“جذور فوق التُّراب” لعبد المجيد زراقط، وامتلاك “افتح يا سمسم” جديدة  

✍🏻بقلم الدكتورة هدى مجيد المعدراني
أستاذة في الجامعة اللبنانية كلية الآداب

“جذور فوق التُّراب” مجموعة قصص قصيرة جديدة ، صدرت عن دار ” روافد” ، في بيروت ، للأديب والناقد الأدبي عبد المجيد زراقط .
تفيد قراءة قصص هذه المجموعة أنَّها تقدِّم معرفة قصصية جماليّة بالواقع المعيش ، تنطق بناها بما يمكن تسميته ، بـ” افتح يا سمسم ” جديدة . لا تخفى دلالة هذه العبارة التُّراثيّة ، فقد كانت مفتاح “علي بابا ” لدخول مغارة اللصوص ؛ وهي هنا مفتاح أبناء الوطن الجميل لدخول مغارات فاسدي هذا الوطن ، وعودة الجذور التي قلعوها الى حضن التراب ، لتنمو وتبرعم وتزهر وتثمر …
تتضمن هذه المجموعة خمسًا وعشرين قصّة قصيرة، تتوزّع على حقبتين زمنيّتين ، يتّسع الفارق الزمنيّ الموضوعيّ بينهما، ليبلغ حوالى الخمسين عامًا. تتألف هذه المجموعة من قسمين ، تتضمّن الأولى ثلاث عشرة قصّة، ويتألف القسم الثاني من مجموعتين ، تحمل أولاهما عنوان : ” حكايات شرحها يطول ” ، وتصدر ثانيتهما ، كما القصص الأخرى عن الواقع المعيش . السؤال الذي نطرحه ، بعد قراءة هذه المجموعة هو : هل أتت قصص هذه المجموعة متشابهة أو مختلفة؟ وأيّ موضوعات طرحتها ، وما علاقتها بالعنوان، وأيُّ تمايز أو تباين طرأ على الموضوع والفنيّة الأدبيّة؟

أخذ المؤلِّف عنوان المجموعة من القصّة الثالثة ، ليتصدّرالغلاف، تظلّله شجرتان لا تظهر منهما سوى جذور تصعد في السماء، وتعانق الفضاء الجغرافي المحيط بالعنوان ، ما يجعل الصورة تعبيرًا ملموساً، واضحًا، مباشرًا، دقيقًا له ، فيشكّلان معًا توأمًا ، فتتكامل مكوّنات هذه العتبة النصية التي تشكِّل تناصَّاً مع عنوان رواية ” لا تنبت جذور في السماء” ليوسف حبشي الأشقر، مع ملاحظة أنَّ عنوان رواية الأشقر ينطق بدلالة مباشرة ، في حين ينطق عنوان مجموعة زراقط بدلالة غير مباشرة ، تتضمَّن ، في المسكوت عنه امكانية ، عودة هذه الجذور الى مكانها الطبيعي، في حضن التراب ، وهذا ما سوف يقوم به ممتلكو مفتاح هذه العودة .السؤال الذي يطرح، هنا ، هو : هل الجذور فوق التراب لها مقوّمات الجذور، أوأن المعنى الضمني لهذا العنوان هو في تناص عميق مع ” لا تنبت جذور في السماء” ، بمعنى أنّ الجذور تحتاج إلى مقوّمات تمكّنها من النموّ، فكما أنّه من المستحيل أن تنبت الجذور في السماء كذلك من المستحيل أيضًا أن تبقى الجذور فوق الأرض وينمو الزرع والنبات.
عنوان زاخر بالمعاني من تضادٍّ إلى تكامل إلى خلق فضاء يسكنه الخوف والقلق والألم والأمل معًا.
تضادٌّ بارز جليّ بين كلمتي “جذور” و” فوق”. تثير الجذور في القارىء/ المتلقّي التجذّر في الأرض والانغراس وصعوبة الاقتلاع، ليأتي ظرف المكان ” فوق” ، وينسف هذه الدلالة. ففي حين تشير الجذور إلى الرسوخ، والمتانة والتشبّث بالأرض، توحي ” فوق التراب” بالفقد والوهن والضعف وعدم الثبات وعدم استمراريّة الحياة، كما توحي بالجدب، واليباس، وعدم الارتواء، والتشقّق، والتّعرّي، فتكون هذه الجذور عرضة للرياح والعواصف فتقتلعها، وبالتالي هذه الجذور بحاجة إلى إعادة غرس، وهذا لا يكون إلّا بقلب الأرض، وإعادة الزرع. وإذا أردنا أن نربط العنوان بالواقع انطلاقًا من فكرة أنّ القصّة القصيرة ابنة الواقع، وتعبّر عنه، عندها يبرز أمامنا واقعنا اللبناني البائس اجتماعيًّا ، وسياسيًّا، واقتصاديًّا، فهل يشير العنوان إلى الواقع اللبناني المتردِّي، المتهالك، ويدعو إلى قلب هذا الواقع والثورة على صانعيه وتغييره؟
يثير العنوان” الجذور فوق التراب”، في المتلقّي، الخوف والقلق والارتياب، وعدم الأمان، فيشعر بأنَّ وجوده على المحكّ وعرضة لتجاذبات كثيرة. لكن ، وإن صبغت كلمة ” فوق” العنوان بالسوداويّة والنزعة التشاؤميّة ، فإنّ كلمة ” تراب” تثير في القارىء الأمل ، فالتراب ما زال ملكنا، ومهما تعاظم الضعف والظلم والقهر لا بدّ ” للَّيل من أن ينجلي، ولا بدّ للقيد من أن ينكسر”، فيستفزّ العنوان القارىء وينتظر أن تقدِّم له القصص ما يؤدّي إلى احتضان الجذور وعودتها إلى مكانها الحقيقي، وإلى التغيير،فهل الدعوة إلى رفض الظلم، والثورة على الفساد هو “تيمة” متكرّرة في القصص كلّها أو لم يتعدّ معنى العنوان تجربة القصة التي يحمل اسمها؟

تعالج القصص الاثنتا عشرة الأولى مشكلات المكان والزمان اللذين تنتمي إليهما، فتطرح القصص مشكلتين : اولاهما عدوان الاحتلال الاسرائيلي، وثانيتهما الحرمان الذي يعني منه الجنوب اللبنانيّ، تضافر هاتين المشكلتين يسلب مقومات الحياة الطبيعية من أبناء تلك المنطقة ، كما في “ليل”؛ حيث تقتل قوّات الاحتلال الزوجة والجنين في بطنها، وهي في طريقها الى مستشفى تفتقر اليه منطقتها ، ما يصبغ حياة الزوج بالسوداويّة : ” كان هذا الحدث فجيعة للقرية وعمرًا من الحزن لسعيد” (ص. 17) ، وتُظهر القصص الهمّ المعيشيّ وسيطرة البيك وأزلامه على مقدرات العباد والبلاد، ومواسم التّبغ كما في ” هكذا”. وفي ” جذور فوق التراب” التي حملت المجموعة عنوانها، يرى الكاتب الى الاغتراب واقتلاع الجذور وعدم القدرة على غرسها من جديد، والهوية، والانتماء، فلا تشعر مريم، أو ماغي، كما تحبّ أن تسمّي نفسها، بالانتماء إلى لبنان على الرغم من محاولة الأب تزويجها ابن أخيه لعلّ جذوراً لها تتجدَّد في هذه البلاد : ” هذه جذور لابنتي تتجدّد هنا” (ص.32) لكن الأفعال تظهر حقيقة الانتماء، فالأبناء الذين ولدوا ونشأوا وترعرعوا في تلك البلاد هم أبناء تلك البلاد انتماء وثقافة، وإن عادوا إلى هذه الأرض لن يستمرّوا، لأنّ الجذور التي تربطهم بها واهية : ” أبناء تلك البلاد، يا عمّي، لتلك البلاد… أنت في عملك هذا كمن يمدّ جذورًا فوق التراب” (ص.33)، وقدّمت القصص صورة عن الحبّ والصداقة والعفّة والاحترام، والعلاقات الإنسانيّة، والزواج، وبناء الذات وتحقيق الطموحات، واستثمار الظروف المناسبة واقتناص الفرص في حينها، وركّزت على الجوانب المعاكسة لها من انتهازيّة وتواطؤ وابتعاد عن القيم.
قصص القسم الثاني تتضمن مجموعتين : ترى قصص المجموعة الأولى” حكايات ، التي تتميز بقصر بنيتها وبساطتها ، واستخدامها تقنيات الحكاية والحلم والغرائبية ، الفساد والمحاصصة الطائفيّة ، فرأت أقصوصة ” حبال القبائل” الى القوى المتحكمة بالوطن الذي تسكنه عدَّة قبائل ، ويقوى الانتماء لشيخ القبيلة لا للوطن: ” كان معظم أبناء كلّ قبيلة يفتدون شيخهم بالأرواح” (ص.118)، وترى أقصوصة ” غزوة السوس” الى قوى الفساد الذي ينخر الوطن، فالصحف تمتلىء بـ ” الفساد والفاسدين، والنهب والنّهّابين، والدَّين الكبير الكبير.. والكارثة القادمة” (ص.99)، ومن خلال تقنيّة الحلم واللجوء إلى الغرائبية تشبّه أقصوصة : ” غزوة السوس ” الفاسدين بالسوس، وتدعو إلى التخلّص منهم لخلاص الوطن : ” سوس منتفخ، مختل. لكلّ سوسة شكل غريب، وحجم ضخم، تمدّ قرونًا كأنّها الكلاليب… واختلطت الأصوات: أنا آكولة.. أنا بالوعة… ما أحوجك يا وطني إلى عاصوفة تكنس السوس الذي ينخرك!”. (98-102).

وفي قصص المجموعة الثانية ، من القسم الثاني ، نلحظ تغيُّراً في البنى القصصية ، كما في قصة المصيدة ” التي تعرّي الفاسد الكبير، وتضعه في مواجهة قبره عاريًا، خاليًا من أيّ قوّة كان يتمتّع بها، وتتعذّر عليه معرفة المستفيد من موته، ويتبيّن له أن المستفيدين كثر، ويتخيّل الملكين منكرًا ونكيرًا، ويتساءل إن كان بمقدوره الإجابة الصحيحة عن أسئلتهما، ويتمنّى أن تأتي الدولة والقانون لتنتشلاه مما هو فيه مع استبعاده إمكانيّة ذلك ، والمفارقة هنا أنه كان يسرق الدولة والمواطن، ويخرج على القانون ولا يلتزم بمواده.
تنشئ بنية هذه القصة تداعيات هذا الفاسد الكبير ، بعد أن وجد نفسه عارياً أمام قبره ، وتبرز فيها سخرية مرة تتمثل في نظرة هذا الفاسد للشعر والمثقفين . بنية هذه القصة تختلف عن بنية أقصوصة ” علي بابا الجديد” التي تجدِّد حكاية علي بابا التراثية ، وتكشف ” المغارات الجديدة ، ومفتاحها الجديد : ” افتح ” يا سمسم ” الجديدة ، التي تنطق بها هذه القصة والقصص الأخرى ، والمتمثلة بالعمل المنهجي المنظّم لمواجهة الفاسدين واسترداد الأموال المنهوبة : ” الحلّ بسيط… أن نعرف ” . و ” أن نكون مثلهم… لدينا برامج عملنا وقياداتنا… فنعرف ما نريد، وكيف نحقّق ما نريد” (ص.107).

نلاحظ ، في المجموعة الأولى ، من القسم الثاني ، اعتماد الكاتب أسلوب الحكاية، لتأخذ سمة العنوان ” حكايات شرحها يطول” ، ففي ” فهمناها” يجتمع ” الأحفاد حول جدّهم، وقالوا… بدنا حكاية” (ص. 108)، وكأنّه يريد أن تصير قصص مناهضة الفساد حكايات تتناقلها الألسن كبارًا وصغارًا، وتتكرّر عبارة ” كان يا ما كان، في هذا الزمان”(ص.108) ويظهر الاستغناء عن العبارة المتدوالة ” في قديم الزمان” ليعي القارىء أنّ حكايات الفساد تنتمي إلى الزمان الحاضر، وبهذا يستفيد من الموروث العربي التراثي، كما في لجوئه أيضًا إلى شخصيّات قصصيّة تتجذّر في التراث الثقافي ” علي بابا” .
ونلاحظ في هذا القسم اعتماد الكاتب الرمز وسيلة لبلوغ غايته فيصرّ الجدّ في ” فهمناها” على استعادة ” الأنهار المنهوبة” (ص. 109) رمزًا للأموال المنهوبة التي قامت المصارف بحجزها في لبنان في المكان الواقعي المرجعي، اضافة الى الأموال المهربة الى الخارج ، ويتكرر استخدام الرموز في قصص المجموعة الثانية من القسم الثاني ، فكما رمز بالسوس الى الفاسدين ، رمز بالجراد إلى هؤلاء الفاسدين الذين تخطّى فسادهم فساد إبليس نفسه ، كما صوّرت ” قهقهة إبليس”؛ حيث قال إبليس لمساعده عن الموظف الفاسد الذي تحكي القصّة حكايته : ” ألا تخشى أن يأخذ مكانك؟” (ص.129)

تتبنّى القصص الثورة، وتدافع عن الثوّار، وتبيّن خطأ بعض الناس الذين يتّهمون الثوار بتخريب البلد، ويتناسون أن فساد المسؤولين هوسبب الفقر والبطالة، لذلك تصوّب ” الواحد أحيانًا” (ص.11) البوصلة، فالنقمة يجب أن تكون على المسؤولين لا على الثّوار.

وكما الفساد موجود في عالم الأعمال والسياسة، فهو موجود كذلك، في عالم الثقافة ، فتسلّط قصة ” إلّا الفرح” الضوء على سرقة الأعمال الأدبيّة : ” وقال لي هذه تريد سرقة القصص الجيّدة” (ص. 154)، فكأن هذه الأقصوصة تقول : اسرقوا كلّ شيء الا الفرح ، أو استطعتم سرقة كل شيء الاَّ الفرح لم تستطيعوا، ولن تستطيعوا، سرقته ، وهذا ما تنطق به قصّة الجراد ، التي تكشف أنّ الفرح بالانتماء الى الوطن الحبيب الجميل لايستطيع جراد الفاسدين ” أكله ” . وتكشف قصّة ” خذوا أسرارهم” فساد المثقفين وعلاقتهم بفاسدي الوطن الاَخرين ، كما تكشف الخداع في هذا المجال : ” المخدوع… علمت أنّه هو من كتب القصّة التي نالت الجائزة… أعطني هذه القصّة وأرضيك” (ص.148). وهذا يجعل الجميع قادرًا على أن يصير كاتبًا وشاعرًا، فيجنح أصحاب الأعمال والسياسة والاقتصاد إلى جمع ” المجد من أطرافه… أحبّ أن أصبح كاتبًا”(ص. 151).

تنتمي هذه القصص إلى العالم الواقعي الحالي الذي نعيش فيه، رصدت الأحداث وعايشتها، واهتمّت بقضايا الإنسان العادي الحقيقي، وما يتكرّر معه في عالم الواقع المتكرّر، وأضاءت على مخاوفه، وهمومه، وآماله وأحلامه. ولمّا كان الواقع سوداويًّا ركّزت القصص على لحظة من لحظات وجود الإنسان الصعبة.
وبالعودة إلى العنوان وارتباطه بالقصص، نلحظ أنّه يتطابق مع عنوان القصّة الثالثة، التي تحكي حكايته بشكل مباشر، إلّا أنّ القصص كلّها تدور في فلك العنوان، فهي تدعو إلى امتلاك ” افتح ياسمسم الجديدة ” التي تتيح لـ “ما ” لم يستطع السوس / الفاسدون سرقته ، ولـ”ما ” لم يستطع الجراد أكله، أي للجذور ، أن ينمو ويزهر ويثمر ، وهذا لن يكون إلّا بنموّ هذه الجذور تحت الأرض يغذّيها تراب الوطن، ووعي أبنائه وحبّهم له ، والثورة على السوس والجراد وكنسهم ، كما فعلت ” عاصوفة “. ويُلاحظ ، وإن كان في العنوان والقصص كشف لبؤس الواقع ، فإن قصصاً أخرى حملت، في عناوينها الأمل، ومنها : ” الولادة” و” أصدقاء” و” قبلة” … وعلى الرغم من إضاءة القصص على الفساد وتقديمه على أنّه الطاغي في المجتمع ، انتهى جزء كبير من القصص بالأمل والتفاؤل : ” وأنتم كيف ستكونون، ومن سيكون زعيمكم في هذا الوطن الجميل؟ ” (ص. 26)

تشكِّل بنى هذه القصص عناصر القصّة القصيرة، فتروي كلّ قصّة حدثًا / لحظة من الحياة مهمّة ذات محور واحد ، منتقى من الحياة المعيشة، رصده الكاتب، واختار وقائعه ونظمها في شريط قصصيّ قصير، وقلّل عدد الشخصيات، ورسمها بدقّة، وهي نماذج مأخوذة من البيئة المحليّة يلمحها القارىء في حياته اليوميّة، فيرى في النّصّ الإنسان العادي، الصالح ، والسّياسي، والفاسد، والشاعر، والمثقّف، والمتباهي، والصادق، والكاذب، والأمين، والمخادع، والانتهازي… وممّا يجدر ذكره أن احدى القصص تروي وقائع من سيرة ذاتيّة للكاتب، فقصّة ” الحريق ” هي قصة واقعيّة حقيقيّة مأخوذة من سيرة حياة الكاتب ، وهذا ما أشار إليه في المقدمة ، وخيرًا فعل؛ إذ جاء ترتيبها في النصف، فكانت واسطة العقد، تفصل بين ما كتب في الماضي وما كتب في الحاضر. ينوّع الكاتب في زاوية الرؤية بين الراوي = الشخصيّة وهو الغالب، والراوي ≥ الشخصيّة. أمّا من حيث الزمان والمكان، فينتمي المكان مسرح الأحداث إلى القرية والمدينة، وجاء الزمان قصيرًا لا يتعدّى في معظم القصص جلسة واحدة، لذلك لجأ الكاتب إلى تعدّد التقنيّات التي تنوّعت بين استرجاع وتداعٍ وحكاية وحلم، وتغيّرت بنى النصوص ، فنلمح البنية الدائرية؛ حيث تبدأ القصّة وتنتهي في الزمن الخارجي نفسه، وتسافر الذات في زمنها الداخلي السرديّ كما في ” ليل” و ” صورة” و ” النّاس”… ، وتظهر البنية ذات الزمن التسلسلي التعاقبي مع استرجاع يسود كما في ” هكذا”، وتبرز القصص ذات الزمن التسلسليّ الممتدّ كما في” الواحد أحيانًا” و” الولادة”. ويلاحظ القارىء أنّ القصص متقاربة الحجم ما عدا قصّتين يبلغ طول الواحدة منهما حوالى الصفحتين. ونلاحظ تشابه الموضوعات في القسمين، فالقصص تحمل همومًا متشابهة، كأنّها تنطق برؤية تقول إنّ المكان المرجع الذي تتناول القصص قضاياه لا يزال كما هو: الوجوه تتغيّر، والأسماء تتبدّل، لكنّ الأزمات التي يرزح الإنسان تحت وطأتها هي نفسها، فكانت هذه القصص وفيّة للبيئة التي أنتجتها، فكان البيك يتحكّم بالرقاب وما زالت السّلطة الحالية تسيطر على النّاس وتقمعهم. أضاءت المجموعة على مشكلات المجتمع من منظور الكاتب، ولمّا كان قد كتب القسم الأول في شبابه كانت الموضوعات متعلّقة ببناء الذات والزواج والحبّ والصداقة، وكتب المجموعة الثانية وهوأكبر سنًّا يتطلّع إلى المجتمع، ويحاول أن يسلِّط الضوء على مشكلاته، بوصفه رجلًا حكيمًا يعي هموم جيلين، فكتب في الفساد المتفشّي وضرورة الثورة عليه وقلب الجذور، وكتب القسم الثاني بعد تجربة مع الحياة والسلطة، فوجدها لا تزال على حالها، فدعت القصص إلى ثورة تطيح بالنظام الفاسد المهترئ، وأظهرتها بفنّيّة قصصيّة تنوّعت بنيتها وتقنيّاتها، لتقدم معرفة قصصية جمالية بواقع معيش ينخره سوس لا يشبع.

شاهد أيضاً

الأسد: موقف سوريا من المقاومة يزداد رسوخاً.. وستقدّم كل ما يمكن للفلسطينيين:

الرئيس السوري، بشار الأسد، يؤكد ثبات موقف بلاده من القضية الفلسطينية والمقاومة، على الرغم من …