أدباء وشعراء

إعداد وحوار الشاعرة رانية مرعي

الشاعر حسان منذر حاصل على كفاءة أدب عربي من كليّة التربية ، إجازة أدب إنكليزي من كليّة الآداب ماجستير علم نفس تربوي من جامعة يوتا الأميركيّة ودبلوم إدارة مدارس أمريكيّة .
علّم في ثانويات جب جنّين وصيدا وبعقلين وعمل في الإدارة لأكثر من عشرين عاماً في مدارس شركة أرامكو السّعوديّة. كما أسّس مدرسة خاصّة عام ٢٠٠٠ أدارها بشكل مباشر.

بدأ الكتابة صدفةً في السّابعة والأربعين من العمر. صدر له حتّى الآن خمسة دواوين شعريّة؛ أربعة باللّغة العربيّة وواحد بالإنكليزيّة.
لم يشأ توزيع كتبه في المكتبات لسببين: الأوّل عمله الذي لم يسمح له يوماً متابعة الحركة الأدبيّة. والثّاني، هو حسب قوله أنّه لا يعنيه أن يكون شاعراً مكرّساً محترفاً، ولا تعنيه الشّهرة.

كتب القصيدة العموديّة بأنماطها المختلفة وقصيدة التّفعيلة وقصيدة النّثر والنّثر الشّعريّ. كما كتب القصيدة الكلاسيكيّة الموزونة المقفّاة والشّعر الحرّ والحديث باللّغة الإنكليزيّة.
الشاعر حسان منذر امرؤ تخلّى عن كلّ هويّة ومعتقد وقيد، يعشق الحريّة والرّيح وما وراء الأفُق .
قلمه يشعّ بالإبداع الذي ينتقي معانيه الأثيرية بحرفية عالية.

الشاعر حسان منذر:

أقصى طموحي هو أن تكون لي هويّةٌ في أيّ بلدٍ لا يتنفّس الدّين بل الإيمان ويعيش على الخير والحبّ والفرح،

*ما هي القضية التي ينتصرُ لها قلم الشاعر حسان منذر ويجنّدُ لها أبجديّته؟


الدّين والحضارة العربيّة كانا وما يزالان قضيّة عُمري. ولقضيّة الدّين أسباب، أهمّها:  

  •  رفضي لفكرة الوحي فأنا لا أستطيع أن أومن أنّ الأديان أنزلت عبر الوحي، رغم أنّي شديد الإيمان بالله.
  •  رفضي لفكرتي التّأويل والإفتاء، وأرى أنّه لا يمكن أن يكون الدّين من الغموض بما يستدعي أكثر من فهم واحد. التّأويل والفهم الآخر كانا سبب نشوء المذاهب التي كانت وما زالت وستبقى تتصارع بشراسة حتّى قيام السّاعة.
  • رفضي لفكرة أن يكون الدّين دين دولة، حيث أنّ هذا يضع الأقليّات خوارج في أوطانهم.
  •  ما نتج عن الفكر الدّينيّ في الشّرق والغرب كان وما زال كارثيّاً تماماً.  أعجب كيف لا يعترض المؤمنون الحقيقيّون ولا يندّدون أو يحرّمون ممارسات اتباع الفكر الأصوليّ.
  •   لا أفهم كيف كانت للمرأة في الجاهليّة مكانة تفوق مكانة الرّجل أحياناً فجعلها الدّين ممّا تمتلك الأَيمان. لا يشكّ إنسانٌ في أنّه ابن أمّه إلاّ أنّه يشكّ في كونه ابن أبيه. لذلك يجب أن ينتسب المرء لأمّه لا لأبيه. ربّما كانت مأساة المرأة سببها الأنبياء وكلّهم ذكور شرّعوا بما يناسب ذكورتهم.
    أمّا في موضوع الحضارة، فحضارتنا العربيّة كانت حضارة غزوٍ وقتلٍ لم يتوقّف حتى بعد نزول الرّسالة. لقد قُتل ثلاثة من الخُلفاء الرّاشدين، واستمرّت الغزوات تحت مُسمّى فتوحات، واستمر القتل ولم ولن يتوقّف. ولا غرابة في أن يكون السّيف العربيّ اليمانيّ أشهر السّيوف.
    أفتى أحد أمراء الأصوليّة بحلال قتل الخاطي والبريء، إذ أنّ قتل الخاطي يعجّل وصوله إلى جهنّم التي هي مصيره على كلّ حال، أمّا البريء فإنّ الله يعوّض عليه بجعله من أهل الجنّة.
    ما سبق، يجعلني أرفض هويّتي الدّينيّة وهويّتي الحضاريّة وهويّتي الوطنيّة بعد الذي أوصلنا إليه قادة الوطن المجرمون.
  • أقصى طموحي هو أن تكون لي هويّةٌ في أيّ بلدٍ لا يتنفّس الدّين بل الإيمان ويعيش على الخير والحبّ والفرح، أعيش فيه بقيّة العُمر، وفيه أُدفن عزيزاً.
     
  1. *تقول أن الشهرة لا تعنيك وترفض وضع كتبك في المكتبات. كيف ستجدُ الكلمة طريقها إلى الحرّية إذا بقيت حبيسة قرارك؟
  2. لا أبحث عن الشّهرة ولا تعنيني إن أتتني، لأنّها لا تزيد شيئاً على كبريائي وثقتي بقلمي واحترمي لما أكتب. ثمّ إنّ وضع أوّل كتابين نشرتهما على القائمة السّوداء العربيّة شكّلا لي صدمة وإن غير مُستغربة فأنا أفهم تماماً أنّ الثرثرة محرّمة في السّجن العربيّ الكبير.
     
  3. *حدّثنا عن تجربتك في الكتابة باللغة الإنكليزية. هل فاض قلمك بما لم يستطع البوح به باللغة العربية؟
  4. ديوانيَّ الأول والثاني كانا كثيفين مُرهِقَين عبّرت فيهما عن آرائي تُجاه الحضارة العربيّة والدِّين،  وقد علمت بعد صدورهما بأسابيع أنّهما وُضعا على القائمة السّوداء في بلاد الرّمل والسّراب والأشباح.  اخترت بعدها أن أتحوّل للكتابة باللّغة الإنكليزيّة عن قضايا أخرى تتعلّق بآلهة الأرض وسكّان الأرصفة وحقوق المرأة المهمّشة والمنبوذة والقطعان البشريّة وآلام الإنسان والبعث وقضايا حياتيّة أخرى. شجّعتني على الكتابة بالإنكليزيّة بيئة عملي، إذا كنت أعمل في مدارس أمريكيّة، وكان رؤسائي وزملائي يفرحون كثيراً بقصائدي ويجدون فيها ما لا يجدونه في القصائد الأمريكيّة، أعني نبض القصيدة وتوتّرها اللذين يندسّان في النصّ دون قصدٍ منّي. النّبض، أحد سمات اللّغة العربيّة، تخلقه تفاعيل الشّعر العربيّ. باللّغة الإنكليزيّة كتبت قصائد موزونةً مُقفّاة كما كتبت بالشّعر الحرّ، وقد كانت تجربةً غزيرةً كثيفةً ميّزها إيقاع الشّعر العربيّ ونبضه.
     
  5. *رحلتك مع الشعر رحلة تجريب، فقد تناولت القصيدة بكل أنواعها. هل وجدت هويّتك الشعرية أو أنّك هذا الكلّ مجتمعاً؟
  6. ما زلت حيّاً لأنّني ما زلت حرّاً.  الحريّة شرط الإبداع، والإبداع لا يمكنه أن يكون مؤطّراً. لذلك، أرفض مقولة “الأسلوب هو الرّجل” لأنّها تعني أنّ لكلّ رجلٍ إطاره، ولكلّ أديبٍ أو شاعرٍ قفَصه الذي هو أسلوبه.  الإطار كما القفَص ضدّ الحرّيّة.  
    وربّما كان الغضب والحقد المقدّس على الظّلم والشرّ يشكّلان الحبل السرّي لكتاباتي. أمّا بالنّسبة للهويّة الشّخصيّة والشّعريّة، فأنا أكدح للتّخلص من بقاياهما.  لا كرامة بلا حريّة ولا إبداع من دونها.
  7. عمليّة الإبداع معقّدة، يتحكّم فيها الوعي واللاوعي. هل حدث أن فاجأتك قصيدة كتبتها دون تخطيط؟
  8. الشّعراء ثلاثة: واحدٌ يجلس ويكتب قصيدة، وآخر هو دائماً في انتظارٍ تسقّط القصيدة، وثالثٌ قد يكتب ساعة يشاء وقد تأتيه القصيدة في لحظةٍ غير متوقَّعة. والقصائد التي تهبط علينا ليست من السّماء ولا هديّةً من عبقر، بل هي نتيجة فكرةٍ تشغل بالنا والرّوح لفترةٍ قد تقصُر أو تطول، ثمّ هي تهبط علينا عندما تختمر في الوعي أو اللاّوعي أو الأرخبيل الغامض الفاصل بينهما. هذه القصائد هي الأصدق والأنقى، والقصائد التي يجهد الشّاعر لكتابتها هي غالباً قصائد مناسبات ينقصها الرّوح. القارئ المحترف والشّاعر الحقيقيّ يمكنهما التّمييز بسهولة بين النّوعين.  أنا، شخصيّاً، لا يُمكنني إطلاقاً أن أجلس وأكتب قصيدة.
     
  9. *هل المكر في طرح الفكرة استثمارٌ غنيّ وعميق في طرح التساؤلات عند القارئ ؟

  10. الغموض المقصود يعود لأحد سببين:  الخوف من الوضوح في طرح القضايا الخطِر طرحُها، أو التّساؤل الموحي الذي يستثير رغبة القارئ في التّفكير لفهم الاحتمالات التي قصدها الشّاعر. فالغموض هو في الحالين مُبرّرٌ، وله رونقه.
     
  11. *هل القصيدة الوطنيّة حائط يتّكئ عليه عجزنا أم شباكٌ نطلّ منه إلى النور؟

  12. القصائد الوطنيّة كالمديح، غالباً ما تنحو نحو الصّنعة والمبالغة وتفتقد الصّدق، إلاّ أن الشّعراء المسكونين بقضايا الوطن يكتبون قصائد فرضَت على الشّاعر كتابتها.  في هذه الحالة، تكون القصيدة صادقة وتضجّ بالانفعالات غير المتكلَّفة.
     
  13. يقول الشاعر لويس أراغون” لولا الشعر لأُصبنا جميعاً… بالسكتة القلبية ” هل القصيدة هي متنفّس للشاعر أو للقارئ؟
  14. بالنّسبة للقارئ، جماليّة الشّعر تجعله – بوجهٍ من الوجوه –  كالفنون الجميلة التي تمنع حدوث السّكتات القلبيّة، أمّا بالنّسبة للشّاعر، فإنّ قلق الكتابة قد يكون سبباً في حدوث السّكتات. الفرح الذي يجتاح الشّاعر بعد إنجاز كتابة قصيدته، فرحٌ من نوعٍ أثيريّ يرفع الشّاعر فوق نوازع النّفس وتفاهات الحياة .

٩ أترك لك الختام مع قصيدة تهديها لقراء كواليس

الصَّـلاة الأخـيرة


دمعٌ على الرّوح والأنفــــــاس تضطـــربُ
والقلب أرهقـــه الإعيــاء والكَـــــــــرَبُ

قـد كنّـا نحلمُ والأحـــلام مزهرة
عمتُــم ربيعـــاً، فأين الزّهــر يا عربُ؟

هـــــذا ربيعكــمُ تصفــــــــــرّ خُضــرتـُه
قبل الرّبيـــع، فبئسَ السّــعي والــــــدّأبُ

بغــداد أحنــــت لحـــدّ السّـــيف هامـــته
ومثلـها انهدمــت في نبضــها حلـــــــــبُ

وتونـــسُ احترقــت أزهــار ثورتــــــــــــها
وليـبـــيا عصفــت في فجــرها النّــــوَبُ

ومصــر نــاءت بعـبء الدّيـــن أرهقــها
مـدّ التطـرّف جـــزرُ الـــدّين لو حسـبوا

هــــذا يجاهد قتــــلاً كرمـــى جنّـــــــته
وذا شـــهيدٌ لــه فــي جنّــــــــــةٍ أربُ

كــــأنّ حاكمَـكــم في الأرض أفســدُكم
كــأنّ مرشـــدَكم للغيـــب مرتكـــــــبُ

فكيف يسـلم من أعراضكــم شــــــــرفٌ
فيما الأنوثــــة في الألفــاظ تُغتصــــبُ؟

شُـدّوا الرّحال إلى مــــاضٍ يســـــاكنكـــم
نَســـلُ الأحـافــير أنتــم أيّـــها العربُ

شُـدّوا الرّحال، فهـذي الأرض تمقتكــم
على مضــاربكــم لن تمطــرَ السُّـــحبُ

تلك المضـارب لفــح الرّيــح صـوّحــها
والأرض قفــرٌ فلا نخـــلٌ ولا قصــــــبُ

تلك الصحــاري يَبــابٌ لا حـيــاة بهـــا
حتّى السّـرابُ عليــها طبعُــه الكــــذبُ

فابكـوا على طَلـَـلٍ وارثــوا مآثرَكــــم
أطلالُــكـم نَــدَبٌ آثارُكـــم خِــــــــرَبُ

ناموا على الدّمع يا عربان، واغتسلوا
مــــــن المهانـة فالتاريــخ يحتســـبُ

نامـوا على الحـــزن وانهــدّوا على نـدمٍ
قد كان أجـــدرَ لو أحزانُكــم غضـــــــبُ

نامـوا على الــذلّ، كان الـذلُّ جنيَــكـــم
دقّـوا الكؤوس فخمــر العـــار تنســـكبُ

ناموا على الرِّجس وارتاحوا على دَنَـــسٍ
كفَّرتُــمُ الـدّيــــن والديّـان يا عـــــــربُ

أوبــوا إلى الخـوف كي ســــراً يضاجعكــم
من الكوابـيـس ما الأرواحَ يســــــــــتلبُ

هبّـوا إلى المــوت علّ المـوت يرحمُكــم
إنّ الصّلاةَ على أرواحكـــم كذبُ

أنـــا التّـراب، جـــذور الأرز في رئــــتي
أروي الغصــون، فللعَليــاء تنجـــــــذبُ

مشـيت دربــيَ محمــولاً على حلــــمٍ
ما فـــلّ دأبـــيَ وَعـــرُ الــــدّرب والتّعـبُ

وكنت أسـقي يبــاس العمــــــر من عــــرقي
وأشــبع الـرّوح ممّـــا يقطُــــــــــــر الأدبُ

وظلّ رأســيَ فـــوق الشّــمـــــس من كِـــــــبَرٍ
وظلّــت الـــرّوح  للإنســــــــان تنتســــــــبُ

وكنـــت أشـمخ عـــزّاً فـوق ذلّتهــــــــم
وأمحو بالقلــــم الوضّـــاء ما كتبوا

وكنت أنشُــد عيشــاً في حــمى وطــــــنٍ
للحـــقِّ فيــه تمــامُ العــدل والغلـــــبُ

ماذا جنـيــــــتُ وعـار العرب يتبعــــــــــني
أنّى ذهبـــت، كظــلٍّ ليــــــــس يغتـــربُ؟

إنّــــي بَـريءٌ مــن العُربـان ما نبضـــــــت
فيَّ العـروق وأذكــــى عزمـــيَ العَصَـــبُ

هبّـــوا إلى المــوت، يا عُربـــانُ، يرحمُـــكـم
مـا للصّــلاةَ على أرواحــكـم ســــــــببُ

شاهد أيضاً

إمام استقبل وفدًا من قوى الامن في مدينة طرابلس: “حفظ الأمن في المدينة اولوية”

استقبل مفتي طرابلس والشمال الشيخ محمد إمام في مكتبه في دار الفتوى في مدينة طرابلس …