ردّ سنّي جامع على “الانقلاب الدستوري”: لا اعتذار

رضوان عقيل

كل المؤشرات عن العلاقات بين الرئيسين ميشال عون وسعد الحريري في رحلة تأليفهما الحكومة المتعثرة، كانت تشير الى انها ستصل الى هذه النهاية غير السعيدة بين الرجلين. لكن ما اقدمت عليه رئاسة الجمهورية في مراسلات “مغلف” الاحد الذي بعثت به الى “بيت الوسط” جاءت مواد مضمونه على شكل فرض مدرسي. ولم يكن هناك من حاجة الى الاستعانة بخدمة الـ”أونلاين” في زمن التعلم عن بُعد.

وشكلت المفاجأة الكبرى التي خلّفت سيلاً من الاسئلة عن الاسباب التي دفعت الرئاسة الاولى الى ممارسة هذا الطقس مع رئيس مكلف، ولا سيما بواسطة هذا “المغلف” اللغم، مع الاشارة الى ان الاجواء تمر بغيوم سياسية ملبدة بين الطرفين زائد انعدام الثقة بينهما. وعندما وصل نموذج تعبئة الحقائب واسقاط الاسماء عليها مع التوزيع الطائفي وذكر المرجعية، اصيب الحريري بالصدمة ولم يكن يتوقع من عون ان يقدم على هذه الطريقة. ويبقى ان تطبيق القانون بحذافيره لا يتم بطريقة تصادمية، بل أثبتت التجارب ان المرونة المطلوب توافرها تكون في التطبيق ولم يتوصل الرئيسان الى هذا المخرج بعد. وكان الحريري بعد تلقيه هذه الرسالة قد عمد الى اجراء اتصال بالرئيس نبيه بري- وهو يلجأ اليه غالبا عند هذا النوع من الملمّات – واخبره بما تلقاه من الرئاسة الاولى في هذا الشأن. ولم يكتف الحريري بالاتصال فقط بل سارع الى ارسال نسخة الى عين التينة. وأجرى اتصالا مماثلا بالمعاون السياسي للسيد حسن نصرالله حسين الخليل. وسقط هذا التطور كالصاعقة على ثنائي “امل” و”حزب الله” مساء الاحد الفائت.

من جهته، لا يزال بري مصراً على رفض الكلام في الاعلام او الاطلالة على اللبنانيين في شكل مباشر ليتحدث عن كل ما يرافق تعثر ولادة الحكومة، ومن أجل ألا يظهر طرفاً يعول على موقعه والدور الذي يمكن ان يلعبه بين رئيس البلاد والرئيس المكلف في نهاية المطاف ومهما اشتدت الازمات بين الرئيسين وارتفعت المتاريس. ومن الصعب هنا الفوز بكلمة من بري حيال هذه المعضلة. وكان كثيرون من المتابعين ولو لم يؤيدوا الحريري او يلتقوا معه، قد وقفوا الى جانبه وساندوه في ردة فعله وجوابه على عون من على منبر قصر بعبدا، الامر الذي رفع رصيده في بيئته. واعتبروا ان ما اقدمت عليه الرئاسة الاولى انقلاب على الدستور من دون اللجوء الى استعمال الدبابات والصواريخ، بل ان ما حصل استهدف القواعد الدستورية في الصميم وكل ما يرافق عملية ولادة الحكومة بين رئيس الجمهورية والرئيس المكلف، بغضّ النظر عن اسم الحريري او سواه. ولا يخفي العونيون انهم لا يريدون الرئيس المكلف الحالي.

وعند التدقيق بحسب متابعين لما دار بين عون والحريري في المراسلات ولقاء الاثنين، يرون ان رئيس الجمهورية لن يتزحزح عن المطالبة بالحصول على الثلث المعطل وحجزه له ووضع الوزراء المسيحيين في خانة مرجعيته وتحت سيطرة قراره. وعندما سأله الحريري: أين جبران باسيل هنا من هذه العملية، وهل سيمنح تكتله النيابي الثقة للحكومة؟ كان جواب عون: “جبران حر في منح الثقة او عدمه وعلاقتك معي”.

هذا ما يريده عون، سواء كانت التشكيلة من 18 او 20 او 30 وزيرا، لا بل ان خبراء قدامى في شخصيته وتصرفاته وانفعالاته يرون ان طبائعه ومقارباته لم تتبدل منذ العام 1989 عندما كان قائدا للجيش الى اليوم حيث يمارس المقاربات والخيارات نفسها.

في غضون ذلك، لم تنته ذيول واقعة الاثنين بين الرئيسين حيث لا تزال تأخذ مساحة من النقاش والمتابعة عند سائر الافرقاء ولا سيما عند المكون السني. وكان ما اقدم عليه عون ورد الحريري محل متابعة حثيثة عند رؤساء الحكومات السابقين نجيب ميقاتي – أول من رد على رسالة عون – وفؤاد السنيورة وتمام سلام. وفي المعلومات انه تم عبر هذا النادي استمزاج آراء مجموعة من الفاعليات والنخب السنية اول من امس من الذين يلتقون مع الحريري او يخالفونه الرأي ويعترضون على سياسات العونيين. وكان التركيز على بقاء الحريري مكلفاً تأليف الحكومة او اقدامه على الاعتذار وقلب الطاولة والرد على رئاسة الجمهورية.

واستقرت أكثر الاجوبة على عدم التوجه الى الاعتذار ليس من باب حفظ موقع السنّة فحسب، بل من زاوية المصلحة الوطنية لكل اللبنانيين وعدم ترسيخ مفاهيم خاطئة تضر بالمنصب الاول في البلد والذي يشغله ماروني، وان المسألة هنا لا تنحصر بالطائفة بل بكل البلد. وخلصوا بالتشاور مع مفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان الى ان ما فعله فريق عون يؤدي الى هدم قواعد الجمهورية التي قامت من أيام بشارة الخوري وكميل شمعون وفؤاد شهاب الى اليوم. وما فعله عون، بحسب خلاصة القراءة السنية، اوصل لبنان الى هذا الدرك من التراجع، وان هذا الاداء المرفوض في ذكرى مئوية لبنان الكبير من طرف العونيين اصاب لبنان في الصميم وضرب أسس الجمهورية، وان المسألة لا تتعلق بصلاحيات رئيس الحكومة.

radwan.aakil@annahar.com.lb

شاهد أيضاً

السِت أم كلثوم في أغنية «ظلمنا الحُب» قالت :

  «أنا وأنت ..نسينا حتى نتعاتب ونتصالح ، وعز عليك تسيب العِند وتسامح ، وعز …