذي يستخدم كمادة تنظيفية يجعل المنسوجات النظيفة تبدو  وكأنها جديدة. وذلك بإزالة التشابكات النسيجية (التجاعيد) الناجمة عن عمليات الغسل المتكررة.

إنزيمات لفصل الألوان

    عملت شركة “نوفوفورديش” على تقديم إنزيم جديد أستخلص من فطريات أخذت من التربة يعمل على الإستغناءعن عملية الفصل بين اللون الأبيض والألوان الأخرى، وهنا أصبح الغسيل غير ضروري، إذ أن الإنزيم يعمل على تكسير ئاي صبغ يطفو في محلول، وبذلك يمنع الصبغ الذي ينحل عن قطعة من بعض الملابس من الإنتشار إلى قطع أخرى.

تحسين نتاج عصير الفواكه

    وفي صناعة الغذاء هناك إنزيمات مايكروبية تعمل على تحسين نتاج ونوعية عصائر الفاكهة وذلك بهدم الجزئيات غير المرغوب فيها في الفاكهة. والإنزيم الذي يعمل على تحليل النشا يساعد في الحفاظ على نضارة الخبز وبقائه طازجًا لمدة أطول.

    الكثير من الإنزيمات المايكروبية تعمل ليس فقط بشكل أفضل من نظائرها التركيبية، بل إنها تفيد البيئة كذلك. فعلى سبيل المثال مركبات التبييض السامة مثل الكلورين تستخدم عادة لإنتاج الورق ذي النوعية العالية. على أية حال، فقد تم إكتشاف إنزيم جديد يطلق عليه إسم “نوفو” يجعل الورق أكثر حساسية للتبييض لدرجة أنه يحتاج كمية أقل من الكلورين. وهناك إنزيمات تستطيع كذلك تخفيض كمية السلفايد الملوث المطلوب لمعالجة الجلود ويحل محل الهكسين في إستخلاص الزيوت من النباتات* على الرغم من أن المنتجات ا لمايكروبية وغيرها، فكل واحد منها يسجل نهاية لطريق طويل، إبتداء من عملية التجميع حتى الوصول إلى الأسواق.

    إذ أن الحصول على موافقة الدولة يحتاج تحديدًا لمدة أربعة عشر سنة بعد حصول الباحث على نتائج مخبرية واعدة. وليس مدهشًا أن تعمل شركات الأدوية على تطوير وتحسين طريقة جديدة للأنتقال بالعقاقير المحتملة من خطوة إلى أخرى حتى تصل إلى الموافقة.

    في مقر شركة بفايزر في يغروتون كونكنيكتب، تبدأ العمليات في مختبر ليانغ هيوانع، وهو المسؤول والقيم على مجموعة مكونة من 50,000 مزرعة مايكروبية تابعة للشركة. إن فريق هيوتنع مسؤول ليس فقط عن حفظ الفطريات والتأثير النفسي بل وعن تجميعها وتربيتها، ومعالجتها حتى تولدِ مستحضراتها الطبية الفريدة.

دور الروبوت والكمبيوتر في العملية

    بعد أن ينهي هيوانغ أعماله، تقع المواد الكيميائية المتولدة من المايكروبات بين يدي روبن سبنسر مساعد مدير العلاجات الإستكشافية، وأجهزة الروبوت التابعة له. واحد من هذه الأجهزة يستخدم أنابيب ماصة رفيعة جدًا لسحب السائل من مجموعة من الأوعية البلاستيكية المتراصة والتي يبلغ  حجم الواحدة منها حجم قلم رصاص، ثم تنزلق يد الروبوت المعدنية إلى قوارير بلاستيكية أخرى لصب السائل في الوعاء المستقبل المعّد لذلك من أجل الإختبار. وبتوجيه كمبيوتر نقال مُقام على طاولة قريبة، يعمل الروبوت على مدار الساعة وهو يقوم بقياس العينات. إنه عمل متشعب قد يؤدي بالفرد إلى الخبل والجنون.

إختبار 7200 مُركَّب كل ليلة

    هناك روبوت آخر يختبر حوالي 7200 مركب كل ليلة لمعرفة مدى تأثيرها على الأمراض. ويقوم الروبوت الثاني بإضافة مادة كيميائية “مستهدفة” إذ كل من القوارير التي ملأها الروبوت الأول قد تم اختبارها. وبذلك تنطلق آلاف التفاعلات الكيميائية المختلفة. في الصباح، يستطيع سبنسر وفريقه أن يتحققوا غالبًا من خلال اللون، إن كانت هناك تفاعلات كيميائية واعدة.

    مثل هذه العمليات الأوتوماتيكية التي تعرف في الصناعة بإسم “المراقبة عالية الدقة”، قد حَوَّلت بشكل كلي الطريقة التي يعمل بها مختبر سبنسر. ويعلق على ذلك عالم الكيمياء الحيوية النشيط، فيقول: <قبل تسع سنوات كان يعتبر عملاً بطوليًا أن تجري ألف (1000) إختيار في السنة. الآن نقوم بإجراء ثلاثماية ألف إختيار في نصف سنة” المقدرة على إختيار العديد من المركبات بسرعة أمر مهم لإعطاء فرصة للعثور على عقار واحد. ومع ذلك فإن الإسراع في عملية الإختبارات ليس بالضرورة أن يؤدي إلى الإسراع في معدلات العقاقير التي ستدخل إلى السوق. ذلك لأنه على العقاقير المتوقعة أن تجتاز العديد من الحواجز الإضافية بما في ذلك الصعوبات الناجمة من الإنتاج بكميات كبيرة وجولات مطولة عديدة من التجارب الإكلينيكية قبل البدء بعمليات العرض للبيع.

الأماكن الغريبة هي المفضلة

    في الوقت الذي تأخذ فيه المواد الواعدة طريقها إلى مستودعات العقاقير. يستمر هيوانغ والباحثون البيولوجيون الآخرون في تجنيد عناصر مايكروبية جديدة. ويحاول العلماء قدر إمكانهم أن يوسعوا مدار نشاطاتهم خارج نطاق تربة الحدائق، وذلك بحثًا عن المايكروبات في المواقع الغريبة النائية مثل كهوف الخفافيش، الينابيع الحارة، البراكين الراقدة تحت البحار، الأحافير وحتى المومياء. ذلك أن البيئات غير العادية تولد مايكروبات غير عادية. فعلى سبيل المثال: تعيش في حجارة الينابيع الحارة الصفراء مايكروبات تفرز إنزيمات مثبتة للحرارة، وهذه تكون مادة ذات فائدة في تحضير الأطعمة وصناعات أخرى.

بكتيريا عملاقة

    وبالفعل، فحالما يسمع الباحثون بوجود مايكروبات غريبة يتوجهون إلى أماكن تواجدها. لقد تم قبل سنوات اكتشاف مجتمع من البكتيريا العملاقة على عمق 1000 قدم تحت الأرض، وذلك بالقرب من مصنع نهر سافانا الحكومي جنوب كارولينا.

    والعلماء الآن يتهافتون نحو نتاركتيكا بحثًا عن مايكروبات تحب البرد، ويقوم الآن عالم الكيمياء في جامعة كورنيل، جون كلاردي ورفاقه بالعمل على تصنيف النباتات لعزل فصائل من الفطريات التي تعيش داخل الأوراق وعلى السيقان.. يقول كلاردي أن هذه العملية تسمى “البحث عن شيء ما مختلف”، إذ أن هناك مكانًا محددًا لكل منها، ويبحث أحد العلماء في جامعة أيوا عن وجود فطريات مقيمة في براز الحيوانات، ويعقب على ذلك كلاردي بقوله:” إن تلك منطقة خصبة.

    ولكن هناك الكثير من النفائس المايكروبية تنتظر من يزيح النقاب عنها في الملاعب، الساحات، والميادين وغيرها. التربة أغنى مصادر المايكروبات.

وهذا يفسر لماذا بعض الباحثين يحملون معهم ملعقة وصندوق من الحقائب أينما يذهبون.

أما هيوانغ فيقول: “مقدر لنا أن نعود دائمًا إلى التربة”.   

*الهكسين مادة مذيبة، سامة، ومفجرة

شاهد أيضاً

حـ.ركة أمل ودّعت المجاهد الراحل الحاج عاطف عون بمأتم مهيب في الشبريحا

مصطفى الحمود بمأتم مهيب، شيّعت حـركة أمل أحد قادتها المؤسسين عضو المكتب السياسي في الحركة …