“المجاعة والإفلاس” شخصية العام

د. يحيى أحمد الكعكي

بعد ٣٥٥ يومًا نحِسات عِجاف لا خير فيها بدأت في ٢٠٢٠/١/٢١ وستنتهي اليوم الخميس في ٢٠٢٠/١٢/٣١ بنهاية “سنة المجاعة والإفلاس”، وللأسف ستستمر مع عام ٢٠٢١ ولكن حتى الآن ليس لهذه “المجاعة والإفلاس” أفقًا منظورًا.. والتي أصبحت داخل الأبواب اللبنانية، وليست على الأبواب، كما يدّعي الذين كانوا سببًا في حدوثها، والتي أعادت لبنان إلى الوراء ١٠٥ سنوات، إلى سنة ١٩١٥، وهي “سنة كارثة المجاعة الأولى” التي حلّت بالربوع اللبنانية خلال سنوات الحرب العالمية الأولى(١٩١٣- ١٩١٨).. والتي تسبّبت في موت خُمس سكان الربوع اللبنانية آنذاك، من الجوع والمرض والأوبئة والقهر السياسي، ومن الأربع أخماس سكان هذه الربوع الذين بقوا على قيد الحياة، هاجر منهم الثلث ليبحثوا عن الكرامة في بلاد المهجر التي فقدوها على أرض وطنهم، وليفتشوا عن لقمة العيش التي افتقدوها في مسقط رأسهم.. كما هي حال اللبنانيين في “مجاعة ٢٠٢٠”.

وهذه المقاربة ليست تشاؤمًا، وإنما هي واقع الحال المتردّي كما كان في سنة ١٩١٥ “قهر سياسي، إفلاس، مجاعة، أوبئة، ظلام، هذيان، ضياع، الناس في هذا الواقع كالسكارى وهم ليسوا بسكارى.

نعم، إنه واقع الحال الذي استشرى في لبنان منذ مابعد ٢٠١٦/١٠/٣١، واشتد من ٢٠١٨ ، وأصبح وباءًا منذ ٢٠٢٠/١٠/٣١، ليحوّله إلى بلاد “كان يا ما كان”، من جراء هذا “الصمم السياسي” او “الصنم السياسي” الذي يتفرّج من قصره على ما يجري في “لبنان كان يا ما كان”، وكأنّ ما يحدث فيه يحدث في “كوكب نبتون” أبعد الكواكب مسافة عن “كوكب الارض” الذي فيه “لبنان”!!

وفي هذا السياق أشير بحسب المرصد الدولي للأرصاد “الجيو-سياسية” إلى أنّ الأحوال في إطار المناخ السياسي في العام الجديد الذي يبدأ غداً الجمعة هو عاصف وغير مستقر، وسيكون مصحوباً برياح ساخنة تحجب الرؤية وقد تصل سرعتها إلى ١٨٠ كلم في الساعة، والتي ستصل إلى كل مناطق “لبنان” وستقوده من أجواء “جهنم” التي يعيش فيها منذ اكثر من ١٥٠٠ يومًا، إلى أتون “جهنم” بحسب المرصد الدولي… استغفر الله العظيم من كل ذنب عظيم…

هذا هو واقع الحال الحقيقي في “لبنان” الآن لمن أراد أن يتأمله بشجاعة وموضوعية من أفراد هذا الشعب اللبناني الطيّب الذي قد يشعر في بعض الأحيان بلحظات من السعادة، لكنها مثل حالة البرق سريعة الومض، سريعة الزوال، لانها تتحوّل بسرعة الإلكترون إلى “سراب جديد” (والسراب هو الذي تبتعد عن مكانه كلما اقتربت منه) في صحراء هذا الوطن، أو كالصدى(الذي تسمعه بأذنيك ويستحيل أن تراه بعينيك).

وعلى أي حال، فإنّ تصويب “أهل الحكم” على العودة بلبنان إلى ١٩٨٩/١١/٦، في الإنقلاب على “دستور ١٩٩٠” هو زج بلبنان في اللعبة الإقليمية الجديدة، ظنًا منهم أن هذا التصويب سيحفظ لهم وجودهم في “اتفاق إقليمي – دولي” جديد غير “اتفاق الطائف” -الذي رفضوه منذ ١٩٨٩/١١/٦- يكون تحت رعاية ومباركة الرياح الإقليمية الجديدة..!!

ولكن “الواقع الدولي الجديد” يشير إلى أنّ تصويبهم هذا هو اشبه بـ”البوسطة” التي فقدت توازنها والتي يدفعها سائقها إلى “هاوية التدويل” لأنه بصممه السياسي رفض ولا يزال يرفض إنقاذها من هديرها المجنون بسبب ” المجاعة والإفلاس”.

إنّه “التدويل” الاقتصادي أولًا ثم السياسي ثانياً بعد ٢٠٢١/١/٢١، لإنقاذ ما يُسمّى بـ”لبنان”، والأمر في هذا السياق يعود اولًا إلى “واشنطن وموسكو” ، ومعهما ثانيًا “باريس” الأب الروحي لـ”لبنان الكبير” منذ ١٩٢٠/٨/٣١، وهذا ما أكّد عليه الرئيس الفرنسي “إيمانويل ماكرون” في زيارته الثانية إلى لبنان، حيث قال في مؤتمره الصحافي من “قصر الصنوبر” -(حيث كان الجنرال الفرنسي “غورو” قد أعلن منه في ١٩٢٠/٩/١ القرار الذي صدر في ١٩٢٠/٨/٣١ الخاص بتأسيس دولة لبنان الكبير)-: “بأنّ فرنسا التي أعلنت قيام دولة لبنان الكبير في ١٩٢٠، هي فرنسا نفسها بعد مائة عام”..

و في هذه “اللحظات الفارقة” -أو “اللحظة الفارقة” في تاريخ “لبنان الكبير”-، يحضرني قول “كاترين الثانية” (الامبراطورة الروسية، وكان يُطلق عليها “كاترين العظيمة” ١٧٢٩- ١٧٩٦) : “في السياسة يجب أن يسترشد الحاكم القدير بـ”الظروف والتخمينات (أي أن يسبق الأحداث قبل أن تقع) ، وإلى الإنصرافات (أي البحث عن البدائل لمصلحة وطنه قبل أن تقع هذه الأحداث)-“… وهذا ما يفتقده ” أهل الحكم” في لبنان الآن فيما يسمّونه هم “العهد القوي”..!!

ولا زيادة على هذا القول الذي يختصر “المشهد السياسي” في “لبنان الذي لا يزال كبيرًا” حتى هذه “اللحظة الفارقة” – و التي تُفسّر لغويًا بالحاجز الذي يفصل بين الموت والحياة -…

هذا كله، من نتائج “شخصية سنة ٢٠٢٠” وهي “الإفلاس والمجاعة” في “العهد القوي”..الذي بدأ منذ ٢٠١٦/١٠/٣١ ..