تقليم مخالب “بن سلمان”.. الدولة العميقة الأمريكية ونية التغيير

حسن العمري

يس جزافاً إن قلنا أنه لم يعد بوسع الإدارة الأمريكية ولا رغبتها في مواصلة دعم “محمد بن سلمان” في السلطة فكيف بلوغه العرش.. لقد فقد بريقه لدى الدولة العميقة وباتت إرادتها على التغيير بعد أن أوعزت للرئيس الأمريكي الجديد “جو بايدن” بتقليم مخالبه المتقطرة منها دماء سعودية وإقليمية وبات العجز واضحاً كوضوح الشمس في يوم صيف حار بخصوص الحرب على اليمن وما بلغته الماكنة العسكرية اليمنية من تقدم مباغت للأعراف العسكرية الدولية وبات استهدافها اليومي للعمق السعودي لعبة “ببجي”. يقول “غريغوري ميكس” رئيس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب، “بالنظر الى الخلاصات التي توصل إليها التقرير حول الدور المباشر لمحمد بن سلمان في قتل الصحفي السعودي “جمال خاشقجي” فإنني أتطلع الى مزيد من الخطوات باتجاه المحاسبة.. الوثيقة الرسمية للحكومة الأمريكية تؤكد ما أشارت إليه التحقيقات السابقة من أنه بما كان لديه من سيطرة وسلطة على قوة “التدخل السريع” السعودية والأجهزة الاستخبارية الأخرى، فهذا يعني أنه بالفعل مشارك بشكل مباشر.. سأعمل مع إدارة بايدن لإتخاذ خطوات إضافية لضمان أن كل واحد، بما في ذلك من هو على رأس هرم السلطة.. لا يجوز أن تمر الجريمة دون مساءلة…” مراقبون يرون أن مسألة صعود محمد بن سلمان إلى أعلى هرم السلطة لم يعد أمراً مفروغ منه، رغم أن محمد بن سلمان اعتقل خصومه، مثل عمه الأمير “أحمد بن عبد العزيز” (الذي يحظى بإعجاب كبير في المجتمع السعودي) والأمير “محمد بن نايف”؛ كما أنه ليس من المسلمات إذا كنت وليا للعهد، ستصبح ملكا.. فهناك ولي العهد “مقرن بن عبدالعزيز” ومن بعده محمد بن نايف اللذان عزلا عن منصبيهما بحد السيف وخدع محمد بن سلمان، فإذا فُرضت عقوبات عليه ستتوقف البلاد بأكملها، ولن يكون أمام الملك “سلمان بن عبدالعزيز” خيار سوى عزل ابنه، حتى لو لم يرغب في ذلك”. المديرة التنفيذية لمنظمة الديمقراطية الآن للعالم العربي “سارة ليا ويتسون” تقول: “من الأفضل للملك سلمان وأي مستشارين مستقلين يعملون معه أن يعيدوا النظر في جدوى بقاء محمد بن سلمان وليا للعهد. لقد أثبت مرارا وتكرارا أنه يشكل خطرا على المملكة ومحيطها، وقد أصبح منبوذا من المجتمع الدولي”.. فيما مصادر مقربة من البيت الأبيض كشفت النقاب من أن العلاقة الوثيقة لمستشاري بايدن بولي عهد أبوظبي “محمد بن زايد” ووجود “بريت ماكغورك” منسق شؤون الشرق الأوسط وشمال أفريقيا داخل مجلس الأمن القومي، عاملان مساعدان لإفلات “بن سلمان” حتى الآن من العقوبات على خلفية تورطه في مقتل خاشقجي. حكاية الرياض وواشنطن مع نجل سلمان هي حكايتنا هذه التي تقول “اشترى رجل حمارا لأول مرة في حياته، ومن فرحته به أخذه إلى سطح بيته. وصار الرجل يدلل الحمار ويريه مساكن قبيلته وعشيرته من فوق السطح، حتى يتعرف على الدروب والطرق.. ولا يتيه حين يرجع للبيت وحده.. وعند مغيب الشمس أراد الرجل أن ينزل الحمار من على السطح لإدخاله الإسطبل، فحزن الحمار ولم يقبل النزول.. فالحمار أعجبه السطح وقرر أن يبقى فوقه.. توسله صاحبنا مرات عديدة.. وحاول سحبه بالقوة أكثر من مرة، أبدا لم يقبل الحمار النزول..لكن الحمار دق رجله بين قرميد السطح، وصار يرفس وينهق في وجه صاحبه..البيت كله صار يهتز، والسقف الخشبي المتآكل للبيت العتيق أصبح عاجزا عن تحمل حركات ورفسات الحمار..فنزل الرجل بسرعة ليخلي زوجته وأولاده خارج المنزل.. وخلال دقائق انهار السقف بجدران البيت ومات الحمار.. فوقف صاحبنا عند رأس حماره الميت وهو مضرج بدمائه.. وقال:”والله الغلطة مش عليك الغلطة عليا أنا لي طلعتك للسطح”..لمن الصعب جداً إنزال الحمير الذين تم إيصالهم لمكان غير مكانهم الحقيقي.. ولا يُلام إلا من أوصلهم لذلك المكان.. والعاقل يفهم. الصحفي البريطاني المشهور “ديفيد هيرست” سلط الضوء في تقرير له على ارتباطات بريت ماكغورك وباربرا ليف (مديرة قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في مجلس الأمن القومي، وكانت سفيرة سابقة لواشنطن في أبوظبي) بدولة الإمارات وولي عهد أبوظبي محمد بن زايد، وتساءل قائلاً: من ذا الذي نصح الرئيس جو بايدن بأن ابن سلمان لا يمكن معاقبته على الرغم من أن وكالة المخابرات الأمريكية خلصت الى أنه هو الذي أجاز احتجاز أو قتل الصحفي السعودي المعارض جمال خاشقجي؟!.. لقد وضع الرئيس الأمريكي الجديد نفسه في موقف حرج أمام الدولة العميقة الأمريكية التي تؤكد على ضرورة تغيير نجل سلمان الأرعن وإبعاده من السلطة حيث بقائه سيكلفها الكثير الكثير من ماء الوجه لدى المجتمع الدولي. الرئيس الأمريكي جو بايدن يرى نفسه بين مطرقة استمرارية الاستحلاب للبقرات الخليجيات بتغاضي الطرف عن إجرامها وديكتاتوريتها وقمعها وعنفها ضد جيرانها وفي داخل مجتمعاتها، وبين سندان تشدق القوة العالمية الكبرى بدعم حقوق الإنسان وحرية الرأي والتعبير تلك الواجه الجميلة الكاذبة المخادعة التي تعد من أكثر وسائل سيطرة الاستعمار الجديد على البلدان المتخلفة اجتماعياً سياسياً واقتصادياً كبلداننا الخليجية.. لقد إنتاب البيت الأبيض قلق إفساد العلاقات مع الرياض بفرض العقوبات على نجل سلمان ما يزعج مصانع الأسلحة التي ترى من الضروري التعامل مع حكام قتلة.. “لكن في خضم جدلية التوازن بين القيم والمصالح، فإن الخطر الأكبر هو أن محمد بن سلمان سيحكم بشكل متهور إن أصبح ملكاً وهو ما يخلق فوضى في المنظومة الخليجية، وحالة من التصدّع في العلاقات السعودية الأمريكية قد تستمر لعقود”- وفق “ديفيد سانجر” مراسل صحيفة “نيويورك تايمز” لشؤون البيت الأبيض والأمن القومي. الرئيس الأميركي جو بايدن وخلال مقابلة مع “شبكة يونيفيجن” (Univision) التلفزيونية، قال “تحدثت مع الملك سلمان يوم الخميس.. قلت له صراحة إن القواعد تتغير وإننا سنعلن تغييرات كبيرة.. سنحاسبهم على انتهاكات حقوق الإنسان”.. بعد ذلك أعلنت وزارة الخزانة الأمريكية فرض عقوبات على اللواء “أحمد عسيري” النائب السابق لرئيس المخابرات السعودية، وعلى قوة التدخل السريع السعودية، لتورطهما في اغتيال خاشقجي؛ فيما اعلنت الخارجية الأميركية حظر دخول 76 سعوديا وفقا لسياسة جديدة تحمل اسم “حظر خاشقجي”، وقالت إنها لن تتسامح مع أي تهديدات للنشطاء والمعارضين والصحفيين، أو الاعتداء عليهم نيابة عن حكومات أجنبية!!. تناقض واضح وكبير بين وعود بايدن خلال حملته الإنتخابية وبين ما صدر منه حتى لحظة كتابة هذه السطور فيما يقول مقربون منه أنه نقل رسالة الى سملن مفادها أنه لابد من البحث عن تغيير جذري بخصوص السلطة في المملكة ومن الضروري تغيير ولي العهد الحالي لمواصلة الدعم الأمريكي للعرش السعودي وسط متغيرات الوضع الاقليمي والدولي، وأنه بات من المستحيل التعاون مع شخص فاشل سياسياً واقتصاديا، ومنبوذاً في الوسط السعودي والإقليمي والدولي.. فيما يرى المجتمع الأمريكي أن قضية خاشقجي ستشكل الاختبار الحاسم لمدى التزام بايدن بانتهاج سياسة خارجية أخلاقية وبنشر الديمقراطية ومبدأ سيادة القانون حول العالم، تلك الشعارات الملونة التي رفعها قبل دخوله البيت الأبيض.

شاهد أيضاً

ماذا يحصل في العالم؟

ليون سيوفي باحث وكاتب سياسي لأول مرة بتاريخ البشرية تتضامن شعوب العالم مع بعضها ضد …