الألعاب النارية.. إستخدمت لطرد الأرواح الشريرة قبل تحولها أيقونة ليلة رأس السنة

زياد سامي عيتاني*


عروض الألعاب النارية التي تزين وتضيء سماء كبريات المدن العالمية بأشكالها وعروضها المتلألئة والتي تحول ليلها يسطع بالأنوار، وذلك إحتفالاً بوداع عام وإستقبال آخر، حتى باتت تلك المدن تتنافس فيما بينها على تقديم أكبر وأضخم العروض وأكثرهاً تمايزاً، فتضفي أجواءاً باهرة من الفرح والبهجة في نفوس المحتفلين بليلة رأس السنة (قبل جانحة كورونا).


لكن ربما ما لا تعرفه العامة أن الصينيين الذين هم إبتكروا الألعاب النارية، لم يكن غرضها المناسبات الإحتفالية، بل كانت تستخدم لطرد الأرواس الشريرة، ومن ثم تمويه العدو خلال الحروب، قبل أن تصبح معتمدة للمهراجانات والإحتفالات المختلفة…
ومع قدوم العام الجديد نقدم عرضاً عن تاريخ نشأة وظهور وتطور الألعاب النارية، قبل أن ترتبط بالإحتفالات الوطنية والدينية والإجتماعية وحتى الأعراس في مختلف دول العالم:

•إبتكار صيني لطرد الأرواح الشريرة:


كانت الصين أول من استخدم الألعاب النارية في القرن السابع الميلادي، في عهد “سلالة تانغ” إحدى السلالات الحاكمة، اعتقادًا منهم أن تلك الألعاب تطرد الأرواح الشريرة وتجلب الحظ السعيد، وقد ذُكر في كتاب الفنون القتالية الصيني “هيو لونغ جينغ”، والذي تُرجم إلى اللغة الإنجليزية تحت عنوان “تنين النار”، أن الصين استخدمت تلك الألعاب في الحروب كوسيلة من وسائل تشتيت انتباه الخصم وتفرقة صفوفه.


•إستخدامها لتسلية الأمبراطور هويتسونغ:


طيلة عهد سلالة سونغ، والتي حكمت الصين منذ عام 960 حتى 1279، أصبحت الألعاب النارية جزء من التجارة الداخلية، وفي عام 1110، استخدمت أثناء العرض العسكري السنوي، كنوع من التسلية للإمبراطور “سونغ هويتسونغ”، وفي عام 1264 أقام الملك “سونغ ليتسونغ” احتفالًا عظيمًا على شرف الأمبراوطورة الأم، ولكنها شعرت برعب هائل، إلي أن أضحت اليوم جزء لا يتجزأ من الإحتفالات الشعبية الصينية.


•الصين المصنع الأول للألعاب النارية:


ولا تزال الألعاب النارية واحدةً من أركان الاحتفال برأس السنة الصينية أو مهرجان القمر، لذلك تعدّ الصين حالياً أكبر مصنّع ومصدّر للألعاب النارية في العالم.
ولا تزال الألعاب النارية واحدةً من أركان الاحتفال برأس السنة الصينية أو مهرجان القمر، لذلك تعدّ الصين حالياً أكبر مصنّع ومصدّر للألعاب النارية في العالم،
حتى أصبح فنّ وصنعة تحضير الألعاب النارية في الصين حرفة مستقلّة، وكان صانعوها يحظون بالاحترام لمعرفتهم بالتقنيّات المعقّدة في المزج والتركيب والإطلاق أثناء العروض. 
وقد أصبحت الألعاب النارية جزءاً من الثقافة والتقاليد الصينية، ومن الصين انتشرت إلى الثقافات والمجتمعات الأخرى. 


•إنتقالها إلى العالم العربي وأوروبا:


في القرن الـ13، انتقلت الألعاب النارية إلي العالم العربي، ووصفها الكيميائي السوري حسن رماح في أحد مخطوطاته بـ”الأزهار الصينية”.
ثم وصلت الألعاب النارية إلي أوروبا في منتصف القرن الـ17، وقد قال السفير الروسي في الصين في ذلك الوقت “ليف إزمايلوف”، أن الصينيين يصنعون ألعابا لم يرها أحدا في أوروبا، وفي عام 1747 ميلادية، طالب رجل السياسية والعسكري الفرنسي “أميدي فرانسوا فريزييه” بضرورة استخدامها في اغراض التسلية والاحتفالات، وقد وصل الأمر إلى تأليف مقطوعة موسيقية عام 1749 بعنوان “موسيقى الألعاب النارية الملكية”، قام بتأليفها الموسيقار الإنجليزي “جورج فريدريك هندل”، للإحتفال بمعاهدة “إيه لا شبيل” التي أنهت حرب الخلافة النمساوية.
•فرنسي يدون تركيبتها وطريقة صناعتها:
وفي عام 1758، قام الفرنسي “بيير نيكولا دانكارفيل” بتدوين تركيبة الألعاب النارية وطريقة صناعتها، وأرسلها إلى الأكاديمية الفرنسية للعلوم، وبعد خمسة سنوات نُشرت تلك التركيبة، وتُرجمت لعدد من الغات عام 1765، ما جعلها تنتشر بين الناس، فقد كانت مجرد أسطوانة ورقية، داخلها مجموعة من الأنابيب الصغيرة التي تحتوي علي أكثر من مادة قابلة للاشتعال، بالإضافة إلي حبيبات تسمي “النجمات النارية” مختلفة الألوان، لتعطي وهجًا لونيًا، ومادة مؤكسدة تحفز عملية الأشتعال كالأكسجين، ولون مناسب من المواد الكيميائية التي تطلق ألوانًا، وأحيانًا يضاف الكلور ليمنح قوة أكبر للون اللهب.
 

•إستخدامها في الإحتفالات والمناسبات:


في ثمانينيات القرن الماضي بدأت الألعاب النارية في دخول عالم التنافسية والمهرجانات الدولية، فأي فريق يمكنه أنه يصنع أفضل رقصات نارية في السماء، انطلقت تلك الفكرة عام 1985 بانطلاق مهرجان “لوتو كيبيك” الدولي، والذي يقام في مدينة مونتريال الكندية، يحضره أكثر من ثلاثة ملايين زائر، وبعد خمسة سنوات، وفي مدينة فانكوفر الكندية، انطلق مهرجان ألأخر تحت اسم “احتفال الضوء” عام 1990، وفي اسيا، وتحديدًا في مدينه “باساي” الفلبينية، تقام أطول مسابقاتها، والتي تستمر لستة أسابيع، خلال شهري فبراير ومارس من كل عام، بالإضافة إلى مهرجان فنون الثقافة النارية الذي يقام بمدينة “الريفييرا” الفرنسية صيفا.
•أرقام قياسية في عروضها:
حققت الألعاب النارية الكثير من الأرقام القياسية، سواء في صناعتها أو ممارستها، ما جعلها تدخل عالم موسوعة “غينس”، ففي عام 2010، قامت شركة “بيروركس إنترناشونال إنك” الفلبينية، بإطلاق أكثر من 125 ألف لعبة خلال 30 ثانية، وفي عام 2016، وأثناء احتفالات رأس السنة، حقق أكبر عرض للألعاب النارية في مدينة مانيلا عاصمة الفلبين بكنيسة “إغليجا ني كريستو”، بإطلاق أكثر من 810 ألف قذيفة خلال ساعة تقريبا، وفي مالطا عام 2011، سجل مصنع “ليلي فيريوركس” في تلك الموسوعة لصناعته أكبر لعبة تطلق شكلا يماثل “عجلة كاثرين”، وفي مهرجان “بحار أرياكي” بمدينة فوكوكا اليابانية، أطلق أطول لعبة نارية على شكل شلال بمقاس أكبر من 3.5 مليون متر مربع، عُرفت بإسم “شلالات نياجرا”، وعن أكبر صاروخ في العالم صنعته ولاية “نيفادا” الأمريكية عام 2014، والتي صنعت صاروخا يزن 97 كيلوغرام.


*إعلامي وباحث في التراث الشعبي.

شاهد أيضاً

دبوس

ا لتآكل… سميح التايه ثلاثمائة من الصواريخ البطيئة، وبضع عشرات من المُسيّرات التي لا تندرج …