معرض رشيد كرامي الدولي… حلم طرابلس الضائع !!! (٢/١)

زياد سامي عيتاني*


تشهد مدينة طرابلس بين الفينة والأخرى إضطرابات وأحداث أمنية، وكذلك تحركات شعبية إحتجاجية تعبيراً عن شجبها ورفضها لواقعها الإقتصادي والإجتماعي المتردي، لا بل المنهار، سيما وأنها صنفت المدينة الأكثر فقراً على ساحل البحر المتوسط، رغم أنها العاصمة الثانية للبنان، وتزخر بالإمكانيات والموارد البشرية والأثرية والحيوية، دون أن توظف وتستثمر في مجالات تنميتها وإنتعاشها حياتياً ومعيشياً، وبالتالي إخراجها من بؤرة الفقر التي ترزح فيها منذ عقود من الزمن، لا بل على العكس تماماً، بإن فقراء المدينة يتحولون إلى وقود لنيران تصفية الحسابات السياسية، حيث تقوم جهات مجهولة-معلومة(!) بإستغلال حالة البؤس والعوز، من خلال تحريك مجموعات منهم للقيام بأعمال عنفية، وبالتالي تحويل المدينة إلى صندوق بريد لتبادل الرسائل على صفيح ساخن!!!
ومع كل حدث أمني في الفيحاء، تعلو الأصوات المطالبة بضرورة تفعيل المشاريع الحيوية في المدينة المعطلة والمهملة كنوع من الضريبة الإنتقامية للمدينة وأهلها، وذلك بهدف معالجة جزءاً من مأساتها المزمنة وإستيعاب الفئات الإجتماعية المهمشة، من خلال خلق فرص عمل لها.
ومن بين تلك المشاريع “معرض رشيد كرامي الدولي” الذي ما يزال رغم أهميته الفائقة مجرد حلم غير قابل للتحقيق!


ونظراً لأهمية هذا المرفق الإقتصادي، نسلط الضوء على تاريخه ومسار العمل فيه وتوقفه، والتقاعس بإبقائه جثة هامدة بلا روح:
•أهمية المعرض المعمارية والإقتصادية:
تكمن أهمية “معرض رشيد كرامي الدّولي” في طرابلس، من جهة بقيمته المعماريّة والجماليّة، حيث يعتبر تحفة فنّيّة معماريّة، ورمزًا للتّحضّر والحضارة في لبنان. ومن جهة أخرى، بما يتمتّع بقيمة إقتصاديّة مهمّة، إذ كان من المفترض أن يُستخدم معرض “رشيد كرامي الدولي” كمعرضٍ دائم ومتطوّر خلال المدّة المعروفة بالعهد الذّهبيّ اللّبناني، وذلك بهدف استعراض نموّ البلد وابتكاره، وموازنة النّموّ مع ما كان يعرف بلامركزيّة الأنشطة بين مختلف المناطق (فطرابلس هي ثاني أكبر مدينة لبنانيّة بعد بيروت).
ولا شك أنّ الطرابلسيين كانوا يعولون كثيراً على هذا المشروع الحيوي، ويعلقون آمالهم عليه، أملا أن يكون رافعة المدينة الاقتصادية، خصوصاً وأنهم كانوا موعدون بآلاف فرص العمل التي في حال أصبح في حينه معرضاً دائماً كما كان مقرراً له.


*إنطلاق العمل في المعرض:


يوم تقرر وضع مخططات بناء “معرض رشيد كرامي الدولي” في ستينيات القرن الماضي كانت مدينة طرابلس التي اختيرت لاستضافته عاصمة حقيقية ثانية للبنان، وكانت المدينة تعيش عصرها الذهبي، ويربطها ببيروت خط سكك حديدية، ومرفأها البحري ناشط، مع مشاريع لتشغيل مطار القليعات المجاور.
وقد بدأ تنفيذ المشروع عام 1964، ولكنه لم ينته حتى 1975 بسبب اندلاع الحرب الأهلية، حيث قبل فترة قصيرة من انتهاء هذا المشروع، اندلعت الحرب وتوقّفت عملية بناء المعرض.


*الرئيس شهاب صاحب الفكرة:

كان وراء مشروع المعرض رئيس الجمهورية الراحل فؤاد شهاب، الذي أراد للبنان معرضاً دائماً على غرار الدول المتقدمة، واختيرت قطعة أرض في ضواحي طرابلس كونها ثانية أكبر المدن في البلاد.
وفكرة إنشاء المعرض، جاءت نتيجة رواجها في بلدان أوروبية كثيرة في القرنين التاسع عشر والعشرين، حيث اشتهرت العديد من المعارض، وانتقلت الفكرة إلى الدول المجاورة حيث تم تأسيس “معرض دمشق الدولي” ومساحته 230 ألف متر مربع في العام 1955، و”معرض بغداد الدولي” ومساحته 300 ألف متر مربع في العام 1956، و”معرض إزمير الدولي” في تركيا ومساحته 460 ألف متر مربع في العام 1937.
وسعي الرئيس فؤاد شهاب إلى فرض نوع من الإنماء المتوازن، فأثمر في جعل طرابلس تكسب حق احتضانه.


•التصميم للمعماري البرازيلي نيماير:

تم تكليف المعمار البرازيلي الشهير أوسكار نيماير سنة 1962، (المكلف من قبل الرئيس جوسلينو كوبيتشيك عام 1956 بوضع مخطط لبناء عاصمة جديدة- كانت الحرب الأهلية قد اجتاحت البلاد) للقيام بوضع كافة التصاميم والدراسات المعمارية والعمرانية للمشروع.
وحينها لم يوافق نيماير على فكرة السور المحيط بالمعرض، إذ اعتبره إمتداداً عاماً للمدينة، وجزءاً من نسيجها، وهو يجب أن يكون بمثابة ساحة عامة لأهلها، إلا أن الضغوطات المحلية التي مورست لغايات أمنية، فرضت إنشاء السور مع لحظ فتحات ضيقة تسمح بالكاد بمشاهدة منشآت المعرض، الأمر الذي أزعج المعمار نيماير، لأن منشآت المعرض منخفضة نسبياً، ولم يعد بالإمكان رؤيتها إلا بعد دخول حرم المعرض.


•مساحة المعرض ومنشآته:

مساحة المعرض خصص لها ما يقارب مليوني متر مربع من المساحات المبنية، لحظت: مواقف لحوالي خمسة آلاف سيارة وطريق دائري بعرض إثنين وثلاثين متراً ومسار طوله ثلاثة كيلومترات، ويحتل حوالي ثمانية بالمئة من مساحة وسط مدينة طرابلس.ويضم تحفاً معمارية وهندسية عدّة منها: المسرح المكشوف، المسرح التجريبي، صالة العرض المقفلة، الجناح اللبناني، قاعة المؤتمرات، الفندق، متحف الفضاء، مكتب الإدارة، بيت الضيافة، قاعة المعارض، برج خزان المياه، متحف السكن، البيت النموذجي، مبنى الجمارك والدفاع المدني. وفيه 120 ألف متر من الحدائق، 20 ألف متر من البرك المائية، ونحو 20 ألف متر كسقف يمكن استغلاله.


غير أنه بعد الحرب، باءت جميع محاولات إعادة بنائه بالفشل. واليوم، يقبع “معرض رشيد كرامي الدّولي” على حاله نفسها منذ العام 1975، بكل ما أصابه من تهالك وتصدع من جراء الإهمال. وهو لا يُستخدم إلّا في المناسبات مثل مهرجان طرابلس السّنويّ الّذي يتمّ تنظيمه في المسرح المفتوح، وبعض المعارض المحلّيّة الأخرى…
-يتبع.
*إعلامي وباحث في التراث الشعبي.

شاهد أيضاً

سلسلة ثقافة الأدب الشعبي وثيقة إحياء الأصالة عن تراث (ج /٣٣)

الباحث الثقافي وليد الدبس الأدب الشعبي و صفر دائرة الثقاقة السياسية _ تعتبر الثقافة صفر …