الجنسيّة الوطنيّة والجنسيّة البديلة

احدى المناسبات ، جلست في ركن هادىء ، مع ما يزيد عن عشرين شخصا”، نرتشف القهوة ،  وكان من بينهم السياسي ، الموظف ، التاجر ،الثري ، الطبيب ، والمحامي وغيرهم من صفوف الطبقة التي نعتبرها الصفوة في المجتمع اللبناني ، فدار الحديث فيما بيننا عن  شوؤن وأخبار الساعة ، ثم تركّز على موضوع هام ،تناول كيفيّة النهوض بلبنان من كبواته وتعثّراته ، والعودة به الى سابق عهده ، من الرقي وألازدهار .

راحوا يزايدون على بعضهم البعض ، مقدمين الخطط والسياسات الآيلة في نظرهم بدفع الأمور الى الأحسن والأفضل ، بعدها انتقلوا من العام الى الخاص ، فكان كل واحد منهم ،يسرد علينا بحماسة ظاهرة ، كل ما يتعلق بمجالات عمله ، متطرقا” الى ما قدّمه ، وما يقدّمه ، وما سوف يقدّمه من تضحيات في سبيل الوطن والمواطن ، وكان الجو لا يخلو من الحدة والسخونة ، نتيجة” لتضارب المفاهيم والأراء فيما بينهم .

بحكم عملي كنت أعرف جيدا”، أنّ جوازات السفر الأجنبيّة ، اضافة الى اللبنانيّة كانت قابعة” في جيوبهم وخزائنهم ، فقطعت عليهم استرسالهم بالحديث ، موجها” لهم السؤال التالي :

استحلفكم بالله ، قولوا لي بصدق وأمانة ، هل أنتم لبنانيون ، أم أنصاف لبنانيين ؟

فاندهشوا وتعجبوا وتململوا ،  وتنحنح البعض منهم وقال : لما هذا السؤال وما الغاية منه ؟

فأشرت  بيدي ، باتجاه من كان بجانبي ، ومن ثمّ للذي يليه ، وهكذا دواليك سائلا” كل فرد منهم ، أليس لديك جنسيّة ثانية ؟

وكانت الأجوبة كالتّالي :

منهم من أجاب بلامبالاة بنعم ، وأضاف ما الضرر من ذلك . 

ومنهم من تباهى بوجود جنسيتين لديه .

والبعض تجاسر وأعلن بأنه يحمل جنسيّة البلد الذي تعيش فيه عائلته .

والبعض منهم كان أجرأ ، فنصحنا بوجوب وجود جنسيّة ثانية لكل لبناني .

ومنهم من تجشأ بألفاظ ، يفهم منها ، بأنه سعى للحصول على الجنسيّة الثانية لتحميه من غدر الزمان .

ومنهم من كان فظا” ، فشرح لنا أنّ الجنسيّة الثانية التي يحملها تؤمن مستقبلا” مضمونا” له ولأولاده ، فلا مستقبل لهم في لبنان .

وأجاب البعض وهو مرتبكا” وخجلا” بكلا  ثمّ أردف قائلا” بأنّ زوجته أو أحد أولاده يحملونها .

واحداهم ، كانت مغرورة وجلفة في ردها ، فأكدت أمامنا بفخر واعتزاز بأنها عانت الأمرّين، عندما سافرت من لبنان ، وهي في شهرها الثالث الى بلد أجنبي لتلد هناك ، وتؤمن الجنسيّة الثانية لطفلها .

الحقيقة لم يبقى من أبطال هذه الجلسة الا خمسة ،  وأنا منهم ،  ليس لدينا سوى الجنسيّة اللبنانيّة فقط ، ولا أدري أهل عن اقتناع ، أو عن عجز ، أو عن قصر يد ، الله أعلم .

فقلت لهم بربكم ،  أليست هذه الجنسيّات هي جسر عبور لكم ،  عندما تحمىّ الحديدة في لبنان كما يقولون ،  فتتركونه وراءكم ، مع قلة من أبنائه ، يتخبط ويحترق وسط لهب الفتن والأزمات .

وهذه المرة أنا من تعجب واندهش ، اذ لم يكن هناك من جواب ، لأن أكثريتهم كانوا فعلا” أنصاف لبنانيين .

وهذا يدفعنا لأن نقول :

مهما كانت المبررات ، لوجود مثل تلك الجنسيات البديلة ، فهي آجلا” أم عاجلا”

                                     ستستبدل بأبناء الدار غرباء

                                    ليجعلوا من نضرة لبنان يبسا” 

                                     ومن جمال وجهه قبحا”

                                      فنخسره كما عرفناه الى الأبد .

شاهد أيضاً

الشيخ اللحام يلقي محاضرة حول “مفهوم التراحم” ضمن معرض الكتاب الخمسين في مدينة طرابلس

بدعوة من رئيس الرابطة الثقافية في طرابلس- لبنان رامز الفري للمشاركة في فعاليات معرض الكتاب …